ذلك الحلفُ الروسيُّ – الإسرائيليُّ الذي لم يَكن له وجودٌ

قامَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة رسميّة إلى موسكو في 7 حزيران/ يونيو الجاري، للاحِتفال مع فلاديمير بوتين بمرور 25 عاماً على إعادة العلاقات الدبلوماسيّة بين اسرائيل وروسيا. على الرغم من حيويَّتِها الظاهرة، إلا أنَّ الشراكة الإسرائيليّة- الروسيّة لم تَكتمِل بعدُ كي تتحوَّل إلى حلف فعليٍّ بين موسكو وتل أبيب.

en.kremlin.ru, 2012.

إنَّها الزيارة الثالثةُ التي يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيليُّ بنيامين نتنياهو للعاصمةِ الروسيّة منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2015، والتي وصفّها بنفسِه على أنَّها “زيارةٌ تاريخيّة”. وكان زعيمُ الدولة العبرية والرئيس الروسيُّ قد تجالسا في باريس على هامش المؤتمِر العالميّ حول المناخ في نهاية 2015. سرعان ما أدخلَت اسرائيل العاملَ الروسيَّ في معادلتِها الأمنية، وكانت أوَّلَ دولةٍ اتخذت إجراءاتٍ من شأنها “تخفيفُ حدّة الصراع” لتفادي حوادثَ بين القوى الجويَّةِ الإسرائيليَة والروسيّة. واقعُ الأمر أنَّ الطائراتِ الروسيّة قد اخترقَت أكثر من مرَّة الأجواءَ الإسرائيلية، دون أن يتمَّ إسقاطُها. بالنسبة لتل أبيب، يبدو “الجارُ الجديد” الروسيُّ الذي استقرَّ عسكريّاً في سوريا أشبهَ بدولة صديقة يحبَّذُ التعاملُ معها بأسلوبٍ عمليِّ، لا سيّما وأن موسكو دخلَت في تحالفٍ مؤقَّت مع إيران، وبطريقةِ غيرِ مباشرةٍ مع حزب الله، خلالَ حملتِها العسكريّة في سوريا. تجلّى التباسُ الموقفِ الروسيِّ حين تمّ اغتيالُ سمير قنطار، وهوَ مسؤولٌ لبنانيٌّ في الميليشيا الشيعية، في هجوم جويٍّ على دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2015. يُلاحَظ الالتباس عينُه في مَقتلِ مصطفى بدر الدين، وهو مسؤولٌ عسكريٌّ في حزب الله، الذي لقى حتفَه في “قذيفةٍ” انفجرَت في 13 أيار/ مايو 2016 في دمشق أيضاً. وتفيدُ المعلوماتُ أن الدولةَ العبريّةَ قامَت بهذه العمليّات دونَ تَداخُلاتٍ مع الطيران الروسي ولا معَ المنظوماتِ الصاروخيَّة أرض- جو (ومن ضمنها الـS-400) التي أركزَتها موسكو على الأراضي السوريّة.

تعاون ثنائي ثابت وصافٍ

تبدو حصيلةُ التعاونِ الروسيِّ الاسرائيليِّ إيجابيّة جداً منذ إعادةِ العلاقاتِ عامَ 1991 ، بعدَ أربعٍ وعشرين سنةً من القطيعةِ التي بادرَ إليها الاتحاد السوفياتي بعد حربِ 1967، حين افتعلَت اسرائيلُ حربَ حزيران. على الصعيد الاقتصاديِّ، شهدَ التبادلُ التجاريُّ قفزةً مذهلةً إذ انتقلَ من 12 مليونَ $ عام 1991 إلى ما يقاربُ 2.3 مليار$ عام 2015. إلا أن التبادلَ التجاريَّ الثنائيَّ بدأ يتراجعُ خلالَ السنتين الماضيتين، دون أن يسترجعَ النموّ المستدامَ الذي كان يميِّزُه بين 2010 و2013. قدُّر التبادلُ التجاريُّ الاسرائيليُّ – الروسي بـ2.3 مليار$ ، أي إنَّه انخفَض بنسبةِ 30% بالنسبةِ لعامِ 2014 (3.4 مليار$)، وعاد إلى المستوى التقريبيِّ الذي كانَ عليه عام 2010 (2.5 مليار $). كما انخفَضَت نسبةُ الصادراتِ الروسيَّة إلى النصف، أي من 1.5 مليار عام 2014 إلى 800 مليون عام 2015.

يريدُ الروس والاسرائيليُّون إعاَدة إنعاشِ التبادلِ التجاري الثنائي، وتفعيلِ رافعاتٍ جديدةٍ للنموِّ الاقتصاديِّ، من ضمنِها إنشاءُ منطقةٍ حرَّة بين إسرائيل والوحدةِ الاقتصاديَّة الأوروبيّة- الأسيويّة، وهو مشروعٌ يفتحُ آفاقاً واعِدة. أعطى كِلا الفريقَين الموافقةَ المبدئيَّةَ سياسيَاً على هذا المشروع، ومن المرجَّحِ أن يتمَّ توقيعُ اتفاقٍ في غضون نهايةِ 2016، وفقاً لوزيرِ الزراعةِ الاسرائيلي أوري أريال، الذي زارَ موسكو في شباط/ فبراير الماضي. خلالَ زيارتِه الأخيرة، وقَّع نتانياهو على اتفاقيَّةٍ يتمُّ بحكمِها تحويلُ معاشاتِ تقاعدَ لمواطنين اسرائيليّين من أصولٍ روسيَّةٍ خلالَ الحكمِ السوفياتي ولا يحملون الجنسيّة الروسيّة. وسيستفيدُ من هذه التدابيرَ ما يقاربُ 100000 اسرائيليّ، مقابلَ 30000 كانوا يتقاضون تقاعدَهم من الدولة الروسية.

ترى روسيا في اسرائيل مُزوِّداً بالتقنِيّات المتطورة، وشريكاً مُميَّزاً لتنميةِ قطاعِها الزراعي، وذلك في إطارِ السياسةِ البديلة تجاهَ الاستيرادات التي اتَّبّعها الكرملين منذ الأزمةِ الأوكرانية. في هذا الإطار، كانت زيارةُ نتانياهو الأخيرةُ فرصةً لتوقيعِ مجموعةٍ من مذكَّراتِ تفاهمَ تتعلّقُ بالتعاون في مجالِ الزراعة وتربِيةِ الحيوانات. أضف إلى ذلك مشاركةِ خبراءَ اسرائيليّين في مشروعِ تصنيعِ طائرةٍ مدنيَّةٍ متوسِّطةِ المدى – MS21- التي يطوِّرها أركوت والتي عرِض أوَّلُ نموذجٍ منها في مدينةِ إيركوتسك في 8 حزيران/يونيو. كما أنَّ إسرائيل تساعِدُ روسيا منذ 2009 في إعادةِ إحياءِ صناعةِ الطائرات بدونِ طيار. خلالَ السنواتِ السبعةِ الأخيرة، تمَّ توقيعُ سلسلةٍ من العقود بمبلغٍ وقدرُه 900 مليون$، وهي عقودٌ تتعلٌّقُ بشراءِ وتحويلِ وتحديدِ إيكاترينبورغ كمكانٍ لتصنيعِ الطائراتِ بدونِ طيَّار.

شراكةٌ استراتيجيَّةٌ لإسرائيل

خلالَ شهرِ نيسانَ/ أبريل 2016، وفي خضمِّ مؤتمرِ جنيف لحلِّ الأزمةِ السوريّةِ تحتَ رعايةٍ أميركيَّةٍ وروسيّة، صرّحَ بنيامين نتنياهو أنَّهُ “لن يعيدَ هضبةَ الجولانِ إلى سوريا يوماً من الأيام”، وأتى التصريحُ بعدَ مرورِ أقلِّ من يومين على لقائه مع فلاديمير بوتين في موسكو. أتَت هذه الزيارةُ بعدَ ساعاتٍ من اجتماعٍ طارئ لمجلسِ الوزراءِ الإسرائيليِّ حولَ هضبةِ الجولان، ومن المُحتَمل أن الزيارة هدفَت إلى الحديثِ في مسألةِ الجولان مع الرئيسِ الروسيِّ، والتأكُّدِ أنَّها لن تكون موضوعَ نقاشٍ خلالَ مفاوَضاتِ جنيف حولَ سوريا. من وجهةِ نظرِ تل أبيب، تدخُلُ روسيا في منطقِ تنويعِ شراكاتِها الاستراتيجيَّة، لا تبغى منه استبدالَ الحلفِ مع واشنطن بقدرِ ما هو التخفيفُ من تَبِعات الخِلافاتِ في إدارةِ أوباما، فيما يخصُّ الشرقَ الأوسط، لا سيَّما إيران. تعطي اسرائيلُ اهتماماً كبيراً لعلاقتِها مع روسيا، إِذْ إنَّها على حذرٍ متواصلٍ من طبيعةِ التعاونِ العسكريِّ التقنيِّ بين موسكو وطهران. لا سيَّما وأنَّ روسيا وافقت، وإن بعدَ طولِ مفاوضاتٍ، على تسليمِ إيرانَ منظومةَ صواريخَ أرض- جو S-300، علماً أن موسكو تزوِّد كذلكَ النظامَ السوريَّ بأسلحةٍ روسيَّةٍ ، وتخشى اسرائيلً أن يؤولَ جزءٌ مِنها إلى حزب الله.

لم تتضرَّر العلاقاتُ الاسرائيليَّة الروسيَّةُ من التحسُّنِ الخجولِ في العلاقاتِ بين أنقرةَ وتل أبيب، والذي بدَت بوادرُه في الخريف الماضي. يتطرَّق الإسرائيليّون إلى هذا الموضوعِ على أنَّه تطوّرٌ في أجَندة موازيةٍ منفصِلةٍ تمامَ الانفِصال عن تدهوُرِ العلاقات بين روسيا وتركيا. فالهدفُ هوَ مراعاةُ الشريكِ الروسي، وإن سنحَ الأمر، محاولةُ القيامِ بوساطةٍ بينَ تركيا وروسيا قد تساهمُ بها اسرائيل، كونَها مرَّت بتجربة مُماثِلة. إلا أنَّ ثمَّةَ ملفاتٍ شائِكةٍ في العلاقات الروسيَّة الاسرائيلية، منها بناءٌ مرتقبٌ لجزئين من المحطَّةِ النوَويَّةِ بوشرBusher ، وهو مشروعٌ لُزِّمَ لشركةِ روزاتوم Rosatom ، وتكثيفُ التعاونِ العسكريِّ التقَنيِّ بين روسيا وإيران غدوةَ رفعِ العقوبات عن طهران.

على أنَّ موسكو تبدو مُحاوراً ثمينا لإسرائيل فيما يَخصُّ حلَّ الصراعِ الاسرائيليِّ الفلسطيني. فاللجنةُ الرباعيَّة للشرقِ الأوسط ( الأمَمُ المتَّحِدة، الوحدةُ الأوروبيّة، روسيا، الولاياتُ المتَّحدة) تجهِّزُ تقريراً حولَ مسارِ عمليَّةِ السلام، وهذا يثيرُ مسبَقاً الحكومةَ الاسرائيليَّة، التي لا ترى بعينِ الرضى تدخُّلَ فاعِلين من الخارج فيما تَعتبرُه شأناً داخلياً. لا شكَّ أن اسرائيل تتوقَّعُ من روسيا، بحكمِها عضواً في اللجنةِ الرباعيَّة وفي مجلسِ الأمن الدولي، أن تُخفِّفَ من حدّة بعضِ المبادرات، لا بل بكبحِها، وذلك “ردّاً لجميلها”، حينَ امتنعَت اسرائيل عن التصويتِ لمبادرةِ قدَّمتها الولاياتُ المتَّحدة في 27 آذار/ مارس 2014 في الأممِ المتَّحدة تدينُ ضمّ القرم إلى روسيا.

ما انفكَّ العامل الروسي يثيرُ استقطاباً في المُجتمَع الاسرائيلي. وفقاً لدراسة تمَّت في 2015، ما يقاربُ 74% من الإسرائيليين يُكوِّنون فكرةً سلبيَّة عن روسيا. وهي صورةٌ تفسِّرُها عواملُ داخليَّةٌ قبلَ كلِّ شيء: “أمركة” المجتمعِ القويَّةِ في اسرائيل، التصويتُ لأحزابٍ يمينيَّة متطرِّفة بين الروس الإسرائيليين، والتصوُّر السائدُ أن هجرةَ الناطقين باللغة الروسيَّةِ جلبت معها آفاتٍ عديدةً وفساداً (الدعارة، وألعاب الميسر). على أيَّة حال، فعودةُ أحدِ “منتَجات” هذه الهجرة، أفيغور ليبرمان، رئيساً للدفاعِ في الحكومةِ الإسرائيليَّةِ في أيار/ مايو 2016 ، تبقى خبراً سارّاً للعلاقاتِ الإسرائيليَّةِ الروسيَّة.