هيلاري كلينتون، عَودةٌ للتدخُّلِ وعرضِ العَضلات؟

أقربُ لإسرائيل، أقربُ للسعوديّة · يستعدُّ الحزبُ الديمقراطيُّ الأميركيُّ لتعيينِ هيبلاري كلينتون مرشَّحةً له في الانتِخاباتِ الرئاسيَّةِ الأمريكيَّةِ التي ستَجري في تشرين الثاني/نوفمبر2016. تُنذرُ مواقفُها حينَ كانت وزيرةً للخارجيَّةِ، وكذلك تصريحاتُها السياسيَّة، بعودةٍ لسياسةِ تدخُّلٍ قويٍّ في .الشرق الأوسط، يَعتمِد على تحالفٍ مع المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّة واسرائيل

هيلاري كلينتون في تجمع للحملة الانتخابية في فينيكس - أريزونا
Gage Skidmore, 21 mars 2016.

نحنُ في منتصَفِ يناير/كانون الثاني 2011. إدارةُ أوباما تَخوضَ في جدلٍ عميق ومُلحّ. مرَّ أسبوعان والحشودُ تَتوافدُ على ساحةِ التحريرِ في القاهرة، مطالِبةً برحيلِ الرئيس المصريِّ حسني مبارَك. في البيتِ الأبيض، يحثُّ “الجيلُ الناشئ” في مجلسِ الأمنِ الوطنيِّ الرئيسَ الأميركيَّ على الوقوفِ علناً إلى جانبِ “قوى التغيير”، وهو تيارٌ ممثَّلُ بسامنتا باوَرز Samanta Powers، بن رودزBen Rhodes، دينيس ماك دونوغ Denis McDonough. وفقاً للصحفيِّ الأميركيِّ جيمس تراوب James Traub، تَعتبِر هيلاري كلينتون أنَّه من السذاجةِ الأخذ برأيِ ذلك الجناح من الديمقراطيِّين، علماً أنه “تدخُّليُّ” الميولِ في الشؤونِ الخارجيَّة المتعلِّقة بحقوق الإنسان (ومعظمُ المذكورين أعلاه سيُسانِدون فيما بعد ذلك التدخُّلَ العسكريَّ الأميركيَّ في سوريا). وأهمُّ من ذلك، تَعتبِر هيلاري كلينتون، المقرَّبة من مبارك وخاصَّةً من زوجتِه، أنَّ سقوطَ مبارك بمثابةِ إشارةٍ سلبيَّةٍ جدّاً لحلفاءِ الولاياتِ المتَّحِدة الأميركيَّة، أوّلاً لإسرائيل (إذ إنَّ نتنياهو قد أعلنَ أنَّ الخيارَ الوحيدَ هو دعمٌ غيرُ مشروطٍ لمبارك)، ثمّ للمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ وممالكِ الخليج. في تاريخِ 28 كانون الثاني/ يناير، وفي البرنامَجِ التلفزيونيِّ الأميركيِّ “لقاء مع الصحافة” Meet the Press، تَأخذُ هيلاري كلينتون راحتَها في الحديثِ قائلةً إنَّ مبارك وحدَه قادرٌ على القيامِ بتحوُّلٍ سلميٍّ ديمقراطيٍّ ومُنظَّمٍ نحوَ الديمقراطيّةِ الفعليَّةِ“1.وتَحظى، في هذه النقطةِ بالتحديدِ على دعمِ شخصيَّتَين ذاتَيْ وَزن: سكرتيرِ الدفاعِ الجمهوريِّ روبرت غيتز Robert Gates، ونائبِ رئيسِ الجمهوريَّةِ، جو بايدن Joe Bayden. إلّا أنَّ باراك أوباما سيَحسمُ الأمرَ إلى غيرِ صالحِها. فيعلنُ في اليومِ التالي أنَّ التحوُّلَ هو”الآن". وإذ بمبارك يَتركُ الحكم، بعدَ ذلك بعشرةِ أيّامٍ تحتَ تأثيرِ الضغطِ الشعبِيّ.

مُحافِظةٌ عندَ الديمقراطيّين

في نهايةِ الأسبوع، سيتمُّ تتويجُ هيلاري كلينتون، المرأةِ التي ظنَّت أنّه من المُمكنِ توقيفَ عجَلةِ الوقت، مرشَّحةَ الديمقراطيّين لرئاسةِ الولاياتِ المتَّحِدة الأميركيّة. وتُعطيها كلُّ استِطلاعاتِ الرأي حُظوظاً عالِيةً بالوصولِ إلى البيتِ الأبيَض2، في مرحلةٍ يبدو العالمُ الخارجيُّ للأميركيّين خطِراً، فَوضَويّاً ومُبهَماً أكثرَ من أيِّ وقت مضى. فهل يُنذرُ موقفُها خلالَ الربيعِ المصريِّ بالسياسةِ الشرق أوسطيّةِ التي ستعتمِدُها إن اعتلَت سدَّة الرئاسة؟ في مذكَّراتِها، “خياراتٌ صعبة”، لا تُخفي هيلاي كلينتون قناعَتَها أنَّ مآل “الربيعِ” المصريِّ أكَّدَ صحَّةَ رؤيتِها: أدّى إسقاطُ مبارك إلى دكتاتوريّةٍ أكثرَ بطشاً من نظامِ الطاغيَةِ العجوز. عمليّاً، تَنقضُ هيلاري بذلك الفكرةَ التي تقولُ إنَّ انسحابَها كان لا بدَّ منه. ربَّما كانَ مَوقفُ هيلاري حينَها نتيجةَ تقديرٍ خاطئ للأجهِزةِ الديبلوماسيّة في مصر. إلا أنّها، بحكمِ الجدلِ القائمِ في البيتِ الأبيض، بَدت وكأنَّها تُدافِع عن الاتِّجاهِ الأكثرَ محافظةً فيما يتعلّقُ بالمُجازفةِ والالتِزام السياسي.

يشكِّلُ هذا الموقفُ الذي يشخِّصُه البعضُ على أنّه “مُحافَظة جديدة” neoconservatism، المأخذَ الرئيسيَّ الذي يأخذُه اليسارُ الديمقراطيُّ على هيلاري كلينتون. في نيسان2016 ، تحدَّثَ الصحفيُّ الأميركي جيفري غولدبرغ Jeffery Goldberg ، في مقالةٍ مهمَّةٍ عنوانُها “عقيدة أوباما”، عن الازدِراءِ والتوجُّسِ الذي يكنُّه الرئيسُ تجاهَ المدافِعين عن “دليلِ قواعدِ لعبة واشنطن” Washington playbook، ذلك “الدليلِ” غيرِ الرسميِّ الذي يجمعُ نُخبةً من أهمِّ أخصّائيّي العلاقاتِ الدوليّةِ في العاصمةِ الأميركيّة. فما يرفضُه أوباما، هو أنَّ ذلكَ الدليلَ يُعطي الأولويَّةَ دائما لاستِعمالِ القوّةِ في أيِّ ظرفٍ تصارُعيّ: إذ يُفضِّلُ ممارسةَ الضغوطَ الديبلوماسيَّةَ على البحثِ عن حلولٍ وُسطى، والتهديدَ المبطَّنَ باللجوءِ إلى قوَّةِ السلاحِ إن اضطُرَّ الأمر. ومن بابِ البداهةِ أنَّ هيلاري كلينتون تجسِّد تلكَ المؤسَّسةِ التي تجمعُ بين “المُجمّعِ العسكريِّ الصناعي” و “المجموعاتِ البحثيّة”، أي معاهدِ التفكيرthink tanks، كمجلسِ العلاقاتِ الخارجيّة Council on Foreign Relations-CFR ومؤسّسةِ بروكينغز Brookings Institution و مركزِ الدراسات الاستراتيجيّةِ والدوليِّةِ Center for Strategic and International Studies- CSIS، علماً أنَّ الجسورَ التي تربطُ أعضاءَ هذه المؤسَّسةِ بالإدارةِ الأمريكيَّةِ تفسِّرُ قدرتَها على التأثيرِ في مجالِ أخذِ القرار.

“شرطيَّةُ العالم”؟

ويعرِّفُ الباحثُ الاقتصاديُّ جيفري ساكس Jeffrey Sachs3 في مقالةٍ نُشرت مؤخَّراً، التوجُّهات الرئيسيّة للمرشَّحة الديمقراطيَّة. أولاً، إنَّها “مُدمِنةٌ على السلطةِ الأمريكيّة”. فقد أتى جوابُها إيجابيّاً كلَّ مرّةِ طُلبَ منها أبداءُ موقفِها من استِعمال القوة، كما حدثَ بخصوصِ صربيا في عهدِ ميلوزيفتش عام 1999، أو تجاهَ صدّام حسين عام 2003، أو بشّار الأسد في 2012-2013.

ثانيا، فهي مُقتنِعة تَماماً أنَّ “أمريكا، وأميركا وحدَها، يجب أن تَحكم العالم”، وبذلك الادِّعاء المشبَع بـ “الاستِثناءِ الأميركيِّ”. باختِصار، وبحسبِ قولِ الباحثِ العالميِّ المذكورِ أعلاهُ والذي صارَ مُناضلاً نشيطاً من أجلِ القضيّةِ البيئيّة، “تتّهمُ هيلاري كلينتون دونالد ترامب أنّه خطيرٌ لأنّه من الصعبِ التنبّؤ بتصرُّفاتِه. أمّا هي فعلى العكس، فقد تكمنُ خطورتُها في سهولةِ التنبُّؤ بمواقفِها”. فيُخشى مع وصولِ كلينتون إلى سدَّةِ الرئاسة، أن تنظرَ الولاياتُ المتَّحِدة إلى العلاقاتِ الدوليّةِ من المنظورِ التقليديِّ الذي يعتمِدُه “دليلُ واشنطن”. يُعدّلُ جيمس تراوب James Traub نوعاً ما في وجهةِ النظر هذا ، إلا أنّه على أي حالٍ يذهبُ في الاتِّجاهِ نفسه. ويكتبُ تراوب أنَّ برنامجَ هيلاري كلينتون لا يَختلِف عن برنامجِ أوباما، سوى أنَّ “الطريقةَ التي ترى فيها العلاقةَ بين الدولِ أشبهُ بنظرةِ كيسنجر”، المُدرجةِ تحتَ اسمِ “الواقعيَّة” السياسيّة.

من جهتِها، تَخشى إليزابيث شاكمان هورد Elizabeth Shakman Hurd وهي باحثةٌ في العلومِ السياسيّةِ في جامعة نورثوَسترن Northwestern القريبةِ من شيكاغو، تخشى أن تَنتُجَ حروبٌ أميركيَّةٌ جديدةٌ في الشرقِ حالَ وصولِ هيلاري كلنتيون إلى الرئاسة. فهيلاري كلينتون، لم تَعترفْ أبداً بمحدوديَّةِ الولاياتِ المتَّحدةِ في تغييرِ العالمِ وفقاً لمصالِحها“4 . كما أنّها لم تَقم يوماً بإعادةِ تقييمٍ لمواقفِها، إن في خصوصِ العراق (فهي قد صوّتَت للحربِ التي قادَها جورج بوش عام 2003) أم فيما يخصُّ ليبيا. وسياستُها الليبيَّةُ خيرُ إثباتٍ على انصياعِها إلى”دليلِ واشنطن“، حيثُ بذلَت جهداً جهيداً لإقناعِ رئاسةِ الأركانِ التي كانت متحفِّظةُ على الانخِراطِ في العمليّةِ على بنغازي مع النتائجَ الوخيمةٍ التي نعرفُها. وتُذكِّر الأستاذةُ الجامعيَّةُ بقولِ نائبِ الرئيس جو بايدن Joe Biden، الذي عارضَ التدخُّلَ الأميركيَّ في اسقاطِ القذّافي،”يَجبُ التفكيرُ بالعقدِ الذي يلي وليس باليومِ الذي يلي" الحروبَ قبلَ الدخول فيها.

رؤيةٌ ضيِّقة للعلاقاتِ الخارجيَّة

يُظهِر هذا الاستِشرافُ السريعُ لموقفِ السيِّدة كلينتون خلالَ سنواتِها على رأسِ وزارةِ الخارجيّة الأمريكيّة (2009-2013) امرأةً مَحكومةً بمنظورٍ ضيِّقٍ للمصلحةِ الأميركيّة، “تؤمنُ بقيمةِ التهديدِ كعبرةٍ يؤخَذُ بها، أكثرَ ممّا تؤمنُ بجَدواه الفعلِيّة”، وفقاً لتراوب. ولهذا السبب انتقدَت هيلاري كلينتون أوباما حينَ عدلَ عن ضربَ سوريا في آب/ أغسطس 2013، بعدما تجاوزَت دمشق “الخطوطَ الحمر” التي حدَّدَها ، أي استِعمالَ الأسلحةِ النوويّة. حسب مقرَّبين منها، كان ردُّ فعلِها عنيفاً: “حين نقولُ إنّنا سنَضرب، لا يبقى أمامَنا خيار: يجب أن نفعلَ ذلك”. أمّا بالنسبةِ لأوباما، فلم تَكن الضربةُ العسكريّةُ لتُنقِذَ شيئاً غيرَ ماءِ الوجه، لا بل إنّه اعتبرَ أنَّ الضربةَ العسكريّةَ قد تزيدُ الأمورَ سوءاً.

ليسَت هذه المرَّةَ الأولى التي يختلفُ فيها أوباما مع وزيرةِ خارجيَّتِه. حصلَ الخلافُ الأوّلُ في 2009 وكان موضوعُه أفغانستان، حين طلبَ الجنرالاتُ المتواجِدون هناك 40000 جنديٍّ إضافيٍّ. أعربَ أوباما عن تحفُّظِه تجاهَ الأمرِ في حين تحمَّسَت كلينتون لدعمِ “خطَّةِ مواجهةِ العصيان” الذي قدَّمَها الجنرالات. في مذكَّراتِها، كان تفسيرُ هيلاري كلينتون أنّها اعتبرَت أنَّ طالبان لن يفاوِضوا طالَما أنَّهم في موقعِ قوّة. لذلك توجَّبَ إمّا الانتِصارُ عليهِم أو إضعافُهم بما فيه الكفايَةُ قبلَ التفكيرِ أبعدَ من ذلك. نعودُ إلى “دليل واشنطن”. ويكتبُ تراوب : “حين نستعيدُ خيطَ الأمور، يبدو واضِحاً أنَّ الجنرالاتِ بالَغوا في تقييمِهم لقدرةِ الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ على جعلِ أفغانستان بلداً مُكتفِياً ذاتيّاً، سياسيّاً وعسكريّاً. فكانَ حَدسُ أوباما هو الصحيح، كما كانَ حدسُه صحيحاً في العراق. وكانت هيلاري كلينتون على خطأ، مثلَما أخطأت في شأنِ العراق”.

كما أنَّ موقفَها من المفاوضات مع طهران بخصوصِ وقفِ البرنامج النوويِّ بقيَ مُتَّسماً بالتحفُّظِ الشديد، وبمَيلٍ لمضاعَفةِ العوائقِ قبلَ توقيعِ أيِّ اتِّفاق. في مذكَّراتِها، تدعمُ هيلاري كلينتون توقيعَ الاتِّفاق، ولكنَّها تُصرُّ على الدورِ الأساسيِّ الذي لعبَتهُ مضاعفةُ العقوباتِ من أجلِ تطويعِ طهران، في حينِ أنّ أوباما واضبَ على الموقفِ الذي يَعتبر بحكمِه تقديمَ بعضِ التنازلاتِ ضروريِّاً للتوصُّلِ إلى اتِّفاق ، بغضِّ النظرِ عن العقوبات. ففي نظرِ تراوب، كان أوباما “مُستعِدّاً لمساعدةِ الإيرانيّين على إنقاذ ِماءِ الوجه، لأنّه فهمِ أنّهم محتاجون لذلك. فأوباما فهمَ أنَّ للإيرانيين أيضاً تاريخاً وسياسة، وكان شديدَ التحفُّظِ تجاهَ إمكانيَّةِ أن تتراجعَ إيران بمجرَّدِ أن تكشِّر أميركا عن أنيابِها”. هنا، وبخصوصِ إيران، كانت كلينتون تعبِّر عن وجهةِ نظرِ “دليلِ قواعدِ لعبة واشنطن”. أما أوباما، فقد انعتَق من قواعدِ اللعبةِ تلك.

الرياض فضلاً عن طهران

حين كانَت وزيرةَ خارجيّة أوباما في ولايتِه الرئاسيّة الأولى، عيَّنت هيلاري كلينتون في عام 2010 روبيرت كاغان Robert Kagan، أحدَ ألمعِ منظِّري المحافظين الجددِ في لجنةٍ للسياسة الخارجية كوَّنَتها خارجَ إطارِ الوزارة، مكوَّنةٍ من عدَّةِ مستشارين. هل ستَتبعُ إيديولوجيَّته إن اعتلَت سدَّةَ الرئاسة؟ وأهمُّ من ذلك، فإن السيِّدةَ كلينتون لا تُشاطِر باراك أوباما رأيَها عامَّةً في العلاقةِ مع طهران. فرئيسُ الجمهوريّةِ الحاليِّ يعتبِرُ أنَّ إيران فاعِلٌ لا بدَّ مِنهُ لاستِقرارِ الشرق الأوسط. أمّا بالنسبةِ لهيلاري كلينتون، فحلفاؤها الأساسِيّون باستثناءِ اسرائيل، هم السعوديّة ( على رأسِ العالم السنّي) ومصر. في تشرين الثاني/ نوفمبر، أكّدت هيلاري كلينتون في محاضرةٍ قدّمتها في مؤسّسة بروكينغز على ضرورةِ البقاءِ وبشكلٍ جذريٍّ على مسافةٍ من طهران، وأعلَنت: “لا أنظرُ إلى إيران على أنّها شريكَنا في تطبيقِ الاتِّفاق. إيران هي موضوعُ الاتفاق”5. مما يُدخلُ الغبطةَ إلى قلبِ الرياض. ويجدرُ بالذكرِ أنّ قناةَ العربيّةَ التابعةَ للسعوديّةَ تعاملُ صورةَ هيلاري كلينتون معاملةً رحبة. وتشرحُ جويس كرم، مراسلةَ الحياة - الصحيفة السعوديّة التمويلِ في لندن- ، أنَّ وصولَ هيلاري كلينتون للسلطةِ قد يُنهي الوضعَ الراهنَ الذي ليسَ فيه زعيمٌ شرق أوسطيٌّ واحدٌ على علاقةٍ وثيقةٍ بالبيت الأبيض"6.وتأملُ جويس كرم أن تبقى كلينتون على حِسِّها الواقعيِّ، وأن تسعى أكثرَ لتطويرِ علاقاتِها الشخصيَّةِ مع زعماء المنطقة.

تقاربٌ صريحٌ مع الآيباك AIPAC

وطالَما نحنُ في صددِ الأماني الطيبة، تتوقّعُ الصحفيّة في جريدةِ الحياة أنّ كلينتون ستحاولُ توطيدَ العلاقات المُرتخِية مع العالم العربي السنّي، وأخذَ مواقف “أكثرَ هجوميّة” من أوباما “تجاهَ روسيا وإيران”، تصلُ بها حتى إعادةِ “إحياءِ مبادرةِ السلام العربية” التي قدّمتها جامعةُ الدول العربية عام 2002 بخصوصِ الصراعِ الإسرائيلي الفلسطيني. وتقترِحُ هذه المبادرةُ الآتيةُ من المملكةِ العربيّة السعودية على إسرائيل سلاماً شامِلاً مع البلادِ العربيّة مقابلَ انسحابٍ كاملٍ من الأراضي المحتلّةِ عام 1967. في هذا المجال، لا ينتظِر الاسرائيليّون الشيءَ نفسه. على أن السيِّدة كلينتون من الزعماءِ الدمقراطيّين الأقربَ للآيباك، AIPAC، وهو اللوبي الداعمُ لإسرائيل في واشنطن. ولطالما اعتبرَت الفلسطينيّين مسؤولين عن فشلِ مفاوَضات السلام. كما أنّها أعلَنت عن موقفِها المساندِ دائماً لشروطٍ إضافيّة ( كاعتِراف منظمةِ التحرير الفلسطينيّة بيهوديّةِ دولة اسرائيل، وإبقاءِ وادي الأردن تحتَ سيطرةٍ اسرائيلية، ألخ). إلا أنَّها بقيت دوماً على خطِّ واشنطن التقليديِّ من الصراع – “دَولتان متجاوِرتان، تعيشان جنباً إلى جنب وبسلام”7 -، خلافاً للحزبِ الجمهوري الذي يبتعد برنامجُه الانتخابيُّ عن هذا الموقف. وذلك رغم أنها، خلالَ ولاية أوباما الرئاسيّة الأولى، بقيَت على مسافةٍ من مبادرتِه لإعادةِ إطلاقِ عمليَّةِ السلام (مُهمّة المبعوث جورج ميتشل)، بحجَّةِ أنَّها تشترِطُ بدايةً من اسرائيل وقفَ بناءِ المستوطَنات، وهو شرطٌ تعرفُه “مرفوضاً” سلَفاً من قِبلِ اسرائيل. وفشلَت حينها بعثةُ ميتشل.

اليوم، يُفضِّلُ الإسرائيليون، طبقةً سياسيَّةً وناخبين، أيَّ رئيسٍ جمهوريٍّ على هيلاري كلينتون. ولكنَّه إذا كان ديمقراطيّاً، فالأفضليّة لهيلاري دونَ غيرِها. هذا هو الإحساسُ العامُّ في القدس. فالزعماءُ الإسرائيليّون يَعبِّرونَ عن قلقِهم أمامَ وضعٍ كهذا: وهو تَنامي الرفضِ للسياسةِ الإسرائيليّة تجاهَ الفلسطينيّين، بينَ الجيلِ الجديدِ من الديمقراطيّين. وفقاً لدراسةٍ قام بها مركزُ بيو للأبحاث Pew Research Center، نسبةُ 55 % من الديمقراطيّين التقدميّين (liberal democrats) في الولاياتِ المتَّحِدة، يعبِّرون عن تَعاطفٍ أكبرَ مع القضيّةِ الفلسطينيَّةِ منها مع اسرائيل. وهذا تطوُّرٌ ملحوظ، لاسيَّما أنَّ نسبةَ اليهود تَتنامى بين هؤلاء. ففي نظرِ هؤلاء التقدميّين، تبيَّن أنّ لبرني ساندرز Berny Sanders، منافسِ هيلاري كلينتون في الانتِخاباتِ الأوليَّةِ في الحزبِ الديمقراطي، وزنٌ أثقلَ ممّا كانوا يتوقَّعون بداية، وأنَّه من الضروريِّ أن تَمضي أبعدَ من ذلك في التزامِها تجاهَ الفلسطينيّين. وتلك عقبةٌ داخليَّةٌ بسيطةٌ لهيلاري كلينتون إن أضحت رئيسة، ولكنَّها لن تستطيعَ أن تتجاهلَها عن سابقِ نيّة.

ولكي تثبتَ أنَّ النظريّة الكلاسيكيّةَ تسودُ على معظمِ حملتِها، اختارَت هيلاري كلينتون على لائحتِها رجلاً يمثِّلُ التيّارَ السائد للسياسةِ الأميركيَّة. كان بإمكانِها أن تختارَ شخصاً من الجاليةِ الأفريقيّة –الأميركيّةِ أو من الجاليةِ الإسبانيِّةِ لتستقطبَ الأقليّات العِرقيّة. إلا أنّها اختارَت أحدَ أعيانِ فرجينيا السيناتور تيم كين Tim Kaine، وهو من مُخضرَمي السياسةِ الأمريكيّة، وعضوٌ في لجنةِ العلاقاتِ الخارجيّة في مجلسِ الأمَّة، “وَسطيُّ الاتِّجاه، لن يجذبَ الذين صوَّتوا لساندرز”8 (منافسِها في الحملةِ الأوَّليَّةِ من أجلِ اختِيار المرشح)، تلك ملاحظةُ صحيفة فوروورد The Forward، وهي صحيفةٌ يهوديّةٌ تقدمِيَّةٌ تصدرُ في نيويورك. وتيم كين معروفٌ أنّه أيضاً “صديق إسرائيل”. إلا أنّه كانَ أحدَ المنتخَبين الديمقراطيّين الذين رفَضوا التواجدَ في الكونغرس حين لبّى بنيامين نتنياهو دعوةَ الجمهوريّين في 3 مارس/ آذار 2015 لإلقاءِ خطابِه الاستِفزازيِّ الشهيرِ ضدَّ أوباما فيما يخصُّ توقيعَ اتِّفاقيَّةٍ مع إيران. علماً أن كين كانَ من أشرسِ المدافِعين عن هذه الاتِّفاقيَّةِ منذُ اليوم الأوَّل. وهذا يشكِّلُ نقطةً سوداءَ في نظرِ الإسرائيليّين... والسعوديّين.

1James Traub : « The Hillary Clinton’s Doctrine », Foreign Policy, November 6th, 2015.

2وفقاً للمعادلةِ التي يقدِّمُها مركزُ Real Clear Politics بين مجملِ الإحصاءاتِ في الولايات المتّحدة، تتقدَّمُ هيلاري كلينتون على خصمِها دونالد ترامب وذلك دونَ انقطاعٍ منذُ بداية 2016، بعددِ نقاطٍ يَتراوَحُ بين 2 و 11.2 (ما عدا أسبوعاً واحداً في شهر أيار/ مايو، حيث تَقدَّمَ عليها ترامب بـ 2.2 نقطة). في تاريخ 19 تموز/ يوليو، تقدَّمت كلينتون بمعدَّلِ 2.7 نقاط.

3Jeffrey Sachs: « Clinton Speech Shows That only Saunders Is fit for the Presidency », Huffington Post, June 6th, 2006.

4“Will Hillary Clinton Lead us Into Another War in the Middle East?”, Huffington Post, April 3rd 2016.

5Reza Marashi: “The Middle East is Changing. Hillary Clinton’s Policy Isn’t”, Huffington Post, November 30th, 2015.

6Joyce Karam : “What a Hillary Clinton nomination means for the Middle-East”, Al Arabiya, June 7th, 2016.

7يَعتمدُ البرنامجُ الجمهوريُّ لحملةِ دونالد ترامب الانتخابيَّةِ الموقفَ التالي: “نحن ندعمُ حقَّ اسرائيل بالوجودِ كدولةٍ يهوديّةٍ في حدودٍ آمنةٍ لها ومُدافَعٌ عنها، وتصوُّرُنا مبنيٌّ على دولتَين ديمقراطيَّتَين: اسرائيل وعاصمتُها القدس، وفلسطين”.

8Nathan Guttman, « Tim Kaine, Clinton’s Pick for Vice-President, Is a pro-Israel Centrist », forward.com, 22 juillet 2016.