سياسة إقليمية

إيران والحوثيون، تحالف من دون اصطفاف

شنت إيران، ردًا على قصف الجناح القنصلي لسفارتها في دمشق، هجومًا محدودًا ضد إسرائيل خلال ليلة 13 إلى 14 أبريل/نيسان. وشارك الحوثيون اليمنيون في هذا الهجوم، كما يواصلون استهداف السفن التجارية “المعادية” في البحر الأحمر. وتدرك حركة أنصار الله المسلحة قدرتها على إلحاق الضرر ومدى انخراطها في الرهانات المحلية، لكنها تبقى غير مصطفة كليا مع مصالح الجمهورية الإسلامية.

13 أغسطس/آب 2019. المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في اجتماع مع محمد عبد السلام (الرجل الثاني انطلاقاً من اليسار)، المتحدث باسم المتمردين الحوثيين في اليمن.
مكتب المرشد الأعلى الإيراني/وكالة فرانس برس.

منحت الحرب في غزة الفرصة للحوثيين - جماعة “أنصار الله” - لتعزيز سلطتهم في اليمن وتوسيع نفوذهم الإقليمي. ولتحقيق أهدافهم، شنّ هؤلاء عشرات الهجمات ضد الملاحة في البحر الأحمر. وقد سمح لهم ذلك على الصعيد الداخلي بحشد مشاعر السكان المؤيدة للفلسطينيين. كما تمكنت الحركة من فرض نفسها كقوة ناشئة على المستوى الإقليمي، وأثبتت قدرتها واستعدادها لعرقلة حركة الملاحة في أحد الممرات الرئيسية للتجارة العالمية.

ولفهم مصالح وتصورات إيران فيما يتعلق بأزمة البحر الأحمر، من المفيد أن ندرس مقاربتها في التعامل مع اليمن قبل عملية حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فبالنسبة لقادة الجمهورية الإسلامية، يشكل صعود قوة الحوثيين بكل تأكيد تطوراً إيجابياً. صحيح أن الحركة اليمنية تواجه عقبات على المستوى الوطني بسبب الوضع الاقتصادي الصعب والسخط المتزايد في المناطق الخاضعة لسيطرتها. لكن بعد سنوات من الحرب الأهلية والتدخل الذي قادته السعودية لمدة تسع سنوات، تظهر الحركة كسلطة حاكمة فعلية في شمال غرب البلاد، دون منافس سياسي أو عسكري، في حين تبقى الحكومة المعترف بها دوليا ضعيفة ومنقسمة.

إضفاء الشرعية على السلطة

لا يُعرف على وجه الدقة حجم الدعم المالي الذي تقدمه إيران للحركة اليمنية، لكنه لا يتجاوز على الأرجح بضع مئات من ملايين الدولارات سنوياً، وذلك منذ 2015. من خلال تزويد الحوثيين بأسلحة خفيفة وذخائر وقطع غيار للأسلحة الأكثر تطوراً، مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى التدريب والاستخبارات اللازمة لاستخدامها، فإن الاستثمار الإيراني المحدود قد حقق لها مكاسب كبيرة جداً. وقد أصبح الحوثيون بفضل هذا الدعم الجزئي، القوة المهيمنة في اليمن ولاعباً رئيسياً في “محور المقاومة”- أي الشبكة الإقليمية للجماعات المسلحة غير الحكومية بقيادة طهران.

انخراط الحوثيين في تصعيد عسكري في البحر الأحمر يسمح لإيران بتحقيق أكبر مردود على استثمارها في اليمن، وبالتالي لا يغير من حساباتها الشاملة. ومن وجهة نظرها، فإن الخطوة المقبلة هي إضفاء الشرعية على سلطة الحوثيين. لهذا السبب تدعم طهران العملية السياسية بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، التي ترغب الجمهورية الإسلامية في تشجيع انسحابها. وعلى الرغم من أن هذه العملية تُركت جانباً في الوقت الراهن، فلا شك أن الرياض لا تزال ترغب في الخروج من حربها المكلفة في اليمن. وستكون نتيجة هذا الانسحاب حتمًا تعزيز سلطة الحوثيين، وليس عملية مصالحة وطنية قد تنطوي على تمييع سلطة الحركة التي تسيطر حاليًا على صنعاء. ونظراً لتدخلاتهم الأخيرة، سيكون الحوثيون في وضع يسمح لهم بالحصول على المزيد من التنازلات من قِبل الرياض عندما سيتم أخيراً استئناف المحادثات.

إضفاء طابع مؤسساتي على “محور المقاومة”

بروز الحوثيين كلاعب إقليمي قوي يصبّ أيضاً في مصلحة إيران خارج حدود اليمن، وذلك من خلال تعزيز قدراتها الردعية وإمكانية فرض تكاليف على منافسيها الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين. ويُشار إلى أنه بالإضافة إلى مضيق هرمز، يمكن لإيران وشركائها تعطيل الملاحة في نقطة ساخنة أخرى، وهي مضيق باب المندب، الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، والذي تمر عبره حوالي 12% من التجارة البحرية العالمية.

إن استعراض الحوثيين لقدراتهم الإقليمية وتكثيف علاقاتهم مع شركاء إيران الآخرين، لا سيما حماس وحزب الله، يؤكد الاتجاه نحو إضفاء طابع مؤسساتي على “محور المقاومة”. وأخيرًا، فإن قدرة الحركة اليمنية على تنصيب نفسها نصيرًا قويا للقضية الفلسطينية يعزز الخطاب الذي يحمله هؤلاء الفاعلون من مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وبهذه الطريقة، يستفيد الحوثيون من موقف شعبي حقيقي في اليمن وفي جميع أنحاء العالم العربي، في الوقت الذي يظهر فيه خصومهم — المتحالفون بالضرورة مع الولايات المتحدة — أقل التزامًا بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين.

رهان جريء

على الرغم من هذه التطورات، فإن الأحداث الأخيرة في البحر الأحمر تنطوي على مخاطر بالنسبة لإيران. فالمبدأ المهيمن في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية هو تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، نظراً للتفاوت الكبير في القوة بين البلدين. ويسمح الدعم الذي تقدمه للجماعات المسلحة غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة بدفع خطر انعدام الأمن إلى ما وراء حدودها. يعود ذلك إلى إدراك قادة إيران أنه في حالة حدوث تصعيد كبير، فإن للولايات المتحدة في نهاية المطاف القدرة على إلحاق ضرر أكبر. وهذا هو جزئياً السبب الذي جعل طهران تشجع حزب الله على عدم تصعيد صراعه مع إسرائيل، علماً وأن ضبط النفس هذا ينسجم مع المصالح الداخلية الحالية للحزب اللبناني.

في هذا السياق، يشكّل الغلو في تصرفات الحوثيين مخاطر على إيران. يعتقد الحوثيون بحق أنه لا يمكن لأي جهة فاعلة في اليمن أن تتحداهم. فهم لا يتحمّلون الضربات الجوية المحدودة من الولايات المتحدة وبريطانيا فحسب، بل يستفيدون أيضًا سياسيًا من هذه الهجمات. من هذا المنطلق، فإن قدرتهم على تحمّل المخاطر أعلى من تلك التي لدى إيران والتي تسعى أكثر لتجنب التصعيد. كما تدرك إيران أن حماس تعاني من أضرار عسكرية كبيرة وبأنها فقدت القدرة على حكم قطاع غزة. وهذان عاملان مهمان في لعبة طهران الإقليمية، حيث ترغب في تجنيب الحوثيين التعرض لمزيد من الضرر، علاوة على القصف الأمريكي البريطاني.

معايرة دقيقة

إن التوازن المثالي بالنسبة للجمهورية الإسلامية يتمثل في منطقة رمادية يستفز فيها الحوثيون، كغيرهم من الجماعات المسلحة الموالية لإيران، المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، ويساهمون في توريطهم في صراعات مكلفة قدر الإمكان. في الوقت نفسه، يسجّل “محور المقاومة” نقاطًا على المستوى الخطابي، مما يعزز شعبيته. تتيح مثل هذه الآلية لإيران ممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة على خصومها وتحميلهم تكاليف باهظة مع تجنب تصعيد قد يكون مكلفًا بالنسبة لها. ولعل هذا هو السبب على الأرجح الذي جعل إيران تعمل على كبح جماح بعض الميليشيات التي تدعمها في العراق، كما أشارت لذلك مقالات أخيرة. فقد ذهبت هذه الميليشيات بعيدًا جدًا، مما زاد من خطر حدوث تصعيد جديد.

هذه المعايرة الدقيقة تعيد إحياء النقاش القديم حول مستوى النفوذ العملياتي والاستراتيجي الذي تمارسه إيران على الحوثيين. يرى بعض المحللين أن الحوثيين وكلاء ويؤكّدون أن طهران تمارس نفوذاً كبيراً، دون أن تسيطر عليهم بالضرورة بشكل مباشر. غير أن الأحداث الأخيرة تؤيد وجهة نظر أكثر دقة. فقد أصبح الحوثيون، وهم قوميون شرسون رغم تلقيهم قدراً كبيراً من المساعدات الإيرانية، طرفاً فاعلاً قوياً ومستقلاً بشكل متزايد. لذا فمن الأنسب وصفهم بالشركاء. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، فإن مصالحهم متوافقة في معظمها مع إيران ويعمل الطرفان معًا بشكل وثيق في نفس المسعى.

يبقى الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية الإيرانية هو الحد من مجال مناورة الولايات المتحدة من خلال رفع التكاليف الفعلية أو المحتملة لتصرفاتها، وإجبارها على اتخاذ خيارات سيئة وتبني سياسات ضارة. وفي هذا الإطار، ساهمت إيران في دفع الولايات المتحدة إلى البحر الأحمر. تجد واشنطن نفسها الآن متورطة في الحرب في اليمن، وهي تقصف الحوثيين مع فرص محدودة في النجاح. ومع العلم أن إسرائيل غارقة في حرب مكلفة في غزة، وأن الحوثيين برزوا كقوة إقليمية تحقق مكاسب كبيرة من الناحية الدعائية، فإن هدف الجمهورية الإسلامية الآن هو حماية مكاسب حلفائها مع تقليل الخسائر: خسائر فعلية في حالة حماس، ومحتملة في حالة الحوثيين. وبالتالي، يبقى التوازن هشًّا وغير مستقر.