شِعر

في سوقِ إعريبة

يُعرف حيُّ “مدينة الصدر” الشعبيِّ في بغداد باكتِظاظِه وبتركيبة سكّانِه، وهم شيعة بمُعظمِهم. في 11 أيّار/ مايو 2016، هزَّ الحيَّ انفجارٌ في سوقِ اعريبة المكتَظ، راحَ ضحيَّتَه ثلاثون قتيلاً وعشراتِ الجرحى. ولَئن أتى هذا الانفِجار، الذي تبنّاه تنظيمُ الدولةِ الإسلاميّة، في سياقٍ عراقيٍّ محفوفٍ بالتفجيرات، إلا أنّه يأخذنا إلى مَوجةِ العنفِ الذي تجرُّ المنطقةِ والتي تمتدُّ تبعاتُها إلى الغرب. يُقدِّمُ لنا الشاعرُ العراقيُّ المعروفُ شوقي عبد الأمير قصيدةً كتبَها بعدَ أيّامٍ من وقوعِ الانفِجار.

— 1—

هل نسيتُ قدميَّ هذا الصباح
في سوقِ“إعريبة”
وأين سأُعلّقُ وجهي اذا ما عثرتُ عليه
بين الاقدامِ او في سلالِ الفاكِهة ..
الحذاءُ الصغير

لم يزَل يُهَروِلُ وراءَ
بائعِ الحلوى .
يداً بِيَدٍ كانا يَسيران
أصابعُهما تلتفُّ ببعضِها
لحظةً،
ثمَّ لم تَجْد في يدِها إلّا
أصابعَه .
من قال ؛ هذه مذبَحة ..
إنّي لأرى عناقيدَ حمراءَ تتدلّى
من عريشةٍ يُسمّونها ؛
السماء،
وهذه السيِّدةُ بجلالِها الأوبِّرالي
وذهولِها التراجيديِّ
مثلُ ممثِّلةٍ عظيمة
في مسرحٍ أسطوريٍّ مرتجَل
تركضُ وراءَ رأسٍ بشريّ
طائر........

—2—

افتَحوا عيونَ مَجاهيلكم
ومحاجرَ غَياهبِكم
لترَونَ كيف تحتشدُ
شعوبٌ وتضاريسٌ وقبورٌ
بين فجواتِ جدارِ الخلقِ الذي يهتزُّ
كلَّ يوم ..

انظُروا الى هذا الأزرَق السماوِيّ
الذي اصطبغَ به المكانُ والكِيان
أزرقُ ،
لا يُشبهُ لازوردَ الشواطئ
ولا فيروزَ القلائد
أو مسابحَ المصلّين
لا تتوهَّموا ،
إنَّ ما ترون ليسَ لوناً أحمرَ
الاحمرُ لم يعُدْ لوناً
إنَّه يتخثّرُ بسرعة، وهو في أثناءِ ذلك
يُزلزِلُ كلَّ ما حولَه
يبدو لكم أحمرَ فقط
لأنَّكم ترَونَه عبر ثقوبٍ في هذه الخِرَق
التي تسمّونها الأجساد..

اجمعوا الأشلاءَ ، الحَدَقاتِ بالأخصّ
لأن في زجاجِها تنعكسُ في هذه اللحظاتِ بالذّاتِ
صوَرَ الجِنان التي طالما تَحلمون
أمّا الأمعاء ،
فلن تقدَروا أن تفعَلوا لها شيئاً
ًستظلُّ جائعة ،
والأطراف ،
أجل هذه الأذرُعُ والسيقانُ التي ترتفِع
كطيور ٍ في تحليقٍ واحد ،
انظُروا اليها وهي تتأهّبُ خَجلى لمصافحةِ رَبِّهَا
والتعريفِ بنفسِها...

وأنتم ،
لن تَؤوبوا هذه الليلة الى مضاجعِكم
دون أن تمرّوا بكلِّ الأبجدياتِ والقواميسِ والرقائم
لتمحَوا منها أسماءَهم ...

—3—

الزبّالون أكثرُ جدوى منّي
إنَّهم يَجهدون في لَملَمةِ الجثَث،
أو ما تبقّى،
أنا أَكتب

المارّة المسرعون لقَضاء حاجاتِهم
يتعثَّرون بالفاكِهةِ والأحشاءِ المسحوقة
أعمى يُزيحُ بعُكّازهِ رأَس فتاةٍ
يعترِضُ طريقَه ،
أنا أَكتب

الديُنُ عُبوّةٌ ناسِفة
أنا أَكتب

الصحف تُنقَلُ مباشرةً
من المطابعِ
إلى المزابل
أنا اكتب

الابنُ الناجي الوحيد
يلبسُ حذاءَهُ ملطَّخاً بالدم
للذهابِ الى المدرَسة
أنا أَكتب

البيوتُ التي لم تَكن تتَّسِع لكلِّ الأبناء
صارَت واسعةً وفَرِهة
أنا أَكتب

الجثَثُ تَهذي طوالَ الليل
لا أحدَ يقدِرُ على إسكاتِها
أنا أَكتب

هذه ديدانٌ بشريّةٌ
خرجَتْ من جبّانةٍ بين ظَهرانينا
أنا أكتب

لا عَلاقةَ لي بالصُور
ولا بالنشور
أنا أَكتب

صفحَتي البيضاءُ سوداء
حِبري مثلُ صَمتي
لا لونَ له
أنا أَكتب

كَفى
كَفى
أنا أَكتبُ مَوتي...

مسقط، عُمان، 15-05-2016