البحرين. حجاج شيعة في مهب الخلافات الخليجية

بينما سارعت أغلب الدول حول العالم في إرجاع رعاياها مع بداية تفشي فيروس كورونا، تتجاهل السلطات البحرينية مجموعة من رعاياها من الطائفة الشيعية التي ذهبت في زيارة دينية إلى إيران وبقيت عالقة هناك. إذ يبدو أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها المنطقة بسبب تفشي فيروس كورونا لم تغير شيئا في العلاقة بين المنامة وطهران.

مقام الإمام الثامن في مشهد -إيران.
(ويكيبيديا)

منذ أكثر من شهر، تماطل الحكومة البحرينية في إرجاع عدد كبير من رعاياها العالقين في مدينة مشهد الإيرانية بعد تعليق الكثير من شركات الطيران رحلاتها وإغلاق المطارات، كما لا تربط إيران بالبحرين أي علاقات دبلوماسية وليس هناك طيران مباشر منذ يناير/ كانون الثاني 2016. إذ بينما أجلت دول أخرى حول العالم -ومنها دول خليجية- رعاياها من البلدان الموبوءة بفيروس كورونا، لم تأخذ بعد المنامة قرارا مماثلا بالنسبة لأكثر من 1300 بحريني عالق في مدينة مشهد الإيرانية، ممن كانوا هناك في رحلات دينية لزيارة الإمام الثامن علي ابن موسى الرضا. "تقع المسؤولية القانونية المباشرة على وزارة الخارجية البحرينية المعنية بمتابعة شؤون المواطنين بالخارج“، وفق تعليق المحامي والمعارض السياسي البحريني المقيم في لندن إبراهيم سرحان لـموقع أوريان21.

مراكز مخصصة للعزل الصحي

إلا أن الحكومة البحرينية نقلت في وقت أول مسئولية إجلاء البحرينيين العالقين في إيران من وزارة الخارجية إلى وزارة الصحة التي صرحت في 6 مارس/آذار بأن "العمل جارٍ مع كافة الجهات ذات العلاقة لتنفيذ خطة الإجلاء للمواطنين البحرينيين في إيران لضمان وصولهم للمملكة بأمان ووفق إجراءات احترازية محكمة من أجل سلامتهم. وإن العمل متواصل لنقلهم على دفعات”. وكانت البحرين قد أجلت 323 بحرينيا من إيران عبر ثلاث رحلات مباشرة قامت خلالها باستئجار طائرة عمانية مرة وإيرانية في المرتين الأخيرتين. وتبين بعد وصولهم إصابة 77 حالة في الرحلة الأولى بفيروس كورونا -وهو نصف عدد الركاب- وثلث مسافري الرحلة الثانية (التي كانت تنقل 62 شخصا، بينما لم يعلن عن عدد المصابين في الرحلة الثالثة.

قلة الاهتمام التي حظي بها هؤلاء الحجاج لا توافق حرص السلطات على مواطنيها في الداخل، حيث اتخذت البحرين إجراءات احترازية وتدابير وقائية لاحتواء ومنع انتشار فيروس كورونا، إذ قامت بتحقيقات وبائية موسعة بالإضافة إلى حصر أماكن تواجد المصابين والمخالطين واستحداث مراكز مخصصة للعزل والعلاج تحت إشراف فريق طبي مختص. كما منعت البحرين التجمع لأكثر من ٥ أفراد في الأماكن العامة، وأعلنت إغلاق كافة المحلات التجارية والاكتفاء بخدمات التوصيل باستثناء المخابز والبرادات والمتاجر الغذائية عموما والبنوك والمصارف. التزامات بالبرتوكولات العلاجية المعتمدة أشاد بها في 18 مارس/آذار المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية. وحتى الثالث من أبريل/نيسان، تجاوز عدد المصابين في البحرين ـ643 حالة، فيما سجلت وزارة الصحة البحرينية أربع حالات وفاة. في الأثناء، أعلنت وزارة الخارجية عن إجلاء 67 بحرينيا كانوا عالقين في المغرب.

إيران متهمة بـ“العدوان البيولوجي”

بعد التصريحات المطمئنة الأولى، جنحت السلطات البحرينية إلى الهجوم. ففي 12 مارس/آذار، اتهم الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية البحريني إيران بالسماح بانتقال فيروس خطير للخارج كشكل من أشكال العدوان البيولوجي المحرم دوليا، وبتضليل في المعلومات وعدم ختم جوازات بعض زائريها لنشر المرض، على حد قوله. في الأثناء ووفق بقية الأهالي العالقين في مشهد، توفي 7 أشخاص هناك بسبب المرض وعدم توافر العناية الصحية، جميعهم من كبار السن ومن ذوي الأمراض المزمنة.

في 27 مارس/آذار، وصل 31 مواطنا بحرينيا إلى الدوحة على متن رحلة للخطوط الجوية القطرية القادمة من إيران بعد أن اقتنوا التذاكر بأموالهم الخاصة. وبما أن مملكة البحرين لا تسمح بعبور الطائرات التجارية القطرية لمشاركتها في مقاطعة قطر منذ صيف 2017، تواصل مسؤولون قطريون مع نظرائهم في البحرين للاستفسار عن الطريقة المثلى لعودة البحرينيين إلى بلدهم، وعرضت قطر على الحكومة البحرينية إرجاعهم على متن طائرة خاصة وعلى نفقة الدوحة ولكن السلطات البحرينية “رفضت هذا الخيار”، وفق ما جاء في بيان مكتب الاتصال الحكومي القطري. وقد أعلن هذا المكتب غداة هذه الحادثة قرار قطر باستقبال هذا الوفد، وقد تم وضعهم -في خطوة أولى- في الحجر الصحي طيلة 14 يوما.

من جهة أخرى، حبّذ 77 بحرينيا المرور بسلطنة عمان. فحجزوا رحلتهم من مشهد إلى طهران إلى الدوحة ثم إلى مسقط ومنها إلى البحرين. لكن في مطار مسقط رفضت شركة “طيران الخليج” البحرينية أن تحمل القادمين من إيران على متنها رغم اقتنائهم التذاكر. وقد تمكنوا بعد يوم من العودة أخيرا إلى ديارهم على متن طائرة عمانية بعد أن دفعوا بأنفسهم ثمن التذكرة.

رسالات كراهية

تتهم جهات حكومية وأخرى معارضة الحكومة البحرينية بالتعاطي الطائفي مع هذا الملف، ويوضح باقر درويش، رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان لـ“أوريان 21”: “رصدنا أكثر من 1000 رسالة كراهية وازدراء مهين لمعتقدات المسلمين الشيعة من أطراف محسوبة على السلطة ولديهم منصات إعلامية يتم من خلالها نشر المواد في غالبيتها من البحرين، منذ بدء أزمة العالقين. وقد تسبب ذلك في تفاقم الأزمة عبر التحريض على منع استقبالهم”. ويمثل الشيعة 62% من البحرينيين، لكنهم لا يحظون بتمثيل سياسي عند السلطات الموالية للمملكة العربية السعودية.

وأبدى درويش عدم ثقته في تحقيقات النيابة العامة بعد إعلان إدارة جهاز الجرائم الإلكترونية إحالة 18 بلاغ لحسابات متهمة بالتحريض الطائفي للنيابة العامة، نظرا لكثير من الانتهاكات التي تورطت بها منذ احتجاجات 2011.

وتعالت خلال الفترة الماضية أصوات كتاب الأعمدة الصحافية ومرتادي وسائل التواصل الاجتماعي من القريبين من السلطة التي تنادي بعدم إرجاع البحرينيين العالقين من إيران، منها الإعلامية سوسن الشاعر التي كتبت في الجريدة اليومية “الوطن”: “أي شكل من أشكال التواصل مع إيران يشكل خطراً لا على أمننا الوطني فحسب بل حتى على بقية الدول التي يستخدم مواطنوها البحرين كمحطة ترانزيت لإيران، وأن منع السفر بتاتاً لهذه الدولة يجب أن يستمر حتى بعد انتهاء موضوع فيروس كورونا، وتنظيم الرحلات من خلال مكاتب السفر في البحرين لهذه الدولة يجب أن يمنع”.

وضع نفسي “سيء”

بدأ الوضع الصحي في التفاقم في منطقة الخليج منذ الأسبوع الثالث من فبراير /شباط، عندها كانت عائلة رضا علي، المتكونة من والده (82 عاما) ووالدته (83 عاما) وشقيقه (44 عاما) قد قضوا أسبوعا في مشهد حيث كانوا هناك في زيارة دينية، كما يفعل الكثير من المنتمين للطائفة الشيعية من البحرينيين. يقول رضا: “بعد اكتشاف الحالات في مدينة قم الإيرانية تفاقم الوضع بسرعة كبيرة وعلقت خطوط الطيران نشاطها. تواصلنا مع وزارة الخارجية البحرينية لكن دون جدوى، وتعقد المشهد أكثر مع تمرير المسؤولية لوزارة الصحة. بعدها للأسف الشديد تعرض والدي لوعكة صحية ثم تدهورت حالته فتوفي في صباح السابع من مارس/آذار”.

ويؤكد رضا الذي شكل لجنة لأهالي العالقين البحريين في إيران وأصبح المتحدث باسمها أن "المواطن اليوم فاقد البوصلة، لا يعلم لمن يتجه أو لمن يوجه استفساره“.

تقول أم فاطمة التي كانت من بين المسافرين الذين عادوا إلى البحرين عبر مسقط: “الوضع النفسي للذين بقوا في إيران سيء، حيث لا يعلمون متى سيعودون إلى البحرين، وقد تواصلت عائلاتهم بالخارجية لكن دون مجيب. كما أن الوضع الصحي غير مستقر، فالكثيرون من أصحاب الأمراض المزمنة نفذ دواؤهم، وبعض الأدوية لا تتوفر. والسبعة الذين توفوا أشاعوا حالة من الذعر والقلق على مصير البقية. أما بالنسبة للجانب المادي، فالبعض تكفلت الدولة بمصاريفهم عبر الأوقاف الجعفرية1، إلا أن ذلك لا يشمل الجميع وخصوصا لا يشمل من لم يسافروا عبر مكاتب السفر والسياحة. لقد اضطررنا لاقتراض المال لتوفير أبسط احتياجاتنا اليومية”.

1كلف ملك البحرين إدارة الأوقاف الجعفرية بمتابعة احتياجات البحرينيين المتواجدين في الخارج لحين عودتهم إلى البحرين من سكن ومأكل وأدوية