ملف الصحراء الغربية

الهجوم الدبلوماسي المغربي على ألمانيا

تستهدف الدبلوماسية المغربية بفتحها أزمة مع ألمانيا البلد الرئيسي في الاتحاد الأوروبي. وهو شريك اقتصادي مهم، لكنه يرفض الرضوخ لرؤية الرباط لنزاع الصحراء الغربية.

جنيف، مقر الأمم المتحدة، 22 مارس/آذار 2019. المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هورست كوهلر (على يمين الصورة) مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال طاولة مستديرة حول الصحراء الغربية.
Violaine Martin/UN Geneva/Flickr

في 2 مارس/آذار 2021، أصدر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بياناً لرئيس الحكومة، ذكر فيه أنه “بسبب سوء التفاهم العميق مع جمهورية ألمانيا الاتحادية، يجب على الإدارات الوزارية وكل الهيئات الخاضعة لوصايتها تعليق جميع أشكال الاتصال أو التفاعل أو العمل التعاوني مع سفارة ألمانيا في الرباط”. ويعكس هذا الموقف غير المألوف الخلافات التي تراكمت على مر السنين بين البلدين، وأولها حول قضية الصحراء الغربية.

في تقريرها الصادر في مارس/آذار 2021 [إعادة إشراك الجهود الدولية في الصحراء الغربية، إحاطة رقم. 2، 11 مارس 2021.]] المخصص لملف الصراع في الصحراء الغربية، تكشف مجموعة الأزمات الدولية أن المغرب قد أصدر شروطًا لتعيين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ليحل محل هورست كوهلر الذي استقال في مايو/أيار 2019. إذ بعد أن انتبهت خلال ولاية الرئيس الألماني الأسبق إلى صعوبة “مواجهة برلين”، لم تعد المملكة تريد مبعوثًا ألمانيًا. فقد أثارت صرامة برلين أكثر من مرة سخط الدبلوماسيين المغاربة وكانت على وشك أن تعيد الكرّة مجددا، إذ رفضت ألمانيا السير على خطى الولايات المتحدة بشأن قضية الصحراء الغربية بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020 الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

بعد أيام قليلة، أعاد الطرف الألماني التأكيد على تمسكه بضرورة “التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول للطرفين بوساطة الأمم المتحدة”، قبل أن يطلب بعد أسبوع عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة هذا الموضوع. ويؤكد البيان رقم 1 الذي أصدره الممثل الألماني لدى الأمم المتحدة كريستوف هيوسجين عقب هذا الاجتماع الطارئ على مركزية عملية الأمم المتحدة. وينأى بموقفه عن المبادرة الأمريكية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك معتبرا المغرب مسؤولا عن فشل عملية الاستفتاء التي اعتمدتها منظمة الأمم المتحدة في أوائل التسعينيات، عندما أقدم “المغرب على إرسال 10 آلاف مستوطن إلى المنطقة التي احتلها”. فعمليات نقل المغاربة إلى الصحراء الغربية للانضمام إلى الناخبين هي -بالنسبة لبرلين- أصل الجمود الذي أصاب عملية الاستفتاء المتوقفة.

وتلوم ألمانيا المغرب على عدم إجراء استفتاء، لكنها لا تزال تقيم تعاونا نشطا جدا مع المملكة. كما تردد أن المغرب يظل أفضل حليف لها في المنطقة، وأنه بلد صديق لا تتردد ألمانيا في معاملته بسخاء وتضامن. وكدليل على ذلك، فقد رفعت برلين الحظر في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2020 -أي قبل 20 يوما فقط من نشر البيان المذكور أعلاه- عن مبلغ مالي قيمته 1.387 مليار يورو من الدعم المالي للمغرب. 202.6 مليون يورو من هذا المبلغ كان على شكل منح، والباقي قروض بشروط امتيازية من أجل دعم الإصلاحات التي سيعرفها النظام المالي المغربي بالإضافة إلى مساعدة مالية لمكافحة وباء كورونا.

غموض أمريكي وانزعاج أوروبي

لكن إذا كان التوتر قد أصبح شديداً بالفعل بين البلدين منذ نهاية عام 2020، فلماذا انتظرت السلطات المغربية أكثر من شهرين للرد؟ هل كان ذلك نتيجة للرسالة المفتوحة التي وجهها 27 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي بقيادة الجمهوري جيمس إنهوفي والديمقراطي باتريك ليهي إلى الرئيس جو بايدن في 17 فبراير/شباط 2021، لحثه على التراجع عن قرار الرئيس السابق دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟ “إننا نحثكم بكل احترام على التراجع عن هذا القرار المؤسف وإعادة إشراك الولايات المتحدة في عملية إجراء استفتاء لتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.

ويكشف الرد الغامض الذي صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس على سؤال حول هذا الموضوع في 22 فبراير/شباط على احتمال أخذ مسافة ما من موقف إدارة ترامب. وبعد أن أعرب برايس عن دعم إدارة بايدن ورضاها على تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، سارع إلى إضافة أن الولايات المتحدة “تدعم عملية الأمم المتحدة لإيجاد حل عادل ودائم للنزاع الصحراوي”.

ويظهر التبادل أنه على الرغم من أن إدارة بايدن لم تتراجع عن قرار إدارة ترامب بشأن الصحراء الغربية، إلا أنها لا تعلن ذلك بصوت مرتفع ومسموع، بل تعتبر أنه بالنسبة للولايات المتحدة، لا تزال الأمم المتحدة وبعثتها لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) هي الطرف الرئيسي في عملية حل النزاع.

قبل شهر، كان المغرب يعاين بالفعل حدود التأثير غير المباشر لمبادرة ترامب. ففي 15 يناير/كانون الثاني 2021، كان يأمل في الاستفادة من هذا القرار ونظم بالاشتراك مع الإدارة الأمريكية السابقة في نهاية ولايتها مؤتمرًا افتراضيًا لدعم خطة الحكم الذاتي. كان نجاح الحدث يعتمد على عدد الدول المشاركة، وقبل كل شيء على وزنها الدولي ونفوذها الجيوستراتيجي. أقل ما يمكن قوله هو أن الجبل قد تمخض فولد فأرًا لأن فرنسا كانت الدولة الغربية الوحيدة التي شاركت. وكانت المشاركة الأفريقية أيضا أقل من التوقعات. فعلى ضوء سياسته الاقتصادية الهجومية وعضويته في الاتحاد الأفريقي في 2017، كان المغرب يأمل في كسب دول القارة السوداء لقضيته الصحراوية. لكن جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا وحتى كينيا كانت غائبة عن هذا المؤتمر.

فيما يتعلق بالحكم الذاتي للصحراء، تحمل الدبلوماسية الألمانية خطابًا أكثر دقة من باقي الدول الأوروبية التي لديها علاقات جيدة جدًا مع المغرب. في مقابلة بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2021 تم بثها على يوتيوب، أوضح السفير الألماني في المغرب غوتس شميدت بريمي أن نزاع الصحراء “استمر لفترة طويلة جدًا”، وأن الحل القانوني ضروري حتى تتمكن برلين من تشجيع ودعم الشركات الألمانية على الاستثمار في الصحراء دون تعريض نفسها لدعاوى جبهة البوليساريو القضائية أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي. وحرص الدبلوماسي على التوضيح أنه يجب أن “تحصل جبهة البوليساريو على شيء ما” وأن يقبل الطرفان الحل. وفي حين تعتبر برلين أن خطة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط هي حل “واقعي وعملي”، يقول الدبلوماسي أنها لا ترضي بلاده تماما. وربما كانت خلاصة المقابلة هي التي تسببت في استياء الرباط، فقد تحدث السفير بكلام بعيد عن الخطاب الدبلوماسي عن أوجه القصور في سياسة الجهوية. “هناك أصوات هنا في المغرب تقول إننا مع الجهوية المتقدمة ولدينا نموذج للمناطق الجنوبية. إنه نموذج غير ناجح”.

تسلط هذه الحجة الضوء على نقطة الضعف الرئيسية في اقتراح الحكم الذاتي. فالمغرب لا يريد فقط من المجتمع الدولي قبول مبدأ الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد للصراع، بل إنه يصر على قبول خطته دون مناقشة. وهنا تصبح القضية معقدة، لأنه حتى لو نجحت الدبلوماسية المغربية في جعل مبدأ الحكم الذاتي مقبولاً من طرف المجتمع الدولي، فسيكون من الصعب عليها تطبيق مؤسساتها السلطوية على الصحراويين. هل سيقبل هؤلاء بسهولة انتهاكات حقوق الإنسان واستقواء جهاز أمني لا يخضع إلا لسلطة الملك مع منظومة قضائية تصدر الأحكام باسم الملك وحده وليست مستقلة بأي حال من الأحوال عن السلطة التنفيذية؟ حتى أن البعض يتحدث عن “بنعلة” النظام، أي استنساخه لنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

ديبلوماسية أمنية في مأزق

قضية انتهاك حقوق الإنسان هي التي أججت الأزمة الأخيرة، وهي قضية محمد حاجب. إذ اعتقلت السلطات المغربية هذا الناشط الإسلامي المغربي الألماني، وحُكم عليه في عام 2010 بالسجن سبع سنوات بتهمة الإرهاب. أُطلق سراحه عام 2017، وعاد إلى ألمانيا حيث بدأ ينشر مقاطع فيديو على موقع يوتيوب يندد فيها بانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب. وجوده في ألمانيا يجعل السلطات المغربية تخشى أن تواجه ملفا يشبه ملف زكريا المومني، وهو اسم بطل رياضة الكيك بوكسينغ السابق الذي تقدم في فرنسا بشكاية عن التعذيب ضد عبد اللطيف حموشي، مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب (DGST)، مما دفع قاضي التحقيق الفرنسي إلى استدعاء الحموشي، وهو ما أثار غضبا عارما لدى سلطات الرباط وتسبب في نشوب أزمة حادة مع باريس. وبعد عام من وقف التعاون القضائي بين البلدين، قبلت فرنسا التوقيع على اتفاقية لا تعترف بالولاية القضائية العالمية للمحاكم الفرنسية على المغرب.

تتفاقم مخاوف القصر لأنّ قضية محمد حاجب قد تكون أكثر صعوبة. والواقع أن القضاء المغربي، بزعمه أن أشرطة الفيديو التي كان ينشرها تحرض على الإرهاب، طلب من الإنتربول (منظمة الشرطة الحكومية الدولية) إصدار “مذكرة حمراء” لاعتقال محمد حاجب. لكن الطلب رُفض حيث اعتمدت الإنتربول على رأي لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 2012. وبالنسبة للجنة الأمم المتحدة التي تأخذ بعين الاعتبار تقارير موظفي القنصلية الألمانية، كانت مزاعم حاجب حول التعذيب أثناء احتجازه في المغرب ذات مصداقية.

والأسوأ من ذلك، فقد كان محمد حاجب في تسجيلاته على اليوتيوب يتوعد مسؤولي الأمن المغاربة بالسجن، ويذكر ملاحقة عبد اللطيف حموشي القضائية في ألمانيا. قد تبدو هذه التهديدات نوعا من المزايدة، لكن في يوم 24 فبراير/شباط ،2021 أصدرت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلانس الألمانية حكماً بإدانة عضو سابق في أجهزة الاستخبارات السورية بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. وتؤكد هذه الإدانة رغبة المحاكم الألمانية في استخدام الولاية القضائية العالمية في قضايا الجرائم ضد الإنسانية.

كما يخشى المغرب أن تضر القضية بصورة دبلوماسيته “الأمنية”. وتواصل الصحافة المؤيدة للنظام تسليط الضوء على مجهودات وكفاءة أجهزة الاستخبارات المغربية التي استفادت البلدان الصديقة بمعلوماتها. وبالتالي فإن مصداقية الاستخبارات المغربية هي التي تتعرض للتشكيك، لأن الرباط تستخدم هذه الصحافة لإعطاء طابع سياسي لبعض التحقيقات. وقد كشف الصحفي الإسباني إغناسيو سيمبريرو في كتابه “لا إسبانيا دي آلا” (La España de Ala)كيف تستعمل أجهزة الاستخبارات المغربية تهمة الإرهاب الإسلامي مع بعض المناضلين من أجل القضية الصحراوية.

من خلال أمره للإدارة المغربية بمقاطعة ألمانيا ومؤسساتها الموجودة في المغرب، يتبنى الوزير ناصر بوريطة موقفاً منسجما مع دبلوماسية الملك محمد السادس. وقد أثمرت هذه المقاربة في العلاقات مع فرنسا وإسبانيا، أما مع ألمانيا، فمن المرجح أن يكون المغرب قد اصطدم مع دولة ترفض القبول بما يسميه النظام المغربي “شراكة شاملة”، تشمل التعاون الاقتصادي والأمني، وبالطبع الاعتراف بمغربية الصحراء.