المجتمع المدنيّ يتحرَّك لمواجهة التغيُّر المناخي

يستضيف المغرب في مدينة مرّاكش، من السابع إلى الثامن عشر من شهر نوفمبر 2016، مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة حول التغيُّر المناخي “كوب22” (COP22). ممّا يتيح لنا فرصة التأمل بأوضاع بلدان المغرب العربيّ، و كذلك بلدان الساحل والشرق الأوسط، والسعى لإلقاء الضوء على أطراف المجتمع المدنيّ المناضلة من أجل العدالة المناخية في هذه المنطقة.

إن البَون الشاسع ما بين الآمال التي أثارتها الثورات العربية والأوضاع الحالية التي تعيشها بلدان المغرب العربي والشرق الأوسط، على اختلافها، قد يحمل على الظنِّ بشيءٍ من الحتمية في فشل التحرُّكات الشعبية وتعبئة المواطنين. وقد يواكب الوعي بهذا الحال شعورٌ بخيبة أملٍ كبيرة، بل ونزعةٍ للاستسلام للأقدار. ومع أنّ هذه الرؤية للأمور قد ترتكز إلى بعض العناصر الواقعية التي لا يمكن تجاهلها، إلا أنّها تبقى قصيرة النظر. فهي تغفل قضايا عدّة، كما وتتجاهل جمهرة المبادرات الصادرة عن المجتمع المدني في المنطقة، لا سيَّما بشأن العدالة المناخية.

وللعدالة المناخية طابع مُلِحّ، بنفس درجة إلحاح القضايا الأخرى: فهنا، كما في سائر أقطار العالم، تعاني الشعوب من أضرار النظام الحاليّ، القائم على سيطرة منطق الاقتصاد البحت: استيلاء على الأراضي، مشاريع عملاقة تُفرَض على الشعوب دون موافقتها، طغيان الزراعة الصناعية، الإفراط في استغلال الثروات الطبيعية من قبل المصالح الاقتصادية، بما يهدِّد سلامة الأقاليم، بل وحياة السكان وبقائهم.

هذا الإلحاح في ضرورة علاج الوضع يطغى على سكّان هذه المناطق بالذات، فجوار البحر الأبيض المتوسط والساحل من المناطق المعرَّضة بشدّة للتغيُّرات المناخية. ولقد بدأت منذ الآن مخاطر الجفاف والقحط، والتصحُّر، وتدهور التربة، وارتفاع مستوى البحر، وشحِّ الموارد المائية تحدق بسكان المنطقة.

إذًا، بات من الملحِّ التحرك. لقد أطلق المغرب على هذا المؤتمر تسمية “مؤتمر العمل الجاد”، وكأنَّ المسألة وُلِدَت اليوم، بحكم إرادة الدول وبعض المستثمرين، مع أنَّ النضال من أجل العدالة الاجتماعية متواجدٌ قبل يومنا هذا في المجتمع المدني في بلاد المغرب العربي والساحل والشرق الأوسط، حيث يسعى المواطنون لمواجهة التحديات الناجمة عن النموذج التنمويّ الراهن، وعن التغيُّرات المناخية التي يحدثها. وتواجه هذه المساعي تحديات جسيمة، وتصطدم بمصالح جبّارة، يدافع عنها أصحاب سلطةٍ ونفوذٍ أكبر شأنًاً منهم، لكنَّ المواطنين يصمدون وينظِّمون أمورهم، ويبتكرون الحلول. إلا أن هذه الحلول تتطلَّب مساندة سياسات حكومية طموحة. هنا تكمن الحلول البديلة، وليس في محاولة إضفاء اللون “الأخضر” على تحرُّكات المسؤولين عن الأزمة المناخية اساسًاً.

في هذا الملفِّ الذي أعدَّته مع Orient XXI، أرادت اللّجنة تسليط الضوء على أولئك الذين يلعبون دوراً فعليًا في محاولة تغيير هذه الأوضاع في المنطقة. ففي العراق و تركيا، شكَّلت جمعياتٌ من المجتمع المدنيّ ائتلافًاً واسعًاً في حملةٍ شعبيةٍ “لإنقاذ نهر دجلة”، تعمل على تحفيز الرأي العام، والتحرُّك من أجل تراجع الحكومة عن انشاء سدودٍ تهدِّد التنوُّع الحيويّ في النهر، والمجتمعات القاطنة على ضفاف النهر. وتدعم جمعية “عدل” في فلسطين مزارعين حرمهم الاحتلال الإسرائيليّ من أراضيهم ومياههم، وتساعدهم في تطوير الزراعة المستدامة التي تحترم البيئة. ويتعاون في منطقة المنيا المصرية الفلّاحون من غير المُلّاك مع صغار المالكين، في إطار رابطةٍ تجمعهم، بمساعدة جمعية التنمية المتكاملة بالمنيا (IDAM). وفي مناطق الواحات في المغرب، التأمت منظَّماتٌ مختلفة في “شبكة الجمعيات للتنمية المستدامة للواحات” للحفاظ على البذور المحلية والتنوع الحيوي في واحات المغرب. وفي تونس ترصد جمعية Nomad08 الحركات الاجتماعية المطالبة بعدالةٍ أكبر في توزيع المياه، بينما يبذل “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” مساعٍ حثيثة لمكافحة تلوُّث خليج المنستير. وتسعى الجمعية غير الحكومية “أزهر”، في منطقة كيدال في مالي، إلى تعزيز الوئام بين فئات المجتمع البدوي، وتأقلمها مع التغيُّرات المناخية التي أجَّجت التوتُّرات القبلية.

وإن اختلفت الأوضاع بين البلدان، ثمَّة ما يجمع ما بين الناس في الشمال والجنوب، في تصدّيهم للأزمة المناخية والمنظومة العالمية المتسبِّبة بها، شمالاً وجنوبًاً. و هكذا تتعزَّز الأواصر ما بين مزارعٍ فرنسيّ وآخرٍ فلسطينيّ، يعمل كلّ منهما على تطوير الزراعة المستدامة الصديقة للبيئة، وما بين ناشطٍ ضدَّ مشروعٍ عملاق في الصين، وناشطٍ آخر ضد إنشاء سدودٍ في العراق، وما بين مناضلٍ جزائريٍّ وناشطةٍ كندية يكافحان ضدَّ استخراج الغاز الصخريّ، كلٌّ في بلده. وترى “اللجنة” في هذه المساعي المحليّة والوطنية والدولية فرصةً عظيمةً لتضافر الجهود النضالية وتبادل المقترحات سعيًاً لتحوُّل المجتمعات في هذا المجال تحوُّلاً حقيقًا.

إلى جانب شركائنا، وعبر نشاطنا للدفاع عن السيادة الغذائية والعدالة المناخية، فإنّنا ندافع عن منهجٍ موحَّدٍ متماسكٍ للتعامل مع هذه القضايا مجتمعة، بحيث نبرز قصور النموذج التنمويّ الحاليّ، ونقترح بدائل لمواجهته. إنّه السبيل الوحيد لضمان احترام الشعوب وحقوقها في أيّ نشاطٍ يمسُّ المناخ. وهو السبيل الوحيد للتوصُّل إلى عدالةٍ مناخية حقيقية، تسلك طريق العدالة الاجتماعية.

اللّجنة الكاثوليكية ضدَّ الجوع ومن أجل التنمية – أرض التضامن (CCFD-Terre solidaire)