المغرب الكبير وتراجع التنوع البيولوجي

أنواع عديدة من الحيوانات كطيور الحسون في الجزائر وقردة المكاك البربري بالمغرب وفهود الصحراء في ليبيا باتت مهددة بالصيد غير القانوني والصيد المكثف والتوسع العمراني. وأمام ضعف الوسائل المسخرة من طرف الدول لإنقاذ التراث الجيني للمنطقة، ظهرت جمعيات جديدة تعمل على تجنيد متطوعين.

قرد المكاك البربري المهدد بالانقراض في المغرب الكبير.
Yacine Fates / Wikicommons.

تقدر ثروة البلدان المغاربية دوما بالرجوع إلى سعر البترول أو إلى التدفق السنوي للسياح. يحدث ذلك في وقت يتراجع فيه ثراء التنوع البيولوجي من سنة إلى أخرى إلى حد صارت فيه الدول والمنظمات غير الحكومية تسعى في الغالب لإنقاذ التراث الجيني لتفادي الاختفاء النهائي لأنواع متوطنة.

الخطر الأول: الإنسان

بحسب مقارنة بين الإحصائيات، تقدر أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض في شمال إفريقيا بأكثر من العشر. فعلى سبيل المثال يوجد في المغرب الأقصى ما لا يقل عن 98 نوع من الثدييات 8 منها متوطنة و13 منها مهدد بالانقراض. ومن بين 480 نوع من الطيور، هناك 46 نوعا مهدد بالانقراض، من بينها نعام شمال أفريقيا1. والأسوأ من ذلك يعتبر الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة أن “ما يقارب نصف أنواع الطيور مهدد” في نفس البلاد.

الأخطار التي تهدد التنوع البيولوجي في المنطقة المغاربية هي نفسها في الأماكن الأخرى من العالم. يقول فوزي المعموري، مدير فرع قسم شمال أفريقيا بالصندوق العالمي للطبيعة (WWF): “حصل تحول كبير في البلدان المغاربية خلال الخمسين سنة الماضية. فالتوسع الحضري يتمدد على حساب الأراضي الرطبة التي تشكل أهم موئل للتنوع البيولوجي. وعندما لا تدمّر التنمية الاقتصادية والزراعية هذه البيئات الطبيعية، فهي تغيرها من خلال تشجيع إزالة الغابات”. ونتيجة لذلك كما يشير تقرير رسمي، “لم تعد الجزائر تحتوي على نظام بيئي أرضي حقيقي لم يغيره الإنسان”.

ويؤكد خالد الطيب، الأستاذ في قسم علم الحيوانات بجامعة طرابلس: “لقد بلغ الصيد غير القانوني أبعادا تجعل من الصعب السيطرة عليه”، كما يأسف لاختفاء الفهد الصحراوي والضأن البربري أو الأروى من ليبيا. ويتذكر الطيب بأنه “قبل سقوط القذافي، حتى بنادق الصيد كانت محظورة. ولكن منذ عام 2011 أصبح الصيد غير القانوني يتم بأسلحة حربية ومركبات متطورة تحمل أحيانا حتى 200 رأس غزال يتم قتلها على يد رجال الميليشيات فقط لتزجية الوقت. ونشاهد أيضا ظهور صيادين لا علاقة لهم بالقبائل التي تمارس الصيد بطريقة تقليدية. فهم يقتلون كل ما يجدونه حتى خلال مواسم التكاثر. هكذا يتم قتل أكثر من 500 ألف طائر كل سنة منذ أن استولى قادة القبائل على المناطق المحمية واستحوذوا عليها. لقد اختفت جميع الحيوانات التي كانت تعيش فيها حيث يتم اصطيادها عندما تكون صالحة للأكل أو يتم إطلاق سراحها عندما لا تكون كذلك”.

تهريب وتجارة غير مشروعة

يغذي الصيد غير القانوني التجارة غير المشروعة بالأنواع النادرة. فطائر الحسون المحبوب لغنائه العذب صار نوعا مهددا بالانقراض في المغرب الكبير. ويتم صيده في الجزائر بواسطة شباك عملاقة تنصب في الحقول. هذه التقنية في الصيد القادمة من مصر مرت عبر ليبيا وتونس لتصل الجزائر. وقد قامت السلطات العمومية الجزائرية بحجز 24 ألف طائر حسون موجه للسوق غير الرسمية. ويتحسر رضوان الوافي، رئيس الاتحاد المغربي لعلم الطيور قائلا: “أصبح الصيد غير المشروع مصدر رزق في المغرب، حيث يتم القبض على طائر الحسون لكي يباع بشكل غير قانوني للجزائريين”. “هذا العصفور مطلوب من قبل المهربين [في تونس] لبيعه في مالطا” وفق المعموري.

بالفعل، فالمتاجرة غير القانونية تغذي السوق الدولية للحيوانات الأليفة. كما يعد قرد المكاك البربري ضحية أخرى. أصبح هذا النوع المتوطن مدرجا في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض. وقد اختفى نهائيا من تونس وهو يتراجع في الجزائر بسبب الحرائق المتعمدة والمنافسة البشرية2. وفي المغرب يقوم الصيادون غير الشرعيين ببيعه للسواح. تقول سيان واترز، من منظمة الحفاظ على قرد المكاك البربري (Barbary Macaque Awareness & Conservation) بأنه “يوجد بين 10 ألاف و12 ألف قرد مكاك بالمغرب. وكان البلد سنة 1975 يعد 17 ألف قرد في الأطلس المتوسط، أما اليوم فيوجد بالكاد خمسة آلاف”.

صيادون غير شرعيين من الأمراء بسيارات رباعية الدفع

تبقى حملات حجز هذه الحيوانات التي تقوم بها السلطات العمومية ذات فعالية محدودة. وقد قال لنا خالد الطيب من جامعة طرابلس إنه “سبق لي أن شاركت في عملية استرجاع 700 سلحفاة من مصر. قد يبدو هذا الرقم كبيرا ولكنه لا شيء مقابل آلاف السلاحف التي تمر كل سنة عبر الحدود الليبية ليتم بيعها للسياح. ولم تسلم الصقور المطلوبة جدا في بلدان الخليج من هذه التجارة غير الشرعية”.

يأتي أمراء الخليج إلى المناطق المغاربية للاصطياد مستعملين عتادا حربيا وعشرات السيارات رباعية الدفع وطائرات بدون طيار. وهم لا يتركون أي حظ لطائر الحبار ولا للغزال مع أنهما من الأنواع المهددة بالانقراض. وفي الجزائر، تحمي السلطات هؤلاء الأمراء التي كانت تعتبرهم من كبار ضيوف عبد العزيز بوتفليقة. ورغم سقوط هذا الأخير لازال هؤلاء الأمراء الصيادون غير الشرعيين يجوبون الجنوب الغربي للبلاد. يقول مواطن من مدينة البيض لجريدة الوطن: “لقد قاموا بإبادة كل شيء منذ أعوام. لم يبق حبار واحد في كل الحمادة التي تعد موئله الطبيعي. حتى الأرانب واليرابيع اختفت. كما لم يتركوا أي فرصة للعيش لطائر الدراج أيضا”. وقصد استرجاع حريتهم في التنقل على أراضيهم، بات السكان المحليون يقومون بإبادة الحيوانات التي يصطادها الأمراء بأنفسهم.

قوانين بدون فاعلية؟

ومع ذلك، تعتبر البلدان المغاربية أكثر وعيا منذ سنوات بضرورة الحفاظ على تنوعها البيولوجي. فقد أنشأت ليبيا في وقت مبكر من سنة 1975 منطقة الكوف المحمية، كما ظهرت في البلدان الأخرى الحظائر الوطنية الأولى في الثمانينيات. في نفس الوقت، أعيد إدخال حيوانات اختفت مثل غزال المها ومها أبو عدس (آداكس) والنعام في المغرب وتونس. يقول عبد النور موسوني بتحفظ: “إن إعادة إدخال الأنواع أمر مكلف للغاية. من المستحسن معرفة تنوعنا البيولوجي واقتراح سياسة حماية فعالة. هذا ما نقوم به في إطار مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية. أطلقت هذه الحظائر سنة 2008 وعددها 5 تغطي 43% من التراب الوطني. ويشجع مشروع الحظائر الثقافية الملحق بوزارة الثقافة على تقاسم المعارف البيئية التقليدية مع المعارف العلمية الحديثة”.

تمكن هذا المكلف بالتخطيط في مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية وفريقه من تصوير الأماياس، فهد الصحراء. هذا الحدث غير المسبوق منذ 2010 يؤكد حسب رأيه نجاعة الاستراتيجية الجزائرية في إحصاء مختلف الأنواع ذات الاهتمام العالمي التي تعيش في جنوب البلاد. لكن فوزي المعموري يعترض على ذلك بقلق: “كان عليهم عدم الإعلام بهذا الاكتشاف، ففي كل مرة قمنا بالإعلان عن وجود نوع كان يعتقد أنه انقرض، أدى ذلك إلى تدمير موئله”.

يرى ممثل الصندوق العالمي للطبيعة أن القوانين الحامية للتنوع البيولوجي في شمال أفريقيا لا تطبق دائما وأن الانتهاكات متكررة. وقد تكون من فعل السلطات العمومية ذاتها، مثل وزارة النقل الجزائرية التي قامت بشق طريق سيار عبر الحظيرة الوطنية للقالة.

تغيير دور الصيادين

بالإضافة إلى ذلك، تعيق قلة الموارد البشرية التطبيق الفعلي لقوانين حماية الأنواع. إذ يقدر المعموري عدد موظفي قسم شمال إفريقيا في الصندوق العالمي للطبيعة بـ 25 شخصا فقط. ويعترف الطيب: “في ليبيا نحن فقط سبعة اشخاص مكلفين بمتابعة 97 منطقة بحثية عن الطيور المهاجرة”. ومع ذلك فهو يجد أسبابا للارتياح: “حملاتنا التوعوية تحول الصيادين إلى مناضلين للدفاع عن التنوع البيولوجي. ذلك أفضل من سجن الصيادين غير الشرعيين”.

يقول الوافي: “إننا ننظم مسابقات ومعارض لشرح أهمية التنوع في عالم الطيور للمغاربة”، موضحا أن الفدرالية المغربية لعلم الطيور تجمع 55 جمعية ممثلة لخمس مناطق في المغرب. “لقد نجحنا حتى في تنفيذ مشاريع مع قطاع المياه والغابات وإقناع المشرع بحماية طائر الحسون وذلك عن طريق مضاعفة الغرامة المفروضة على الصيادين غير الشرعيين والتي ارتفعت إلى 10 آلاف درهم”. ويواصل موسوني: “من أجل نجاعة أفضل، نعتمد على ملاحظات سكان الجنوب الجزائري. لقد تم تجهيز المواطنين الرحل بآلات تصوير قصد تقديم صور عن الحياة البرية التي يعاينونها. وقد أصبح مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية يهدف إلى جعل السكان المحليين صناع القرار في مشاريع حماية الأنواع التي نقوم بوضعها”.

خطاب وطني بتمويل أجنبي

وفقا لمحاورينا، لا تُعَدُّ حماية البيئة من أولويات السلطات العمومية على الرغم من أن هذه الأخيرة تجعل من التنوع البيولوجي حجة للدعاية القومية. يستنكر المعموري وجود “مناطق محمية على الورق فقط”، ويقول غاضبا: “إن حماية الأنواع تعتمد ماليا على هبات التعاون الدولي والمنظمات غير الحكومية”. والدليل على ذلك أن المغرب تعاون مع الصندوق الدولي لحماية الحيوانات (IFAW) ومنظمة الدفاع عن الحيوانات وحمايتها (AAP) قصد مكافحة الصيد غير الشرعي لقرد المكاك. ويؤكد المعموري على أن “الصندوق العالمي للطبيعة لم يتلق ولا مليما واحدا من الدول المغاربية. كما أننا ورثنا ثقافة تكون فيها المنظمات غير الحكومية غير مبادرة، لذا ليس لنا انخراطات ولا نسعى حتى للحصول عليها. للناس أولويات اقتصادية أخرى غير دعم الجمعيات البيئية”.

يؤكد ماتيو تيفني، مدير المنظمة غير الحكومية “مبادرة الجزر المتوسطية الصغيرة (Initiative PIM):”ليس لدينا اتفاق اقتصادي مع بلدان شمال أفريقيا. يتم تمويل المشاريع البيئية التي نقوم بها هناك بشكل رئيسي عن طريق التعاون الفرنسي والألماني وكذلك من خلال الهبات الخاصة. ومع ذلك فإنه من مصلحة البلدان المغاربية أن تستثمر في حماية بيئتها، وهذا من شأنه ضمان استقلاليتها في تسيير مشاريعها“. كما يرى في غياب الاهتمام السياسي لحماية الأنواع”مشكلا عالميا“، حيث إن الحجج الاقتصادية تطغى على الحجج البيئية.”إذا ركزنا فقط على منطقة الصويرة، يمكننا القول إن السلطات لا تعرف أنها تحتوي على تراث ثقافي وبيئي، بل هناك حتى مشروع إعمار في خليجها. وهذا يقلقنا لأنها منطقة رطبة تحط بها صقور إليونور لاستعادة قواها". هذا المشروع من شأنه أن يضرب ما يعتبره تيفني نجاح منظمته غير الحكومية التي عملت على حماية صقر إليونور. ويعشش هذا الطائر الجارح صيفا في المتوسط ويهاجر شتاء إلى مدغشقر، وقد ارتفع عدده من 60 زوج في 1980 إلى 1500 زوج في عام 2019.

على الرغم من ذلك تذهب الهبات الأجنبية بشكل رئيسي إلى السلطات العمومية. يشرح فوزي المعموري: “يوجد في تونس ما لا يقل عن 400 منظمة غير حكومية بيئية، لكن 40 منها فقط لها عمال أجراء، فنحن نعمل بفضل التطوع. يتعين على واهبي الأموال الأجانب أن يثقوا في الجمعيات المدنية التي تنجز مهامها مرتين أسرع من الدول”. ويضيف عبد النور موسوني: “يمكننا تغيير الأمور، ولكن ليتم ذلك يتعين تزويد الهياكل المحلية بالموارد البشرية والمادية. يجب تعزيز الكفاءات، خاصة من خلال تدريبها على استخدام أحدث الأدوات. وفي الأخير يمثل الطلبة موردا ذا قيمة جديرا بأن يدعم ماليا”.

1« Le Maroc, une biodiversité riche d’une quarantaine d’écosystèmes », MAP Ecology، 3 مارس/آذار 2017.

2مصطفى بنفضيل، « Haute Kabylie : ces macaques qui empoisonnent la vie des villageois », El Watan، 3 ديسمبر/كانون الأول 2018