الإمارات العربية المتحدة تطارد الإخوان المسلمين في كل مكان

سياسة إقليمية لا هوادة فيها · تنتهج الإمارات العربية المتحدة سياسةً خارجية أقل هيمنة من السعودية وأكثر تكتماً من قطر، وتنشط بشكل خاص في محاربة الإسلام السياسي في كل أشكاله. وتستهدف أكثر ما تستهدف الإخوان المسلمين، فتجد نفسها بالتالي في مواجهة مع قطر والمملكة السعودية.

25 مايو/أيار 2016. عبد الفتاح السيسي مستقبلاً محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ZUMA Press/Alamy Live News

لقد كانت المملكة العربية السعودية وقطر أكثر دول مجلس التعاون الخليجي تصدُّرًا للمشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة في فرنسا، ولقد كان للرئيسين نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند يد في ذلك، حيث استحوذت المملكة العربية السعودية على اهتمام السلطات الفرنسية الكامل في عهد هولاند بعد أن كانت قطر هي الشريك المفضل في عهد سلفه. وينطبق الوضع نفسه على الحرب الأهلية السورية؛ إذ ساندت كل من الرياض والدوحة بكل حزم وعلى الملأ حركة التمرد على نظام بشار الأسد. في المقابل، ظلت الإمارات العربية المتحدة في الظل، إلا أنها، وإن كانت أقل كثافةً سكانية وهيمنةً من المملكة العربية السعودية، وأكثر تحفُّظًا من قطر، فهي لا تقل نشاطًا عنهما، خاصةً منذ عام 2011.

تقوم سياسة أبو ظبي الخارجية على محورين رئيسييين: الاحتماء من إيران، ومحاربة الإسلام السياسي بشتى صوره، مستهدفة الإخوان المسلمين بشكل أساسي. وإذا كان الخوف من إيران قاسمًا مشتركًا بين أنظمة الخليج الملكية، إلا أنها لا تتبنى موقفًا موحدًا إزاء الإسلام السياسي، وهو الأمر الذي وضع الإمارات في مواجهة مباشرة مع قطر، ومؤخرًا مع المملكة العربية السعودية. ففي حين كان الملك عبدالله يناصب الإخوان المسلمين العداء إلى حد إدراجهم عام 2014 في قائمة المنظمات الإرهابية، كما فعلت الإمارات، اختار الملك سلمان أن يخفف من حدة هذا العداء بُغية تشكيل جبهة سنية قوية، هدفها المعلن رسميًا التصدي للإرهاب، والفعلي مواجهة إيران.

يقترب النهج السعودي تجاه الإخوان من نهج البحرين، التي يواجه فيها النظام الملكي السني أغلبية شيعية، وكذلك دولة الكويت، التي يحكمها نظام سياسي برلماني يشير تاريخه إلى أنه أكثر ليبرالية، بالرغم من كونه ملكيًا. أما بالنسبة لأبو ظبي، فليس هناك أي مجال في نظرها للمساومة. فبعد أن كانت الإمارات تفتح أبوابها للإخوان إلى أن اكتسبوا قوة وتأثيرًا امتد الى داخل المؤسسات، بات يُنظر إليهم منذ بدايات الألفية الجديدة باعتبارهم يشكلون تهديدًا لاستقرار الدولة، حتى شرع النظام في قمعهم بلا هوادة منذ عام 2011.

مساندة نظام السيسي

وقد ساندت كل من أبو ظبي والرياض بشدة انقلاب المشير السيسي على الرئيس محمد مرسي، عضو الإخوان المسلمين الذي كان يحظى بدعم قطري تركي، والذي فاز عام 2012 بأول انتخابات ديمقراطية حقيقية تشهدها البلاد. كان يستحيل على الإمارات والسعودية ترك الإخوان المسلمين يحكمون بلدًا كمصر، فهي تجسد الإسلام السني، وتضم مؤسسة الأزهر، وهي أكثر دول الوطن العربي كثافةً سكانية، بالإضافة إلى أنها تمثل عمقه الاستراتيجي في مواجهة إيران.

إلا أن انحياز الإماراتيين الى نظام السيسي لم يذهب الى حد زجِّهم في الخلاف الذي نشب في الشهور الأخيرة بين القاهرة والرياض على خلفية عدة قضايا، أبرزها تأييد الرئيس المصري المُعلَن لبقاء نظام الأسد، ورفض نظامه إرسال قوات برية إلى اليمن لمحاربة الحوثيين، والتقارب الواضح بين القاهرة وموسكو، وأخيرًا، قرار القضاء المصري بوقف نقل جزيرتي تيران وصنافير اللتين تحكمان مضيق تيران، أي المدخل الجنوبي لخليج العقبة الواقع في جنوب شرق سيناء، إلى السيادة السعودية. وفي موقف مغاير لموقف الرياض التي علقت مساعداتها لنظام السيسي، خاصة من المواد البترولية، في رد فعلٍ انتقامي، واصلت أبو ظبي دعمها للقاهرة، حتى وإن انتقدت سوء إدارة السلطات المصرية للمساعدات المالية التي حصلت عليها من دول الخليج، والتي تقدر بمليارات الدولارات.

معاداة “النهضة” في تونس

وفي المقابل، قطعت الإمارات عن تونس أي شكل من أشكال المعونة بعد أن كانت، قبل عام 2011، ثاني شركائها التجاريين بعد ليبيا. والسبب: سيطرة حزب حركة النهضة الإخواني على مقاليد السلطة برئاسة راشد الغنوشي. ولا تزال سياسة الإقصاء الإماراتية تجاه تونس سارية لاستمرار الحزب في الحكومة الجديدة التي شكلها الباجي قائد السبسي، حتى إن كان تواجده ينحصر في حقيبة وزارية واحدة. ذلك أن السيناريو الذي رغبت فيه الإمارات، وهو الإطاحة الكاملة بالإخوان المسلمين من السلطة كما حدث في مصر في صيف 2013، لم يتحقق؛ إذ تجنب قائد النهضة تكرار هذا السيناريو في تونس بقبوله التخلي عن رئاسة الحكومة في يناير 2014، متأثرًا إلى حد ما بالأحداث المصرية.

وفي واقعة ذات دلالة، أقيمت في تونس في نهاية شهر نوفمبر 2016، برعاية قطرية أساساً، الندوة الدولية للاستثمار، والتي تهدف إلى إحياء الاستثمارات في هذا البلد المُعرّض للخطر. وذلك في ظل غياب أي مندوب رسمي من الإمارات العربية المتحدة، حيث لم يحضر المؤتمر سوى عضوي إحدى الشركات الاستثمارية بدبي. في المقابل، كثفت السعودية بقيادة الملك سلمان من علاقاتها مع تونس، بعد فترة من التوتر الشديد في أعقاب ثورة 2011.

اختلاف مع الرياض حول اليمن

على الرغم من انضمام الإمارات إلى الحلف العسكري الذي شكلته السعودية عام 2015 للقضاء على حركة أنصار الله الزيدية1 المتمردة على نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي يتزعمها عبد الملك الحوثي، إلا أنها تعارض الدعم السعودي لحزب الإصلاح اليمني التابع للإخوان المسلمين، والذي تحارب ميليشياته القبلية الحوثيين إلى جانب جيش الرئيس هادي. كذلك لا تتفق الدولتان على طبيعة السلطة التي يجب أن تعتلي سدة الحكم، ولا على الشخصيات التي ينبغي دعمها لتولي مقاليد الأمور في المستقبل. وبالرغم من نفي المملكتين وجود أي خلاف، إلا أن هناك انقسام عميق بينهما حول مصير الإخوان المسلمين في اليمن.

كذلك تلوم أبو ظبي الرياض على عدم اكتراثها لتوسع الجماعات الجهادية في اليمن والتي تستغل الفوضى القائمة. فقد وسَّع “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” من نطاق نفوذه إلى جنوب شرق البلاد وشرقها، كما ظهر على الساحة تنظيم الدولة الإسلامية(داعش)، والذي كان غائبًا عن المشهد قبل التدخل العسكري للحلف السعودي، نتيجة انشقاق عدد من مقاتلي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. والحق أن السعودية قد استثنت طويلاً تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي كان يحارب الحوثيين، من عمليات قصفها الجوي. ومن جانبه، قام تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذ هجمات دامية في صفوف القوات الموالية للشرعية، خاصةً في عدن، وكذلك في صفوف حركة أنصار الله، في عدة مواقع من بينها صنعاء. أما الإمارات، فقد حولت كل اهتمامها باتجاه محاربة التنظيمات الجهادية، بانضمامها إلى الحملة طويلة الأمد التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، باستخدام مقاتلات بدون طيار بشكل أساسي، وكذلك من خلال عمليات نوعية تقوم بها قواتها الخاصة، مع بقائها رسميًا في الحلف السعودي. في هذا الإطار شارك جنود إماراتيون في نهاية شهر يناير في أول غارة للقوات الخاصة الأمريكية بعد تسلم دونالد ترامب السلطة، على أحد أوكار تنظيم القاعدة في اليمن.

موقف أقل عداءً من النظام السوري

وفي سوريا، بالرغم من تمسكها بمعارضة نظام الأسد، امتنعت الإمارات عن مساندة الإسلاميين، بخلاف قطر والسعودية. ففي ظل التفوق العسكري المتزايد للجماعات الإسلامية المسلحة، صارت الإمارات تميل إلى الحل السياسي الذي يجمع الروس والأمريكيين، حيث أصبحت سياسة أبو ظبي تجاه دمشق أقل عدوانية من ذي قبل، لكن دون الذهاب إلى حد تأييد الموقف المصري الداعم للأسد. ومن المفترض أن تتولى قوات إماراتية خاصة، إلى جانب مثيلاتها الأمريكية، تدريب عناصر المعارضة العربية في قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، والتي تستعين بها الولايات المتحدة لخوض المعارك الميدانية مع تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة مدينة الرقة، “عاصمة” التنظيم السورية. وتشارك الإمارات كذلك بمقاتلاتها الف-16 في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، إلا أن عملياتها تنحصر داخل سوريا، شأنها شأن باقي الدول العربية الأعضاء في الحلف، بيد أنها تبدو الأكثر نشاطًا بينهم.

دعم عسكري للمعارضة في ليبيا

أما في ليبيا، فالإمارات تلعب دورًا ممّيزاً، وتقف في مواجهة مسلحة غير مباشرة مع قطر. ويرجع تورط الإمارات في ليبيا إلى عام 2011، حيث شاركت، بمساعدة تقنية من الولايات المتحدة، بمقاتلات من طراز ف16- في عمليات حلف الناتو التي شنتها فرنسا للقضاء على نظام الرئيس معمر القذافي. وقد شرعت القوات الخاصة الإماراتية، منذ ذلك التاريخ، في دعم بعض الميليشيات غير الإسلامية. أما الدوحة، فبالإضافة إلى مشاركتها في الحلف المناهض للقذافي بمقاتلات من طراز “ميراج 2000” بدعم تقني فرنسي، تشارك كذلك بقواتها الخاصة، ولكن لصالح الميليشيات الإسلامية. ساهمت تلك العمليات المتزامنة والمتنافسة في تفاقم الفوضى، علماً أنها تمّت برعاية فرنسا، التي لم تكن ترغب في خسارة أي من الدولتين اللتين تشكلان أهم شركائها التجاريين. منذ ذلك الوقت، وبالتحالف مع مصر، تساند الإمارات عسكريًا المشير خليفة حفتر، والمعروف بمعارضته لحكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في طرابلس عقب جهود مضنية وبدعم دولي. ومنذ 2014، يحارب المشير حفتر على رأس قوات عسكرية موالية للبرلمان المنفي في طبرق وقد نصبت نفسها “جيشًا وطنيًا”، كل ما يمت للإسلام السياسي بصلة بشكل عام، وللإخوان المسلمين بشكل خاص، والذين يصفهم في حديثه المماثل تماماً لحديث الرئيس السيسي بالإرهابيين، واضعاً إياهم في نفس الخندق مع الجماعات الجهادية التابعة للقاعدة أو داعش في ليبيا.

بهذا تقف الإمارات في مواجهة عسكرية مع قطر، إذ تساند قطر، على عكس الإمارات، الميليشيات المحسوبة على الإخوان المسلمين، خاصةً تلك المعسكِرة بمدينة مصراتة، وتمدها بالأسلحة. وقد شكلت ميليشيات مصراتة الجزء الأكبر من القوات الموالية لحكومة طرابلس، والتي حررت مدينة سرت من داعش في 2016، بدعمٍ من سلاح الطيران الأمريكي. وقد ذهبت أبو ظبي إلى حد قصف ميليشيات إسلامية في طرابلس عام 2014، بواسطة طائرات تقلع من مصر. ومؤخرًا، أمدت الإمارات قوات حفتر بطائرات هجوم خفيفة يقودها مرتزقة قام بتجنيدهم الرئيس السابق لشركة “بلاك ووتر” سابقًا، إريك برينس، الذي تربطه بأبو ظبي شراكات عمل منذ عدة سنوات. وفي حين تحاول الأمم المتحدة جاهدة دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، تساند الإمارات أعتى معارضيها باسم الحرب على كل أشكال الإسلاموية.

علاوةً على ذلك، فلقد باتت الحرب التي تقودها أبو ظبي ضد الإخوان المسلمين ترسم موقفها من القضية الفلسطينية. فلم تكتفِ الإمارات بإيواء الحزبي الهارب محمد دحلان منذ 2011، بل تأمل أيضًا في توليه السلطة خلفًا لمحمود عباس، بالرغم من الأصوات المعارضة لذلك داخل حركة فتح، والاتهامات الموجهة له بالفساد، والاشتباه بتورطه في مقتل ياسر عرفات الذي يرجَّح أنه مات مسمومًا. ودحلان هو ألد أعداء الإخوان المسلمين عامةً، وحركة حماس خاصةً، بالإضافة إلى كونه من المفضَّلين لدى إسرائيل ومصر.

دحلان، حفتر وروسيا

على صعيدٍ آخر، تعد دولة الإمارات العربية المتحدة أقرب دول مجلس التعاون الخليجي الملكية إلى روسيا، مع حفاظها على مكانتها كحليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية. نرى ذلك التقارب في ليبيا حيث تدعم روسيا المشير حفتر مع أنها تطمح الى لعب دور الوسيط؛ وهو ما اتضح خلال استقبالها له في موسكو عام 2016، وعلى متن حاملة الطائرات “كوزنيتسوف” قبالة الشواطئ الليبية في يناير 2017. وهو ما ينطبق كذلك على مصر، حيث تعزز روسيا من تواجدها، خاصةً في المجال العسكري، منذ وصول المشير السيسي إلى سدّة الحكم. كما يتضح التقارب بين الموقفين الإماراتي والروسي، على الأقل جزئيًا، فيما يخص الشأن السوري، من خلال تأييد أبو ظبي لمبدأ الشراكة مع روسيا.

إضعاف الإسلام السياسي بأي ثمن

وظهر ذلك التقارب جليًا خلال مشاركة أبو ظبي في تنظيم مؤتمر عن السنية مع الرئيس الشيشاني رمزان كاديروف، في نهاية شهر آب/أغسطس 2016 بغروزني. وقد جرى خلال المؤتمر، الذي كان فيه حجم الوفد المصري، برئاسة شيخ الأزهر، ملفتاً للنظر، اعتبار الوهابية (السلفية السعودية) بمثابة تشويهًا خطيرًا للإسلام السني، وتم استبعادها من تصنيف أهل السنة والجماعة. إلا أن البيان الختامي لم يذكر لاالسعودية ولا قطر، ولم يُدْعَ هذان البلدان إلى المؤتمر أصلاً، فالمذهب الوهابي هو المتبع رسمياً في كليهما. ولقد أرادت الإمارات، من خلال تأييدها لاستبعاد المذهب السلفي الذي تروِّج له السعودية، أن تفصح بوضوح عن معارضتها لجميع أشكال الإسلام السياسي التي قد تسهم في تنامي التيار الجهادي. وتمثل تلك الهجمة السياسية الدينية على الرياض معارضةً واضحة للسيادة التي ترغب المملكة السعودية في بسطها على العالم السني. وقد جاء رد فعل السعودية الشفهي عنيفًا للغاية، مستهدفًا مصر، وهو ما زاد من حدة الخلاف بين البلدين. إلا أنها لم تهاجم الإمارات، حيث أنها لم تشارك بشكلٍ رسمي في تنظيم الفعالية، وإنما من خلال مؤسسة مقرها أبو ظبي.

لقد راهنت الإمارات العربية المتحدة على التخلص من الإخوان المسلمين في الداخل، والتصدي لهم في الخارج. إذ تكمن غايتهم في إضعاف شبكات الإسلام السياسي، خشية عودته مرة أخرى إلى الحياة داخل البلاد، حيث لم يتم القضاء تمامًا على أنصاره، رغم تكتمهم التام حالياً داخل الاتحاد.

1أحد المذاهب الشيعية