في أوزبكستان، نهضة إسلامية تحت رقابة صارمة
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يتبنّى الإلحاد رسميًّا، تسعى الجمهورية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى إلى إبراز هويتها الإسلامية الخاصة من خلال إحياء تراث ثقافي يمتد لآلاف السنين. غير أن هذا التجدد الديني يتمّ تحت رقابة صارمة من قبل الدولة، ولا سيما على شبكات التواصل الاجتماعي، بذريعة مكافحة التطرف الإسلامي.
لم تكتمل الأشغال بعد، لكن المرشدين السياحيين يقدّمونه دون انتظار على أنه “أحد أهم الأماكن في العاصمة”. في الساحة الكبيرة المقابلة لمسجد “تيليا شيخ” القديم والحديقة الداخلية الهادئة لمدرسة “باراك خان” الدينية، ينهمك العمّال في اللمسات الأخيرة لمركز الحضارة الإسلامية المرتقب في طشقند، في الجزء الشمالي الغربي من العاصمة الأوزبكية، والتي يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة.
ينتظر سكان طشقند منذ سنوات افتتاح هذا المتحف الضخم الذي بدأت أعمال بنائه عام 2018، ومن المقرر أن يفتح أبوابه أمام الجمهور مطلع العام المقبل. لكنه سبق، في سبتمبر/أيلول 2025، أن استقبل عدة وفود أكاديمية دينية من الخارج. وقد أشاد الجميع بهذا المبنى المعماري المشيَّد على ثلاث مستويات، والممتد على مساحة 45 ألف متر مربع، والمتوَّج بقبّة فيروزية شامخة بارتفاع 65 مترًا. تكريم بارز للعمارة التيمورية1 في سمرقند، الجوهرة التاريخية لأوزبكستان، وكذلك لعلماء أوزبكستان الكبار، مثل الإمام محمد البخاري (810-870)، والترمذي (824-892)، وابن سينا (980-1037)، والبيروني (973-1048 أو 1052).
وسيحتضن المتحف خصوصاً “مصحف عثمان”، أحد أقدم المصاحف التي كُتبت بعد وفاة الرسول محمد، والذي حُفظ وحُمي في عهد تيمورلنك (1336-1405)، الفاتح التركي-المغولي في القرن الرابع عشر. وقد استولى عليه الروس في القرن التاسع عشر، ثم عاد إلى آسيا الوسطى بقرار من لينين عقب ثورة أكتوبر (1917). وكما أشار الرئيس شوكت ميرضيائيف في مطلع هذا العام:
“لقد تأسست الحضارة والتعاليم الإسلامية دائماً على العلم والثقافة والتعليم […]. ويتمثل هدفه الرئيسي في جمع التراث الإسلامي الممتد عبر ألف عام والمرتبط ببلدنا في مكان واحد.” يثير مركز الحضارة الإسلامية، المحاط بمجمع من الفنادق ومحلات الهدايا التذكارية، شعوراً بالفخر الوطني وفي الوقت نفسه لامبالاة نسبية في الحياة اليومية لسكان طشقند. وتعتزم السلطات أن يكون من أهم المواقع الثقافية في البلاد، مع دور دبلوماسي معلن. وقال اخرور بورخانوف، المتحدث باسم وزارة الخارجية والمسؤول عن متابعة تطوير المركز: “نرى أن الزيارات الدبلوماسية المستقبلية ستُجرى في هذا المركز.”
يتم إعطاء مكانة بارزة أيضاً للتراث الديني في العاصمة السابقة لإمبراطورية تيمورلنك، سمرقند. فقد تم إعلانها في 27 مايو/أيار 2025 “العاصمة الثقافية للعالم الإسلامي” من قبل منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)2، بالشراكة مع وزارة الثقافة الأوزبكية. وعلى بُعد بضع مئات من الأمتار من ساحة ريغستان، القلب التاريخي للمدينة، يشهد ضريح الإمام والفيلسوف أبو منصور الماتريدي (870-944)، ابن المدينة، أعمال توسعة. وتطمح السلطات إلى جعله واحداً من أبرز المزارات الدينية في سمرقند.
هوية إسلامية مُعلنة
بالتوازي مع إبراز التراث الإسلامي، تتسارع وتتزايد ممارسة الشعائر الدينية في هذه الجمهورية السوفيتية السابقة حيث يشكّل المسلمون 90% من السكان. يقول إلخام عمرخونوف، الخبير في شؤون الإسلام في آسيا الوسطى والمقيم في قرغيزستان، ومنسق مشاريع للوقاية من التطرف الديني: “إن الدين أصبح أكثر حضوراً، هنا كما في الدول الأخرى ما بعد السوفيتية ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة. الناس يمارسون الشعائر أكثر، والمساجد أصبحت أكثر امتلاءً. وهو هذا مسار طبيعي، بعد سبعين عاماً من الإلحاد المفروض تحت الاتحاد السوفيتي.” وسيخصص المتحف الجديد في العاصمة معرضاً لـ “أوزبكستان الجديدة” التي أرسى دعائمها الرئيس شوكت ميرضيائيف، الحاكم منذ عام 2016. ويُراد بهذا المفهوم أن يكون قطيعة مع “أوزبكستان القديمة” لسلفه إسلام كريموف، الذي حكم بقبضة من حديد لمدة ربع قرن، منذ الاستقلال عام 1991 وحتى وفاته.
بعد الاستقلال، أعاد إسلام كريموف فتح المساجد وسنّ “قانوناً حول الدين”، ليعيد الإسلام إلى قلب الهوية الوطنية. وكان ذلك منعطفاً أساسيًّا بعد عقود من الهيمنة السوفيتية، حيث فرض النظام إلحاداً صارماً للدولة، وأغلق دور العبادة، وحظر التعليم الديني.
لكن هذه “النهضة الدينية” رافقتها حملة قمع جماعية ضد المسلمين، برّرها صعود الحركة الإسلامية في أوزبكستان وحزب التحرير3، الحزب الإسلامي الوحدوي الذي يدعو إلى إقامة خلافة جديدة. وفي أواخر التسعينيات وأوائل سنوات ألفين، شنّت هذه الجماعات سلسلة من الهجمات في العاصمة وشرق البلاد، استهدفت الرئيس كريموف، إضافة إلى عمليات خطف لجنود وشرطيين وسياح. وقد انقلبت السلطة ضد جميع من يمارسون الشعائر الدينية من دون تمييز.
يتذكر بهروزبيك يادغوروف، الطالب في جامعة طشقند : “لم يكن يُسمح للشباب دون سن السادسة عشرة بالذهاب إلى المسجد!” وبالنسبة له، فقد كسب السكان اليوم قدراً أكبر من الحرية الدينية مقارنة بالعقد الماضي. فقد بثّ الرئيس الحالي شوكت ميرضيايف بالفعل روحاً من الحرية. حتى أنه في عام 2017، أُطلق سراح 16 ألف أوزبكي كانوا مدرجين على القائمة السوداء بناءً على مجرد شبهات بالتطرف الديني. كما عاد بثّ الأذان إلى المدن، وأصبحت الرموز الدينية الخارجية — مثل ارتداء الحجاب للنساء وإطلاق اللحي للرجال — مقبولة.
لكن ورغم الفصل الرسمي بين الدين والحكومة حسب الدستور، تواصلت مراقبة ممارسة الدين بشكل صارم عبر “الإدارة الدينية للمسلمين” (المفتيات)، وهي مجلس روحي إسلامي يقوده مفتي ومجلس من العلماء (الفقهاء).
مراقبة جماعية
تبقى الساحة الدينية إذن تحت رقابة مشددة، رغم الانفتاح الذي روّج له منذ الولاية الأولى لِميرضيائيف. ويقول رجل أعمال من طشقند طلب عدم الكشف عن هويته: “يمكن أن أُسجن لمجرد أنني أشارك حديثاً مع أبنائي. بالطبع هناك مشكلة.” وبينما يحدّق في مسبحته، يوضح أنه يتعرض باستمرار لتوقيفات من الشرطة بسبب طول لحيته، ويخضع لعمليات طويلة ومهينة للتحقق من هويته.
في 2024، أصدرت أوزبكستان أكثر من 1250 عقوبة إدارية بسبب أنشطة دينية، وفقاً لتقرير لجنة الحرية الدينية الدولية الأمريكية. وقد شاركت عدة منظمات غير حكومية هذا الاستنتاج، من بينها “هيومن رايتس ووتش” التي كتبت في تقريرها لعام 2025: “تمنع السلطات الأوزبكية تسجيل المجموعات الدينية، وتُخضع السجناء الدينيين السابقين لعمليات تفتيش تعسفية، وتلاحق المسلمين بتهم غامضة وغير دقيقة تتعلق بالتطرف.”
أدّت هذه الرقابة المنتظمة خلال الأشهر الأخيرة، إلى فرض غرامات أو عقوبات قصيرة، خصوصاً بسبب محتويات دينية منشورة على الإنترنت. وفي العام الماضي، قيّدت الإدارة الدينية لمسلمي أوزبكستان حضور الأئمة على شبكات التواصل الاجتماعي. كما أفادت وسائل إعلام أوزبكية بصدور قرارات شخصية من المفتي تمنع الأئمة من التعبير عبر هذه الشبكات الاجتماعية4.
ومؤخراً، جرت محاكمة بارزة للمدوّن الديني أليشر تورسونوف، المعروف بلقب “مبشّر أحمد”، وهو صاحب قناة “أذان غلوبال” على يوتيوب. وقد قدّم تورسونوف عبرها مجموعة من المحتويات المرتبطة بالإسلام، أحياناً ناقدة للعلمانية التي تروّج لها الدولة، كما وسّع تأملاته الدينية لتشمل الجيو سياسة والثقافة الشعبية، من الدعوة إلى مقاطعة “ماكدونالدز” بسبب الحرب على فلسطين، وصولاً إلى شخصيات بارزة في الهوية الأوزبكية.
وقد جرى ترحيله من تركيا في أيار/مايو 2025 بناءً على طلب طشقند، وهو متهم بنشر محتويات دينية عبر الإنترنت “من شأنها تأجيج الفتنة الطائفية وتهديد النظام العام”. كما يُنسب إليه إنتاج وتوزيع وثائق ذات طابع ديني من دون ترخيص، في انتهاك للقوانين التي تنظّم ممارسة الإسلام بشكل صارم في أوزبكستان. وقد أدّى ذلك إلى صدور حكم بسجنه لمدة عامين ونصف، في 9 تشرين الأول/أكتوبر. وأوضح محاموه، الذين تواصلت معهم “أوريان 21”، أن موكّلهم لم يرغب في الاستئناف. وأضافوا أنهم يشهدون تزايداً في مثل هذه القضايا داخل المحاكم.
ينحدر تورسونوف من مدينة نامانغان في وادي فرغانة، المنطقة الأكثر محافظة في أوزبكستان. هذا الإقليم المنبسط، الذي يقطنه نحو 16 مليون نسمة والمحصور بين قرغيزستان وطاجيكستان، كان خلال الحقبة السوفيتية المركز الرئيسي للإسلام السري. وقد رفضت فيه جماعات متشددة الأشكال الشعبية المحلية للعبادة، وسعت إلى فرض ممارسة حرفية للإسلام.
يُلاحظ اليوم في الشوارع وجود عدد أكبر من النساء المحجبات مقارنة ببقية مناطق البلاد. ويمازح بهروزبيك يادغوروف قائلاً: “في طشقند يروّجون للهوية الإسلامية، أما هنا فنحن نمارسها.” وفي قريته الأصلية تشوست، الواقعة على بُعد 20 كيلومتراً من العاصمة الإقليمية نامانغان التي يزيد عدد سكانها عن 700 ألف نسمة، تشهد حركة المرور ازدحاماً أمام المسجد المخصص للرجال وقت صلاة الجمعة.
وقد جعل هذا التديّن من وادي فرغانة ومدينة نامانغان أكثر المناطق خضوعاً للرقابة. ففي صيف هذا العام، أُغلقت خمس مدارس دينية “غير قانونية” في نامانغان، حسب وسائل إعلام محلية. وفي أواخر آب/أغسطس 2025، استُدعيت زوجات الأئمة في نامانغان إلى اجتماع أُبلغن فيه بوجوب ارتداء الحجاب ليس حول العنق على الطريقة العربية، بل وفق التقليد المحلي بربطه خلف الرأس. وقد تعرض أزواج اللواتي تخالف التعليمات لتهديدات بالطرد من المساجد من قبل الفرع المحلي للمفتيّات.
في المدينة، يتجنّب الناس التعليق علناً على هذه الوقائع. أما كوبيلجون مرزاباييف، مدير المدرسة الدينية التي جمعت عند تأسيسها عام 2016 جميع المدارس الدينية في المدينة، فيرفض الحديث عن أي قمع محتمل ضد المسلمين الممارسين قائلًا: “لدينا ببساطة تقاليدنا الخاصة، ونريد الحفاظ عليها!”
يُفضّل برخاذر مخودين، حارس مدرسة “مُلّا قرغيز” الدينية، وهي بناية يعود عمرها إلى مئة عام بجوار السوق المركزي في المدينة، أن يُعبّر عن ارتياحه: “اليوم أصبح لكل حيّ مسجده!”. ويذكر بسرور مسجد “يوسفخان أوغلو قاسمخان”، آخر مسجد كبير شُيّد في نامانغان عام 2022 على أطراف المدينة، في حيّ يشهد طفرة عمرانية متسارعة.
شبح التطرف ما زال حاضرًا
يوضح لنا إلكهام عمرخونوف، الذي شارك بين 2022 و2023 إلى جانب أحمد شهيد، المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، في متابعة توصيات الأمم المتحدة، قائلاً:
لا تزال الجماعات الدينية المتطرّفة موجودة في أوزبكستان، مثل التيارات السلفية المتشددة وحزب التحرير. ونظراً لماضي البلاد وكثافة سكانها العالية، تبذل الحكومة كل ما في وسعها لئلا تمنح هذه الجماعات فرصة لاستغلال قضية الإسلام. إنها مقاربة براغماتية (…) فلا توجد اضطهادات واسعة النطاق ضد المسلمين في أوزبكستان، لكن هناك دائماً تمييز ورقابة مشددة ستستمر في السنوات المقبلة.
إذا كان استيلاء طالبان على كابول عام 2021 قد أعاد إحياء مخاوف في دولة آسيا الوسطى هذه، التي تشارك حدوداً بطول 130 كيلومتراً مع أفغانستان، فإن التهديد الأكبر اليوم يتمثل في تنظيم “الدولة الإسلامية – خراسان”، وهو فرع من تنظيم الدولة الإسلامية تأسس عام 2015 ويعمل من أجل جهاد عالمي. هذا التيار الإسلامي الأصولي، الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم موسكو في ربيع 20245، يُجسّد التهديد الرئيسي في المنطقة، ولا سيما من خلال تجنيد مواطنين أوزبك و/أو من أبناء المنطقة.
مع ذلك تبقى هذه التهديدات محدودة، بحسب الباحث أوليفييه فيراندو، مؤلف دراسة نُشرت في كانون الثاني/يناير 2024، إذ إن الأوزبك لا يتطرّفون داخل البلاد. ويؤكد أن “الظاهرة تحدث أساساً في الخارج، في بلدان استقبال العمال المهاجرين، حيث لا يكون للسياسة التقييدية للحكومة الأوزبكية أي أثر مباشر، وهناك يمكن أن تشهد عودة الإسلام السياسي”. وبخاصة في روسيا، حيث يوجد أكثر من 80% من المهاجرين الأوزبك. وعلى العكس، بالنسبة إلى الدولة الأوزبكية، يبقى الخطر قائماً؛ ففي صيف هذا العام تمّ تفكيك خلية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تضم ستة عشر شخصاً في نامانغان. ويبدو أن رهان أوزبكستان المعلّق بين القوة الناعمة الدينية والرقابة الداخلية مرشّح للاستمرار طويلاً.
1نسبة إلى السلالة التركية-المغولية المنحدرة من نسل تيمورلنك، والتي حكمت خراسان من 1405 إلى 1507 قبل أن يطردها الأوزبك من السلطة.
2تأسست الإيسيسكو في المغرب عام 1982، وتضم 53 بلدًا مسلمًا، وتعلن سنويًا ثلاث عواصم ثقافية إسلامية.
3حزب التحرير تأسس عام 1952 على يد الفقيه الفلسطيني تقي الدين النبهاني، وهو حزب سياسي إسلامي يعمل خصوصًا في آسيا الوسطى.
4“في أوزبكستان، يُحظر على الأئمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإعجاب بالمنشورات” (بالروسية)، راديو أوزودليك، الفرع الأوزبكي لإذاعة أوروبا الحرة (الممولة من الولايات المتحدة)، 3 يونيو/حزيران 2024.
5في 22 آذار/مارس 2024، هاجمت مجموعة من أربعة أشخاص من أصل طاجيكي قاعة عرض قرب موسكو، ما أدى إلى مقتل 145 وجرح 550. تبنى الهجوم تنظيم “الدولة الإسلامية–خراسان”.

