تغمر حرارة الصباح “الياسمين”، أحد أكبر مخيمات اللاجئين السوريين بالبقاع الغربي بلبنان. لا يعكر هدوء هذا المكان إلا عبور بعض السيارات، التي لا تتمهل في الغالب وترمي سحابات من الغبار على أطفال يحملون أوعيةً فارغة من البلاستيك لجلب الماء أو يتسكعون فقط على قارعة الطريق.
ينتظم مخيم الياسمين في صفوف متماثلة من الخيم والبيوت الجاهزة يديرها الاتحاد اللبناني للجمعيات الإغاثية والتنموية. وكان هذا المخيم قد أنشئ سنة 2016 بالتنسيق مع وزارة الداخلية ومنظمة الأمم المتحدة. وقد أقيم كحل مؤقت لمواجهة أي نزوح جماعي طارئ لللاجئين بعد عملية الجيش اللبناني ضد تنظيم داعش في شمال لبنان آنذاك. أما اليوم فيستقبل المخيم لاجئين كانوا يقيمون بعرسال وأيضا عائلات معوزة أتت من كل أرجاء منطقة البقاع ، بما في ذلك تلك التي تضررت مخيماتها بشدة بسبب الفيضانات التي أحدثت دمارا بالسهل في يناير/ جانفي من هذه السنة.
شعرت العائلات التي أقامت هنا بالياسمين في البداية بنوع من الاستقرار، فهو أحد المخيمات النادرة في لبنان الذي تتوفر فيها منشأة صحية تعمل بشكل مقبول، بما في ذلك مركز صحي موجود على بعد مائة متر يسيره الاتحاد اللبناني للجمعيات الاغاثية والتنموية. كما ينعم فيه اللاجئون أيضا بحد أدنى من الأمن ومن خزَّانات المياه ومن الكهرباء. ولكن خلال هذا الربيع تعرض المقيمون بالمخيم مرة أخرى للخطر حيث قام الجيش اللبناني بإنزال غير متوقع بالجرافات مهدما أكثر من مائة خيمة ادعى أنها غير مأهولة؛ في حين أن هذه الخِيَم، حسب الاتحاد اللبناني للجمعيات الإغاثية والتنموية، كانت مخصصة للحالات الطارئة. واعتقل العسكر أغلب الرجال الذين كانوا، حسبهم، يفتقدون لتصاريح الإقامة الضرورية. كما هددوا سكان المخيم بالمزيد من عمليات الطرد مستقبلا.
"كل شيء تمام
كما هو الحال بالنسبة لأغلب اللاجئين السوريين بلبنان، تم تهجير سكان مخيم الياسمين عدة مرات منذ بداية الحرب في 2011، ويبقى مستقبلهم غامضا لأنه من المفترض ألا يكون لهم استقرار في بلد ترغب طبقته السياسية في رحيلهم بشكل متزايد. ويتردد اللاجئون في التعليق أمام الصحفيين على المعاملة التي يلقونها من الحكومة اللبنانية. بل وينصح الاتحاد اللبناني للجمعيات الإغاثية والتنموية الصحافيين بعدم طرح أسئلة قد تعرض اللاجئ الذي يجيب عنها إلى خطر أكبر. ويكتفي أغلبهم بالرد على عجل “كل شيء تمام”.
على بعد بضع كيلومترات من هنا، يتحدث سكان مخيم الحمدانية، بالقرب من بلدة المرج، بحرية أكبر عن تجربتهم مع عدائية السلطات. تذكر سيدة طلبت عدم ذكر اسمها غارة حديثة تم خلالها تدمير خِيَم المخيم من طرف “المخابرات”. وهي عبارة تشير على الأرجح في هذا السياق إلى أجهزة المخابرات التابعة للجيش اللبناني. وعبارة “المخابرات” شائعة في سوريا حيث تشير إلى أجهزة أمنية سيئة الصيت بسبب ممارستها للاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري والتعذيب واسع النطاق ضد المعارضين، وهي تثير إحساسا بخوف شديد يلاحق اللاجئين السوريين حتى في لبنان.
ضغط متزايد للحثّ على الرحيل
من إجمالي عدد السكان الذي يفوق 6 ملايين نسمة، تقدر الحكومة اللبنانية أن هناك حوالي 1,5 مليون لاجئ سوري في البلاد، على الرغم من أن المفوضية السامية للاجئين توقفت عن تسجيلهم في 2015 بناء على طلب الحكومة اللبنانية نفسها. يحصل السوريون في لبنان على تراخيص بالعمل أساسا في قطاعي البناء والزراعة، وهم يتلقون أجورا تتضاءل بشكل مستمر لشغل غير قار، موسمي أحياناً، لا يعوض انخفاض المساعدات الدولية. وقد وصل الوضع إلى درجة أن كل أسرة أصبحت مدينة بمبلغ ما معدله الألف دولار أمريكي لتلبية احتياجاتها الأساسية. وذلك وفقا لتقدير 2018 للمفوضية السامية للاجئين حول هشاشة أوضاع السوريين في لبنان.
تقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كل سنة بتحديث هذا التقييم قصد تقديم مساعدة شهرية نقدية ب 175 دولارا أمريكيا إلى “الأسر الأكثر فقرا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي”. وهي عبارة تعني بها المفوضية أولئك الذين يتعذر عليهم “تغطية حاجياتهم الأساسية مثل الغذاء والدواء والإيجار” والذي يعاني بعض أعضائها من مشاكل صحية كبيرة أو إعاقات، كما تشرح ليزا أبو خالد، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان. “للأسف، وبسبب محدودية الموارد المتاحة كفّت آلاف الأسر التي كانت تستفيد من المساعدة نقدا عن تلقيها [بعدما قامت الوكالة بآخر تحديث سنة 2018 لقائمة المستفيدين”المعتبرين أكثر احتياجا"] كما أضافت المتحدثة.
وحسب المتحدثة لم يتغير العدد الإجمالي للمستفيدين من المساعدة. ولكن كثيراً من اللاجئين يقولون إنهم لا يفهمون على أي أساس تقوم المؤسسة بانتقاء المستفيدين ويرون في منهجها تعسفاً. فجميلة شولي، التي ترعى طفلها لوحدها بمخيم الياسمين، حيث تقيم منذ أكثر من سنتين، تشتكي من تدهور حالتها الصحية وتؤكد أنه تم إقصاؤها من برنامج المساعدة المالية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهي تعاني الأمرّين للتوصل لتغطية نفقاتها.
ويقول زهير دحمان: “الأمم المتحدة غير عادلة. إنهم يفرزون من يستحق المساعدة ممن لا يسحقها. إما أن يتلقى الجميع المساعدة المالية أو لا يتلقاها أحد”. هرب السيد دحمان من سوريا في يناير/ جانفي 2013 وهو يدير الآن متجرا بمخيم الحمدانية. “الوضع رهيب. تتشابه السنوات إلى حد ما، ولكن هذه السنة كانت الأسوأ”.
يقول رجل آخر دخل المتجر خلال الحديث وفضل أن لا يذكر اسمه: “لا عمل ولا أمن (في لبنان)” ويقول إنه يعيش فقط على دخل غير منتظم من عمل غير رسمي لأنه لم يتمكن من تسجيل نفسه كلاجئ لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. (وتؤكد الوكالة بأن قرار الحكومة اللبنانية تعليق عملية تسجيل السوريين في 2015 يعقد بصفة كبيرة تقديم المساعدة). يقول الرجل: “أنا آكل فقط إن وجدت عملاً”.
عمليات طرد غير شرعية، وحظر تجول و غارات مستمرة
تتفاوت الأجور وإمكانية العمل كثيرا من منطقة إلى أخرى. ويكسب العامل السوري ما يزيد قليلا عن 200 دولار شهريا في المعدل، وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين (تكسب النساء السوريات معدل 92 دولار أمريكي) في حين أن الحد الأدنى لأجور اللبنانيين هو 450 دولارا أمريكيا.
تراكمت على مر السنين الضغوطات الاقتصادية فضلا عن عمليات الطرد من المخيمات والاعتقالات الجماعية، التي لم تعد حالات فردية بل صارت جزءا من قاعدة عمل جديدة. يقول زهير دحمان: “للجيش اللبناني مشكلة مع اللاجئين، فهو يريدهم أن يعودوا الى بلدهم. لكن بلدي غير آمن”.
تجعل الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة اللبنانية ضد السوريين، مثل “عمليات الطرد غير القانونية وحظر التجول والغارات المستمرة على مخيماتهم والاعتقالات الجماعية، الحياة لا تطاق بالنسبة لكثير من اللاجئين كما تجبر الكثير على العودة إلى سوريا”، هذا ما تؤكده أيضا ديانا سمعان، الباحثة لدى منظمة العفو الدولية في سوريا. في أبريل/ نيسان 2019 أبلغت الحكومة اللاجئين في بلدية عرسال بضرورة امتثالهم لقانون سابق يحظر بناء الملاجئ الدائمة بالحجر أو الخرسانة قبل تاريخ 9 يونيو/حزيران وانه سيتم بعد ذلك تدميرها من طرف الجيش. وكانت آنذاك المنظمة غير الحكومية لإنقاذ الطفولة (سايف ذ تشيلدرن) قد حذرت من أن هذا القرار قد يجعل آلاف الأطفال بلا مأوى. وقد قام العديد من اللاجئين على مضض بتولي الأمر بأنفسهم، فهدموا الجدران التي كانوا قد شيدوها، في غياب حل آخر. بعد أن أجل تاريخ التنفيذ، عاد الجيش في بداية جوان إلى المخيمات ليقوم بتدمير ما لا يقل عن 20 منزلا
وحدة اللبنانية “الجينية”
يتم في الغالب تبرير هذه الإجراءات بخطاب يؤكد بأن لبنان ليس بلد لجوء، وأنه ليس للسوريين ما يخشونه بالعودة إلى وطنهم وأن وجودهم بلبنان مضر على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وحتى الديمغرافي. هذه العناصر الخطابية كثيرا ما يتم تضخيمها من قبل بعض للأطراف في الطبقة السياسية اللبنانية ومنهم وزير شؤون اللاجئين صلاح الغريب، الذي يرى أن النظام السوري قد انتصر في الحرب وأن الظروف مؤاتية لعودة سريعة لكل اللاجئين إلى سوريا. ولكن أول مؤيدي هذا الرأي هو دون شك وزير الشؤون الخارجية، جبران باسيل. وكثيرا ما دافع باسيل، الذي يرأس التيار الوطني الحر، التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون، عن قانون يسمح للنساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب أن يمنحن جنسيتهن لأبنائهن... إلا إذا كان الزوج سوريا أو فلسطينيا.
خلال مداخلة له في “مؤتمر الطاقة الاغترابية اللبنانية” في 7 يونيو / جوان الماضي وبحضور الرئيس عون أعلن السيد باسيل: “من الطبيعي أن ندافع عن اليد العاملة اللبنانية بوجه أي يد عاملة أخرى، أكانت سورية فلسطينية فرنسية سعودية إيرانية أو أمريكية، فاللبناني قبل الكل”، مضيفا أن السوريين في لبنان لا يدفعون أية ضريبة.
وفي نفس اليوم أطلق تغريدة على التويتر يقول فيها “لقد كرّسنا مفهوماً لانتمائنا اللبناني هو فوق اي انتماء آخر، وقلنا انه جينيّ وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معاً، لتحملنا وتأقلمنا معاً، لمرونتنا وصلابتنا معاً، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معاً من جهة وعلى رفض النزوح واللجوء معاً من جهة أخرى”. وفي اليوم التالي قام ببث شريط فيديو لأنصاره يطالبون السوريين العاملين في لبنان بالعودة إلى سوريا. على الرغم من إعراب سياسيين آخرين عن وجهات نظر مشابهة منذ مدة طويلة وتفاقم الأفكار المسبقة عن السوريين على مر السنين، فإن نشطاء المجتمع المدني وجيل من الشباب اللبناني قد سئموا من روايات كره الأجانب التي تجعل من اللاجئين كبش فداء لتبرير المشاكل الاقتصادية والسياسية للبلاد. وقد كانوا وراء موجة من الاستنكار وحملة ضد خطب الكراهية، كما أنشأوا هاشتاغ وعريضة تلقت ما يقارب 20 ألف توقيع منادية باستقالة جبران باسيل (على الرغم من أن البعض أطلق في المقابل هاشتاغ “أنا مع باسيل”).
الأثر الإيجابي على الاقتصاد
كما أدينت أيضا تصريحات باسيل من طرف زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي، وليد جنبلاط والنائبة المستقلة بولا يعقوبيان وكذلك العديد من الفنانين والصحافيين والمثقفين اللبنانيين. في إشارة مباشرة إلى هذا الجدال أكد وزير العمل كميل أبو سليمان، المنتسب إلى حزب القوات اللبنانية، بأن العنصرية ليست من أساليب القوات اللبنانية لحل مشكلة البطالة؛ ومع ذلك دعا إلى زيادة المراقبة على الشركات التي توظف عمالا أجانب بشكل غير قانوني، فيما يشجع دون شك فرض قيود إضافية على سبل عيشهم.
في مواجهة هذه الخطابات تم تأسيس مبادرة /اللاجئون شركاء/ في 2018 من قبل المركز السوري لبحوث السياسات والجمعية الاقتصادية اللبنانية للدفاع عن “مساحة كرامة” للاجئين السوريين في لبنان، كما طرحوا أيضا مقاربة للجانب الاقتصادي ل “أزمة” اللاجئين ترتكز على تجميع البيانات.
تقول فاطمة إبراهيم، مديرة مشروع /اللاجئون شركاء/ بأنه “تم تحميل اللاجئين مسؤولية تدهور الاقتصاد في حين أنهم في الواقع كانوا دعما للاقتصاد اللبناني خلال فترة صعبة، كانت فيها السياحة في أدنى مستوياتها وكانت الصادرات في تراجع”. أصحاب مبادرة /اللاجئون شركاء/ وإيمانا منهم بأن اللاجئين السوريين كان لهم الأثر الإيجابي على النشاط الاقتصادي في لبنان وأن ذلك في معظمه لم يؤخذ بعين الاعتبار، يعملون عبر وسائل الاتصال الاجتماعي على جذب انتباه الجمهور للجوانب الايجابية غير المعروفة لوجود اللاجئين في البلاد.
فعلى سبيل المثال سمح التدفق الكبير للاجئين السوريين في خلق 10 آلاف فرصة عمل على الأقل في السنة، كما ساهم بشكل كبير في زيادة معدل الاشتراك في الهاتف في لبنان الذي تضاعف تقريبا بين 2010 و2017.
وترى فاطمة إبراهيم أنه بدلا من معاقبة العمال السوريين، على الحكومة اللبنانية أن تعمل على تنظيم أوضاعهم حسب القانون من حيث الإقامة العمل، فالسوريين يوظفون في معظمهم بشكل غير رسمي، وهم مهددون باستمرار بانتهاك حقوقهم. كما أن تسعيرة تصاريح الإقامة مرتفعة للغاية وبات من الصعب تجديدها بالنسبة للاجئين.
ومع ذلك تبقى هذه الرسالة الايجابية بخصوص اللاجئين صعبة التمرير في بلد يرفض اعتبار نفسه وجهة أخيرة للاجئي المنطقة، وهو السبب الذي جعل من لبنان يرفض التوقيع على اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين.
البقاء أم الرحيل؟
من غير المستغرب إذا أن يميل عدد متزايد من اللاجئين إلى اختيار العودة إلى سوريا. ففي آذار/ مارس 2019، أعلنت الحكومة اللبنانية أن أكثر من 170 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا في إطار برنامج العودة “الطوعية” الذي نظمه الأمن العام. ويمكن أن ينضم إليه كثيرون آخرون لأن العقبات التي تحول دون إقامتهم من غير المرجح أن تختفي.
تقول ديانا سمعان الباحثة في منظمة العفو الدولية: “لقد فشل المجتمع الدولي في توفير تمويل كاف للخطة الإقليمية للاجئين ودعم قدرتهم على التكيف مما أحدث فجوة في توفير المساعدة والخدمات الضرورية للسكان اللاجئين”.
يعيش أكثر من نصف عدد الأسر السورية في لبنان في فقر مدقع، حيث تنفق أقل من 2,90 دولار أمريكي يوميا وتستدين معظمها من أجل الغذاء فقط ؛ ويرى بعض هذه العائلات أن تجربة الحظ والعودة إلى الديار تستحق المغامرة. وتبقى العودة محفوفة بالمخاطر لأسباب أخرى كثيرة. منظمة العفو الدولية التي أقلقها العداء السياسي المتزايد ضد السوريين في لبنان، نشرت في منتصف شهر يوليو/ جويلية مقالا على شكل “س ـ ج” منبهة إلى أن مسألة عودة اللاجئين إلى سوريا “سابقة لأوانها”. وأكدت أن اللاجئين في لبنان ليس بمقدورهم بعد “اتخاذ قراراتهم بحرية”. تقول ديانا سمعان بأن اللاجئين الذين يختارون العودة إلى سوريا “يعودون إلى المجهول”. وهي ترى أن الخطر الأكبر بالنسبة لهم يأتي من قوات الأمن السورية، المسؤولة عن عمليات الاختفاء والتعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء لمعارضين مزعومين لحكومة بشار الأسد؛ تقوم هذه القوات ب “فحص أمني” لكل الذين يحاولون العودة إلى ديارهم. وتشير الباحثة في منظمة العفو الدولية أيضا إلى غياب الترتيبات الإنسانية، لأن المعونات التي تقدمها المنظمات الدولية كثيرا ما تتم عرقلتها أو تأخيرها من طرف الحكومة السورية.
في الواقع فإن بعض السوريين الذين عادوا بالفعل إلى بلادهم ـ وبالتالي اتخذ الأمن العام اللبناني بشأنهم قرار حظر مؤقت أو دائم للعودة بالعودةـ وجدوا أنفسهم مجبرين مرة أخرى على الفرار من بلادهم، كما يشير إلى ذلك تقرير المنظمة غير الحكومية /سوا/ للتنمية والإغاثة الذي نشر سابقا خلال هذه السنة. يقول عمر عبد الله، منسق برنامج المعيشة ل/سوا/ : “يرغب الكثير (من اللاجئين) في العودة إلى ديارهم، ويرغب الكثير في البقاء”. توسعت على مر السنين أنشطة /سوا/، ويوفر قسمها لسبل العيش الآن للسوريين المعوزين تكوينا مهنيا وفرصاً لتوفير الدخل. ويشارك حاليا أكثر من 90 لاجئا في مشاريع مختلفة تدر عليهم دخلا شهريا. وأقام مؤخرا أحد هذه المشاريع /ماستر بيس/ شراكة مع مصمم أزياء لبناني لإتاحة الفرصة أمام النساء السوريات لبيع إبداعاتهن من المشغولات الخشبية وأزيائهن الخاصة.
وعبد الله هو نفسه سوري، وعندما وصل إلى لبنان قادما من مدينة الزبداني عمل أولا مع منظمة إنقاذ الطفولة حتى التحاقه بمنظمة /سوا/ منذ عامين. وبقي في هذه المنظمة التي يعتبرها “مثل العائلة”. يشرح عبد الله: “يوفر برنامج المعيشة لدينا للسوريين الحافز والثقة في النفس، عبر عملهم واتكالهم على أنفسهم. فهم في حاجة إلى الاحساس بأنهم منتجون حتى ولو كانوا في المهجر، كي يسترجعوا استقلاليتهم”.
من غير الممكن أن تتمكن منظمات غير حكومية صغيرة مثل /سوا/ من الوقوف في وجه المد المتزايد من السياسات المعادية للاجئين في لبنان. ولكن مبادرات المجتمع المدني هذه لها دور في تلطيف صورة بلاد تبدو من دونها غير مضيافة على الإطلاق. من الناحية المثالية يقول عبد الله: “نريد البقاء مع الشعب اللبناني” مضيفا أنه حتى وإن عاد اللاجئون (الذين استفادوا من برامج المعيشة هذه) إلى سوريا فلن يكونوا أكثر ضعفا مما كانوا عليه عند ذهابهم الأول. سيحتفظون بكونهم كبروا في بيئة لبنانية".