مصر وتقلُّباتِ التحالُفِ بينَ واشنطن والإِخوانِ المُسلِمين

كيفَ تعاملَت الولاياتُ المتَّحدة مع الوجهِ الأساسيِّ للإسلامِ السياسي المُعاصِرِ في السِّياقِ الثوريِّ المصريِّ بينَ 2011 و2013؟ سؤالٌ يطرحُ نفسَه إذْ كانَ على الولاياتِ المتَّحدة أن تتعاملَ للمرَّة الأولى في التاريخِ مع إخوانٍ مُسلمينَ وصلَوا إلى السلطةِ بطريقةِ ديمقراطيّة.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس محمد مرسي في أديس أبابا في 23 أيار 2013.
وزارة الخارجية الأميركية.

تعرَّضَ رأسُ الهرمِ السياسي والديبلوماسيّة في الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ لأزمةِ تكيُّفٍ جراءَ وصولِ الإسلامِ السياسيِّ إلى السلطة في مصر على إثرِ التَظاهرات الشعبية بدايةِ عام 2011 والانفِتاحِ السياسي الذي حصدَ الإخوان المسلمون نتيجتَه، لا سيَّما لصالحِ حزبِ الحرِّيَّة والعدالة. لقد دارَت بالفعلِ نقاشاتٌ عديدة، ليسَ فقط في الأوساطِ السياسية، ولكن أيضاً بين المثقَّفين والأكاديميّين، حولَ طبيعةِ الإسلام السياسي، واحتدَّت حولَ قدرتِه على احترامِ قواعدِ التعدُّدِيَّة والديمقراطيَّة إن آلت لهم شؤون السلطة. وإنْ تميَّزَ التيّارُ “الوسطيُّ” (بروكينغز Brookings ) بتحليلاتٍ دقيقةٍ منفَتِحةٍ على أطروحة التجانس المُمكِن بين الإسلامِ السياسي والديمقراطيّة، فإن َّ دوائرَ فكريَّةً أخرى، على غرارِ راند كوربوريشن Rand Corporation تُعطي تقييماتٍ أكثرَ تَحفُّظاً.

في تلكَ التربةِ النظريَّةِ المنقسِمة ِستنبُتُ التجربةُ العمليَّةُ الأولى للسياسةِ الأميركيَّة تجاهَ الإسلامِ السياسي بينَ 2011 و2013. كانَ تحذُّرُ باراك أوباما الفكري الأوَّل محكوماً بمواقفِ الإخوانِ المسلِمين المَعْروفة بجذريَّتِها واتِّجاهِها التعدِيليِّ (رغبةٌ بإعادةِ النظرِ بعمقٍ بُبنى النظامِ العالميِّ المعتَبَر جائراً بحقِّ الشعوبِ المُسلمة). وقد أعلن أوباما قبلَ الانتِخاباتِ أنَّ الإخوانَ “ليسوا جديرين بالثقة”. فهوَ يلومُهم إذ يروِّجون “لمواقفَ معادِيةٍ للولاياتٍ المتَّحِدةِ الأميركيَّة”، ويرى أنَّهم “بالتأكيدِ لن يحترِموا الاتِّفاقَ الموقَّعَ مع إسرائيل”1 . إلّا أنَّ موقفَهُ سيتأرجَح مع اندِلاعِ الثورة، بينَ الانفِتاحِ والحذَر، راسماً بذلك الخطوطَ العريضةَ لسياسةٍ فعليَّة تصبو إلى بناءِ علاقاتٍ ديبلوماسيَّة معَ الإخوانِ المُسلمين.

تميَّزَ أوباما أمامَ أهمِّ مُستشاريه ، بتقرير يتكوَّنُ من عدَّةِ صفحات أطلَعهم عل مضمونِه قبلَ الثوراتِ العربيَّة بأربعةِ أشهر، يُنذِر فيه بالحالةِ المُستعصيَةِ التي سيؤدِّي إليها الدعمُ للأنظِمةِ الديكتاتوريَّة المستمِرِّ منذُ عقود. يشكِّلً هذا التقرير، الذي يحملُ عنوانَ “الإصلاحُ السياسيُّ في الشرقِ الأوسطِ وشمالِ إفريقيا”2 ، صدىً للخطابِ الذي ألقاهُ في القاهرة في 4 تموز/ يوليو 2009 في القاهرة، ويركِّزُ على ضرورةٍ انفتاح المُجتمَعاتِ العربية، وعلى رأسِها مصر. يُلِحُّ التقريرُ على ضرورةِ المُثابرةِ في ديبلوماسيَّة “الدفعِ الديمقراطيِّ” التي بادرَت بها إدارةُ الرئيسِ جورج بوش، بهدفِ إعادةِ قولَبةِ الشرق الأوسط. في مرحلةٍ كانَ فيها اجتياحُ العراق قيدَ الدراسة ثمَّ قيدَ التنفيذ، افترَضت تلكَ السياسةُ التواصلَ مع قوى نافذةٍ من المعارضةِ في العالمِ العربيِّ، بما فيها حركاتُ الإسلامِ السياسي.

بداية نقد ذاتي

في تعليقٍ على أحداثِ جمعة 28 يناير 2011 (“يوم الغضب”)، يرسمُ جون كيري الخطوطَ العريضة لنقدٍ ذاتيٍّ للمبادئ التي وجَّهَت سياسةَ بلدِه تجاهَ مصر، ويحذِّرُ في الوقتِ نفسه من احتمالِ وصولِ الإخوانِ المُسلمين للسلطة3: "بحكمِ أحداثِ الأسبوعِ الماضي، ينتِقدُ بعضُهم اليومَ التسامحَ تجاهَ النظامِ المصريِّ الذي تميَّزَت به الولاياتُ المتَّحِدة. صحيحٌ أنَّ خطابَنا العامَّ لم يكنْ دوماً مُتماشَياً مع مصالِحِنا الخاصة. ولكنه كانَ فهماً براغماتياً للأمور، حيثُ كانَت علاقاتُنا لمصلحةِ الولاياتِ المتَّحِدةِ وكانت تخدمُ مصالحَنا في المنطقة (...).

يجبُ على الولاياتِ المتَّحِدة أن ترفُقَ خطابَها بدعمٍ فعلِيٍّ للشعبِ المصري. لمدةٍ طويلةِ، كان للدعمِ العسكريِّ الأفضلِيَّةً في تحالِفنا. والدليلُ في ذلكَ أن القنابلَ المسيلةَ للدموعِ الموجَّهةِ ضدَّ المتظاهرين كانت تحملُ ختمَ “صُنِع في أميركا” (...) ليسَ من مصلحتِنا أن نشهدَ سقوطَ حكوماتٍ صديقةٍ تحتَ تأثيرِ غضبِ وحرمانِ شعوبِها، ولا أنْ نرى السلطةَ وقد آَلت لفئاتٍ أصوليَّةٍ قد تساهمُ في انتِشارِ التطرُّف. (...) خلالَ ثلاثةِ عقود، كانت للولايات المتحدة سياسةُ دعمٍ لمبارك. اليوم، يجب أن ننظرَ أبعدَ من عهدِ مبارك وأن نحدُّد سياسيةً مصريَّة.“إلّا أنَّ الإخوانَ المسلمون أصبحوا موضعَ استراتيجيَّةِ الالتزامِ هذه. ولئن طبعَت المماطلةُ بدايةَ الثورة، كما تشيرُ إلى ذلك تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي رأت” أن تلك الثوراتُ ليسَت ثوراتِنا، لم نَقمْ بها، لم تقمْ من أجلِنا، ولا ضدَّنا“4 ، إلا أنَّ الديبلوماسيَّة الأميركيّة انفتَحت على مُناهِضي الرئيس مبارك، و بشكلٍ علنيٍّ على الإخوانِ المُسلِمين، بعدَ ذلكَ بأسابيع. وعليه تمّ الإعلانُ في حزيران/ يونيو 2011، عما يشبِهُ نهجاً يُتَّبعُ في العلاقاتِ مع الإسلامِ السياسيِّ المصري5 :” بحكمِ تغيُّر المشهدِ السياسي في مصر، نحنُ نفترِضُ أنَّه من مصلحةِ الولايات المتَّحِدة أن تقفَ مع كلِّ الأطرافِ السلميَّةِ التي اختارَت نبذَ العنفِ والتي تنوي خوضَ الانتِخابات البرلَمانيّة والرئاسية (...) وعليه، فنحنُ نفتحُ بابَ الحوارِ مع الإخوان المُسلمينَ الذين أبدوا رغبةً بالحديث معنا".

في بدايةِ تشرين الثاني / نوفمبر 2011، أكَّدَت هيلاري كلينتون هذا الانفتاحَ على شكلِ نقدٍ ذاتيٍّ: “على مدى سنوات، قال الديكتاتورِيّون لشعوبِهم أنَّ عليها القبولَ بمستبِدّين يعرِفونَهم فَضلاً عن مُتطرِّفين يَخشونَهم. وغالباً ما قَبِلنا بذلك الخطاب”6 .

أكّدَ فوزُ الإخوانِ في الانتِخاباتِ النيابيَّةِ والرئاسيَّة عام 2012 هذا الانفِتاحَ، مع أنَّ واشنطن أبقَت على تحفُّظاتٍ تبرِّرُها خطاباتُ الزعماءِ الإسلاميّين الذين عمَدوا خلالَ حملتِهم مراراً وتكراراً على ذكرِ فلسطين وضرورةِ النضالِ من أجلِ تحريرِها. إلّا أنَّ كلَّ ذلك لم يمنعْ الولاياتِ المتَّحدةَ من المحافظةِ على النهجِ التعاوُنيِّ والتشارُكيِّ كنهجٍ معتمَد. فكانت سنةُ 2012 سنةَ لقاءاتٍ رفيعةِ المُستوى بين أعضاءٍ من جمعيَّة الإخوانِ المسلمين وشخصيّاتٍ رسميَّةٍ أميركيَّة، وكان المسؤولونَ الإخوان يتواصلون باستمرار فيما بينَهم، بينَما المسؤولونَ الأميركيّون يسعَون باستمرارٍ لفهمِ انطباعاتِ وتحليلاتِ الإسلاميّين، في حينٍ كان فيهِ العالمُ العربيُّ في حالةِ غلَيان. وفي حينِ أنَّ جون كيري، الذي تقلّد في تلك الأثناء منصب وزير خارجية، أعترفَ بفوزِ الإسلاميّين، أعلنَ الدبلوماسيّون الأميركيّون نيَّتَهم بالتعاملِ مع “الأحزابِ الفائزة”، وأشاروا أن قادةَ حزبِ الحريَّة والعدالة “مُثابِرون في الإدلاءِ برسائلَ مُعتدلةٍ – متعلِّقة بالأمنِ الإقليميِّ والشؤون الداخلية، وبالشؤونِ الاقتصادِيَّة أيضاً”7.

تجاوَزً الموقفُ الرسميُّ الأميركيُّ مخاوفَ جان كيركباتريك Jean Kirkpatrick ، سفيرةِ الولاياتِ المتَّحدةِ الأميركيَّةِ السابقةِ في الأمَمِ المتَّحدة. في حينِ تُعلن جان كيركباتريك أن “العالمَ العربيَّ هو المنطقةُ الوحيدةُ في العالمِ الذي هزَّ قناعتها التي تقولُ أننا إذا ترَكنا الشعوبُ تختارُ بحرِّية، فهي تقومُ بخياراتٍ عقلانِيَّة”8، يؤكِّد جيفري فيلتمان Jeffrey Feltman نائبُ سكرتيرِ مكتبِ الشرقِ الأدنى9 : “نحن نعرفُ أنَّ الأحزابَ المتأصلةُ مفاهيمُها في الدين ستلعبُ دوراً كبيراً. لا نعرفُ بعدَ أيَّةُ علاقةٍ ستربطُ الولاياتِ المتحدةَ في السنواتِ القادمةِ بالحكوماتِ الناشئةِ والمجالسِ النيابيَّةِ والمجتمعاتِ المحلِّية. (...) والسبيلُ الأفضلُ للحَوْل دونَ التطرُّفِ هو دعمُ الحكوماتِ الشرعية. والانتقالاتُ السلميَّةُ في تونس ومصر تضربُ أساسَ الرسالةِ المتطرِّفةِ ومفادُها أنَّ العنفَ هوَ السبيلُ الوحيدُ للتغييرِ السياسي. ومن شأنِ طرحِ خيارٍ آخرَ غيرِ عنيف، نحوَ انتقالٍ سياسيٍّ فعليٍّ، أن يسحبَ غطاءِ الشرعيَّةِ عن الفئاتِ المتطرِّفة وأن يَحدَّ من جاذِبيتها”.

وفي نيسان 2012، أتى استقبالُ وفدٍ من الإخوانِ المسلمينَ في البيتِ الأبيضِ للقاءِ كبارِ المسؤولين الأميركيّين استجابةً لتلك التصريحات، وذلكَ بعدَ بضعةَ أشهرٍ من زيارةِ وفدٍ أميركيٍّ رفيعِ المستوى تضمَّنَ ويليام بورنز Willim Burns (المسؤولِ عن العلاقةِ مع الإخوان) إلى القاهرة. يأتي انتخابُ برلمانٍ أغلبيَّةُ نوابِه من الإخوان المسلمين، ووصولِ محمَّد مرسي إلى سدَّةِ الرئاسة في ظرفِ انفتاحٍ متبادَلٍ بين القوّة العُظمى الأولى وأهمِّ حركةٍ إسلاميَّةٍ عابرةٍ للأوطان. ذلك لا يعني غيابَ القلقِ تجاهَ الإيديولوجِيَّة التي يرتكِزُ عليها الإخوان المسلمون. فإن اعتمَدنا على التصريحات العامَّة للسفيرةِ الأميركيَّة آن باترسون Anne Patterson، أسفرَت الأشهرُ الأولى من حكمِ الإخوانِ عن رِضى فيما يتعلَّقُ بأداءِ الإخوانِ في المجالِ الاقتصاديِّ والدوليِّ10 ، بقدرِ ما أسفرَت عن حذرٍ واضحٍ تجاهَ إطارِهم الإيديولوجيِّ وميلِهم للنهوضِ في وجهِ القيمِ والمصالحِ الأميركيَّة في بعضِ الملفَّات.

وتشكِّل تصريحاتُ السفيرةِ خيرَ دليلٍ على ذلك. في عام 2011، عبَّرَت السفيرةُ عن “عدم ارتياحها معهم”، مقدِّرة لهم التزامَهم تجاه الحرية الاقتصادية، إنَّما مُعبِّرةً عن قلقٍ مُتَنامٍ تجاهَ رؤيتِهم “المنتقِصة للليبراليَّة في مسائلِ حقوقِ النساء” وتجاهَ موقِفهم من معاهدةِ السلامِ المبرَمةِ مع اسرائيلَ عام 197811 .

كيفيّةُ التعاملِ مع انقلابِ 3 تمّوز/ يوليو

وفي حينِ حاولَ المسؤولون الأميركيّون على مدى سنة “تدجينَ” طموحاتِ الإخوان في إعادةِ رسمِ معالمِ الدولةِ المصريَّةِ والسياسةِ الإقليميّة، وجدوا أنفسَهم في 3 تمّوز/ يوليو 2013 مُلزَمين بالتعامُلِ مع انقلابٍ يُعيدُ الجيشَ إلى السلطة والمُعارضة الإسلاميَّة القديمة إلى العملِ السرّي. ولَئن لم يلفظْ جون كيري أبداً كلمةَ “انقلاب”، إلّا أنه يتميَّزُ بتصريحٍ يسّلم في شهادة رضى للجيش الذي “أعاد الديمقراطيَّة” إلى البلاد12 .

إلّا أنَّ التوتُّراتِ والصراعاتِ التي رافقَت إقالةَ مرسي والتي بلغَت أوجَها في شهرِ آب/ أغسطس 2013 دفعَت بالرئيس باراك أوباما إلى التعبيرِ عن قلقِه تجاهَ الوضع، مُعطِياً الانطباعَ أنه لم يتمَّ التخلّي كامِلاً عن مسؤولي حركةِ الإخوان المسلمين وأنَّه لا بدَّ من ردِّ فعلٍ تجاه الوضعِ السائد وقتَذاك13 :

“نحن شديدو القلقِ بخصوصِ قرارِ قوى الجيش المصري بإقصاءِ الرئيس مرسي وبتعليقِ الدستورِ المصري. أنادي القوى العسكريَّةَ المصريَّةَ بردِّ فعلٍ سريعٍ ومسؤولٍ يعيدُ السلطةَ الكاملةَ لحكومةٍ مدنيَّةٍ يتمُّ انتخابُها ديمقراطيَّاً بأسرع ِ ما يكونُ وبأسلوبٍ مشتمِلٍ وشفاف، بحيثُ يتمُّ تفادي أيِّ اعتقالٍ اعتِباطيٍّ للرئيسِ والمُتعاطِفين معه”.

وإن تمَّ الأخذُ رسميَّاً بتغييرِ القيادةِ، وهذا ما تدلُّ عليه إعادةُ الدعمِ العسكريِّ لحكومةِ المشير عبد الفتاح السيسي بعدَ الانقلاب، تبدو السلطات الأميركيَّة محافِظةً على سياسةِ التزامٍ تجاهَ الإخوانَ وحريصةً في الوقتِ عينِه على عدمِ إدانةِ النظامِ العسكريِّ إدانةً تامَّة. تبدو إدارةُ أوباما منذُ رحيلِ مرسي، وهي تبحثُ عن توازنٍ بمنتهى الهشاشة، وكأنها تبنَّت سياسةَ “هذا وذاك”، بدلاُ من سياسةِ “لا هذا ولا ذاك، تحرصُ فيها على الاحتِفاظ بأكبرِ هامشٍ من الحركة، في حين دخلَت مصرُ في فترةٍ جديدةٍ من الاضطِرابِ والمظاهَرات. على سبيل المثال، شرحَت إليزابيث جونز Elisabeth Jones نائب سكرتير مكتبِ شؤونِ الشرقِ الأدنى التقييمَ الأميركيَّ للوضعِ في تلكَ المرحلة14 :” بدا الرئيس مرسي غيرَ راغبٍ أو غير قادر على الإدارة بطريقة مشتملة، مما قلبَ ضدَّه مصريّين كثُر. فحَّلت الحكومةُ المؤقّتَةُ محلَّ حكومةِ مرسي، تلبيةً لرغبةِ الملايينِ من المصرّيين الذين اعتبَروا أنَّ الثورةَ أخذَت منحىً خاطئاً، وقد لاحظتم عودةَ الأمنِ والاستقرارِ بعدَ عدَّةِ سنواتٍ من الاضطرابات. إّلا أنَّ الحكومةَ المؤقَّتةَ أخذَت بدورِها قراراتٍ غيرَ مُترابِطةِ، فيما يتعلَّق بالديمقراطيَّة المشتمِلة. أربَكتنا أحداثُ 3 تمّوز/ يوليو وعنفُ أحداثِ منتصفِ شهرِ آب. أربكَنا قرارُ إقصاءِ مرسي، والقوَّةُ المفرطةُ التي استُعملَت ضدَّ المتظاهرين في شهر آب/ أغسطس، والتضييقُ على الإعلامِ والمجتمعِ المدنيِّ وأحزابِ المعارضة، والاعتقالُ المستمرُّ لأشخاصٍ عديدينَ في المعارضةِ، وتمديدِ حالةِ الطوارئ".

أما الناطقةُ باسمِ الوزارةِ ماري هارف Marie Harf ، فقد أعلنَت في 12 شباط/ فبراير 2014: “لم تصِّنف الولاياتُ المتَّحدَةُ الإخوانَ المسلمين على أَّنَّهم حركةٌ إرهابيّة. لقد كنّا شديدي الوضوحِ فيما يخصُّ مصر، إَّننا نعملُ مع كلِّ الأطراف سعياً للمضيِّ قُدُماً في مسارٍ مُشتمِلٍ كما أَّننا كرَّرنا، عَلناً وخلالَ لقاءاتِنا الخاصَّة، نداءاتِنا للحكومةِ المؤقّتة أنْ تسيرَ هيَ الأخرى في المُسارِ المُشتمِل. هذا يعني الحديثَ إلى كلِّ الأطراف، ودفعِها في هذه الديناميكيَّة. لا نُعطي مُواصفاتٍ محددَّةٍ للحكومةِ القادِمة، ولكنَّها يجبُ أن تكونَ مشتمِلَة. هذا طبعاً يتضمَّنُ الإخوانَ المُسلِمين. سنواصلُ الحديثَ مع الإخوانِ المُسلمين في مصرِ بحكمِ مهمَّتِنا العامَّة الموجَّهةِ لكلِّ الفئاتِ والأحزابِ هنا”. خلاصةُ هذا الدراسةِ المقتضَبةِ أنَّ النقاشاتِ والتخوُّفاتِ المطروحةَ في بعضِ وسائلِ الإعلامِ المصريَّة – المقرَّبةِ حيناً من الإسلاميّين وحيناً آخرَ من العسكر- بخصوصِ ديبلوماسيَّةٍ أميركيَّةٍ لا تقهَرْ قادرةٍ على أن تفرضَ في مصرَ ثورةً لتضعَ الإخوانَ المُسلِمين على رأسِ السلطةِ أو أن تطردَ هؤلاءَ لتُحلَّ محلَّهم نظاماً عسكريّاً، هي طروحاتٌ غيرُ جدِّية. تتميَّز السياسةُ الأميركيَّةُ بالدرجةِ بالمُماطَلةِ والتعامُل حَسبَ مُقتضَيات الأرض، وهذا ما يشيرُ إلى وجودِ أزمةِ تأثيرٍ لهذه الدولةِ في منطقةٍ خفَّت قابليَّتُها على الانصِياع لرغباتِ الوِلايات المتَّحدة.

1Fawaz A. Gerges, « What Changes have taken place in USforeign policy towards Islamists ? », Contemporary Arab Affairs,6(2), 2013, p. 189-197.

2Fawaz A. Gerges, « The Obama approach to the Middle East : the end of America’s moment ? », International Affairs, 89(2), 2013, p. 299-323.

3John Kerry, « Allying ourselves with the next Egypt », The New York Times, 1er décembre 2011.

4Shadi Hamid et Peter Mandaville, « Bringing the United States back into the Middle East », The Washington Quarterly, 36(4), 2013 ; p. 95-105.

5Mary Beth Sheridan, « U.S. to expand relations with Muslim Brotherhood », The Washington Post, 30 juin 2011.

6Fawaz A. Gerges, « The Obama approach to the Middle East… »,op. cit.

7Ibid.

8Fawaz A. Gerges, « What changes have taken place in USforeign policy towards islamists ? », op. cit.

9Jeffrey Feltman, Assessing U.S. foreign policy priorities and needs amidst economic challenges in the Middle East, U.S department of State, 2012.

10لا سيما فيما يتعلّق بأحداث غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 وبالقبول حكماً بمعاهدة السلام عام 1979 بين مصر واسرائيل، فيما عدا نداء لمراجعة جانبه العسكري.

11Matt Negrin et Reem Abdellatif, « US ambassador to Egypt won’t sit down with Muslim Brotherhood...Yet », GlobalPost (globalpost.com), 18 octobre 2011.

12Shadi Hamid et Peter Mandaville, « Bringing the United States back into the Middle East », op. cit.

13Washington Post, « Obama urges military to return Egypt to democracy, 3 juillet 2013.

14تصريح في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2013 أمام مجلس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب