قضايا الفساد تلجم السلطات الجزائرية

من عبد السلام بوشوارب إلى شكيب خليل · أمام تنامي إضرابات الأطباء والاساتذة، تبدو الحكومة الجزائرية غير قادرة على التوصل إلى حلول للخصومات السياسية. وبدا خطابها غير المسموع تائها في قضايا الفساد التي تلجّم دوائر الحكم.

12 فبراير/ شباط 2018، الأطباء المقيمون ينجحون في خرق منع التظاهر، الجزائر العاصمة.
Casbah tribune.

أمام تنامي الحركات الاجتماعية (إضرابات الأطباء المقيمين والاساتذة)، تريد الحكومة الجزائرية توقيف “قطار الفوضى” وفقا لمقولة الوزير الأول أحمد أويحيى، التي تعرضت لكثير من الانتقاد. وقد قررت الحكومة فصل 581 أستاذا كما تم إرسال إشعار تحذيري إلى 19000 آخرين. كذلك أصبحت إحدى نقابات الاساتذة ( المجلس الوطني لأساتذة التعليم الثانوي والتقني ـ كناباست ) التي شنت إضرابا غير محدود منذ شهر يناير/ كانون الأول مهددة بالحل.

وقد حذرت خمسة نقابات أخرى للمعلمين التي نظمت للمرة الثانية إضرابا أيام 21 و22 فبراير/شباط، من العواقب “الكارثية” لفصل 19000 أستاذ. وفي الأخير خرج التلاميذ إلى الشوارع في عدة مدن للتعبير عن رفضهم استخلاف أساتذتهم بموظفين مؤقتين.

وكان انتقال هذا النزاع إلى الشارع بفاعلين جدد مقلقا كفاية حتى يجر رئاسة الجمهورية إلى التدخل بتوجيه “الأمر” لوزيرة التربية “بتكثيف الحوار” مع النقابات. وأدى هذا التدخل إلى انفراج حيث تقرر إعادة إدماج الأساتذة المفصولين في حين علقت النقابة المعنية (كناباست) الإضراب يوم 28 فبراير 2018.

ولم تسلم حركة الأطباء المقيمين هي أيضا من تهجم أحمد أويحيى، وهي حركة لم تضعف في حين مازال الحوار متوقفا تماما مع السلطات. وقد أثار الأطباء غضبا شديدا لدى السلطات لتمكنهم في يوم12 فبراير من تنظيم مظاهرات - تم بث صورها على المباشر على الشبكات الاجتماعية - في عدة أماكن من العاصمة. وقد تمكنوا هكذا من تجاوز الترتيبات الامنية الكبيرة التي اتخذت لمنع أية مظاهرة. الأمر الذي عزز قوة حركة الأطباء المقيمين المطالبين بإعادة النظر في الخدمة المدنية المفروضة عليهم بعد التخرج.

“قطار الفوضى”

وكان الوزير الأول أحمد أويحيى قد شن هجوما على موجة الإضرابات قائلا: “لقد حان الوقت لوقف قطار الفوضى . فإذا تركنا له إمكانية المرور فسيؤدي بنا إلى عواقب وخيمة. يجب القول للمضربين”بركات “(كفاية بالعامية الجزائرية)، اذهبوا لتعليم تلاميذكم، اذهبوا لعلاج مرضاكم”.

ويبدو النهج المتبع من طرف السلطة واضحا ويتمثل في عدم تقبل مطالب المضربين في ظرف يتميز بانخفاض عائدات البترول بينما تتسع رقعة الاحتجاجات في الوظيف العمومي. وتحاول السلطة من خلال التشنيع بحركات الإضراب اللعب على وتر الإزعاج ـ الحقيقي ـ الذي تسببه للمواطنين. كما عملت وسائل إعلام مقربة من السلطة على تقديم نقابة “الكناباست” على أنها كيان “أصولي” يتآمر على وزيرة "حداثية’.

خطاب رسمي تنخره قضايا الفساد

يلاحظ أستاذ علم الاجتماع ، ناصر جابي، على صفحته في الفيسبوك أن تنامي الحركات الاجتماعية في عام 2018 كان متوقعا، بما في ذلك من طرف الحكومة ولكن تبدو هذه الأخيرة فاقدة لاستراتيجية التعامل معها. وأشار إلى أن هذه الحركات قد تكون أكثر حدة في سنة 2019.

مصداقية الخطاب الرسمي، التي هي ضعيفة عموما، تنخرها باستمرار عودة قضايا الفساد إلى الواجهة بصفة منتظمة في ظل غياب تحرك للعدالة التي تسارع في المقابل بالحكم بعدم شرعية حركات الإضراب.

وفي نشرة منظمة “الشفافية الدولية”، المعنية بقياس مؤشر الفساد، الصادرة في 22 شباط/فبراير2018، صنفت الجزائر في المرتبة الأخيرة ضمن البلدان المغاربية الثلاث. حيث وجدت الجزائر نفسها في المرتبة 112 (مقابل المرتبة 108 في 2016)، بعيدة عن تونس (74) والمغرب (81). صحيح أنها أفضل حالا من بلدي الاتحاد المغاربي الآخرين، موريتانيا (143) وليبيا (171)، ولكنه عزاء بائس!

وفضلا عن تقرير منظمة “الشفافية الدولية” الذي يأتي بانتظام ليذكر بغموض تسيير الاقتصاد الجزائري، جاءت حالتان تورط فيهما وزيران سابقان بارزان لتعيد إلى ذهن الرأي العام بأن الفساد هو واقع أكثر اتساعا وخطورة من الإضرابات في الوظيف العمومي.

بوشوارب و“المفترسون”

تعلقت القضية الأولى برجل الأعمال، عبد الرحمن عشايبو، الذي اتهم وزير الصناعة السابق، عبد السلام بوشوارب، بتدبير إفلاسه لأنه رفض “الدفع”. وفي تصريح لراديو M، اتهم الوزير بأنه طلب منه مالا “بشكل غير مباشر” حتى “ترفع اليد” عن نشاطاته.

“لماذا أقول بشكل غير مباشر؟ أنتم تعرفون كيف هم المفترسون اليوم. قد يكون هؤلاء (يقصد الوسطاء الذين اقتربوا منه) عينوا أنفسهم ويحتمل أنه لم يرسلهم، كما يمكن أن يكون قد أرسلهم، نحن لا نعرف!”

حتى وإن كان للجزائريين ريبة كبيرة تجاه رجال أعمال كبروا خارج أي نظام تنافسي وفي إطار رأسمالية المحاباة والتحالف مع رجال السلطة، يبدو لهم أن اتهام الوزير السابق بوشوارب فيه جانب كبير من المصداقية. فهذا الرجل المقرب من أويحيى والدائرة الرئاسية، جاء ذكره في قضية “أوراق بنما” على أنه يملك شركة في الخارج، “أوف شور”، ولم يكن لذلك تبعات قضائية. كما كان رد فعل الوزير بوشوارب مبتذلا حيث تحدث عن مؤامرة تحيكها أياد أجنبية مع حلفاء جزائريين: “تتعرض الجزائر لمؤامرة كبيرة تقودها أطراف في الداخل والخارج. يريد بعضهم إبعادي”.

وتم التخلص من بوشوارب، الذي صار عبئا على السلطة، بشكل سلس ضمن تغيير حكومي في 25 ماي 2017، ومنذ ذلك الحين يبدو أنه لبس طاقية الإخفاء. واستدعيَ عبد الرحمن عشايبو من طرف العدالة في إطار “إجراء إداري” بعد تصريحاته ولكن محاميه، خالد بورايو، اتخذ خطوات حذرة نحو الخلف، حيث صرح لموقع " كل شيء عن الجزائر، TSA" أن موكله “لم يتهم عبد السلام بوشوارب بالفساد عندما قال أن أشخاصا اتصلوا به وقدموا أنفسهم كوسطاء للوزير”.

وبعد هذا التصريح أصبح الذين يراهنون على أن القضية لن تكون لها تبعات هم الأكثرية وذلك وفقا لعادة الصمت السائدة في مثل هذا القضايا.

العدالة الإيطالية تشوش على تبييض خليل

قضية أخرى ذات حساسية كبرى وترمز بقوة إلى مرحلة حكم بوتفليقة، تتعلق بوزير الطاقة القوي الأسبق، شكيب خليل، الصديق الحميم للرئيس. وكان هذا الوزير السابق موضوع مذكرة توقيف دولية أصدرتها العدالة الجزائرية سنة 2013، عقب الكشف في إيطاليا عن دفع رشاوى بقيمة 197 مليون أورو من طرف شركة سايبام ، وهي فرع للشركة الإيطالية للمحروقات “إيني” مقابل الحصول على عقود في الجزائر.

وإثر عودته إلى الجزائر في 17 مارس 2016 بعد فرار دام ثلاث سنوات في الولايات المتحدة، شن الوزير السابق بمساعدة السلطة، حملة واسعة لإعادة الاعتبار لم تنجح في إزالة شكوك الجزائريين. فالوزير الذي تم تقديمه على أنه ضحية لمصلحة الاستعلامات والأمن (DRS)، جاء ذكره أيضا ضمن قضية “أوراق بنما” حيث ظهرت حسابات في الخارج باسم زوجته لدى مكتب المحاماة فونسيكا.1

لكن عملية التبييض هذه شوشت عليها مرة أخرى “يد أجنبية” جد شفافة تتمثل في العدالة الإيطالية.

وكان الوزير الأول أحمد أويحيى قد فاجأ الجميع بتصريح في نوفمبر 2017 على قناة “دزاير نيوز”، (وهي ملك لرجل الأعمال علي حداد، المقرب من سعيد بوتفليقة أخ الرئيس) بإعلانه أن العدالة قد أغلقت ملف القضية المتعلقة بشكيب خليل وزوجته وابنيه. وقد تطرق إلى ظلم يكون قد تعرض له الوزير الأسبق قائلا: “سأكشف لكم عن سبق:”هل تعلمون أن ملف شكيب خليل قد تمت معالجته من طرف العدالة الجزائرية؟ وكان الحكم بانتفاء وجه الدعوى، وهذا يعني أن الملف قد أغلق نهائيا". وقد خاطر الوزير الأول إلى حد القول بأن الجزء الإيطالي من القضية أصبح يتوجه في صالح شكيب خليل.

“أدلة” في ميلانو

وانطوى هذا التكهن على كثير من التهور. ففي يوم الثلاثاء 20 فبراير أكد المدعي العام لمحكمة ميلانو، إيزودورو بالما، أنه يمتلك أدلة على أن الشركة الإيطالية “إيني” دفعت من خلال فرعها “سايبام”، رشاوى للحصول على أسواق في الجزائر، حسب رويتر إيطاليا. وأكد خلال الجلسة الأولى المخصصة لتلاوة لائحة الإتهام في قضية رشوة ضد الشركة الإيطالية، أن هذه الأخيرة قد دفعت رشاوى قصد “تقويض منافسيها” وأيضا “لضمان امتيازات من وزير الطاقة شكيب خليل”.

وقد أكد النائب العام اتهامات بدفع رشاوى بقيمة 197 مليون يورو من أجل الحصول على عقود قيمتها ثمانية (08) ملايير دولار لصالح “سايبام”. كما أشار أيضا إلى دفع رشاوى بهدف التمكن من شراء الشركة الكندية “فارست كاليغاري بيتروليوم” التي كانت تمتلك حقوق استغلال حقل بترولي في الصحراء الجزائرية.

وحسب النائب العام، تتعلق هذه القضية ب“مجموعة إجرامية منظمة بتشكيلة فرنسية ـ جزائرية ومن جهة أخرى بهيئة منظمة داخل شركتي إيني وسايبام”. وقد طالب في الأخير ب6 سنوات سجنا في حق الرئيس المدير العام الأسبق لإيني، باولو سكاروني. كما طالب “ب8 سنوات سجنا ضد فريد نور الدين بجاوي، رجل ثقة الوزير السابق خليل، و4 سنوات و10 أشهر سجنا ضد سمير أورايد، أحد المقربين من بجاوي و6 سنوات سجنا ضد عمر هبور الذي اتهم بالمشاركة في التبييض.” على العدالة الجزائرية أن تتحرك". ذلك كان عنوان الصفحة الأولى لجريدة الخبر ليوم الخميس 22 فبراير 2018 التي أعطت الكلمة لقضاة سابقين وقانونيين. ولكن هنا أيضا، وربما أكثر من قضية بوشوارب، لا يراهن أحد على تحرك العدالة. وهكذا تقف السلطة الجزائرية أمام الحركات الاجتماعية بدون صوت وبدون حجة. وليس بيدها سوى القمع.

1موساك فونسيكا، هو مكتب محاماة أنشئ في سنة 1986 ببنما. وقد اتهم المكتب في قضية أوراق بنما للدور الذي لعبه في تبييض الأموال والتهرب الجبائي على المستوى الدولي.