اللاجئون السوريون.. مكاسب غير متوقعة للاقتصاد اللبناني

بعيدا عن الغوغائية · يشكل اللاجئون السوريون الذين يتراوح عددهم حوالي ربع مجموع سكان لبنان، وربما أكثر من أي وقت مضى، عاملا أساسيا في الاقتصاد اللبناني الهش. وعلى أولئك الذين ينتقدون هذا الوضع أن يفكروا مليا قبل الإعراب عن رغبتهم في رؤيتهم يغادرون البلاد حيث أن العودة المكثفة للسوريين إلى بلادهم، بعد سنوات من الحرب، قد تتسبب بالضرر أكبر من المنفعة.

عاملات سوريات في ورش عمل زراعية تعاونية يدعمها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في قرية تل عباس (شمال لبنان).
Dalia Khamissy/UNDP, 11 février 2014.

يجب الإقرار طبعا بأن لبنان، باقتصاده الصغير وموارده المحدودة، جدير بالامتنان وأيضا بالمساعدة المادية لقدرته على استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين المحتاجين من هذا البلد الحدودي، إلى حد إضعاف هيكلته الاجتماعية. وبالفعل كان هذا التدفق الهائل من اللاجئين السوريين مصدرا للضغوط في مجالات عديدة، بدءا من الأمن ومرورا بالقدرات الإدارية والتعليم والنقل ووصولا إلى معدلات استهلاك المياه.

غير أن سياسيين لبنانيين تعاطوا مع القضية بطريقة حاولت أن تجعل من هذا الوجود السوري كبش فداء لمشاكل اجتماعية واقتصادية تعاني منها بلادهم، وتتمثل على الخصوص في ركود الاقتصاد وتقادم المؤسسات العمومية. لكن هذه النظرة يشوبها عيبان: فمن جهة لم يؤد وصول أكثر من مليون لاجئ منذ عام 2011 إلى خلق مشاكل جديدة بقدر ما زاد من حدة آفات قديمة ناجمة عن عقود من سوء الإدارة والسياسات الاقتصادية غير المنتظمة. ومن جهة أخرى، فإن لدى هؤلاء السياسيين نزعة مبالغة في تقدير الأثر السلبي لوجود اللاجئين وإخفاء الجوانب الأكثر إيجابية منه.

إحصائيات غامضة

يؤدي غياب معطيات دقيقة عن اللاجئين في لبنان إلى تنامي أشكال عديدة من المضاربات وزرع الخوف. والغريب أن غياب بيانات دقيقة بخصوص هذه المسألة الأساسية يمنع معرفة العدد الحقيقي للسوريين المتواجدين في لبنان، حيث قررت السلطات اللبنانية منذ أيار/ مايو 2015 تعليق تسجيل السوريين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لتنهي بذلك سياسة الباب المفتوح التي كان معمولا بها. وهكذا توقف الحساب عند ما يزيد قليلا عن 1.2 مليون سوري، فضلا عن حوالي 200.000 لاجئ فلسطيني (وهم 175.000 وفقا لأحدث الإحصائيات التي نشرت لأول مرة منذ سنوات عديدة مما سمح بإزالة لبس كبير عن هؤلاء اللاجئين الأوائل والذين كانوا ما يزالون لوقت غير بعيد يقدرون ب 500000). والجدير بالذكر أن الساسة اللبنانيين يميلون إلى إطلاق تسمية “لاجئين” على مجموعات سكان مختلفة ويخلطون أحيانا بصفة ضمنية القادمين السوريين الجدد بالفلسطينيين المقيمين في البلاد منذ 70 عاما حيث لا توجد صلة بين وجودهم القديم والركود الاقتصادي الحالي للبلد المضيف.

ويوضح التسلسل الزمني أدناه كيف كانت هذه المضاربات سارية تحت الخطاب الشعبوي الذي ازداد حدة في سياق الانتخابات التشريعية لعام 2018.

• كانون الثاني / يناير 2014: يؤكد نجيب ميقاتي الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك بأن 900 ألف لاجئ من “النزاع السوري” دخلوا الأراضي اللبنانية، وأن عددهم “يقترب من ربع سكان البلاد”.

• نيسان / أبريل 2014: تعلن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأنعدد اللاجئين السوريين في لبنان قد تجاوز حد المليون نسمة.

• أيار / مايو 2015: قررت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعليق تسجيل اللاجئين الجدد وطالبي اللجوء. وقد انخفض العدد الأقصى البالغ 1.2 مليون شخص إلى مليون نسمة عام 2017، في حين انتقل جزء من الأفراد المسجلين رسميا، أو تركوا البلاد او توفوا.

• أيلول / سبتمبر 2015: في تصريح لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل حول “العبء” الذي يشكله اللاجئون، اعتبر أن رقم المليون شخص لا يشمل جميع اللاجئين. وأضاف “أنهم 1.5 (مليون سوري) وأكثر من 500 ألف فلسطيني، أي ما يمثل بين 45 و 50 % من السكان”.

• أکتوبر / تشرین الأول 2017: أفادت مسؤولة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إستر بینزاري بأن لبنان يؤوي ملیون لاجئ سوري. لكن الحكومة اللبنانية تقدر بأنهم 1.5 مليون وترى أن حتى هذا الرقم الأخير لا يعبر عن العدد الحقيقي.

• تشرين الثاني / نوفمبر 2017: أكد رئيس الأمن العام، الجنرال عباس إبراهيم، بأن العدد الإجمالي للاجئين يتجاوز 2.5 مليون نسمة بكل الجنسيات.

وبينما تقترب الانتخابات باشر الساسة في المطالبة بعودة اللاجئين السوريين الى بلادهم وفي هذا الجو المحموم صار من الصعب، برغم الضرورة، أن نتدارس ما يمثله “اقتصاد اللاجئين”.

فهم الآثار الناجمة

في الواقع، تسببت الحرب الأهلية في سوريا في ضربة موجعة للاقتصاد اللبناني. فقد قدر البنك الدولي في نهاية عام 2015 بأن النزاع المسلح في البلد المجاور كلف لبنان 18 مليار دولار. ولكن معظم هذه التكلفة لا علاقة لها باللاجئين بل بصفة أوسع بالآثار الاقتصادية للحرب.

ومن الواضح أن النزاع أحدث ضربة قاضية للصادرات اللبنانية التي تقلصت إلى النصف، من 5 مليار دولار إلى 2,4 مليار، بين عامي 2010 و 2015. ويعود جزء هام من هذا الانخفاض إلى إغلاق الحدود السورية الأردنية مما أدى إلى استحالة نقل البضائع اللبنانية برا إلى شبه الجزيرة العربية.

وبشكل غير مباشر، فإن الصراع أدى إلى تعطيل مختلف سلاسل القيم التي كانت تربط الأسواق اللبنانية والسورية. وهكذا، انخفضت بقوة واردات المنتجات الصناعية السورية ذات السعر المنخفض بعد عام 2011، مما أجبر المنتجين اللبنانيين على إيجاد أسواق بديلة للمواد الأولية. كما انخفض استعمال المنتجات الزراعية السورية. من ناحية أخرى أثر النزاع على السياحة، حيث أصبح المسافرون يخشون على سلامتهم أو أنهم صرفوا النظر عن هذه الوجهة لأنه لم يعد ممكنا الجمع بين لبنان وسوريا، وكانت صيغة “اثنين في واحد” هذه تشكل حصة كبيرة من السوق السياحية قبل عام 2011. كل هذه العوامل لا يمكن أن تحل بمجرد عودة اللاجئين إلى بلادهم. فأي تقدم مرهون بتسوية الصراع السوري والانتعاش الاقتصادي الذي لم يتحقق بعد.

مشكلة كاذبة في سوق العمل

وبصرف النظرعن الاتجاه العام الذي يربط الضائقة الاقتصادية اللبنانية بوجود اللاجئين، فإن هناك توجها آخر أكثرخصوصية يلقي باللائمة على اللاجئين باعتبارهم سببا في انخفاض الأجور وأنهم بالتالي حرموا العمال اللبنانيين من فرص عمل هم في أمس الحاجة إليها. وينطوي هذا اللوم نوعا ما على بعض الحقيقة، لأن وفرة يد عاملة رخيصة لا تحمل الكثير من المؤهلات أحدثت منافسة جديدة في سوق العمل في بعض القطاعات وفي مناطق جغرافية معينة، وكان لهذا بالتأكيد أثره السلبي على اللبنانيين.

وعلى الرغم من عدم توفر معطيات دقيقة، لمحت منظمة العمل الدولية في عام 2013 إلى أن المنافسة الناتجة عن وجود العمال السوريين اللاجئين في المناطق الأكثر تضررا في لبنان، أدت إلى انخفاض أجور العمالة اللبنانية غير المؤهلة بنسبة 50٪. ومع ذلك، يمكن التشكيك في الفرضية التي تقول بأن وجود اللاجئين السوريين قد أحدث تحولا جوهريا في سوق العمل. فعلى سبيل المثال، لم يشر البنك الدولي سوى إلى زيادة هامشية في معدل البطالة الكلي من 6.2 إلى 7٪ بين عامي 2011 و2017. أما بالنسبة لبطالة الشباب فكانت الزيادة من 20.7 إلى 21.8٪ خلال نفس الفترة. ولا يمكن أن تفسر هذه الزيادات بوجود اللاجئين فقط، بل تعود إلى ضعف الأداء الاقتصادي للبنان نفسه. وحتى وإن أخذت هذه الأرقام بحذر، فإنها تشير إلى أن تأثير وجود اللاجئين أقل بكثير مما يقر به اللبنانيون عموما.

ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن سوق العمل في لبنان كان ضعيفا قبل بداية النزاع السوري. ووفقا للبنك الدولي، فإن لبنان قبل عام 2011 لم يكن يتمكن من خلق أكثر من سدس الوظائف اللازمة لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل. وفي الوقت نفسه، كان النمو الاقتصادي، المعتمد بشكل كبير على قطاعات الخدمات والبناء والتجارة، لا يخلق إلا عددا قليلا من فرص العمل، وكانت الوظائف المعروضة موجهة أساسا للعمال غير المهرة. وفي نفس الوقت، كان الاقتصاد اللبناني الذي تعطلت فيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة، قد حرم من نفقات عمومية هامة ومن ضخ كبير للرساميل الخاصة، مما أثر على الأنشطة الإنتاجية. وكان أصحاب الشهادات الشباب مدفوعين بدورهم إلى الهجرة، وهو عامل اقتصادي كبير في بلد يعتمد كثيرا على التحويلات بالعملة الأجنبية من مواطنيه.

من حيث المنافسة، يجب الإشارة إلى أن السوريين عادة ما يشتغلون في وظائف يرفضها غالبا حتى اللبنانيون غير المهرة وهي حالة كانت موجودة قبل فترة النزاع بكثير. في الواقع، فإن السوريين يتنافسون مع العمال المهاجرين الآخرين، مثل البنغلاديشيين والأثيوبيين أو الفلبينيين، على وظائف في مجالات مثل الزراعة أو البناء أو الصناعة أو الخدمات ذات الأجور المنخفضة.

ويشرح مدير مزرعة في البقاع (على الحدود مع سوريا) بأن السوريين يشكلون اختيارا مثاليا للعمل عنده: “اللبنانيون لا يعملون في أرض يملكها آخرون. في أحسن الأحوال، يقبل اللبناني القيام بالإشراف على عمل يتم على أرض يملكها طرف ثالث”. ونجد الملاحظة ذاتها لدى حرفي لبناني يوظف سوريين في معمله: “إذا ذهب السوريون، سألجأ الي يد عاملة من بنغلاديش أو من الهند. ومن المستحيل أن تجد لبنانيين لديهم المهارات المطلوبة يقبلون هذا النوع من العمل.”

بالإضافة إلى هذا فإن هناك عاملا آخر يرتبط بالزمن: فالعديد من السوريين كانوا يعملون بالفعل، كما رأينا، في لبنان قبل بداية النزاع وفي قطاعات لازالوا ينشطون فيها مثل البناء أو الزراعة أو الحراسة أو العمل في المنازل. ورغم أن ارتفاع عدد الوظائف في المجال غير الرسمي يشكل هو الآخر عائقا أمام توفر إحصائيات موثوقة، فإن بعض التقارير، مثل تقرير منظمة العفو الدولية، قدرت وجود حوالي نصف مليون عامل سوري في لبنان في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وبعبارة أخرى، فإن العديد من اللاجئين اليوم كانوا يشتغلون في وظائفهم منذ فترة طويلة وكل ما تغير، في كثير من الحالات، يتمثل في كونهم جلبوا زوجاتهم وأطفالهم الى لبنان.

محفز للاستهلاك

وإذا كان هناك ميل للمبالغة الشديدة بخصوص الآثار السلبية لتدفق اللاجئين السوريين، فإن الآثار الإيجابية لهذا الوجود يتم تجاهلها كليا. ذلك هو الحال بالنسبة للاستهلاك الوطني الذي يستفيد من استقرار العديد من العائلات السورية في لبنان، في حين لم يكن كذلك من قبل، وهوبذلك يشكل تحفيزا للاقتصاد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، سجل قطاع الاتصالات اللبناني نموا في الاشتراكات على النطاق العريض للإنترنت حيث ارتفع بثلاثة أضعاف خلال الفترة الممتدة بين 2011 و 2015؛ ويمثل ذلك أمرا مهما لأن الضرائب التي تجمع من نشاط شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تشكل مصدرا رئيسيا لإيرادات ميزانيات البلديات.

ويحمل بعضهم هذه القفزة في الاستهلاك المسؤولية عن العجز التجاري المتنامي في حين أن لبنان يستورد 80٪ من استهلاكه، مما يزيد الضغط على ميزان المدفوعات. ومع ذلك، تظهر الأرقام المتوفرة أنه لم تسجل إلا زيادة ضئيلة في حجم الواردات خلال الفترة 2010- 2015، بمعدل سنوي متوسط قدره 0.9٪ وهو شبيه بالفترة 2004-2010. من شأن هذا أن يثبت أن هناك مبالغة واضحة بخصوص تأثير اللاجئين على العجز التجاري، وبأن المشكلة ترجع أساسا إلى انهيار الصادرات.

فضلا عن ذلك، فإن جزءا كبيرا من استهلاك السوريين يتم تمويله بالعملة الأجنبية، مما يشكل دخلا غير متوقع لشراء المنتجات المستوردة إلى لبنان وكذلك هو وسيلة لتمويل المديونية العمومية. وبالفعل، تمثل التبرعات النقدية أو العينية من المنظمات الدولية حوالي 40٪ من ميزانية اللاجئين، تكملها المدخرات الشخصية (وهي تشكل 20٪ من المجموع، وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2013) والتحويلات المالية الآتية من الشتات السوري. وقد أنفق اللاجئون منذ عام 2013، 900 مليون دولار في المتاجر اللبنانية من خلال بطاقات الائتمان الموزعة عبر منظمة الصحة العالمية، بناء على برنامج يربط بين وكالة الأمم المتحدة ومتاجر لبنانية. وبالتالي فإن السوريين يشاركون بشكل إيجابي في تدفق العملة الاجنبية الضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد اللبناني.

وهذا لا يعني أن لزيادة الاستهلاك من طرف السوريين تأثيرا إيجابيا على جميع مستويات المجتمع اللبناني، بل أن هناك توترات تتعايش مع فوائد غير معترف بها كثيرا أو لا يتم الإبلاغ عنها. ويظهر ذلك بشكل سافر في القطاع العقاري. فمن ناحية، كثيرا ما يشكو اللبنانيون من أن الاحتياجات السكنية للسوريين دفعت ثمن الإيجار الى الارتفاع على حساب الطبقات الوسطى والشعبية. ولكن في الوقت نفسه، دعم هذا الطلب سوق العقار المبالغ في قيمته، وهو سوق يشكل ركيزة أخرى للاستقرار الاقتصادي في لبنان، حتى ولو أظهر علامات ضعف في الآونة الأخيرة لأسباب غير مرتبطة تماما بقضية اللاجئين. لذا، يجب معرفة كيفية التمييز بين مظاهر التشنج المرتبطة بوجود اللاجئين ومختلف الآثار الإيجابية التي جنبت لبنان أزمة في الاقتصاد الكلي.

المَنُّ بالمساعدات الإنسانية

كما أشرنا آنفا، سمحت المعونات الإنسانية بضخ كمية كبيرة من العملات الأجنبية في اقتصاد البلاد. ففي عام 2016، ساهمت وكالات الأمم المتحدة عبر نفقاتها بما يساوي 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، وفقا لتصريح مسؤول سامٍ في الأمم المتحدة. وبالرغم من أن كل هذه النفقات لا ترتبط حصريا باللاجئين، فإن الغطاء المالي الإجمالي للأمم المتحدة ازداد بقوة بسبب الأزمة. وأكد ذلك مسؤول كبير في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بقوله: “بدون اللاجئين، سيكون تمويلنا أقل بكثير. ولتكوين فكرة عن ذلك فقد كنا نمنح 26 مليون دولار في عام 2012، وفي عام 2016 أصبحنا نوفر ثلاثة أضعاف هذا المبلغ”. وفي الوقت نفسه، قدمت عدة بلدان ومنظمات دعما مضاعفا لميزانية لبنان بقصد مواجهة الأزمة. لقد منحت المملكة المتحدة 2,5 مليون جنيه استرليني (28,19 مليون يورو) من المساعدات المقدمة إلى لبنان في عام 2010، وهو مبلغ قفز إلى 99 مليون جنيه استرليني (111,64 مليون يورو) في عام 2015.

وبغض النظر عن ضخ السيولة النقدية، فإن هناك استفادة مباشرة لمواطني البلد المضيف من المساهمة الدولية. وقد حرصت معظم البرامج الإنسانية والإنمائية الكبرى على إشراك اللبنانيين، إما عبر مساعدة مباشرة أو من خلال تطوير منشآت عمومية كالبنية التحتية. وهكذا تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مبلغ 35 مليون يورو خلال الفترة 2014ـ 2015 في مجال معالجة النفايات والذي سيستفيد منه حوالي 3 ملايين شخص هم في الغالب لبنانيون. كل هذه استثمارات جديرة بالملاحظة نظرا لفشل الحكومة اللبنانية في إصلاح بنية تحتية عفا عليها الزمن. حيث يعاني نظام الصرف الصحي وتوزيع المياه من أزمة منذ فترة طويلة قبل 2011 في حين تواصل الحكومة إنفاق 1٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الاستثمارات الإنتاجية. وهنا نجد أيضا عنصرا آخر يكتنفه الغموض: فإذا كان اللاجئون قد شكلوا فعلا ضغطا على البنية التحتية اللبنانية، فقد أدى وجودهم إلى إطلاق استثمارات في مناطق أهملتها الدولة اللبنانية منذ أمد طويل.

وهناك فوائد غير مباشرة أخرى على مستوى العمالة بفضل المعونة الدولية. فمنذ عام 2011، تم خلق عدد متزايد لمناصب شغل لبنانية بفضل برامج المساعدات والتي لم تكن لتتوافر دون وصول اللاجئين. ومن ناحية أخرى، فإن المغتربين الذين يأتون إلى لبنان للعمل مع المنظمات الدولية لديهم قدرة عالية على الإنفاق في مجال الخدمات والقطاع العقاري. وهنا أيضا، توجد آثار متعددة الأوجه. يجر المغتربون أسعار الإيجار نحو الارتفاع في الأحياء السكنية الراقية مثل مار مخائيل في بيروت، ولكنهم يحملون أيضا آثارا مفيدة لاقتصاد يعاني من الركود وهو في حاجة ماسة إلى العملة الأجنبية.

شهدت الحياة اليومية للبنانيين ذوي الدخل المنخفض تحولات كبيرة نتيجة التدفق الكبير للاجئين. ويؤثر هؤلاء على حياتهم بصفة جد ملموسة: فقد شاهد بعض اللبنانيين ارتفاعا في فواتير الكهرباء بينما يقوم السوريون بتحويل الكهرباء بشكل خفي لإضاءة الشقق الخاصة بهم لأنه لا يمكنهم أن يرتبطوا بصفة قانونية بالشبكة. كما لاحظ آخرون أن أقسام دراسة أبنائهم أصبحت مكتظة وفيها تلاميذ لم يكونوا مهيئين لتعليم وطني يقوم على ازدواجية اللغة. وعلى الرغم من أن هذه الشكاوى حقيقية أو محسوسة فعليا، فليس هذا سوى جزء من مشهد أكبر. فبوجود سكان سوريين يعيشون ضمن اقتصاد لبناني ذي توازن حساس، يستغل بعض الساسة وجود اللاجئين بصفة تشكل مخاطرة على مصالحهم ذاتها.

إن الطرد الجماعي للسوريين من شأنه في آخر المطاف أن يحرم لبنان من دعم تحتاجه البلاد فعلا في وقت يواجه فيه وضعا غير مستقر هو مسؤول عنه. وسيتم توجيه مساعدات المانحين والخدمات التي يقدمونها حيث يكون السوريون. وقد يؤدي انحسار الرساميل الذي يتبع ذلك الى بروز صعوبات مالية جديدة للبلاد. وفي هذا الظرف، من الحكمة بمكان على لبنان أن يكبح هذه الرغبة الجماعية المتنامية في طرد السوريين والتي قد تتسبب في أزمة اقتصادية أخطر من التي يزعم أنهم تسببوا فيها.