مصر: انتخابات رئاسية مصممة خصيصا لعبد الفتاح السيسي

تراجع إلى الماضي · يتم دفع المنافسين المحتملين لعبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة الواحد تلو الآخر خارج اللعبة عبر منعهم من الترشح أو تهديدهم بمحاكمات قضائية. ففي حين تم تحديد تاريخ الدورة الأولى للاقتراع من 26 إلى 28 مارس/آذار القادم، يبقى الرئيس الحالي على الرغم من أنه لم يعلن بعد ترشحه رسميا، الفائز المفترض كما كان الحال بالنسبة لحسني مبارك في سنوات 1990 و 2000.

صبيحة فوز السيسي بالانتخابات الرئاسية في 2014.
Ashraf Amra/APA Images/Zumapress.com/Alamy Live News, 3 juin 2014.

بالقرب من مسجد السيدة زينب وسط القاهرة، وعلى بعد عشر دقائق من ميدان التحرير، تجمع باعة جائلون لجلب اهتمام الموظفين الخارجين من الوزارات المحاذية. قليلون من بين هؤلاء الباعة يولون اهتماما للافتتين تظهران الرئيس عبد الفتاح السيسي وهو يلقي نظرة تبدو مطمئنة على المستقبل. بقايا ملصقات ممزقة على الجدران تُظهر أن هذا الحي كان شاهدا على تنافس سياسي حاد خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2012 ثم الانتخابات التشريعية لـ2015. غير أن بورتريه السيسي صار المهيمن الوحيد اليوم هنا، كما هو الحال في كل أحياء مصر الشعبية حيث يُحتفى بتعليقة في الشوارع. المشير السابق يحضّر لإعادة انتخابه التي تبدو محسومة مسبقا، بينما يتعرض الذين يجرؤون على إعلان ترشحهم للتهديد والملاحقة القضائية وحملات التشهير الإعلامية.

مرشحون عسكريون

في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أثار أحمد شفيق رئيس أركان الجيش السابق ضجة بعد نشره لشريط فيديو من دولة الامارات العربية المتحدة، حيث أعلن بحماس نيته في الترشح ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية. ظن شفيق، الذي انهزم بفارق ضئيل أمام محمد مرسي في 2012 والذي كان رئيسًا للوزراء في نهاية حكم حسني مبارك، أن إمكانيات الفوز متاحة هذه المرة. وكان لتصريحاته المؤيدة لدولة مدنية تضمن حقوق المواطنين وتحترم الديمقراطية أثرا على الرأي العام، كما مثلت تلك التصريحات قطيعة مع الخطاب المعتاد للسيسي الذي يتحجج دائما بالخطر الإرهابي لتبرير سياسته التسلطية. وقد ساعدت وضعيته كجنرال وأحد الوجوه القديمة لنظام مبارك على منحه صورة المرشّح الجاد. غير أن حماس شفيق، الذي كان في منفى اختياري بالإمارات العربية المتحدة منذ 2012، سرعان ما فتر. تم إبعاده إلى القاهرة بعد ساعات قليلة من إعلانه، ووُضع تحت الإقامة الجبرية بفندق جي دبليو ماريوت بشمال القاهرة، ووجد نفسه في خضم حملة تشهير واسعة النطاق. ثم رفع محامون مقربون من النظام 22 دعوى قضائية ضد شفيق بتهمة اختلاس المال العام والفساد خلال المرحلة التي كان فيها على رأس الحكومة المصرية، فاضطر في نهاية المطاف أمام هذه الضغوطات إلى رفع الراية البيضاء وإعلان خروجه من السباق يوم 7 يناير/ كانون الثاني. شفيق ليس الوحيد من “أبناء الجيش” ـ وهذه عبارة تستعمل لوصف العسكريين بمصرـ الذي أعرب عن رغبته في منافسة السيسي. فبعد ساعات قليلة من إعلان ترشح شفيق، أعلن العقيد المهندس أحمد قنصوة مرتديا زِيه العسكري في فيديو نشر باليوتوب عن نيته المشاركة في السباق الرئاسي. و بصفة علنية اتهم قنصوة الجيش بالسعي لمنعه من مغادرة المؤسسة العسكرية حتى لا يتسنى له الترشح، فكانت النتيجة أن اعتقل وحكمت عليه محكمة شمال القاهرة العسكرية يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017 بالسجن ست سنوات بتهمة انتهاك القانون العسكري الذي يحظر على أعضاء القوات المسلحة الخوض في السياسة واستعمال الزي العسكري لأغراض سياسية. ويشرح عمار علي حسن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان: “أثار هذا الحكم الكثير من السخرية لأن السيسي قام بنفس الشيء تماما منذ ثلاث سنوات عندما كان عسكريا. وقد أعلن عن ترشحه مرتديا البدلة العسكرية الكاكي”.

المرشح الوحيد من بين “أبناء الجيش” المحتمل بقاؤه - حتى كتابة هذه السطور- هو الفريق سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة، والرجل الثاني في السلطة المصرية طوال 2011، وحتى أقاله محمد مرسي مع عدد من كبار قيادات الجيش في أغسطس 2012. عنان كان قد ترشح في الانتخابات الأخيرة أمام السيسي قبل أن يعود وينسحب معلنا تعرضه لمحاولة اغتيال. هذه المرة أعلن حزب مصر العروبة الذي يعتبر عنان زعيما له أن الفريق ينوي خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعاد سامي بلح المتحدث باسم الحزب ليكرر أن قرار عنان نهائي هذه المرة، إلا أن الرجل - الذي لم يخرج حتى الآن لإعلان قراره - "ينتظر نتيجة جمع التوكيلات حتى يعلن ترشحه بنفسه في مؤتمر صحفي يخاطب فيه الشعب"، وأكد بلح أن عنان يحاول تأخير ترشحه من أجل الاستفادة من خبرة شفيق، وحتى لا يعطي فرصة لمنعه من الترشح. عنان ليس من المقربين من الرئيس، وكان قد شارك في الإدانات الموسعة لتسليم جزيرتي تيران وصنافير للملكة السعودية، إلا أن الكاتب والناشط السياسي تامر وجيه يرى أن “عنان لم يرشح نفسه بعد بصورة رسمية، سيتم الضغط عليه حتى يتراجع كما فعل في 2014”.

فهل يستطيع عنان أن يحدث ثقبا في الجدار الذي يحمي السيسي؟ بالنسبة لتامر وجيه “حتى لو لم يخضع عنان للضغوط وفي حال إصراره على خوض السباق، فإن فرصه ضعيفة للغاية، فعنان بالنسبة لجانب كبير من القوى السياسية والشعبية كان المسؤول الأول عن الأحداث الدموية التي شهدتها البلاد تحت حكم المجلس العسكري في 2011- 2012”.

مرشحون مدنيون

ورغم أن المرشحين المدنيين ربما لا يشكلون تهديدا بنفس الجدية للسيسي، إلا أن هؤلاء أيضا ليسوا بمنأى عن التهديدات. كان من هؤلاء محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية وابن عم الرئيس الأسبق. اشتكى السادات من أن الشرطة منعته حتى من العثور على فندق لتنظيم مؤتمر صحفي للإعلان عن نيته في الترشح رسميا. ثم اضطر الرجل في النهاية إلى إعلان خروجه من السباق خلال مؤتمر صحفي نظمه في 15 يناير "حتى لا يتسبب في إيذاء أفراد حملتهالذين تعرضوا لتهديدات".

من جانبه، اشتكى المرشح الآخر خالد علي، المحامي في مجال حقوق الإنسان، من القيود التي تمنعه من إطلاق حملته. وقد وجهت له أيضا تهمة الإخلال بالآداب العامة بسبب حركة أصبع بذيئة افتُرِض أنه أداها بُعيدَ حكم يلغي قرار التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للعربية السعودية وهي القضية التي كان خالد عالي محاميها الأول ضد الدولة. يواجه علي بذلك إمكانية الحكم بحبسه ثلاثة أشهر، وينتظر النطق بالحكم يوم 7 مارس/ آذار مما سيمثل أمرا حاسما بالنسبة لمستقبله الانتخابي. كما يواجه حملة تشهير متصاعدة من إعلاميين مقربين من النظام. رغم هذه المحاذير إلا أن علي يبدو مصرًّا على خوض السباق وتتوالى علامات على تأييد ترشّحه من قوى وأحزاب ظهرت بعد 25 يناير 2011 مثل حزب الدستور، وشباب حزب مصر القوية ونشطاء سياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان.

وكان آخر من أعلن عن نيته خوض الانتخابات محام مشهور بقدرته على توجيه السباب للجميع، يشغل منصب رئيس النادي الرياضي الثاني في مصر هو مرتضى منصور. كان منصور قد أعلن ترشحه في الانتخابات السابقة هو الآخر، قبل أن يعود لينسحب بعد أن علم أن "زوجتي وأولادي فضلوا انتخاب السيسي عليّ". غير أنه أكد عزمه خوض السباق هذه المرة.

فشل في سيناء

يقول خالد البلشي، المتحدث الرسمي باسم حملة خالد علي: “يمكن لانتخابات حقيقية أن تحدث تغيرا هاما على رأس مصر أربع سنوات بعد فترة حكم السيسي الكارثية. لهذا السبب لا يريد الرئيس منافسة حقيقية خلال الانتخابات القادمة، فهو يخشى من أن يكون قد فقد شعبيته. فإذا كان مصدر قلق السيسي في 2014 يدور أساسا حول ضعف نسبة المشاركة فإنه لا يبدو هذه المرة مهتما بهذه المسألة، فالأولوية بالنسبة للنظام هي المرور بالانتخابات دون عائق”.

تعهد الرئيس السيسي بعد الهجوم على مسجد الروضة بسيناء في يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 والذي تسبب في مقتل 305 أشخاص ـ وهي أعنف عملية إرهابية في تاريخ مصر الحديث ـ بالقضاء على آفة الإرهاب خلال ثلاثة أشهر فقط. وبعد ذلك بما لا يتجاوز الشهر تزايد التمرد الجهادي وأصبحت الهجومات ضد الشرطة والجيش شبه يومية. وجاء يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ليشهد مقتل 10 أشخاص من بينهم العديد من المسيحيين وعناصر الشرطة، في هجوم قام به عنصر من تنظيم الدولة الإسلامية ضد كنيسة جنوب القاهرة. وقد أظهرت فيديوهات بثت على الشبكات الاجتماعية فرار مدرعة للشرطة خلال الهجوم. كما يظهر في الفيديوهات نفسها أن المعتدي تمكن من السير على قدميه في محيط الحادث حوالي ربع ساعة بعد ذلك دون أن تتدخل الشرطة.

لم تعد الحرب ضد الإرهاب سببا كافيا لتبرير عنف الشرطة وقمع كل صوت سياسي في مصر. يوجد أكثر من 41 ألف مصري وراء القضبان وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”. وصارت عملية الاغتيال خارج إطار القانون والاختفاء القسري ممارسات متكررة. ووفقا للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات اختفى 264 شخص خلال النصف الأول من عام 2017. وتحصي التنسيقية 76 حالة تصفية جسدية من طرف الشرطة بين يناير/كانون الثاني وإبريل/نيسان من العام نفسه.

من ناحية أخرى تتفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر حيث تجاوز معدل الفقر نسبة 40 % من السكان وفقا لأرقام حكومية. وخلال عام واحد قررت الحكومة تخفيض الدعم وتعويم الجنيه كما فرضت ضرائب عديدة مما سبب اختناقا اقتصاديا للطبقات الوسطى. ويتساءل جزء كبير من السكان: إلى أين تؤدي وعود الرئيس التي لم تسفر عن شيء حتى يومنا هذا.

مرشح الشعب؟

يشير عمار علي حسن “أن ضحايا السيسي كثيرون بعد أربع سنوات من وصوله إلى سدة الحكم في مصر. فقد قام بتكميم أفواه الإسلاميين والثوريين والأحزاب الليبرالية والحركة العمالية. وأصبحت الحياة السياسية في حالة وفاة سريرية”. هؤلاء الضحايا الذين يضافون إلى الطبقات الشعبية الغاضبة يمكن أن تكون نقطة ارتكاز للفوز ضد السيسي. وتحذر بعض وسائل الاعلام الموالية للنظام من أن منافسي الرئيس بإمكانهم الفوز بتأييد شرائح واسعة من الشعب. ففي مقال نشر في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2017 بجريدة “أخبار اليوم”، حذر رئيس تحريرها، عمرو الخياط، من أن أحمد شفيق بإمكانه الفوز بسهولة بأصوات الإسلاميين والثوريين ورجال الأعمال والقطاع الخاص الذي يزداد حنقا من سطوة الجيش على الاقتصاد. وأضاف أيضا بأن شفيق يمكن أن يتم استعماله كورقة من طرف قطر وبلدان أجنبية أخرى لإبعاد السيسي من السلطة.

وعلى الرغم من تناقص شعبيته بصورة لافتة، ومحاولته الفوز بالانتخابات المقبلة عبر التخويف، يقدم السيسي نفسه على أنه مرشح الشعب حيث يتم الإيحاء بأنه ليس هو الذي يريد أن يترشح لولاية ثانية لكن الشعب هو الذي يطالب بذلك. ومع أن الرجل لم يعلن بعد عن ترشحه رسميا إلا أنه يحاول أن يضفي على نفسه نوعا من “الغطاء” الشعبي. ففي سبتمبر/ أيلول 2017، أطلقت حملة مكثفة تحت شعار “علشان تبنيها” (مصر) من طرف برلمانيين أعضاء في التحالف المؤيد للسيسي والتي نسقها النظام سريا. وتتمثل الحملة في جمع توقيعات تطالب بترشح السيسي. وقد فتحت مكاتب لهذا الغرض في جميع محافظات مصر، وأيضا في الخارج وفقا لقول كريم سالم، برلماني وناطق باسم الحملة. ففي ندوة عنوانها “المصريون يجبرون السيسي على الترشح لفترة رئاسية ثانية” أقيمت في 24 ديسمبر/ كانون الأول بفندق كبير في القاهرة، أعلن المنظمون بحفاوة كبيرة أنهم جمعوا أكثر من 12 مليون توقيع. ورغم أن السيسي، وهو لم يرشح نفسه رسميا بعد، ليس في حاجة إلى جمع التوقيعات من موطنين يؤيدونه بعد أن أعلن 516 عضوا برلمانيا تأييدهم لترشيحه، إلا أن هذه الحملة لا تزال ماضية في عملها داخليا وخارجيا. ويرى عمار علي حسن بأن “السيسي يحاول دائما إعطاء الانطباع بأنه محمول من طرف الشعب. فهو يكرر في أغلب خطبه بأن سياساته وقراراته يباركها الشعب وأنه قد مُنحَ تفويضا كاملا من هذا الشعب منذ 2013”.

الموظفون يؤيدون إجباريا

بدعم من الجيش وعبر سلسلة من القوانين التي صدرت منذ وصوله إلى الحكم، تمكن الرئيس من السيطرة على مؤسسات الدولة. فالقضاء والنيابة والشرطة والآلة البيروقراطية تعمل جميعها لصالح الرجل القوي في مصر. ووفقا لبعض الموظفين الذين تواصلت معهم “أوريان 21” فإن استمارات الدعم للسيسي توزّع على الإدارات، وبأن من يرفضون توقيعها مهددون بالعقوبات. وقد طالب خالد علي في بيان نشر في 26 ديسمبر/ كانون الأول، النظام بتقديم ضمانات حقيقية من أجل انتخابات رئاسية نزيهة ومنها ضمان حيادية مؤسسات الدولة. وذهب إلى حد إدانة الضغوط الممارسة على أحمد شفيق لإجباره على عدم الترشح.

وللسيسي أيضا اليد العليا في اختيار أعضاء الهيئة الوطنية للانتخابات. فقد أعطي قانون صدر في أغسطس/آب 2017 لرئيس الدولة سلطة الاختيار من بين مرشحين تتقدم بهم المؤسسات القضائية الكبرى. وقد تكاثرت الشكاوى بعد ان أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية والذي لا يعطي فرصة أمام أي مرشح جاد من إقامة حملة حقيقية نظرا للسرعة غير المتوقعة في مراحل إجراءاتها. أما وسائل الإعلام فهي تحت السيطرة تماما. بينما تواجه وسائل الإعلام المستقلة القليلة، تلك التي ترفض أي اتفاق ضمني مع النظام، العراقيل والرقابة. وهي كلها أدوات لضمان انتخاب سابقة التجهيز.

وهكذا تجد المحاولات القليلة لتحقيق تغيير سياسي سلمي عبر صناديق الاقتراع مواجهة صارمة من نظام يبدو أن تسلطه لا حدود له حسب خالد البلشي. وبالرغم من أن الطبقة السياسية (من غير الإخوان المسلمين) قبلت باحترام أو بالترهيب رئيس دولة تم تنصيبه عبر انقلاب، فعبد الفتاح السيسي يرفض أي شكل من أشكال المنافسة أو المعارضة حتى ولو كانت جزئية.

# ترجمة عن الفرنسية حميد العربي