معضلة التبرع بالأعضاء في العالم الإسلامي

الحياة في الإسلام مقدسة وللجسد البشري حرمته حيا كان أو ميتا. فهو ملك لله ولا يمكن لأحد أن يشوهه من خلال أخذ أعضاء منه لتكون محل أية تجارة. غير أن القرآن والأحاديث تركز على أهمية مبدأ الضرورة الذي يجعل إباحة المحظور الديني ممكنة ما دام هدف زراعة عضو بشري هو إنقاذ حياة أخرى. ويذكر في الآية 32 من سورة المائدة أن من أحيا نفسا “فكأنما أحيا الناس جميعا”. هنا حوار مع الأستاذ الدكتور عبد العزيز الماطري مختص في طب الكلى وعضو الجمعية الدولية لزرع الأعضاء.

المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء - تونس
dali47/Panoramio.

أوريان 21 هل من المباح في البلدان الإسلامية أخذ الأعضاء من شخص حي أو ميت؟ وكيف يمكن للأطباء الذين يمارسون زراعة الأعضاء أن يتجاوزوا الممنوع؟

عبد العزيز الماطري — الجسد البشري في الدين الإسلامي مقدس. وهو غير قابل للتنازل أو التصرف وعلى المسلم واجب الحفاظ على سلامته. ولكن عليه أيضا واجب الحفاظ على الحياة وإن تطلب ذلك الإخلال ببعض المحظورات. وهكذا يسمو مبدأ الضرورة على الممنوعات. وهو ما أدى إلى خلق إجماع بين الفقهاء المسلمين مهما كانت مشاربهم على اعتبار أخذ الأعضاء وزرعها مباحا. وكانت أول دولة بدأت في التنفيذ هي الكويت استنادا إلى فتوى صدرت عام 1979. وكانت هذه الفتوى من الانفتاح بحيث أنها شكلت نموذجا للفقهاء في البلدان المجاورة الأخرى. ثم تلاها قرار بالإجماع لمجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بجدة في آب/أغسطس 1988. وبعدها أصدر العديد من الفقهاء فتاوى تسمح بأخذ الأعضاء مع التأكيد على مفهوم الهبة الطوعية ومنع الاتجار. أما أخذ الأعضاء عن متبرع متوف فهو لا يحظى بالإجماع بالرغم من القرار رقم 5 لمجمع الفقه الإسلامي المجتمع بعمان في أكتوبر 1986 والذي اعترف بالموت الدماغي. وبالتالي، وأيا كان التشريع، فلا يوجد إلا القليل من البلدان الإسلامية التي يمارس فيها زرع الكلى من متبرعين متوفين والأمثلة على ذلك هي المملكة العربية السعودية والأردن وتونس.

أ. 21. ولكن ماذا عن الاتجار؟ كيف يمكن العثور على متبرعين من خارج دائرة العائلة؟

ع. م. —يزداد مرض الكلى المزمن، الذي يتطور غالبا إلى قصور كلوي تام، باستمرار في منطقتنا كما في الأماكن الأخرى مما يؤدي إلى حاجة متزايدة لزرع الكلى في حين انه لا يوجد ما يكفي من الأعضاء المتوفرة. وتقدر الهيئات الدولية الزيادة في عرض الأعضاء (الكلى) على المستوى العالمي ب 10% من المطلوب فقط. وهي وضعية أدت إلى اختلال في التوازن بين العرض والطلب وبالتالي تُولد المتاجرة. وهكذا ففي البلدان التي لا توجد بها قوانين، أو توجد قوانين غير مطبقة، أصبح السكان الفقراء مخزونا من الأعضاء يمكن الأخذ منه. ومن أجل مواجهة هذا الاتجاه ومكافحة ممارسات التسويق المحتملة أصدرت المنظمة العالمية للصحة مبادئ توجيهية تمت مراجعتها عدة مرات. من أهمها أمستردام في أبريل 2004 بعدها تعاونت المنظمة العالمية للصحة مع جمعيتين علميتين دوليتين وهما جمعية زراعة الأعضاء والجمعية الدولية لأمراض الكلى على تنظيم اجتماع حضره ممثلو 78 بلدا في اسطنبول في أيار/مايو 2008 وقد أصدروا تصريحا معروفا باسم "إعلان اسطنبول ضد المتاجرة وسياحة زرع الأعضاء". وهو ما يؤكد أن الاتجار بالأعضاء وسياحة زرع الأعضاء تنتهك مبادئ الإنصاف والعدل والكرامة الإنسانية وبالتالي يجب حظرها. وفي منطقتنا يعد الاتجار بالأعضاء حراما دينيا وهو محظور رسميا في كل البلدان العربية الإسلامية. ولكن الأمور مختلفة في الواقع، فبعض البلدان تغض الطرف عن تجارة هي غير شرعية بشكل صريح. كما أن بعض البلدان الأخرى اتخذت تدابير تسمح ببعض المرونة كما هو الحال في إيران والعربية السعودية إذ يسمح القانون بدفع تعويض مالي إلى مانحي الكلى الأحياء. وهذا يطعن في مبدأ مجانية التبرع. ففي المملكة السعودية يُسمح أن تعطى منافع على شكل خدمات أو نقدا إلى المتبرعين الأحياء أو إلى أسر المتبرعين المتوفين والذين هم غالبا أجانب مقيمون في البلاد. ويتعلق الأمر مثلا بالتكفل المباشر وغير المباشر بنقل الجثمان أو مصاريف الدفن للمتبرع المتوفي ومرافقيه من البلد الأصلي فضلا عن نوع من التعويض. وفي إيران يعتبر المتبرع غير القريب محسنا للمجتمع وهو يتلقى رسميا “تعويضا” من طرف الدولة “والمبلغ محدد ومعروف”. ومن جهة أخرى يُسمح لعائلة المتلقي أو جمعية تدعمه أن تعطي له مباشرة “مكافأة” تحدد قيمتها باتفاق مع الشركاء. وهي وضعية تؤدي بالطبع إلى تجاوزات كثيرة مع الاعتراف بأنه منذ إقامة هذا النظام ازداد عدد المتبرعين المتطوعين الأحياء بصفة ملموسة مما سمح بمعالجة المرضى بشكل أسرع. وعلى عكس البلدان الأخرى حيث توجد قوائم انتظار طويلة من المرضى المتلقّين، فإن المتبرعين هم الذين يقيدون على قوائم انتظار في إيران. ولهذا الإجراء المعتمد ميزة كونه سمح بحل مشكلة معالجة القصور الكلوي التام بشكل كبير في هذا البلد ذي الوسائل المحدودة. ولكن ذلك يطرح مشكلة أخلاقية تعد معضلة حقيقية بالنسبة للعاملين في الصحة. وإسرائيل هي بلد آخر من المنطقة سمح لمدة طويلة بالمتاجرة بالأعضاء. فبعد زيارة الرئيس المصري أنور السادات في نوفمبر 1977 لتل أبيب اغتنم القادة الإسرائيليون إقامة علاقات دبلوماسية مع مصر وغياب قانون واضح، ليسمحوا بأن تُزرع لمواطنيهم كلى يتم شراؤها من متبرعين من بلد آخر، وهؤلاء ربما كانوا السكان الفقراء للبلدان المجاورة. ويبدو أن هذه العمليات تم تعويضها من قبل صناديق التأمين الصحي الخاصة وأحيانا العمومية. وقد وجه القائمون على تصريح اسطنبول تحذيرا إلى السلطات الإسرائيلية. وبموازاة ذلك وخاصة في مصر نظم المجتمع المدني مظاهرات للتنديد ب“التبرع” بالأعضاء للأجانب.

أ. 21. نعود إلى التبرع، هل أصبح منظما في العالم العربي والإسلامي؟

ع. م. — لدى معظم البلدان العربية برامج لزرع الكلى تنظم في إطار المستشفيات العمومية وأحيانا في القطاع الخاص، ذلك هو الحال في مصر والأردن ولبنان. وحسب علمي لا توجد متاجرة أكبر بالأعضاء مما هي عليه في بلدان المنطقة الأخرى. غير أن وتيرة زرع الأعضاء، والتي هي في أحسن الأحوال عشر عمليات زرع في العام لمليون نسمة، جد ضعيفة مقارنة بعدد المرضى المنتظرين. ويبلغ عدد الحالات الجديدة في الواقع ألف لكل مليون نسمة كل سنة. وإيران هي وحدها التي تملك برنامجا متكيفا مع ظروفها ووسائلها ويسمح بمعالجة المرضى عندما يصلون إلى مرحلة القصور الكلوي التام. ولا يوجد أي بلد عربي له استراتيجية في زرع الأعضاء على المدى الطويل.

أ. 21. وماذا عن الوضع في بلدكم تونس؟

ع. م. — طب الكلى، تخصص حديث نسبيا حيث استقل عن الطب الداخلي في الستينيات من القرن الماضي. وتم تكوين أوائل الأطباء الأوروبيين المختصين خلال هذه المرحلة. شخصيا كنت ضمن الدفعة الثالثة لمتخرجي مركز الدراسات المتخصص في أمراض الكلى بفرنسا. عدت إلى تونس سنة 1975 للعمل في مصلحة الطب الباطني مع زملاء آخرين وقمنا بترقية تقنيات جديدة في مجال طب الكلى. وإذا كان أول زرع للكلى في العالم تم في الولايات المتحدة ثم بعد ذلك في فرنسا سنة 1954 فتونس، وكذلك هو الحال بالنسبة للجزائر والمغرب، بدأت القيام بذلك ابتداء من سنة 1986. قامت فرق المسالك البولية وطب الكلى بأول عملية زرع كلية تم نقلها من قريب للمريض، ثم زرع ثان بكلية متبرع متوف. ولم يكن في ذلك الوقت نص قانوني صريح واعتمدنا على مرسوم قانون موجز صدر سنة 1952 والذي كان يسمح بأخذ الأعضاء لغاية التشخيص أو العلاج أو بهدف زرع القرنية. وكان هذا النص غامضا مما يتيح إمكانية التأويل. أما القانون الخاص المتعلق بنقل وزرع الأعضاء من متبرع متطوع حي بدون تحديد القرابة أو متبرع متوف فقد صدر فيما بعد، سنة 1991. واكتفى الفريق الطبي الجراحي في المرحلة الأولى بالمتبرعين الأحياء ذوي القرابة البيولوجية مع المريض. ولكن ابتداء من فبراير 2000 توسعت إلى الأشخاص “ذوي الصلة العاطفية” أي أزواج أو زوجات المرضى.