عمان. تحديات اجتماعية ومستقبل اقتصادي مبهم

تعتبر تداعيات فيروس كورونا على عمان محدودة إلى حد الآن، بينما تواجه السلطنة تداعيات صدمة بترولية غير مسبوقة. فقد يعرقل انهيار سعر المحروقات مشروع التنويع الاقتصادي العماني ويزيد من ارتفاع نسبة البطالة، بعد أربعة أشهر فقط من وصول السلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد إلى الحكم.

تمثل أزمة فيروس كورونا العالمية اختبارا للسلطان الجديد هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيدـ إذ يراقب الجميع إدارته لأمور البلاد التي تجد نفسها أمام مستقبل اقتصادي مبهم. يقيّم ديبلوماسي أوروبي الوضع قائلا: “لا يوجد احتراز كبير تجاه السلطان الجديد الذي استهل عهده في كنف تعاطف شعبي كبير. بل هو محل تقدير كبير ويبدو أن العمانيين يثقون فيه. فالسكان يعلمون أنه غير مسؤول عن أزمة كوفيد-19. لكن مع تراكم المصاعب في غضون الأشهر الستة المقبلة، لا بد أن انقسامات ما ستبرز”.

تدابير لإنقاذ الشركات الصغرى والمتوسطة

أخذت السلطنة قراراتها بجدية وسرعة منذ تفاقم الجائحة. فمنذ 17 كارس/آذار، أغلق البلد جميع مساجده وأسواقه ومواقعه السياحية، كما منع كل أشكال التجمعات وألغيت التأشيرات والرحلات السياحية. وفي مرحلة ثانية، منع الوفود إلى عمان ما عدا بالنسبة للعمانيين في الخارج الذين أرادوا العودة. أما المستقرون في السلطنة، فقد منع عليهم الخروج من البلاد. كما أغلقت جميع الشركات والمؤسسات الخاصة والعامة غير الضرورية أبوابها، وبات 70% من الموظفين يعملون عن بعد.

وإن كانت هذه التدابير ناجعة في تطويق انتشار الجائحة، فإن تداعياتها الاقتصادية كارثية بالنسبة للشركات الصغرى والمتوسطة المحلية والتي يعول عليها الكثير من العمانيين لمداخيلهم المالية. فبحسب الإحصائيات الحكومية، شهد عدد هذه الشركات بين نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ونوفمبر/تشرين الثاني 2019 وثبة بنسبة 15%. وقد أنشئت خمسة آلاف شركة جديدة من هذا النوع بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2019 بفضل تسهيلات حكومية في تمويل ورعاية الشركات الناشئة، من خلال المركز الوطني للأعمال ومؤسسة “ريادة” -الهيئة العامة لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة- وكذلك بفضل صندوق تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حتى بات عددها اليوم 43 ألف.

للتخفيف من التداعيات الاقتصادية على القطاع الخاص، قررت الحكومة تأجيل تسديد الديون لجميع الشركات الصغرى والمتوسطة. كما أعفيت المراكز التجارية والمطاعم من الأداءات البلدية حتى موفى شهر أغسطس/آب. بل وأعفيت أيضا جميع المصانع من دفع الإيجار لمدة ثلاثة أشهر. لكن جميع هذه التدابير لن تمنع تراجع نشاط القطاع الخاص الذي يعد فقط 20% من اليد العاملة العمانية. ويعلق الديبلوماسي الأوروبي على ذلك قائلا: “خلال السنوات الأخيرة، شجعت الحكومة السكان المحليين على الاستثمار في القطاع الخاص للحد من الانتداب في القطاع العام، تخفيفا من وقع الأجور على ميزانيتها”.

انهيار عائدات النفط

في خطوة حذرة، خططت وزارة الاقتصاد لميزانيتها العامة استنادا لسعر برميل النفط بـ58 دولار. لكن انهيار الطلب على المحروقات وحرب الأسعار التي شنتها كل من روسيا والمملكة العربية السعودية غيرا الوضع. لذلك سارعت الحكومة بالطلب من جميع الوزارات بتقليص ميزانياتها بنسبة 10%. ولم يتسن في هذه الظروف لمحمد بن حمد الرمحي -وزير النفط العماني- خلال مؤتمر الفيديو بتاريخ 9 أبريل/نيسان الذي شهد اتفاقا تاريخيا على تخفيض الإنتاج العالمي للنفط بـنسبة 10% سوى معاينة الأضرار الناجمة عن الانهيار النفطي.

لذا، ستجبر عمان عن خفض إنتاجها بمقدار 200 ألف برميل يوميا خلال الشهرين المقبلين، أملا في ارتفاع طفيف لسعر البرميل. لكن هكذا ارتفاع لن يكفي، إذ تحتاج السلطنة أن يقارب سعر البرميل 82 دولار حتى تحقق توازنا في ميزانيتها. يقول الباحث كريستيان كوتس أولريخسن بهذا الصدد: “إن الاقتصاد العماني لا يزال خاضعا للمداخيل النفطية، رغم المجهودات التي بذلتها السلطنة خلال العشرين سنة الأخيرة لتنويع اقتصادها”.

من جهته، يحذر رودجر ديوان، نائب رئيس “أي-أيتش-أس ماركت” (IHS Markit) الأمريكية في مجال الإعلام الاقتصادي قائلا: “لسنا بمنأى من كوارث جديدة داخل منظمة الدول المصدرة للنفط. فأمل أن يعود سعر البرميل إلى 70 دولار في الأشهر القادمة طوباوي، لأن أسعار النفط ستتبع نفس وتيرة التعافي البطيء التي سيشهدها الطلب على المحروقات، والذي انهار بسبب الشلل الذي شهده الاقتصاد العالمي. لن ترتفع الأسعار فعلا إلا في غضون عامين على الأقل”. وبما أن السلطنة تعتمد على الريع النفطي بنسبة 75%، فلن تتمتع إلا بنصف عائداتها خلال سنة 2020. فحتى الصين -الحريف الأول في بيع المحروقات (بنسبة 90%)- خفضت طلباتها بشكل جذري.

سيكون لأجور الـ250 ألف عملا في القطاع العام وقع هام على ميزانية الدولة التي ستفتقر للموارد لدفع هذه الأموال. يواصل الديبلوماسي الأوروبي قائلا: “لن تستطيع الحكومة حتى حفظ أموال بتأجيل المشاريع البنائية الوطنية، إذ تستعمل الإيرادات العامة خاصة لدفع أجور الموظفين العمانيين. وقد يشكل تسريحهم خطرا، إذ لا يجدر بالسلطان الجديد خلق غضب اجتماعي. سيجد نفسه بين المطرقة والسندان”.

هل تصل المديونية إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي؟

لا ترى تشينزيا بيانكو -وهي محللة في شركة “غالف ستايت أتاليتكس” (Gulf State Analytics) مجالا للتفاؤل في هذا السياق: “إن الاحتياطي المالي لعمان ضعيف، ونسبة الدين مرتفعة بشكل خطير بالنسبة للناتج المحلي الخام. أما قيمة السندات في الأسواق الدولية فقد خفضتها وكالات التصنيف الانتمائي. كل هذا يظهر بصفة جلية أن ميزانية الدولة ونموها الاقتصادي سيتضرران من حرب أسعار النفط. من الوارد جدا أن تطال تداعيات هذه الأزمة في وقت أول الاستثمارات الموجهة لتنويع الاقتصاد مثل السياحة واللوجستيات والصناعة”. وبحسب تقديرات محلية، قد يفوق الدين الذي يبلغ نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي نسبة 100% هذه السنة. ما سينجر عنه صعوبات في الحصول على قروض من طرف الجهات المانحة الدولية، كما قد تتزايد تكلفة سداد الدين من سنة إلى أخرى.

على المدى القصير، ستضطر السلطنة إلى العودة إلى صناديق الثروة السيادية ويقدر احتياطي هذه الصناديق بين 6 و7 مليار دولار. يتكهن الديبلوماسي الأوروبي قائلا: “عليهم أن يجدوا تمويلات في الأسواق أو أن يقوموا بخوصصة آخر الشركات والمؤسسات العمومية”. وقد شرعت عمان في هذه الخوصصة في ديسمبر/كانون الأول 2019، إذ باعت 49% من أجزاء شركة توزيع الكهرباء الرئيسية لشركة صينية (State Grid Corporation of China) بمبلغ مليار دولار. وقد تشهد شركة توزيع المياه وإدارة النفايات والمطار الجديد لمسقط المصير نفسه، بسبب حاجة الدولة الملحة للسيولة.

فعمان لا تتمتع حقا بعائدات ما عدا تلك التي تأتيها من النفط والغاز. إذ لا وجود لأداء على القيمة المضافة أو لضرائب دخل، ما عدا بعض الأداءات على منتوجات معينة. أما ضريبة أرباح الشركات فهي ضعيفة جدا وقد علقت مؤقتا الأداءات المحلية أو التجارية القليلة الأخرى.

عائق للتنويع الاقتصادي

قد يصبح القطاع السياحي مكسبا ماليا مهما بالنسبة لعمان، لكنه حاليا يعاني هو الآخر من الجائحة العالمية. صحيح أن هذا القطاع شهد نموا منذ بداية سنوات الألفين، لكنه لا يمثل إلى حد الآن سوى 3% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن التعليق المبكر لموسم السياح الأوروبيين (الأشهر الثلاثة الأولى من السنة) والإلغاء الوارد لموسم الخريف السياحي (فترة الرياح الموسمية التي تخفف من درجة الحرارة في ظفار) الذي استقطب السنة الماضية 70 ألف سائحا من الخليج، سيزيدان الطين بلة.

إمكانية إلغاء الموسم السياحي لهذه السنة تساهم في تراجع سياسة التنويع الاقتصادي وستسفر عن ارتفاع في نسبة البطالة، بالنسبة للمرشدين السياحيين والعاملين بالنزل والقائمين على تنظيم النشاط السياحي، والحال أن نصف الشباب العماني يعاني حاليا من البطالة. يقول كريستيان كوتس أولريخسن: “ستجعل هشاشة الوضع الاقتصادي المرتبطة بأزمة فيروس كورونا تحديات السلطنة أكثر صعوبة، من بينها خلق مواطن شغل والتنويع الاقتصادي. فعمان والبحرين هما أكثر دول مجلس التعاون الخليجي هشاشة أمام هذه الأزمة. لكن بوسع البحرين أن يعتمد على الدعم السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية والإمارات. لكن عمان لا تتمتع بهكذا فرصة ما يجعلها اليوم البلد الأكثر هشاشة في الخليج”. ويعود ذلك لرفض السلطنة الانصياع خلف المملكة العربية السعودية والإمارات خلال مختلف الأزمات الداخلية التي شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي.

أزمة صحية مطوقة

إلى جانب المسائل الاقتصادية والاجتماعية، سيتم الحكم على السلطان الجديد على ضوء إدارته للأزمة الصحية. عمان أقل بلدان الخليج التي طالتها الجائحة، إذ بلغ عدد المصابين إلى حدود يوم 28 ابريل/نيسان 2049 حالة، توفي منهم 10 مرضى. ويعود ذلك إلى قلة الوافدين من إيران (وهي المركز الرئيسي للوباء في المنطقة) أو المسافرين إليها، على خلاف بقية بلدان الخليج. وتثني سورة الرواس وهي طبيبة بالمستشفى الملكي بمسقط على التدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة التي “قامت بعدة مجهودات لفرض احترام التباعد الاجتماعي والحجر الصحي” بالنسبة للمواطنين الذين يشك في إصابتهم بالعدوى.

لم تفرض عمان تدابير إجبارية للحجر الصحي، لكن يبقى التنقل محدودا ومراقبا من طرف الشرطة. كما تحد عدة حواجز أقامها الجيش من الولوج والخروج في الأحياء والمحافظات. تقول آمنة البلوشي وهي عضو في المجلس البلدي لمدينة مسقط وممثلة لمدينة السيب وهي أكبر مدينة في السلطنة تقع في ضاحية العاصمة، إن الحكومة أنذرتها منذ تاريخ 24 فبراير/شباط بمخاطر فيروس كورونا: “اجتمعنا مع أعضاء من وزارة الصحة وقد مكنونا من كتيبات إلكترونية لتوعية الشكان حول إرشادات النظافة. وقد نشرناها على الشبكات الاجتماعية وقمنا بحملة وقائية”. وقد أنشأت السلطة في بداية الجائحة صفحة إلكترونية مخصصة لفيروس كورونا وتطور انتشاره في عمان كما يمكن للمواطنين طرح أسئلتهم حول الفيروس عليها.

تؤكد الدكنورة سورة الرواس: “كانت هذه التدابير ناجعة. بوسعنا اليوم معالجة جميع الحالات الخطيرة التي تصلنا. فعادة، لا نستعمل سوى 85 أو 90% من طاقة مستشفياتنا، لذا فنحن نتمتع بهامش ما”. ويعد المستشفى الرئيسي للبلاد حيث تشتغل 90 جهاز إنعاش ويقدر عدد هذه الأجهزة على كامل تراب البلاد بمائة تقريبا. تواصل الرواس قائلة: “طبعا هذا لا يكفي البتة. لكن العديد تبرعوا بأموالهم لفائدة وزارة الصحة من أجل مكافحة الوباء، وأنا متأكدة أن جزءا من هذه التبرعات ستكرس لاقتناء أجهزة إنعاش أخرى”.

للمشاركة في المجهود الصحي، تبرع السلطان هيثم بن طارق في 26 مارس/آذار بمبلغ 10 ملايين ريال عماني (ما يقارب 26 مليون دولار) من ثروته الخاصة، ما لقي استحسان البلد بأسره. تواصل الدكتورة رواس قائلة: “القطاع العام للصحة جيد في عمان ولجميع المواطنين الحق في الرعاية الأساسية مجانيا”. وتؤكد تشينزيا بيانكو ذلك قائلة: “تتمتع عمان بجهاز صحي جيد وأغلب سكانها من الشباب. لا أظن أن الجائحة ستسفر عن عدد مهم من الضحايا هنا”.