اليساريّون والإسلاميّون: حوارٌ يتجدَّد ولا يكتمِل

منذ بدايةِ الثورات العربيّة في عام 2011 والانقساماتُ تتعمَّقُ بين القوى اليساريّة والحركات الإسلامية، من مصر إلى تونس. أتى المؤتمر المُنعقِد في إيكس- آن- بروفانس في 5-6-7 أيار/ مايو وموضوعه “لمَ كلُّ هذه الكراهية؟”، ليسجِّل الشروخَ السياسيّة والإيديولوجيّة المتعدِّدة بين الحركات اليساريّة والإسلاميّة التي اجتمعَت في أوَّل عقد من الألفيّة الثالثة في معارضتِها للأنظمةِ الاستبداديّة.
واجتمعَ فاعلون سياسيّون من الجزائر والمغرب ومصر وتونس في ذلك المؤتمَر الذي نظَّمَهُ المعهدُ الجامعي الأميركي(AUI)، والإيريمام IREMAM ، ومؤسّسة كامارغو Camargo، وبرنامج الأبحاث وافاو WAFAW الذي يرأسُه فرنسوا بورغا وأبو بكر جمالي. وعلى الرغمِ من الفروقات الإيديولوجيّة الفاصلة بينهم، التقى المؤتمرون حولَ نقطةِ مشتركةٍ وهي مشاركتُهم بالحراكات السياسيّة والاجتماعيّة في عام 2011.

فاعلون سياسيّون وتجارب متعددة

لم يمثِّل المؤتمرون في إيكس مجملَ الاتجاهات اليساريّة والإسلامية في العالم العربي والتي تتقاطعُ فيها وقائعُ عديدة.

 سيدة أنيسي عضوٌ في جمعيةِ ممثِّلي الشعب التونسي ونائبُ دائرةِ فرنسا الشمالية لحركةِ النهضة، وهي ابنةُ لاجئين سياسيّين، نشأت في فرنسا وكانت عضواً في اتِّحاد المنظَّمات الإسلامية في فرنسا. عبد الموجود درديري يعيشُ في الولايات المتحدة، وكان نائباً في البرلمان المصري وعضواً في حزب الحرية العدالة المحظور اليوم. كلاهُما شاهدان على تجربَتيْ النهضة والإخوان المسلمين في عامي 2012 و2013، وعلى إسلامٍ سياسيٍّ مستعدٍّ للاندماجِ بالمؤسَّسات البرلمانية. وتعرّضَت مع ذلك حكومةُ كلَيْ من حمادي جبيلي وعلي العريض في تونس من جهة، ورئاسةُ مرسي في مصر من جهةٍ ثانية، لنقدٍ حادٍّ من قبل فاعلين عديدين في الثورات، لا سيَّما اليساريين منهم.

 ويشهد مراد دهينة، رئيسُ جمعيةِ كرامة ومركزُها جنيف، على تجربةٍ إسلاميّة مختلفة، وهي تجربةُ التسعينيات في الجزائر، وانتهاءِ العمليةِ الانتخابية التي أتَت بجبهةِ الخلاص الإسلامي على عتبةِ الحكم عام 1991. كان مراد دهينة قياديّاً في جبهةِ الخلاص الإسلامية، استقال منها عام 2000، منتقداً بعضاً من الجوانب “الشعوبية” للجبهة ، وانضمَّ عام 2007 إلى حركة رشاد. ورشاد حركةٌ مكوَّنة من إسلاميّين جزائريّين سابقين، مناهِضين لحكمِ عبد العزيز بوتفليقة، وشاركوا بالمظاهرات الشعبية التي حصلَت في الجزائر في ربيع 2011.

 وأخيراً ، عمر إحرشان وهو عضوٌ في حركةِ العدل والإحسان، وهي حركةٌ شكَّلها عام 1980 الشيخ عبد السلام ياسين، لا تتبنّى فكرَ الإخوان المسلمين، على عكسِ حزب العدالة والتنمية لعبد الإله بنكيران الذي أضحى اليومَ رئيسَ وزراء المغرب. والعدل والإحسان حركة متنوِّعة التركيب، متأثِّرة بالتقاليد الصوفية، إذ كان مؤسِّسها من أتباع الطريقة البودشيشية، لا يترشَّح أعضاؤها للانتخابات البلديّة ولا النيابيّة؛ وهي حركةٌ تعتمِد اللاعنف واللاموالاة، اتجاهُها جمهوريٌ مناهضٌ لمبدئ الملكيّة المغربيّة بحدِّ ذاته. وكانت من أركانِ حركة 20 فبراير 2011، وهو تحالفٌ متنافرُ التركيب يضمُّ تيارات إسلاميَّة ويساريّة منها حركة الطريق الديمقراطي الماوِيّة. وقد طالَب هذا التحالف في حينِها بدستورٍ ديمقراطيٍّ جديد.

يشيرُ تنوُّع المؤتمرين هذا إلى مرونةِ الإسلام السياسي الشديدة. كلُّهم يعتمدون اللاعنف ويميِّزون أنفسَهم عن الاتِّجاه السلَفي، لاسيّما في ميلِه العسكري. إلّا أن الخيارات الاستراتيجيّة لأحزابِهم اختلَفت منذ 2011. فالعدل والإحسان يختلفُ عن الإخوان المسلمين في المغرب إذْ يرفضُ المساهمةَ في المؤسَّسات الحكومية. أمّا حزبُ الحرية والعدالة، فقد اتَّجهَ نحوَ السيطرةِ على المؤسَّسات السياسيّة عن طريق الانتخابات، قبلَ أن تتوقَّف التجربةُ الحكوميّة، على إثرِ الانقلابِ العسكري في حزيران 2013. من جهَتِها، قرَّرت حركةُ النهضة عام 2012 أن تدخلَ في “ترويكا” حكوميّة مع تشكيلات من اليسار المعتدل، وقبِلت عام 2014 الدخول في حكومةِ وحدةٍ وطنيّة مع نداء تونس (وهي تشكيلةٌ تنسبُ نفسَها إلى الانتماءِ الدستوري ويقودُها بيجي قائد السيبسي الذي كان وزيرَ داخليّة في عهد بورقيبه.

تنطبِقُ التعدُّديَّة نفسُها على الحركاتِ اليساريّة العربية.

 عمر عزت نموذجٌ عن جيلٍ من الشباب المصري واليسار “الحراكي” الذي شاركَ بثورةِ 2011 ضدَّ الرئيس حسني مبارك. خلالَ الانتخابات، دعمَ عمرُ حملةَ عبد المنعم أبو الفتوح، مفكرٌ مصريٌّ على قطيعةٍ مع الإخوان المسلمين. شاركَ عمر بحراكِ صيف 2013 المناهضِ للإخوان المسلمين، وهو يفسِّرُ اليوم سلطويَّة تجربةِ الإخوان المسلمين بتجربةِ السيسي الذي أعادَ للجيش امتيازاتِه السياسية.

 أما خيام تركي، الذي وردَ اسمُه على لائحةِ المرشحين لوزارةِ الماليّة التونسيّة تحتَ حكومة حمادي جبالي عام 2012، فهو ينتمي للاتجاه الاجتماعي – الديمقراطي، وليسار “إداراتي”. وهو يدافعُ اليومَ عن نتائجَ تحالفٍ غيرِ مسبوقٍ داخلَ الجمعيّة التأسيسيّة بين حركةِ النهضة، والتكتُّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والمؤتمر من أجل الجمهوريّة الذي يرأسُه منصف المرزوقي- يسار معتدل. علماً أن خيام تركي كان مساعدَ الأمين العام وعضواً مستقيلاً في التكتُّل من أجلِ العمل والحريّات، وهي حركةٌ ضمنَ الاشتراكيّة الدولية.

 أما عبد العزيز النويضي، وهو عضوٌ مؤسس للمنظّمة المغربية لحقوق الإنسان (OMDH) يروِّج، في إطار جمعيّة العدالة، لإصلاحِ السلطة القضائيّة المغربيّة؛ وينتمي هو الآخر إلى اليسار المعتدِل، وكان في بداية الألفيّة مستشاراً لرئيس الوزراء عبد الرحمن اليوسُفي، وهو عضوٌ في الاتِّحاد الاشتراكي للقوى الشعبية.

لا يمثِّل المؤتمِرون مجمَل التيارات الإسلامية ولا اليساريّة في العالم العربي، كاليسار المتطرِّف التونسي الذي تمثِّلُه الجبهةُ الشعبيّة والمتواجدِ في اتِّحاد الشغل التونسي العام، أو اليسارِ الناصري العروبي الذي يلتفُّ في مصر حولَ حمدين صباحي، أو الإسلاميّين الجزائريين المنتمين لحركة المجتمعِ من أجل السلمِ والذين قاطعوا الانتخابات الرئاسيّة عام 2014 وساهموا في النقاشاتِ الاستراتيجيّة التي تمزِّق اليوم الحراكات اليساريّة والاسلاميّة المتنوِّعة.

وفاقٌ على مناهَضةِ الاستِبداد

في البداية، أجمعَت ورشاتُ العملِ الأربعُ (الجزائر، مصر، المغرب، تونس) على واقعٍ يتناقضُ إلى حدٍّ ما مع عنوانِ المؤتمر نفسه: إذا ما كانَ هناك “كراهية” أو انفعالات ، فهي لا تُنسي في أي حالٍ التحالفات السياسية التي نشأت في الماضي بين أحزابٍ تنسبُ نفسَها إلى اليسار وحركاتٍ تنسبُ نفسَها علَناً إلى الإسلام السياسي. وكما يذكرُ مراد دهينة، كانت الجزائر رائدةً في هذا المجال في ثمانيّات وتسعينيّات القرن الماضي. هذا وكان مؤتمرُ سانت إيديجيو Sant’ Edigio قد جمعَ عام 1995 الجبهةَ الإسلامية للخلاص مع تروتسكيّين من حزب العمال الذي ترأسُه لويزة حنون وآخرين من جبهةِ القوى الاشتراكيّة التي يرأسُها حسين عيت أحمد، وذلكَ من أجلِ إيجادِ حلٍّ للحربِ الأهليّة التي كانت تمزِّق الجزائر آنذاك.

في العقدِ الأوَّل من القرنِ الحالي، تزايدَت التحالُفات المرحليّة بين الحركات اليساريّة والإسلامية، على أساسِ قاسمٍ مشتركٍ وهو مناهضةُ الأنظمةِ المستبدَّة وحدٍّ أدنى من المطالبِ الديمقراطيّة: حريّةِ الإعلام، إطلاقِ سراحِ السجناءِ السياسيّين، دعمِ القضيّة الفلسطينيّة، أو مناهضةِ التدخَّل الأميركي في العراق عام 2003. و تونس أحدُ أهمِّ المختبَرات التي تفاعَلت فيها تحالفاتُ تتجاوزُ الخلافاتُ الإيديولوجيّة: جمعَت اتفاقيّات 18 تشرين الأوَّل/ أكتوبر 2005 بين النهضة، اليسارِ المتطرف الممثَّل بحزبِ العمال الشيوعي التونسي، وتياراتٍ من اليسار المعتدلِ مثلِ التكتُّل الديمقراطي للعملِ والحريات، والحزب الديمقراطي التقدمي الذي يرأسُه أحمد نجيب شابي. وليسَت مصرُ غائبةً عن المشهد، إذ انضمَّ الإخوانُ المسلمون الى تحالفاتٍ مع اليساريّين والليبراليين، لا سيَّما حين دعَموا ترشيحَ محمد البرادعي عام 2010.

لم يكن للانشقاقِ بين الإسلاميين واليساريين دورٌ في هيكلةِ المرحلة الأولى من الثورات في بداية 2011، وظلَّ عاملُ المناهَضة للاستبداد هو الفعّال. في مصر، يشاركُ شبّان من الإخوان المسلمين في المظاهرات في ساحةِ التحرير إلى جانبِ شبّان من اليسار المُتَطرفِّ، كالاشتراكيّين الثوريّين مثلاً. في تونس، حصلَت مظاهراتُ القصبة في شباط/ يناير 2011 على دعمِ النهضة، التي ساهمَت بُعيْد ذلك في الهيئة العليا لتحقيق مطالبِ الثورة إلى جانبِ اليسار المتطرِّف والتكتُّل والمؤتمرِ من أجل الجمهوريّة والاتحادِ العام للشغل التونسي. في المغرب، رفضَ الإخوان المسلمون المشاركة بالمظاهرات التي أطلقَتها حركة 20 شباط / فبراير؛ إلا أنَّ حركةَ العدل والإحسان انخرَطت بقوةٍ في هيكلَة حركة 20 فبراير وشاركت في المظاهرات الشعبيّة وساهمَت بنجاحِها.

وقد تمْتَدُّ التحالُفات البرامجيّة حولَ مطالبَ ديمقراطيّةٍ وتستمرُّ ما بعدَ سقوطِ النظام. وهي في الوقتِ عينِه تلبيةٌ لوضعٍ طارئ سياسيٍّ ومؤسساتي، كما يقولُ خيام التركي، نائبُ الأمين العام للتكتل. يذكِّر خيام أن الترويكا تكوَّنت بين اليسار المعتدلِ والنهضةِ داخلَ الجمعيَّةِ التأسيسيّة المنتخبة في كانون الأوًّل/ ديسمبر 2011 ،بعدما تبّينَ أنَّهُ من المستحيلِ تكوينُ أغلبيّةٍ حكوميّة مسبَقةً. إلا أنَّ التقاطعاتِ بين الإسلام السياسي واليسار ليسَت لغاياتٍ تكتيكيّة ومرحلية وحسب. يذكِّر مراد دهينة أنَّ المسارات النضالية ترجَعُ بتكوينِها إلى خطوطِ انقسامٍ أيديولوجيّة ثابتة: فانتسابُه للجبهةِ الإسلاميّة للخلاص في التسعينيات أتى رفضاً لكلِّ ما يمتُّ بصلةٍ إلى النظام الجزائري الذي ينسبُ نفسَه لـ “الاشتراكية”...إلا أنه يستعيد بدايات حياتِه السياسية في السبعينيات، وفترة الحراك في اللارزاك (Les luttes du Larzac) ولقائِه حينَها بشباب الحزب الشيوعي الفرنسي.

إغراءات الهيمنة وتصدُّعات هويّاتية

“هيمنة”: كانَ منصف مرزوقي، رئيسُ جمهوريّة تونس السابق، أوَّلَ من استعمَل هذه الكلمةِ في جلسةِ المؤتمرِ الافتتاحيّة. فهو يعتبِرُ أن رغبةَ اليساريّين بالحكمِ مع الإسلاميّين، لا بلْ سعيَهم باتِّجاه “علمنة معتدلة” بموازاة “إسلام معتدل”، يشكِّلان الثقلَ الموازنَ الضروريِّ للحيلولةِ دونِ هيمنةِ أيٍّ من التيارات على المؤسّسات السياسية. تذكِّر سيدة أونيسي أنّ ما يميِّز المرحلةَ الديمقراطيّة الانتقاليّة دون سواها، هو ضرورةُ البحثِ عن إجماع، وقد يستلزِمُ ذلك تراجُعات استراتيجيّة. وهكذا تفسِّر، من جهتِها، سياسةَ اليدِ الممدودة التي اتّبعَتها النهضة، بدايةً نحو اليسار، ومن ثمَّ نحو نداء تونس الذي ينسبُ نفسَه للحبيب بورقيبة. لم تكن تراجُعات النهضةِ الاستراتيجية كافيةً لتحُدُّ من مخاوفِ جزءٍ من اليسار الذي شهَّر، طوال عامي 2012 و 2013، بوجودِ جسورٍ بينَ التياراتِ السلفيّة وتشكيلةِ راشد الغنوشي.

وهذا ما كانَت تخشاهُ التيارات اليساريّة المصرية، بحسبِ عمر عزّت، خلالَ رئاسة محمد مرسي، ولم يَكنْ إعطاءُ صلاحياتٍ خاصةٍ لرئيسِ الجمهوريةِ في تشرين الثاني/ نوفمبر2012 سوى بذرة استبدادٍ جديد، إذ إنَّ الإخوان المسلمين أعادوا إنتاجَ الأساليبَ السلطوية المعهودةَ تحتِ حكمِ مبارك. وكأنَّ الإسلاميّين المصريّين فشلوا بتحقيقِ ديمقراطيّتهم الانتقاليّة الخاصَّة بهم. وكان شعار “لا مرسي ولا سيسيي”، بما معناه إبعاد كلي الفاعليْن السياسيَّيْن، مطلبَ جزءٍ من اليسار المصري. يقرُّ عبد الموجود درديري، وهو من قياديّي حزبِ الحرية والعدالة وكان نائباً في البرلمان، بشرعيَّة احتجاجات حزيران/ يونيو 2013 ضد الإخوان المسلمين ، إلّا أنه يذكِّر أنَّ الفرقَ بين سياسةِ الإخوان المسلمين والجيشِ يكمُنُ في درجةِ القمعِ الذي مارسَه الجيشُ وإغلاق صفحةِ التجربةِ الدمقراطيَّة القصيرة في صيف 2013.

يتمحوَرُ النقاشُ الدائرُ بين الحركات اليسارية والإسلامية حولَ عنصرٍ ثابت، ألا وهو العاملُ الإيديولوجي والهويّاتي. فنقدُ استبدادِ الأنظِمة ، أملكيّةً كانت هذه الأنظمة أم جمهوريّة، أماضياً كانَ هذا الاستبدادُ أم حاضراً، لا يشكِّلُ ركيزةً مُشترَكةً وافيةً لإجماعٍ مستدامٍ، باستثناءِ تونس ربَّما. ودارَ مُعظم النقاشُ بينَ عبد العزيز نويضي وعمر إحرشان حول الطابع الإسلامي للحركة المغربية العدل والإحسان. وإذا كان جزءٌ من اليسار يشاركُ الحركةَ الإسلاميَّةَ طموحَها بإلغاءِ الملكيَّةِ في المغرب – وهو طموحٌ أبعدُ من أن يحظى بإجماعِ اليسارِ المغربي بمجملِه – فإنَّ الجانبَ الدينيَّ سُرعانَ ما يتناقضُ مع الطموحاتِ الأكثرَ “علمانيةً” لمكوِّنات أخرى في ائتِلاف 20 شباط/ فبراير. إذ إنَّ حركةَ العدل والإحسان تركَت الائتِلاف في كانون الأول 2011، ممّا أدّى إلى إضعافِه وفشلِه، لأنَّ قدرةَ حركة العدل والإحسانِ على تفعيلِ الشارع تتجاوزُ بكثيرٍ قدرةَ التنظيمات اليساريّة المغربية.

لا تكْفي التجاربُ المشتركة للجزائر ومصر والمغرب وتونس لتحيطَ بمجملِ السِّجالِ العامِّ الدائر في الأوساطِ الإسلاميّة واليسارية في العالمِ العربي. يتوجّبُ أخذُ البعد الشرق -أوسطي بعينِ الاعتِبار مستقْبلاً، فهو شبهُ مغيَّبٍ في المؤتَمَر، خاصةً وأنَّ الأزمةَ السوريَّة تشكِّل عاملَ استقطابٍ قويٍّ بينَ التيارين. أثبتَت ورشاتُ العملِ في هذا المؤتمر أنَّنا لسنا في صددِ “كراهيةٍ” بين التيارين بقدرِ ما نحنُ في صددِ نقاشاتٍ في بداياتٍها يعمُّها الانفعالُ الشديد، وحواراتٌ تتجدَّدُ باستمرار ولا تكتمِل. ومع ذلك، من الواضحِ أن التيّارات الإسلاميّة واليساريّة قد اتَّفقَت، منذُ بداية التسعينات، على مجموعةِ قيمٍ مشتركَة، لا سيَّما الديمقراطية. نجمَ عن ذلك اعترافٌ متبادَل، بما أنَّ التيارين مكوَّنان من الفاعلين القُدامى المُعارضين لأنظمةٍ ديكتاتوريّة، وكلاهُما وقعَ ضحيَّةَ القمعِ وإن في فتراتٍ متفاوِتة. جزءٌ من اليسارِ العربي ينسبُ نفسَه إلى إرثٍ “إسلامي” أو “عربي - إسلامي”؛ في المقابل، تطالبُ تشكيلاتٌ إسلاميَّة عديدةٌ بدولةٍ مدنيّة وليس بدولةٍ إسلاميّة، كما هو الحالُ مع حركةِ النهضة. أخيراً، كانت خلاصةُ النقاشات معايَنةً مشترَكةً للمسألةُ الاجتماعيَّة على أنَّها كانَت في صميمِ ثورات 2011، من تونس إلى مصر، وهي مسألةٌ بعيدةٌ عن الاستِقطاب، ولا تقعُ تحتَ بابٍ المسائلِ المتعلِّقة بالهويّة. وستعودُ هذه المسألةُ لتطرحَ نفسَها على الحركاتِ الإسلاميّة واليسارية على حدٍّ سواء، بحكمِها حركات معنيّة بـمسألةِ “العدالة الاجتماعيّة”.

ترجمة هناء جابر

ملاحظة: هذه المقالة هي ثمرةُ أبحاثٍ تدور في إطار برنامج وافاو “حين يسقط الاستبداد في العالم العربي”(WAFAW : When Authoritarism fails in the Arab World). مضمونه من مسؤولية الكاتب ولا يعبِّر عن وجهة نظر المؤسسة التي تموِّله. أشرف على إعداد هذا المؤتمر: ستيفان لاكروا وهو أستاذ في معهد العلوم السياسية و نيكولا دوت بويار وهو باحث في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط (إيفبو Ifpo) . جمال زيناتي، وهم عضو سابق في جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر لم يتمكن من حضور المؤتمر.