المغرب: الأشعَّة الذهبيّة جدّا “للملك الشمس”

كيف يكوِّن محمَّد السادس ثروتَه · كشفَت “أوراق باناما” أن السكرتير الخاصَّ لملك المغرب محمَّد السادس، يملكُ شركَتين في مَلاذاتٍ ضريبيّة، يستطيع من خلالِهما إدراةَ قصر في باريس وسفينةٍ فخمةٍ ذاتِ ثلاث سواري. في عددِها الصادر في تشرين الثاني 2015، قدَّرت مجلَّة فوربز الأميركيّة ثروةَ الملكِ محمَّد السادس بخمسةِ ملياراتِ دولار، أي إنها أصبحَت ضعفَ ما كانت عليهِ في بدايةِ الربيع العربي. بالنسبة للمسؤولين في الشركةِ الوطنية للاستِثمار، تسيطرُ العائلة المالكة على عملاقٍ مالي، على غنيمةُ الحرب الجديدة، أي مجالُ الطاقة المتجددة الذي ينوي “الملك الشمس” تسليط أشعته الذهبية عليه.

تظهر الصورة مجموعة من الألواح الشمسية المرتبطة بهياكل معدنية، تقع في منطقة صحراوية أو شبه صحراوية. الألواح مرتبة بشكل منتظم وموجهة نحو السماء، مما يشير إلى أنه يجري استغلال الطاقة الشمسية. في الخلفية، يمكن رؤية تلال ترابية وبعض السحب في السماء، مما يعطي انطباعًا عن مساحة واسعة ومفتوحة. تُظهر الصورة أيضًا طريقًا يسير فيه مركبة كبيرة تشير إلى وجود نشاط صناعي أو زراعي في المنطقة.
مشروع نور1 في وارزازات، صف من المرايا البرابولية
جوات راس >//rassejoanne.com/a-propos/], 2014.

كشفَت “أوراق باناما” أن السكرتير الخاصَّ لملك المغرب محمَّد السادس، يملكُ شركَتين في مَلاذاتٍ ضريبيّة، يستطيع من خلالِهما إدراةَ قصر في باريس وسفينةٍ فخمةٍ ذاتِ ثلاث سواري. في عددِها الصادر في تشرين الثاني 2015، قدَّرت مجلَّة فوربز الأميركيّة ثروةَ الملكِ محمَّد السادس بخمسةِ ملياراتِ دولار، أي إنها أصبحَت ضعفَ ما كانت عليهِ في بدايةِ الربيع العربي. بالنسبة للمسؤولين في الشركةِ الوطنية للاستِثمار، تسيطرُ العائلة المالكة على عملاقٍ مالي، على غنيمةُ الحرب الجديدة، أي مجالُ الطاقة المتجددة الذي ينوي “الملك الشمس” تسليط أشعته الذهبية عليه.

في 6 شباط/ فبراير2016، دشَّن محمد السادس باحتِفالات فاخرة مشروع نور 1، أحدى أكبرَ محطّات الطاقة الشمسيّة في العالم، تحت شمسِ مدينة وارزازات الساطعة، في جنوب المغرب. وتبقى هذه المدينة البربريَّة اللغة الوجهَةَ المفضَّلة لمخرجي الأفلام التاريخيّة ذاتِ الميزانيّات العالية1، بفضل مشاهدها الطبيعيّة الصحراويّة التي تتخلَّلُها الواحاتُ في حين تلوحُ في عمقِ المشهد قممٌ مكسوَّة بالثلج. فالشمس مُتواجدة هناك على مدار السنة. كانت إحدى ضيوفِ الشرف الوزيرة سيغولين رويال، التي رأت في المشروع “أملاً عظيماً لكلِّ البلدان التي تتمتَّع بالشمس وبأراض صحراوية”. وتشكِّل هذ المحطَّة التي تبلغُ قوتها 160 ميغاوات أوسعَ مجمّع لتوليد الطاقة الشمسيّة والذي من المتوقَّع أن يولِّد في حلول 2018 أكثرَ من 500 ميغاوات من الطاقة الفوتوفولتائيّة. كان هناك إجماعٌ للترحيب بالحدث، إن في وسائل الإعلام المغربيّة (و ذلك ليس مستغرباً) أم الأجنبيّة، لا سيما الفرنسيّة منها. وتتشاركُ صحيفتا ليبراسيون Libération الفرنسيّة وتيل كيل Tel Quelالمغربيّة باللغة الفرنسيّة العنوانَ نفسه، “الملك الشمس”، تشيران إلى أنَّ المملكة أصبحت بذلك “رائدة عالمياً” في مجالِ الطاقة، وأنَّ تلك المشاريع ستدعمُ استقلاليّة المَملكة تجاهَ الطاقات الأحفوريّة. انطلق المغرب في السنوات العشر الأخيرة، باتجاه تحقيق هذا الهدف، مُستنهِضاً رؤوسَ أموال ضخمة لتأسيس البُنى التحتيّة المواتية. إلا أنَّ حجم المصاريفِ وأهميّة تلك المشاريع تطرحُ تساؤلاتٍ بخصوص آليّة تنفيذها، من أوّلها إلى آخرها، لا سيما بخصوصِ دورِ المملكةِ كفاعلٍ ماليٍّ خاص.

غنيمةُ حرب منذ فترة قصيرة، أي في 7 آذار/ مارس 2016، ربحَ اتِّحادٌ مكوَّن من ناريفا هولدينغز وإينيل وسيمنز consortium Nareva Holdings, Enel et Siemens مناقصةً لبناء خمس مجمَّعاتٍ للطاقة الريحيّة، تبلغُ قيمتُها 12 مليار درهم (1.1 مليار درهم). ستكون مهمَّتُه “تطويرَ، ابتكار، تمويل، بناء، استغلال وصيانة” هذه المجمَّعات المتواجِدة في خمسِ مناطِق في المغرب: ميدلت (150 ميغاوات)، تسكراد (300 ميغاوات)، طنجة ( 100 ميغاوات) وجبل الحديد (200 ميغاوات) وبوجدور (100 ميغاوات).

ناريفا هولدينغ فرعٌ من الشركة الوطنيَّة للاستَثمار (وهي مجموعة ماليّة يسيطر عليه الملك محمد السادس)، أُسِّست عام 2006. تُعرِّف عن نفسِها اليوم كرائدةٍ في مجالِ الطاقات المُتجدِّدة. ففوز ناريفا بالعقد الحكوميِّ في آذار/ مارس لم يعد يفاجئ أيّا من المراقبين الاقتصاديّين. ليست هذه المرّة َالأولى التي تفوزُ فيها تلك الشركةُ بعطاءاتٍ ضخمةٍ مُرتبِطة بالطاقات المتجددة. فمنذُ إنشائها، فازت ناريفا هولدنيغز تقريباً بكلِّ العطاءاتِ المطروحةِ على السوق من قِبلِ الوكالة الوطنيّة للكهرباء (ONEE). فمرّت المعلومةُ أعلاه مرورَ الكرام، في وقت تَفلِت القضايا الماليّة المتعلّقة بهذه المشاريع وشروطِ تنفيذها من رقابةِ المؤسَّسات التي تُمثِّلُ سيادةَ الشعب والسيادة الوطنية، لاسيَّما البرلمان والحكومة.

يعودُ العطاء الأوّل الذي ربحته المجموعة الملكيّة لشهر تشرين الأول / أكتوبر 2010. فازت ناريفا من بين أربعة عشر مرشحاً بمشروعٍ كبير لمجمَّع للطاقة الريحيّة في طرفاية، قيمته ِمبلغ 150 مليون يورو. منذ ذلك التاريخ، تفوز ناريفا هولدينغز بمعظم المشاريع المتعلّقة بالطاقة المتجددة، وكان آخرها مشروع 7 آذار/ مارس المذكور.

يَجدر بالذكر أنَّ كسبَ السوق المحلّي في الطاقاتِ المُتجدِّدة هدفٌ ثابت وأوّلي بالنسبةِ لمسؤولي الشركة الوطنية للاستثمار SNI، حسب توقُّع حسن بوحمّو، رئيس الشركة السابق2 : “سنكرِّس غنيمةَ حربنا لشركاتنا قيد التطوُّر في مجال الاتِّصالات والطاقات المتجدِّدة”. يَجدر بالتذكير أنَّ ناريفا التي يترأسَّها أحمد نقوش ( سابقاً رئيس المكتب الوطني للكهرباء والماء ONEE)، هي أيضاً شريكة في المحطَّة الضخمة لاستخلاص الفحم المرتَقّبة في صافي، في جنوب غرب المملكة.

رجلُ أعمال خاصٌّ جداً

ببساطة، تتميّز سيطرة ناريفا هولدينغز المُهيمِنة على سوق الطاقة بسيطرة رجل أعمال غير عادي عليها، الملك عينه. لا يستطيع منصبه ولا صلاحيّاته السياسيّة والقانونيّة منعَ المراقبين من التفكيرِ بتضارُب المصالح التي تترتَّبُ من حالةٍ كهذه. فالملكُ هو من يعيِّن رئيسَ الوكالة الوطنية للطاقة الشمسية Morrocan Agency for Solar Energy, MASEN3 ، والتي “تملك صلاحية قيادة العمليّات الصناعيّة، والتجاريّة ، والعقاريّة والمنقوليّة والماليّة الضروريّة أو التي تصبُّ في مصلحة تنفيذ المشروع”، وفقا لقانونِها الأساسي.

كما أنَّ الملك هو الذي يعيِّن المديرَ العامَّ للمكتب الوطني للكهرباء والماء، الموزِّع المغربيِّ الوحيد للكهرباء والمخوّل الأوحَد بطرحِ العطاءات. هل تتوافق سلطةُ التعيين التي يَحظى بها الملك، وموقعُه الديني الذي يجعل منه شخصاً شبه مقدَّس، وصلاحياتُه القانونية (فهو يعيّن القضاة، وتعطى الأحكام باسمه، كما أنّه رئيسُ المجلس القضائي) ، مع وظيفتِه كرجلِ أعمال يُسيطرُ على مجموعات ماليّة تستجيب لعطاءاتٍ ضخمة؟

هل يتمُّ احتِرام قواعدِ السوق والمنافسة؟ لا تنفكُّ تساؤلات كهذه تغذّي الجدلَ في المغرب، بحكمِ تعدُّد ألقاب الملك وصلاحيّاته. وبتعبير أكثرَ عملية، هل من الممكنِ تفادي تضاربِ المصالح في العقودِ والعطاءات، حين يقوم الملك بتعيينِ الشخصيّات المهمَّة في الوكالة المغربيّة للطاقة الشمسيّة MASEN والمكتب الوطني للكهرباء والماء؟ ولَئن اكتَفى معظمُ رجالِ الأعمالِ بالهمزِ واللمزِ بهذه التساؤلاتِ في صالونات الدار البيضاء المُغلَقة، إلّا أنّه من الصعب، على ضوء كلِّ تلك العناصرِ مجتمِعة، التغاضي عن تَضاربِ المصالحِ المتعارفِ عليه على أنّه “صراعٌ بين مهمَّة موظَّف القطاع العام و مصالحه الخاصَّة، ومن شأن هذا الصراع أن يؤثِّر على الطريقة التي يقوم فيها بمهمَّته”. يتجلّى هذا الوضع الإشكاليّ في مجالِ الطاقة المتجدِّدة التي يبدو أنَّها تثير، منذ بضعة أعوام، اهتمامَ “الملك الشمس”.

الثروة والسلطة

قرَّر البلاط في 26 كانون الأول/ ديسمبر تشديدَ المراقبة على الوكالة الوطنية المغربية للطاقة الشمسية MASEN، وذلك بتحييدِ الحكومة نهائيّاً لصالح ِالديوان الملكي. في بيان اصدرَته في نفس اليوم وكالة المغرب العربي للأنباء، وهي الوكالة الرسمية، نقرأ أنَّ “تعليماتٍ ملكية” أصدرت كي تتخلَّى الحكومة عن مجموعةِ “الاستراتيجيّات الوطنيّة المرتبطة بالطاقة المتجددة”. هل يُعتبّر ذلك إقصاءً؟ هل هو انقلابٌ داخل الدولة؟ أُخذ هذا القرار بعدَ اجتِماع دراماتيكي جرى في 26 كانون الأول/ ديسمبر في داخل قصر الدار البيضاء الملكي، وهو عصب الاقتصاد المغربي. في غياب الملك محمد السادس، تمَّ استدعاءُ رئيس الحكومة الإسلامي عبد الإله بنكيران ووزير الطاقة عبد القادر عمارة، لدى مستشاري الديوان الملكي، ومن ضمنِهم المستَشار النافذ فؤاد علي الهمة. في لقاءٍ دام بضعة دقائق، تمَّ تبليغ رئيس الحكومةِ وفريقِه أنَّ مهمَّة الوكالة الوطنية المغربية للطاقة الشمسيَّة MASEN لم تعد من صلاحيَّاته، وأن عملها باتَ شأن البلاطِ وحسب. وعلَّق أحدُ النواب الإسلاميين على حِدة: “كان ذلك صعباً ومهيناً للحكومة ولرئيسها. بعد قراءةِ التعليمات الملكيّة أمام بنكيران، لم ينبسْ هذا الأخير ببنتِ شفة”.

كان عدمُ الجمع بين الثروة والسلطة أحدَ شعارات ثورةِ الـ20 من يناير التي وُلدت في سياقِ الربيع العربي في شباط/ فبراير 2011. إلا أنَّ ثروةَ الملك محمد السادس قد تضاعفَت في تلك الغضون: من 2 مليار يورو عام 2012 إلى 4.5 مليار يورو عام 2015، وفقاً للمجلة الأميركية فوربز. بحكمِ قانونِ المالية ، تبلغُ الميزانيّة المؤمَّنة للبلاط 12 مليون يورو. ميزانية تعلو ميزانية البلاط الإسباني بعشرينَ مرة. وتأتي تسريبات اوراق باناما لتلقي ضوْءاً خاصّاً على ثروة العاهل المغربي.

#

عن الفرنسية، ترجمة أوريان 21

1Omar Brouksy, « Ouarzazate veut redevenir la Mecque du cinéma », AFP, 29 mars 2014.

2Thierry Fabre, «Le roi du Maroc, Mohammed VI, fait le tri dans ses affaires», Challenges, 19 octobre 2012.

3مصطفى الباكوري هو رئيس الوكالة الوطنية المغربية للطاقة الشمسية MASEN. تمَّ تعيينه في 2009. يُعتبرُ يدَ البلاط البارعة، وكان الأمينَ العام لحزب الأصالة والمعاصرة (من 2012 حتى 2015) الذي أسَّسه عام 2008 فؤاد علي الهمة، أحد رجالات المغرب الأكثر نفوذاً.