منظمة بتسيلم تندد بنظام تفوق عنصري (أبارتايد) “من النهر إلى البحر”

نشرت المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان والأكثر تمثيلا بتسيلم في 12 يناير/كانون الثاني 2021 تقريرا بعنوان “نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد”. -وتترجم هذه الوثيقة عن نقلة نوعية في تاريخ هذه المنظمة التي تأسست سنة 1989 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

نشرت المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان والأكثر تمثيلا بتسيلم في 12 يناير/كانون الثاني 2021 تقريرا بعنوان “نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد”. وتترجم هذه الوثيقة عن نقلة نوعية في تاريخ هذه المنظمة التي تأسست سنة 1989 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

للمرة الأولى في تاريخها، توسّع بتسيلم -وهي أهم منظمة إسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان- من فهمها لمصطلح “أبارتايد” (أو أبارتهايد) أو نظام التمييز عنصري، لكي يشمل جميع أشكال الحوكمة التي تطبقها إسرائيل على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت إدارتها، سواء كانوا مواطنين إسرائيليين أم لا.

وللمرة الأولى كذلك، تشرح هذه المنظمة غير الحكومية مطوّلا الأسباب التي تجعل في نظرها من هذا المصطلح الأكثر ملاءمة للواقع الذي يشهده الفلسطينيون الذين يعيشون في ظل القانون الإسرائيلي. وأخيرا وللمرة الأولى، وبعد 31 سنة من تأسيسها، تعبّر المنظمة صراحة عن طموح سياسي، إذ تختم التقرير الذي يحمل عنوان “نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد” بهذه الأسطر:

إنّ السّعي بعزم نحو مستقبل يقوم على مبادئ حقوق الإنسان والحرّية والعدالة - ضروريّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. هناك خيارات سياسيّة مختلفة لتحقيق مستقبل يقوم على هذه المبادئ والحسم بينها يجب أن يتولّاه جميع البشر الذين تقرّر هذه الخيارات مستقبلهم. هذا بالنسبة للمستقبل، أمّا القرار الأخلاقيّ الحاسم - لا للأبارتهايد - فمن واجبنا جميعاً اتّخاذه اليوم.

نذكر بأن منظمة بتسيلم حصلت على جائزة حقوق الإنسان في فرنسا سنة 2018.

ينشر موقع أوريان 21 مقتطفات من هذا التقرير.

* * *

« يقيم في الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر أكثر من 14 مليون إنسان - تقريباً نصفهم يهود ونصفهم فلسطينيّون. الاعتقاد السّائد - في المجالين العمومي والقضائيّ وفي ميدان السياسة وفي الخطاب الإعلاميّ - في هذه الأراضي نظامان متوازيان يفصل بينهما الخطّ الأخضر: الأوّل يعمل داخل حدود إسرائيل السياديّة وهو ديمقراطيّ وثابت يقيم تحت كنفه نحو تسعة ملايين إنسان جميعهم مواطنون إسرائيليّون؛ والثاني يعمل في المناطق التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 ويُفترض أن تحدّد مكانتها النهائيّة في مفاوضات مستقبليّة بين الطرفين. يقيم في هذه المناطق نحو خمسة ملايين فلسطينيّ تحت احتلال عسكريّ موقّت.

[…]

لكنّ هذا التعريف قد أصبح لا يمتّ للواقع بصِلة بمرور السنين. إنّه تعريف يتجاهل حقيقة أنّ هذا الوضع يسود منذ أكثر من خمسين عاماً - معظم سنوات وجود دولة إسرائيل؛ وهو لا يأخذ بالحسبان مئات آلاف المستوطنين اليهود المقيمين في بلدات ثابتة شرق الخطّ الأخضر ويديرون حياتهم وكأنّهم يقيمون غربه؛ كما أنّه يغضّ الطرْف عن الضمّ الرسميّ لشرقيّ القدس والضمّ الفعليّ للضفة الغربيّة؛ ولكنّ الأهمّ من هذا كلّه هو أنّ هذا التمييز يطمس حقيقة وجود مبدأ ناظم واحد يتمّ تطبيقه في جميع الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر: تعزيز وإدامة تفوّق مجموعة من البشر - اليهود - على مجموعة أخرى - الفلسطينيّون. كل هذا يفضي إلى النتيجة بأن هذين ليسا نظامين متوازيين يعملان وفق المبدأ نفسه تصادفاً، وإنّما هو نظام واحد يدير الأراضي كلّها يسيطر على جميع البشر المقيمين فيها ويعمل وفق المبدأ الناظم المذكور.»

فرّق، افصل، تسد

«لدى تأسيسها في العام 1989 حدّدت بتسيلم التفويض الذي حدّدته لعملها اقتصر على الضفة الغربيّة (وبضمنها شرقيّ القدس) وقطاع غزّة، إذ لم تنظر بتسيلم إلى وضع حقوق الإنسان داخل الحدود التي قامت ضمنها دولة إسرائيل في العام 1948 كما لم تلق نظرة شاملة على الواقع السّائد في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر. مع ذلك وعلى ضوء الحقائق المذكورة أعلاه وإزاء تزايُد علنيّة هذا المبدأ الناظم خلال السّنوات الأخيرة - يُنظر على سبيل المثال قانون القوميّة ونوايا الضمّ المعلنة - لا يمكن أن نفهم اليوم ما يجري في المناطق المحتلّة بمعزل عمّا يجري في جميع الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. لذلك فإنّ المصطلحات التي نستخدمها في السّنوات الأخيرة لوصف الواقع - مثال “احتلال مستديم” أو “واقع الدّولة الواحدة” - لم تعد مناسبة. إلى جانب ذلك لأجل مواصلة مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان بفاعليّة من الضروريّ تفحّص طبيعة عمل النظام الواحد السّائد في كافّة المناطق.

[…]

يطبّق النظام الإسرائيليّ في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر قوانين وإجراءات وعُنفاً منظّماً (عنف الدّولة) غايتها السّعي إلى تحقيق وإدامة تفوّق جماعة من البشر أي اليهود على جماعة أخرى هُم الفلسطينيّون. [...]

المواطنون اليهود المقيمون في الاراضي الممتدّة بين النهر والبحر يديرون حياتهم كأنّما هي حيّز واحد (ما عدا قطاع غزّة). الخطّ الاخضر يكاد لا يعني شيئاً بالنسبة إليهم ومسألة إقامتهم غربه ضمن الحدود السياديّة للدولة أو شرقه في المستوطنات التي لم تضمّها إسرائيل رسميّاً لا علاقة لها بحقوقهم أو مكانتهم.

في المقابل نجد أنّ مكان الإقامة مسألة مصيريّة بالنسبة للفلسطينيّين. لقد قسّم النظام الإسرائيليّ الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر إلى وحدات مختلفة تتميّز عن بعضها البعض في طريقة سيطرته عليها وتعريفه لحقوق سكّانها الفلسطينيّين. هذا التقسيم ذو صِلة بالفلسطينيّين فقط وهكذا فإنّ الحيّز الجغرافيّ المتواصل بالنسبة لليهود هو بالنسبة إلى الفلسطينيّين حيّز فسيفسائيّ مشظّىً يتشكّل من قطع مختلفة:

  • الفلسطينيّون المقيمون في المناطق التي صُنّفت في العام 1948 ضمن الأراضي السياديّة لإسرائيل (“عرب إسرائيل”) ويشكّلون 17% من مجمل المواطنين في هذه الأراضي، هُم مواطنون إسرائيليّون، ومن هنا هُم يتمتّعون بحقوق كثيرة متّصلة بهذه المكانة لكنّهم - كما سنفصّل لاحقاً - لا يتمتّعون بالحقوق نفسها التي يتمتّع بها المواطنون اليهود وهو تمييز قائم في القانون الإسرائيليّ كما في ممارسات السّلطات الإسرائيليّة.
  • في شرقيّ القدس التي تشمل نحو 70 ألف دونم ضمّتها إسرائيل إلى حدودها في العام 1967 خلافاً لأحكام القانون الدوليّ يقيم ما يقارب 350 ألف فلسطينيّ عرّفتهم إسرائيل “مقيمين دائمين”. بموجب هذه المكانة يمكنهم السّكن والعمل في إسرائيل دون الحاجة إلى تصاريح خاصّة ويحق لهم الضمان الاجتماعيّ والتأمين الصحّي وكذلك المشاركة في الانتخابات البلديّة. ولكن خلافاً لمكانة “مواطن” يستطيع وزير الدّاخليّة سحب مكانة “المقيم الدائم” من أيّ شخص استناداً إلى اعتباراته وحدها. هذا إضافة إلى أنّ هذه المكانة يمكن أن تُلغى تلقائيّاً في ظروف معيّنة.
  • بقيّة أراضي الضفة الغربيّة لم تضمّها إسرائيل رسميّاً ولكنّها مع ذلك تتصرّف فيها وكأنّما هي ضمن حدودها. يقيم في هذه الأراضي نحو 2.6 ملايين من الرّعايا الفلسطينيّين في عشرات الجيوب المعزولة عن بعضها البعض (فيما يلي: المعازل) تحت نظام حُكم عسكريّ صارم دون أيّة حقوق سياسيّة. في نحو 40% من هذه الأراضي نقلت إسرائيل الصّلاحيّات المدنيّة للسّلطة الفلسطينيّة - لكنّ هذه السّلطة تخضع لإسرائيل وحتى هذه الصّلاحيّات المحدودة لا تستطيع ممارستها إلّا بموافقة من إسرائيل.
  • في قطاع غزّة يقيم نحو 2 مليون فلسطينيّ وهؤلاء أيضاً مجرّدون من الحقوق السياسيّة. في العام 2005 سحبت إسرائيل قوّاتها من القطاع وأخلت جميع المستوطنات التي أقامتها ومن ثمّ تخلّت عن أيّة مسؤولية عن مصير سكّان القطاع. في العام 2007 سيطرت حماس على القطاع وفرضت إسرائيل عليها الحصار ولا تزال. ولكن حتى الآن لا تزال إسرائيل تتحكّم من الخارج بسكّان القطاع على نحوٍ يطال تقريباً كلّ تفاصيل حياتهم.»

حقوق أدنى من حقوق اليهود

«تخصّص إسرائيل للسكّان في كلّ من هذه الوحدات المعزولة رزمة من الحقوق تختلف عن تلك المخصّصة لسكّان الوحدات الأخرى - وجميعُها حقوق منقوصة مقارنة برزمة الحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود. [...]

أدناه نقدّم تفصيلاً لأربع وسائل رئيسيّة يسعى النظام الإسرائيليّ من خلالها إلى تحقيق التفوّق اليهوديّ. اثنتان منها تطبّقان بشكل مشابه في كافّة المناطق: تقييد الهجرة لغير اليهود والاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة لأجل بناء بلدات لليهود فقط وفي موازاة ذلك لأجل إنشاء معازل فلسطينيّة على مساحات ضيّقة. الوسيلتان الأخيرتان يجري تطبيقهما على الأخصّ في المناطق المحتلّة: قيود مشدّدة على حرّية حركة وتنقّل الفلسطينيّين من غير المواطنين وتجريد ملايين الفلسطينيّين من الحقوق السياسيّة.

[...]

جميع يهود العالم وأولادهم وأحفادهم - وكذلك أزواجهم وزوجاتهم - يحقّ لهم الهجرة إلى إسرائيل. في أيّ وقت والحصول على المواطنة الإسرائيليّة وجميع الحقوق المترتّبة عليها أو الناجمة عنها. وتُعطى لهم مكانة مواطن حتى إذا اختاروا الإقامة في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربيّة رغم أنّها رسميّاً ليست ضمن الحدود السياديّة لدولة إسرائيل. أمّا غير اليهود فلا يحقّ لهم الحصول على مكانة قانونية في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. [...] الفلسطينيّون المقيمون في دول أخرى لا يمكنهم الهجرة إلى هذه الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر حتى إذا كانوا هم أنفسهم أو جدّهم أو جدّتهم قد وُلدوا وأقاموا في الماضي في هذه الأراضي.

[...]

يمكن لفلسطينيّ يحمل الجنسية الإسرائيلية أو مقيم في شرقيّ القدس أن ينتقل للسّكن في الضفة الغربيّة دون صعوبة (لكنّه بذلك يخاطر بحقوقه ومكانته القانونية كمقيم دائم). في المقابل لا يمكن للرّعايا الفلسطينيّين سكّان المناطق المحتلّة الحصول على مواطنة إسرائيليّة والانتقال للسّكن داخل الحدود السياديّة لإسرائيل إلّا في حالات استثنائيّة جدّاً ووفقاً لاعتبارات الجهات الإسرائيليّة.

[...]

سنّت إسرائيل في العام 2003 قانوناً مؤقتاً - لا يزال سارياً حتى الآن - يحظر منح مكانة مقيم دائم أو مواطن في إسرائيل للفلسطينيّين سكّان المناطق المحتلّة الذين تزوجوا من إسرائيليين، على عكس حاملي الجنسيات الأخرى.

[...]

لاستيلاء على الأراضي لأجل اليهود ودحر الفلسطينيّين إلى معازل ضيّقة ومكتظّة: تطبّق إسرائيل في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر سياسة تهويد المكان التي يوجّهها تصوّر يعتبر الأرض مورداً مخصّصاً لخدمة الجمهور اليهوديّ بشكل شبه حصريّ. وفقاً لهذا التصوّر تتمّ إدارة موارد الأرض بهدف تطوير وتوسيع البلدات اليهوديّة وإقامة بلدات جديدة لليهود، وفي الوقت نفسه تجريد الفلسطينيّين من الأراضي ودحرهم إلى معازل ضيّقة ومكتظّة. منذ العام 1948 طبّقت هذه السياسة على الأراضي الواقعة داخل الحدود السياديّة لإسرائيل وتطبّق منذ العام 1967 في المناطق المحتلّة أيضاً. وفي العام 2018 جرى تكريس هذا المبدأ في قانون أساس: إسرائيل - الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ.»

[...]

البدو “الغزاة”

«ما استولت عليه إسرائيل من الأراضي الفلسطينيّة داخل حدودها أقامت فوقه مئات البلدات للسكّان اليهود ولم تُقم حتى بلدة واحدة للمواطنين الفلسطينيّين سوى عدّة قرىً وبلدات أقامتها إسرائيل لتركيز السكّان البدو الذين جُرّدوا من معظم حقوق الملكيّة التي كانوا يحوزونها: معظم الأراضي التي كان يعيش فيها البدو صودرت وجرى تسجيلها كأراضي دولة وهناك بلدات بدويّة كثيرة صُنّفت “غير معترف بها” واعتُبر سكّانها “غُزاة”. أقامت الدولة علىأراضي البدو التاريخيّة بلدات لليهود فقط.

[...]

لم تكتف الدّولة بعدم إقامة بلدات جديدة للمواطنين الفلسطينيّين بل سنّت قانوناً ينصّ على أنّ لجان القبول في مئات البلدات الأهليّة من حقّها رفض متقدّمين للسّكن فيها على قاعدة “عدم التوافُق الثقافيّ” ليصبح بذلك الفلسطينيّون ممنوعين من السّكن في بلدات مخصّصة لليهود.

[...]

بعد العام 1967 سلك النظام الإسرائيليّ وفق المبدأ الناظم نفسه في الضفة الغربيّة (بما في ذلك الأراضي التي ضُمّت رسميّاً لمسطّح نفوذ بلديّة القدس): أكثر من مليوني دونم وبضمنها مراعٍ وأراضي زراعيّة نهبتها إسرائيل من الرّعايا الفلسطينيّين بشتّى الذرائع وسخّرتها لأغراض عديدة وبضمنها إقامة وتوسيع مستوطنات - إضافة مساحات عمرانيّة وأراضي زراعيّة ومناطق صناعيّة. جميع المستوطنات مناطق عسكريّة مغلقة يُحظر على الفلسطينيّين دخولها دون تصريح. هنالك اليوم أكثر من 280 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربيّة (يشمل شرقيّ القدس) يقيم فيها ما يزيد عن 600 ألف مواطن يهوديّ. كذلك نهبت الدولة من الفلسطينيّين أراضي أخرى لأجل شقّ مئات الكيلومترات من الشوارع الالتفافيّة المخصّصة للمستوطنين.

أقامت إسرائيل للرّعايا الفلسطينيّين جهاز تخطيط منفصل غايته الأساسيّة منع البناء والتطوير وذلك بواسطة تعريف مساحات شاسعة كأراضٍ يُحظر فيها البناء عبرَ إعلانها “أراضي دولة” أو “مناطق إطلاق نار” أو “محميّات طبيعيّة” أو “حدائق وطنيّة” [...]. جلّ أعمال هذا الجهاز تنحصر بهدم المباني التي يقيمها الفلسطينيّون دون ترخيص وهنا أيضاً لأنّهم لا يملكون خياراً آخر. نتيجة لذلك بقي معظم الفلسطينيّين محبوسين في عشرات المعازل المكتظّة [...].

تتيح إسرائيل لمواطنيها والمقيمين فيها - اليهود والفلسطينيّين - حرّية التنقّل بين المناطق المختلفة التي تسيطر عليها باستثناء قطاع غزّة الذي عرّفته “كياناً معادٍياً”. [...] إضافة إلى ذلك يحقّ لكلّ مواطن إسرائيليّ مغادرة الدّولة والعودة إليها متى شاء. وفي المقابل لا يملك سكّان شرقيّ القدس لا جوازات سفر إسرائيليّة وقد يعرّضهم المكوث لمدّة طويلة خارج الدّولة إلى فقدان مكانة “المقيم الدائم”.

كممارسة روتينيّة يقيّد النظام الإسرائيلي حركة الفلسطينيّين سكّان المناطق المحتلّة ويمنعهم عموماً من العبور بين وحدات المناطق الواقعة تحت سيطرته. سكّان الضفة الغربيّة الذين يريدون دخول إسرائيل أو شرقيّ القدس أو قطاع غزّة يُطلب منهم تقديم طلب تصريح إلى السّلطات الإسرائيليّة. أمّا قطاع غزّة فقد فرضت إسرائيل عليه حصاراً منذ العام 2007 وحبست سكّانه داخله بعد أن منعت أيّ خروج منه أو دخول إليه - سوى في حالات قليلة، حالات “إنسانيّة” وفقاً لتعريف إسرائيل. سكّان قطاع غزّة الذين يريدون مغادرة القطاع والفلسطينيّون سكّان المعازل الأخرى الذين يريدون دخول القطاع عليهم تقديم طلب خاصّ للحصول على تصريح. الجدير ذكرُه أنّ إسرائيل مقلّة جدّاً في إصدار هذه التصاريح والحصول عليها يخضع لنظام تصاريح صارم وتعسّفي يفتقر للشفافيّة والقواعد الواضحة - هكذا تعتبر إسرائيل كلّ تصريح تصدره لفلسطينيّ حسنة تتفضّل بها عليه لا حقّاً مكفولاً له.

[...]

كذلك يخضع سفر الفلسطينيّين سكّان المناطق المحتلّة إلى دول أخرى لموافقة إسرائيل وهي عموماً تمنعهم من المغادرة جوّاُ عبر مطار بن غوريون الواقع ضمن حدودها السياديّة. سكّان الضفة الغربيّة يمكنهم السّفر جوّاً فقط عبر مطار عمّان في الأردن لكنّهم لا يستطيعون ذلك إلّا إذا سمحت لهم إسرائيل بالخروج من الضفة الغربيّة إلى الأردن. في كلّ سنة تمنع إسرائيل آلافاً من سكّان الضفة الغربيّة من مغادرة الحدود دون أن تقدّم تفسيراً لأيّ منهم. أمّا سكّان قطاع غزّة فيضطرّون إلى السّفر عبر معبر رفح - الذي يديره المصريّون. هذا السّفر يلزمه أن يكون المعبر مفتوحاً وموافقة السّلطات المصريّة على العبور - ثمّ السّفر الطويل والممضّ داخل أراضي مصر.»

[...]

إنكار الالتزام السياسي

«يحقّ للفلسطينيّين مواطني إسرائيل كما لمواطنيها اليهود ممارسة النشاط السياسيّ سعياً لتحقيق أهدافهم وذلك يشمل المشاركة في انتخابات الكنيست وانتخاب ممثليهم، وكذلك تشكيل قوائم انتخابيّة خاصّة بهم أو الانضمام إلى القوائم الموجودة. وهناك في الوقت نفسه مساعيَ دؤوبة لنزع الشرعيّة عن منتخَبي الجمهور الفلسطينيّين [...].

الفلسطينيّون المقيمون في المناطق المحتلّة والبالغ عددهم نحو خمسة ملايين لا يشاركون في المنظومة السياسية التي تتحكم بحياتهم وتحدّد مستقبلهم. نظريّاً يحقّ لمعظم هذه المجموعة من الفلسطينيّين أن تشارك في انتخابات السّلطة الفلسطينيّة، لكنّ صلاحيّات هذه السّلطة محدودة بحيث حتى لو جرت الانتخابات بانتظام (آخر انتخابات للسّلطة جرت في العام 2006) تبقى حياة السكّان الفلسطينيّين خاضعة لقرارات ورغبات النظام الإسرائيليّ الذي يُمسك بالمفاصل المركزيّة للسّلطة في المناطق المحتلّة، ومنها الهجرة وسِجلّ السكّان وسياسة الأراضي والتخطيط وتوزيع موارد المياه وشبكة الاتّصالات والاستيراد والتصدير والأهمّ: السيطرة العسكريّة على الأرض والجوّ والبحر.

[...]

هناك سلسلة من القوانين سنّتها الكنيست لتقيّد بها إمكانيّة قيام الإسرائيليين بنشاطات تخصّ السياسة التي ينتهجها النظام الإسرائيليّ إزاء الفلسطينيّين في جميع الأراضي الواقعة تحت سيطرته ومنها: قانون المقاطعة وقانون النكبة. الفلسطينيّون سكّان المناطق المحتلّة مقيّدون أكثر حتى: هُم ممنوعون من الخروج في مظاهرات وقد حظرت إسرائيل عدداً كبيراً من التنظيمات وتقريباً كلّ أشكال التعبير السياسيّ تعتبرها تحريضاً.

[...]

النظام الذي يسعى عبر قوانينه وممارساته وعُنفه المنظّم في كافّة الأراضي التي يسيطر عليها إلى تحقيق وإدامة تفوّق جماعة من البشر على جماعة أخرى من البشر هو نظام أبارتهايد. لم ينشأ نظام الأبارتهايد هذا بين ليلة وضُحاها ولا كانت فكرة الأبارتهايد وليدة خطاب واحد. إنّها سيرورة تدريجيّة تمأسس النظام وتبلور من خلالها واتّضحت معالمه بمرور الزمن حيث جرى خلال السّنوات تفعيل المزيد والمزيد من الأجهزة بالقانون وفرض المزيد والمزيد من الوقائع على الأرض سعياً إلى تحقيق التفوّق اليهوديّ في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر. إنّ تراكُم هذه الخطوات وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة السياسية ثمّ الدّعم الذي تحظى به على الصعيدين الجماهيريّ والقضائيّ - كلّ هذا معاً يحتّم الإقرار بأنّ هذا النظام قد تجاوز العتبة التي تقتضي تعريفه كنظام أبارتهايد.»

“ما الذي تغير الآن؟”

«إذا كنا نتحدث عن نظام يتشكّل ويجري تطبيقه منذ سنين طويلة فما الجديد وما الذي تغيّر الآن؟ لماذا ننشر ورقة الموقف هذه الآن في العام 2021؟ يكمن التغيير الأساسيّ في السّنوات الأخيرة في استعداد وتحفّز ممثّلي النظام وهيئات رسميّة لتكريس مبدأ التفوّق اليهوديّ دستوريّاً والتصريح بهذه النوايا علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

[...]

ينصّ قانون الأساس الجديد الذي سُنّ في العام 2018 على حقّ تقرير المصير للشعب اليهوديّ - وحده وفقط وحده - ويقرّر أنّ تمييز اليهود عن غير اليهودي (في إسرائيل والعالم كلّه) تمييزٌ أساسيّ وشرعيّ. على هذا الأساس فإنّه قانون يُبيح التمييز الممأسَس لصالح اليهود ضدّ غير اليهود كمبدأ قانوني ملزِم في مجالات إقامة البلدات والإسكان والأرض والمواطنة واللّغة والثقافة. صحيح أنّ إسرائيل عملت وفق معظم هذه المبادئ في الماضي قبل سنّ القانون المذكور ولكنّ تكريس التفوّق اليهوديّ في نصّ قانون أساس - خلافاً لقانون عاديّ أو ممارسات فعليّة - يعكس مبادئ دستوريّة مُلزمة. لسنا فقط أمام رسالة لجميع أجهزة السّلطة مفادُها أنّه من اللّائق العمل على تحقيق التفوّق اليهوديّ في كافّة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل بل الرّسالة الآن: أنتم ملزَمون بذلك.

[...]

منطق عمل هذا النظام وطريقة تطبيقه مماثلان لما كان في نظام الأبارتهايد الذي اتّبعته جنوب إفريقيا في الماضي، والذي كانت غايته الحفاظ على تفوّق المواطنين البيض في الدولة بوسائل عدّة منها تقسيم السكّان إلى جماعات ذات مكانات مختلفة ومنح حقوق مختلفة لكلّ منها. هناك بطبيعة الحال فروق بين النظامين - منها أنّ الفصل في جنوب إفريقيا اعتمد العرق ولون البشرة بينما اعتمدت إسرائيل الأصل القوميّ والإثنيّ؛ ومنها انّ الفصل هناك تجلّى أيضاً في الحيّز العامّ فصلاً بين الناس على أساس لون البشرة، فصل رسميّ وعلنيّ يتمّ إنفاذه وضبطه بعمل الشرطة بينما تتفادى إسرائيل بشكل عامّ مثل هذه التجلّيات البارزة. ولكنّ تعريف نظام الأبارتهايد في الخطاب العامّ وفي القانون الدوليّ لا يتطلّب ولا يفترض التطابُق مع نظام الأبارتهايد الذي ساد في جنوب إفريقيا لأنّ مثل هذا التطابُق التامّ لن يحدث أبداً. لقد تحوّلت مفردة “أبارتهايد” منذ زمن إلى مفهوم مستقلّ (مكرّس نصّاً في المواثيق الدوليّة أيضاً) جوهره المبدأ الناظم لعمل النظام: النظام الذي يعمل بشكل منهجيّ على تحقيق تفوّق جماعة بعينها من البشر على جماعة أخرى والحفاظ على هذا التفوّق.

[...]

تصويب النظر نحو الواقع أمرٌ مؤلم لكنّ ما يؤلم أكثر هو العيش تحت البسطار. الواقع الذي تصفه هذه الوثيقة جدّي وخطير ولكنّه واقع مرشّح لمزيد من التدهور والتصعيد عبر تطبيق ممارسات جديدة - مع تكريسها في قانون أو بدون ذلك. ولكن من أقاموا هذا النظام هُم بشر وهُم من يستطيعون فرض المزيد من التصعيد - وهُم أيضاً من يستطيعون تغييره. هذا بالضّبط هو الأمل الذي حذا بنا إلى صياغة ورقة الموقف هذه. لأنّه كيف يمكن النضال ضدّ الظلم إذا لم نسمّه باسمه؟ الأبارتهايد هو المبدأ الناظم - ولكن توصيفه وتعريفه بما هو لا يعني الاستسلام ورفع الرّاية البيضا، وإنّما على العكس تماماً: إنّه نداء للتغيير.»

[…]