لا تخفُّ حِدَّة غضبِ المغرب. فقد قامَ بان كي مون بزيارةٍ هي الأولى من نوعِها لمخيَّماتِ تندوف في الجزائر، حيثُ يعيشُ منذ 1975 آلاف الصحراويّين الذين يطالِبون باستِقلالِ الصحراء الغربيّة. كما أنَّ الأمينَّ العام قد زارَ بلدة بير الحلو المتواجِدة شمالَ شرقِ الصحراء الغربية، في المِنطقةِ الواقِعة تحتَ سيطرةِ جبهةِ البوليساريو والتي يعتَبرُها صحراويّو تندوف “مِنطقة محرَّرة”. من هنا بالتحديد، أعلَنت جبهةُ البوليساريو في 27 شباط / فبراير 1976 تأسيسَ الجمهوريَّةِ العربيَّةِ الصحراويَّةِ الديمقراطيَّة. ومن هذه البلدة ، تَبثُّ الإذاعةُ التي تحملُ الاسمَ نفسَه. يسمّي الإعلامُ المغربيُّ ذلكَ استِفزازاً.
إلا أنَّ ما بدا “غيرَ مقبولٍ” بالنسبة للمغرِب يذهبُ أبعدَ من الزيارةِ بحدِّ ذاتِها ، إذ يتعلَّقُ بتصريحاتِ بان كيمون في هذه الأمكِنة المُشبعة بالرمزيَّة. فقد أفصحَ مُمثِّلُ الأممِ المتَّحِدة المعروفِ بتحفُظِه الكبير عن درجةٍ عاليةٍ من التعاطُفِ مع اللاجئين الذين التَقى بهم في تندوف: “حزِنتُ كثيراً عندما رأيتُ هذا العددَ من اللاجئين، خاصَّة الشبابَ الذين وُلدوا هنا. فالأطفالُ الذين ولِدوا في بدايةِ الاحتِلال عمرُهم الآن أربعون أو واحدٌ وأربعون عاماً. وأريدُ بصدقٍ أن أُخبرَهم أنَّ عالمَهم لا ينتَهي هنا”. هنا تمَّ اجتيازُ الخطِّ الأصفرَ النسبةِ للرباط، إذ ذُكرَت كلمةُ “احتِلال” للحديثِ بوضوحٍ عن السيطرةِ التي يمارِسُها المغرب منذ 1975 على الصحراءِ الغربيَّة التي لم تتَّخِذ الأممُ المتَّحِدة قراراً بشأنها.
إنَّها المرَّة الأولى التي يأخذ فيها الأمينُ العامُّ للأممِ المتَّحدة لهجةً بهذه الشدَّة فيما يخصُّ سياسةَ المغربِ الصحراويّة. لهجةٌ لا يستعملُها في أرضٍ محايدة، بل من تندوف، البلدةِ التي بقيَ المغربُ يطالبُ بها حتّى عام 19721. ولم يلاحِظْ وزيرُ الخارجيَّةِ المغربيِّ صلاح الدين مِزوار الذي زارَ مركزَ الأمَمِ المتَّحدة في 14 آذار/ مارس الماضي للقاءِ بان كي مون أيَّ تَغييرٍ ملحوظ ٍفي موقِفه. فقد أكَّد موقفَة وعبّر عن انزعاجِه تجاهَ المظاهرةِ التي نُظِّمت عشيَّة َذلك اللقاءِ في الرباط واستهدفَته شخصيّاً. ولجأ الوزيرُ المغربي إلى محاولةٍ التمييز بين الأممِ المَّتحدة وأمينِها العامِّ ، من أجلِ تشويهِ سمعةِ ذلك الذي يعتبرُ المغربَ “محتَلاًّ” للصحراء.
“هَفوةٌ لُغويّة”
يعتبرُ المغرب أنّ استِعمالَ كلمة َ“احتلالٍ” يُشكِّل “قطَعاً للحياد” من قِبلِ الأممِ المتَّحدة. وبذلك، يكونُ الأمين العام قد تجاوَزَ الدورَ المَنوط بمهمَّتِه. بالواقع، حتّى وإن لم يتفوَّه الأمين العام بهذه الكلمات، فهو ليسَ مُلزَماً بالحيادِ تجاهَ الملفّات التي تعودُ له إدارتُها بحكمِ منصبِه، وبشكلٍ أوسعَ تجاه الصراعات الجارية. فميثاقُ الأممِ المتَّحدة يعرّفُ الأمين العام على أنَّه شخصيَّةٌ ملتزِمة يُسمحُ لها أن “تَلفتَ نظر مجلسِ الأمن إلى أيِّ ملفٍّ من شأنِه أن يهدِّدَ حفظَ السلامِ والأمن الدوليَّين”2 . فللأمين العامِّ للأممِ المتّحِدة هامشُ حركةٍ واسعٍ في إطار مُهمَّته، وذلك خارجَ الخطوطِ العريضةِ التي تحدِّدُ صلاحيّاته الديبلوماسية. فيتوجَّب على الأمينِ العام، الذي تُعرِّفُه الأمم المتَّحدة على أنّه “الناطقُ باسمِ شعوب العالمِ، لاسيّما تلكَ الفقيرةِ والضعيفة”3، أن يتبنّى مواقفَ تُظهِرُ استقلاليَّتَه وعدمَ انحيازِه، ومِصداقيَّته، وذلك في كلِّ مُهمَّةٍ يقومُ بها.
حين يَستعمِلُ بان كي مون تعبيرَ “احتَلال”، فهو يشيرُ ضمنِيّاً إلى أنَّ المغرب قوّة محتَّلةٌ للصحراء الغربيّة (80% من المستعمَرة الإسبانيَّة سابقاً، ويُنكِر له حقَّ التواجدِ على تلك الأراضي. وبِطبيعة الحال ليسَ استعمالُ تلكَ الكلمة المُثقَلة بالمعنى من بابِ الصدفة. فكان بإمكانِ الأمينِ العامِّ الحديثُ عن “ضمّ” حصل َعلى إثرِ توقيعِ اتفاقِيَّةِ مدريد في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975 بين المغرب واسبانيا وموريتانيا والتي تنصُّ على تقسيمِ الأراضي، رُغمَ أن الأممَ المتَّحدة لا تَعترِفُ بهذه الاتفاقيَّة التي وافق عليها مَجلسُ النوّاب الإسبانيّ.
يشيرُ البيانُ الذي أصدرَتهُ الحكومةُ المغربيّة أنَّ “هذا النوعَ من الهَفوات اللغوِيَّة التي تتَنافى إلى حدٍّ بعيدٍ مع المصطَلحات التقليديّة المستعمَلة لدى الأمم ِالمتّحِدة، تسيءُ كثيراً إلى مَشاعر كلِّ المغربيّين وتَمَسُّ بمصداقيّة الأمينِ العام للأمم المتَّحدة”. وزادَ من التوتُّر أنَّ الأممَ المتَّحدة لم تسعَ إلى التخفيف من حدَّةِ تصريحِ أمينِها العام، على إثرِ المظاهراتِ التي نَزلَت في شوارعِ الرباط في 13 آذار/ مارس. وقد أشارَ الناطقُ باسمِ الأمم المتَّحدة أن الحديثَ يَجري عن “أراضٍ غيرِ مستقِّلَّة ذاتِ وضعٍ قانونيٍّ غيرِ محسوم، ولاجئوها غيرُ قادرين على العودةِ إلى بيوتِهم ضمنَ شروطٍ إداريَّةٍ مُرضِية”.
أتى الجواب سَريعاً. طلبَ المغربُ رحيلَ خمسةٍ وثمانين عُضواُ في بعثةِ الأممِ المتَّحدة لتنظيمِ استِفتاءٍ حولَ الصحراءِ الغربيَّةِ (مينورسوMiniurso)، وأعلنَ إلغاءَ المساهمةِ الماليَّةِ التي تطوَّعَ المغربُ بدفعِها كي تُكمِّلَ البعثة مهمَّتَها. ويهدِّدُ المغربُ بسحبِ قوّاتِه المُنخرِطة في عمليّاتِ حفظِ السلام (فللمملكةِ ما يقاربُ 2300 عنصر من القبَّعات الزرقاءِ في مهمَّة الأممِ المتَّحدة لاستقرارِ الوضعِ في جمهوريَّة الكونغو الديمقراطيّة Manusco).
عراقيلٌ في دربِ البعثة الأممية
ورغم أنّ الأزمةَ بين المغربِ والأممِ المتَّحدةِ لم تَصلْ إلى الأَوجِ الذي بلغَتهُ مؤخَّراً، إلا أنَّ مُهمَّة َالأممِ المتّحِدةِ لم تنفكّ تتعرَّضُ للعراقيل، وإن لم يُندَّدْ بهذه العراقيل من ذي قبل، لا بَل وكانت في مُعظمِ الأوقاتِ مقبولةً لدى الأمَناءِ الأمَميّين المُتتالين ومندوبِيهم في الصحراء الغربية. فالبعثاتُ كلُّها تعرَّضت للصعوباتِ نفسِها منذ 1991، حين تأسَّست بعثةُ الأممِ المتّحِدة لتنظيم استِفتاءٍ حولَ الصحراء الغربيَّة (مينورسوMinurso)، بعد اتِّفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ الذي ينصُّ على تنظيمِ استِفتاء. ففي أيلول 1991، حينَ كانَت الـمينورسو مُكلّفةً بمسحٍ للسُّكّانِ المَوْلودين في الصحراء الغربية، في إطارِ إصدارِ اللوائحِ الانتخابيَّة من أجلِ تنظيمِ الاستِفتاء، أَمَرَ الملكُ الحسن الثاني أن يتمَّ إحصاءُ الصحراويين الذين كانَ يعتَبِرُهم مشتَّتين. واضطر ُّمسؤول البعثةِ جوهانس مآنز إلى الاستِقالة احتجاجاً على عمليّات نقلٍ سكّانيٍّ فِعليّة لمجموعاتٍ آتيَةٍ من مُختلَفِ أنحاءِ المغرب إلى مِنطقةِ العيون كي تَتواجَدِ على .“اللوائح، مُصرِّحاً حينَها أنّهُ لن يكونَ”نائبَ الملكِ في الصحراء
في فترةٍ أقربَ إلينا،وفي تقريرِه عام 2012 حول الوضعِ في الصحراء، لا يتورَّعُ الأمينُ العام عن الإشارةِ الواضحةِ إلى العراقيلِ التي تمنعُ بعثةَ الـ مينورسو من أداءِ مهمَّتِها بشكلٍ سليم. وفقاً للتقرير، يقومُ المغرب بتشويشِ قراءةِ الصراعِ إذ يتصرَّفُ في الصحراءِ وكأنَّهُ على أراضٍ سياديّة. يَذكرُ النصُّ أمثلةً عن الخلطِ بين الصحراء كأراضٍ فاقِدةِ الاستقلاليَّةِ من جهة، والمغرب من جهةٍ أخرى. من هذه الأمثلةِ، تنظيمُ انتخاباتٍ مغربيَّةٍ على تلك الأراضي، أو إلزامُ مركبات البعثةِ على التنقُّلِ بلوحاتِ تسجيلٍ ديبلوماسيّةٍ مغربيَّة، أو إحاطةِ مركز البعثةِ بأعلامٍ مغربيّة، خالقةً بذلك “مظاهرَ من شأنِها أن تشكِّكَ في حياديَّةِ الأمم المتَّحدة”. ندّدَ المغربُ بهذه الاِّتِّهاماتِ، مُعتبِراً أنَّ أعمالَ البعثةِ الأمميَّة تتمُّ في “حدودِ المُمارسات السائدة”. على أنَّ التقريرَ يؤكِّد أن “الممارسات السائدة هي، بالتحديد في قلبِ الصعوباتِ التي تواجِهُها بعثةُ الـ مينورسو. وبالفعلِ، فإن تطوُّرَ القيودِ على مدى السنوات تمنعُ البعثة من إكمالِ مُهمّتِها بطريقةٍ موثوقةٍ وبمصداقيّة”.
بعد ذلك، في تقريره السنوي لعام 2015، أشار بان كي مون منتدى كرانز مونتانا Crans Montana4 الذي يتمُّ تنظيمُه كلَّ سنةٍ في منتصفِ آذار/ مارس في دخلة، أن “وضع الصحراء النهائي لا زال موضعَ تفاوضٍ تحتَ رعايةِ الأممِ المتَّحدة”.
“الولايات المُستَعادة”
واقع الأمر أن عقدة الصراع تكمن في الخلط بين المغرب والصحراء الغربية. فمنذ انتهاء الاحتلال الإسباني عام 1976 ، اعتمد المغرب ضمَّ المستعمرة السابقة تدريجيا إلى مساحته السيادية. فيما يخص المساحة السيادية، تمَّ تصميم الدمج على أنه توسيع للإدارة المغربية، وتثبيت للدولة المغربية في ما تعتبره الرباط “ولايات مستعادة”. وبتم تأكيد سياسة الدمج هذه بشكل دوري من خلال شمل هذه الأراضي في الانتخابات الوطنية، وتوسيع سلطة وزارة الداخلية. ومن شأن بعض الأحداث الثقافية ذات الصدى أن تشهر هذه السياسة بوضوح: نذكر على سبيل المثال خريطة رالي السيارات باريس / داكار، الذي تذكر في محطة سمرا مع المغرب بين قوسين، وكذلك الأمر بالنسبة لمنتدى كرانز مونتانا Crans Montana الذي تتمُّ فعاليّاته في دخلة.
كانَ الملك الحسن الثاني قد اعتَمدَ سياسةَ الدمج هذه، بهدفِ تطويرِ تلكَ “الوِلايات”، قبلَ أن يقودَ المجتمعَ الدوليَّ إلى الاعتِرافش بمغربيَّةِ الصحراءِ الغربيّة. ولم تكن تلك السياسةُ موضعَ تنديد علنيٍّ وواضحٍ لا من قِبلِ الأممِ المتّحِدة، أو فرنسا، أو إسبانيا ولا حتّى الولايات المتّحدةِ الأميركية. وارتكَزت سياسةُ المغربِ الصحراويّة ُعلى “الحقوقِ التاريخيّة” التي تَرجعُ إليها الرباط، والتي غالباً ما تُعيدُ إلى الواجِهةِ اتفاقِيَّةَ مدريد التي تمَّ توقيعُها مع موريتانيا والمغرب. إلّا أنَّ الملكَ حسن الثاني، الذي لم يَفُتهُ أن تلكَ الاتفاقِيَّةَ غيرُ مُعترَفٍ بها من قِبلِ الأممِ المتَّحدة، لطالما رَدّدَ أنَّه، "عاجِلاً أم آجلاً، لا بدَّ أن يتمَّ تسجيلُ صكِّ مُلكيَّتِنا للصحراءِ الغربِيَّة وحفظُه لدى الأمَمِ المتَّحدة"5 .
في غيابِ صكِّ الملكيَّة الذي كانَ يصبو إليه الحسن الثاني، هناكَ حدودٌ نسبيَّةٌ لطريقةِ الإدارةِ التي يَقومُ بها المغربُ لموادِّ تلكِ الأراضي وأهلِها. في كانون الأول/ ديسمبر 2015، قرَّرَت محكمةُ العدلِ الأوروبّيَّة إلغاءَ الاتِّفاقِيَّة المُتعلِّقةِ بالصيدِ والزراعةِ، بِحِجَّةِ أنَّ تلكَ الاتِّفاقِيَّة “لا تؤمِّنُ الضماناتِ الضروريَّةَ التي بحُكمِها تعودُ مَوارِدُ مِنطقةِ الصحراءِ بالفوائدِ على السكانِ المحلِّيّين”. وكان موضوعُ العلاقاتِ السياسيَّة بينَ الصحراويّين والسلطة المغربيّة قد طُرِحَ من خلال إضرابٍ عن الطعامِ قامَت به أميناتو حيدر في تشرين الثاني/ نوفمبر2009. كانت أيقونةُ المقاوَمةِ الصحراوِيَّة في طريقِ عودتِها من نيويورك حيثُ حصلَت على جائزةِ الشجاعة التي قدّمَتها لها مؤسَّسة ترين Train Foundation. في مطار العيون، كتَبت أميناتو حيدر “الصحراء الغربيّة” لتشيرَ إلى دولةِ الولادة وتركَت مُربَّعَ “الجنسيّة” شاغِراً. قامَت حينَها السلطاتُ المغربِيّةُ بطردِها نحوَ جزرِ الكناري. إلى أنَّها رفضَت تركَ المطار، وبدأَت إضراباً عن الطعامِ دامَ شهراً. رفضَت الجنسيَّةَ الإسبانِيَّة التي عرضَتها عَليها مدريد، كما رَفضَت تقديمَ طلبِ اللجوء. أعلَنت فقط عن رَغبتِها بالعودةِ إلى الصحراء، دونَ أن توافِقَ على اعتبارِها أرضاً مَغربيَّة. بمنعِها من الدخولِ، أرادَ المغرب أن يجرَّ المُجتمَع الدولي إلى إدانةِ مَوقِفِ الناشطة. ولكنَّ مدريدَ والأممَ المتَّحدة لم تدلِ بأي تنديدٍ من هذا القبيل. واستطاعَت أميناتو العودةَ إلى منزلِها في العيون.
ضَرورةٌ مُلِّحّة لحلِّ مُتفاوَضٌ عَلَيه
تلكُ الأمثلة، وغيرُها الكثيرة، تدلُّ أن لسيطرةِ الرباط ِعلى مواردِ الصحراء وأهلِها حدود. يَعتقِد المغربُ أن دعمَ الولاياتِ المتَّحدة وفرنسا سيساعدُه على تَجاوزِ الحلِّ القانوني للصراع. حينَ وضعَت الرباطَ في عام 2007 مشروعَ استقلال اعتبرَتهُ الدولُ الغربِيَّةُ جدِّيّاً وجَديراً ومَوثوقاً، رفضَ المغربُ النقاشَ مع الفريقِ الآخر، ووضعَ نفسَهُ بصفةِ القاضي والفريق، ونصَّبَ نفسَهُ مكانَ الأمم المتَّحدة لحلِّ هذا الصراع. ولكنه يتوجَّبُ الأخذُ بالاعتِبار أنَّ المغربَ ليس قادراً اليومَ على التفاوُضِ على سيادةِ أرضٍ أعتبرَها أرضَه وقامَ بإدارتِها دونَ أن يتعرَّضَ لصعوباتٍ تذكرُ على مدى الأعوامِ الأربعين الفائتة.
وعليه، تبدو تصريحاتُ بان كي مون في غيرِ مكانِها، وإلى حدٍّ ما غيرَ مفهومةٍ. كثيرون يتساءلون عمّا يدعو ذلك الرجلَ الدمِث على الدخولِ في صدامٍ مع المغرب. تتعدَّدُ الفرضِيّات. فبان كي مون في نهايةِ عهدِه، وهو على الأرجحِ يشعرُ بحرِّيَّةٍ أكبرَ للتعبيرِ عن مآخذَ قديمةٍ موجودةٍ أساساً في التقاريرِ السنويَّةِ العامة. ورغمَ دماثتِه الظاهرة، لم يَقم بان كي مون بأيِّ تنازلٍ فيما يخصُّ ملفَّ الصحراء الغربيَّة. ففي عامِ 2012، وعلى إثرِ صدورِ التقريرِ السنوي عن المغرب، طلبَ المغربُ بطردِ كريستوفر روس، مبعوثِه الشخصي. إلّا أنَّ بان كي مون رفضَ وأبقى على كريستوفر روس في منصبِه، وذلك خِلافاً لأسلافِه في المنصبِ، والذين كانوا يستَدعون مبعوثيهم الشخصيين إن استلزَم الأمر.
لقد حاولَ كريستوفر روس منذُ سنواتٍ عديدةٍ لَفتَ النظرِ للصعوباتِ التي تواجِهُها الأممُ المتَّحِدة في إدارةِ هذا الصراع، والذي كان يريدُ فعلاً إيجادَ حلٍّ له، وذلك لسببين جوهريّين في رأيه. السببُ الأوّل يعودُ إلى وضعِ الصحراويّين، وهو شعبٌ باتَ منسِيّاً مُجمَّعاً في مخيَّمات. السببُ الثاني يعودُ إلى الجغرافيّة السياسيّة الإقليميّة، إذ إنَّ فاعِلي الجهادِ الدولي يأخذون المنطقةَ مَوْطِئاً لهم، القاعدة- المغرب (أقمي) وتنظيم الدولة الإسلامية. ومن شأنِ إنهاءِ الصراعِ على الصحراء الغربيّةِ أن يقطعَ أمامَ الصحراويّين المتمرِّسين في القتال و الذين يَعرفون المِنطقة جيِّداً، فرصة الانضِمام إلى المجموعاتِ الجهاديّة. اليوم، يجب ألا نَنحي جانِباً هذه الفرضيّة، وإن لم تتوَفَّر الدلائلُ على صلاتٍ مُحتمَلةٍ بينَ تلك الشبكات.
#
عن الفرنسية، ترجمة هناء جابر
1كانَت تندوف محورَ المطالب المغربيّة بهدفِ تحقيقِ “المَغربِ الكبير”، الذي رَسمَ خريطَتَه حزبُ الاستِقلال ومن ثمَّ النظامُ المغربيُّ الذي يطالبُ بتلك الأراضي باسمِ “حقوقِه التاريخيّة”. “حربُ الرمال” (1963) التي دارَت بين المغرب والجزائر بسببِ عدمِ وجودِ ترسيمٍ للحدودِ بين البلدين تبدأُ في تندوف. ترفضُ الجزائرُ إعادةَ النظرِ بالحدودِ التي تمَّ ترسيمُها إبّانَ فترةِ الاستِعمار. انتَهى الخلافُ حولَ انتِماء تندوف بتوقيعٍ اتِّفاقٍ حدوديٍّ عامَ 15 حزيران 1972 بين المغرب والجزائر، تمَّ التصديقُ عليه عام 1973 من قِبَل الجزائر وعام 1992 من قِبل المغرب، وتمَّ تثبيتُ انتِماءِ تندوف إلى الجزائر.
2الفصل 15، المادة 99.
3“دورُ الأمين الام”، موقعُ الأمم المتحدة.
4منظَّمةٌ دوليّةٌ غيرُ حُكوميّة ، أنشئت في سويسرا عام 1986. وتلقى المنتديات التي تُنظِّمها، والتي تَجمعُ رجالَ أعمالٍ وفاعلين سياسيّين، تغطيةً إعلاميَّة كبيرة.
5مقابلة في جريدة اللوموند، 2 أيلول 1992.