ديمقراطيّةٌ يَصعبُ إحداثُها في الكويت

الدروسُ الأولى من الانتِخابات · في تاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر، انعقَدت الجلسةُ الافتِتاحيّة للبرلمان الذي انتُخِب في تاريخِ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. أتَت التعديلات في تشكيلِ الحكومة قليلةً جدّاً. على الرغم من أنَّ المواطنين أدلَوا بأصواتهم كرسالِة استِنكاريّة، إلا أنّه أُعيدَ تكليفُ الشيخ جابر المبارك بتشكيلِ حكومة جديدة، فأتى بمعظَم الوزراء الذي كانوا يشكِّلون طاقَم الحكومَة المستقيلة. كما أنّ خطاب الأمير الافتِتاحي لهذه الدورة البرلمانيّة يشير إلى أنَّ التدابير التقشفيّة وغير الشعبيّة ستستمرّ.

مجلس الأمة، مدينة الكويت
Leshonai, 2006

أدلى المواطنون الكويتيّون بأصواتِهم في الدورة الانتخابيّة النيابيّة المبكرة التي جرت في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016. كان الأمير صباح الأحمد الصباح قد أعلنَ في 16 تشرين الأول/ أكتوبر، حلَّ مجلِس الأمة، علمًا أنَّ هذا الأخير يُعتبر “متعاطِفاً” تجاهّ الحكومة. إذ إنَّ ذيّاك المجلس قد تمَّت انتخاباتُه صيفَ 2013 وسطَ مُقاطعة أهمِّ التيّارات المعارِضة والمناهِضة لتعديلِ قانون الانتخاب1 . ولئن برّر الأمير، في مرسوم حلِّ مَجلسِ الأمة، قرارَه هذا بـ “الوضع الإقليميّ المتوّتر ولأسباب أمنية”، يبقى أن الأزمةَ بين مجلس الأمّة والحكومة اندلَعت حولَ الإصلاحات الاقتِصاديّة.

إصلاحاتٍ اقتِصاديّةٌ غيرُ شعبيّة

الـكويت دوْلةٌ تُنتج 3مليارات برميل نفط يومياً، وتدَّخِر منذ عام 1976 نسبةً مئويّة من عائدات النفط في صندوقِ استِثمار للأجيالِ القادمةِ، والتي قفزَت عام 2012 من 10% إلى 25%، لذلك فإنَّ التدابير التقشفيّة لا تَحظى بأدنى شعبيّة في الأوساط الكويتية2. فالكويتيّون لا يرون في تلك التدابير سوى إهمالَ الحكومةِ العاجِزة في سَنواتِ الوفرَة عن أخذ احتياطاتها للسنَوات العِجاف، وعجزَ النوّاب عن الدفاعِ عن مصالِح المواطنين. فدفعَ مجلِس الأمّة السابق، والذي بلغَت نسبةُ تجديدِ النوّاب فيه 60%، ثمنَ الإصلاحاتِ الاقتصاديّة المرحليّة وغيرِ الشعبية، رغمَ محاولتِه التصدّي لها.

سجلَت الكويت أوّلَ عجزٍ ماليّ لها وقد بلغ َ15 مليارَ دولار للمرّة الأولى ، بعد 16 عشَرَ عاماً أحرزَت خلالَها فائضاً بلغ 772.4 مليارات دولار، حَيث كان مدخولُ الإمارة الماليِّ منذ عام 2000، يعتمِد بنسبة 90% على مَردود المَبيعات النفطيّة، إلا أنَّ سِعرَ البترول باشَر بالانخِفاض منذُ عام 2014 فانخفَض سعرُ البرميل من 120 دولار إلى 50 دولار. وعليه، حَذت حكومةُ جابر المبارك حذْوَ دوَلِ مَجلسِ التعاون الخليجيّ الأخرى وانخرَطت في برنامج إصلاحيّ، مُتَّبعةّ نصائحَ المؤسَّسات الماليّة الدوليّة. وبشكلٍ خاصّ، سعَت الحكومَة إلى تفكيكِ نظامِ الدعم الماليّ المُكلِف. ففي كانون الثاني/ يناير 2015، حُرِّرت أسعارُ الديزل والكاز التي ارتَفعت فجأة ثلاثةَ أضعاف. وسطَ الارتِفاع المباشَر للأسعار، وسخطِ مَجلِس الأمّة، اضطرَّ رئيسُ الوزراء إلى تَجميد برنامج رفعِ الدعمِ التدريجيِّ لمدّة سنة، كما قدّم استثناءاتٍ لعدَّةِ شركات كويتيّة، ممّا أفرَغَ القرارَ من جزءٍ كبيرٍ من مضمونِه.

في عام 2016، أثار احتِمالُ تحريرِ أسعارِ المياهِ والكهرَباء سخطَ الكويتيّين مجدّداً، وأُجبِر مَجلسُ الأممِ على أخذِ تدبيرٍ جديد يقتصِرُ بحُكمِه تطبيقُ الأسعارِ الجديدة - التي من المفترَض أن تَرتفِع بنسبةِ 4 إلى7 أضعاف – على الأجانبِ فقط وعلى الشركات. كما هيَ الحال في الكويت، يَسودُ في قبّةِ البرلمان خطُّ “الأفضليّة الوطنيّة”دونّ حرج. فالأفضليّة التسعيريّة المُعطاة للكويتيّين ليسَت مفاجِئة في الكويت حيْثُ يُنظر إلى الأجانِب على أنّهم عبءٌ على الاقتِصاد، تُرمى عليهم لائمة إرسالِ أموالِهم كلِّها خارجَ البلاد والاستِفادة من خدَمات الحكومَة المَدعومة دونَ دفعِ ضرائب، وذلك خلافاً لباقي دوَلِ الخليجِ التي تُعطي أهميّةً للأجانب وقدرتِهم الاستهلاكية.

عوْدةُ المعارَضة إلى قبّة البرلَمان

بدأت المواجَهة بين الحكومة والبرلمان خلالَ الصيف الفائت. في 2آب/ أغسطس، اغتَنمت الحكومة فَرصةَ العطلة النيابيّة – وبالتالي غيابَ مُعظم الكويتيّين- كي تُعلن عن ارتِفاعٍ هائلٍ في أسعارِ النفط في مَحطّات الوقود، وذلك اعتباراً من 1 أيلول/ سبتمبر، وبنسبةٍ تتراوَح بين 40% و80%، تِبعاً لنَوْع الوقود. ووجِهَ القرارُ بمعارَضة عنيفةٍ في البرلمان فتمّت المطالبُ بعقد جلسة استثنائيّة للبحث في الملف. رُفع القرارُ إلى القضاء الذي أعتبرَه في تاريخِ 28 أيلول/ سبتمبر مخالِفاً من الناحِيَة الإجرائيّة، فرفضَت الحكومةُ الحكمَ القضائي. حين طلب النوّاب استِجوابَ وزير المالية، على الرغم من أنَّ لجنةَ دعمِ الأسعار وافقت على إعطاءِ 75 ليتراً من البنزين مجّاناً لكلِّ مواطن حائزٍ على رُخصَة قيادة، فضَّل الأميرُ وضعَ حدٍّ لتصاعُد النزاع بين السلطتَين، فطالب بانتِخابات جديدة مبكِّرة، الرابعة في خمسِ سنوات. بلغت المساهمة في الانتِخابات نسبة 70%3، يعودُ ذلك لعزوفِ المعارَضة عن مقاطعةِ الانتِخابات، صرَّح فيه الكويتيّون عن استيائهم تجاهَ سياسةِ الحكومة التقشفيّة. ركَّزت الحملةُ الانتخابيّة على حمايَةِ مصالح المواطنين ومستوى مَعيشتِهم ورفاهيّتهم، واكتَفت بمعارضةِ رفعِ الدعم عن الأسعار دونَ أن تكونَ هناك رؤيةٌ مغايِرة للبلاد.

رأى بعضُ المحلِّلين في قرارِ اللجوء إلى انتِخابات مبكِّرة إرادةَ العائلة المالكة أن تُعرقِل عودةَ الكتل المنظَّمة في البرلمان، وأن لا تتركَ لها الوقتَ الكافي لترتيب صفوفِها لخَوض المعركَة الانتخابية. لا بدَّ من الإقرارِ أن تلك الاستراتيجيّة المفترَضة لم تنجح. فنتائج الانتِخابات تُفيد بعَودة قويّة للمعارَضة التي عدَلت عن استراتيجيّة المقاطَعة، باستِثناء شباب الحركةِ الديمقراطيّة المدنيّة (حدم) وشعبوِيّي الحركةِ الشعبيّة ( حشد) التي يَنتمي إليها مسلم البراك وهو شخصيَّة مُعارِضة بارزة، قَبع في السجن بتُهمة إهانة شخص الأمير.

حظيَت المعارَضة الرسميّة بـ13 مقعداً، يجب أن يضافَ إليها ما بين 7 و14 نائباً4 وَعدوا خلال حملتَهم الانتخابية بالوقوف في الصفوفَ المعارِضة لسياسةِ الحكومة في بعض الملفّات. شكَّل الإسلاميّون السنَّة أغلبيّة. حصلَ الحزب الدستوريّ الإسلاميّ (“حدس” وهو الفرعُ الكويتي للإخوان المُسلِمين) على 4 مقاعد، علماً أنَّ الجمعيّة التابعة له تعرَّضت للتشهير، وهي جمعيّة الإصلاح الاجتماعي، المتَّهمة بالخلط بين النشاطات السياسيّة والخيريّةّ في آذار 2014، في حين أنَّ المنتخَبين الآخرين هم من مناصِري الحركة الإخوانيّة دونَ أن يَكونوا من أعضائها. وبينَما دفَع السلفيّون المُوالون للحكومةِ غالياً ثمنَ دعمِهم لها، ومن بينِهم وزيران لم ينجَحوا في الانتِخابات، عاد السلفيّون المعارِضون والذين تقتَربُ مواقفُهم من مواقفِ “حدس” تحتَ قبّة البرلمان مع انتِخاب 4 نواب، ومن بينِهم شخصيّات مخضرَمة في الحياةِ السياسيّة الكويتيّة (وليد الطبطائي ، محمد هايف).

تشيرُ نتائج الانتِخابات إلى ثباتِ وتنوُّع الحركات ذاتِ المرجعيّة الإسلاميّة في الكويت. فالمعارضةُ “الليبراليّة” أو “الإصلاحيّة” حصلَت على 5 مقاعد، أحدُها للمرأة الوحيدةِ التي فازَت في الانتِخابات، النائب صفاء الهاشم، في حين أنَّ المنتخبين عاقَبوا الشيعة الذين يشكِّلون دعماً لا تشكيكَ فيه منذ 20085 ، فانخفَض عددُ نوّابِهم من تسعة إلى ستّة نوّاب. من الخاسِرين في هذه الدورة، نَجد القبائل الكبرى في الدوائر المُحيطة، المطران والعجمان والعوازم، الذي دخلوا الحملةَ الانتخابيّة بشكل مُتشرذِم، ممّا فتحَ الدربَ أمام قبائل صغيرة وأمامّ الشباب، حيث أنَّ تركيبَ مجلس الأمّة يسفحُ مجالاً واسعاً أمام القادِمين الجددِ في عالم السياسة.

باتِّجاه حلِّ مَجلِس الأمّةِ من جَديد؟

تِباعاً لوُجهَة النظر المعتَمَدة، يَعدُ البرلمان الجديد الذي يُكرِّس تكوينُه انتِصار المعارَضة بعدَ أربعَ سنوات من المقاطعة، بحياةٍ سياسيّة متقلِّبة - أو بشللٍ في الحياةِ السياسيّة والبرامجِ الاقتِصاديّة الواسعة- تتميِّز فيها المواجَهة بين الجهاز التنفيذيِّ والتشريعيِّ في البرلمان الكويتي. بدايةً، فالمعارَضة وعَدت بالوقوفِ في وَجهِ التدابير التقشفيّة وفسادِ الحكومة، كما أنّها وعدَت بالعمل على التراجع عن تدابيرَ تمَّ إقرارُها في الدورَة السابقة والتي اعتُبرت قمعيّة. نخصُّ بالذكر قراراتِ إسقاطِ الجنسيّة الكويتيّة التي تضاعفَت خلالَ صيف 2014 وطالَت بشكلٍ خاصٍّ الإسلاميّين أو أبناء القبائل، كما نَذكر قانون الجريمةِ الرقميّة الذي صدَر في شهر تموز/ يوليو 2015، وكذلك القانونَ الأمنيَّ الذي يَفرض على كلِّ مُقيم في الإمارة مُواطناً أو كان أجنبيّاً، الخضوعَ لفحصِ الحمضِ النووي وإعلامِ السلطاتِ الكويتيّة بنتائجه. على أنَّ فعاليَّة عملِ قوى المعارضة غيرِ المُتجانسة فيما بينِها تتعلَّق بقدرتِها إحْلال مَجالاتٍ للتفاهم.

بالإضافةِ إلى كلّ هذا، في حال وفاة الأمير البالغ من العمر 87 عاماً، يَستطيع مَجلس الأمة أن يقولَ كلمتَه في خيارِ ولي العهد، الشيخ نوّاف الأحمد الذي سيمسِك بزمام الإمارة، كما حدث عام 2006. وبالفعل، يَشترِط البند الرابع من الدستور أن يَحصل وليّ العهد الذي اختارَه الأمير على موافقةِ الأغلبية المطلَقة في البرلمان؛ في حال لم يُلبَّ هذ الشرط، يُقدِّم الأمير أسماء ثلاثة مرشَّحين يَنحدرون من العائلة المالك، ويتوجّب على مجلس الأمة الاختِيار بينهم. في الكواليس، يُحاول المرشّحون إلى استِلام مقاليد الإمارة، منهم أحمد الفهد وناصر المحمد اللذَيْن سبقَ وتجابَها من خلالِ بعض النوّاب ووسائل الإعلام ، كسبَ دعم أعضاء البرلمان. فالمرشّح الأول مقرّب تقليديّاً من السلّفيين ومن المعارضة القبليّة، في حين يَحظى المرشح الثاني، بدعم بعض مناصري الحكومة. فالمسألةُ غايةٌ في الأهميّة بما يَكفي لزعزَعة الحياة السياسية كاملة. بعضُهم يُراهِن على حلِّ البرلمان من جديد.

1تمَّ تعديلُ قانون الانتِخاب من خلالِ مرسوم أصدرَه الأمير في عام 2012، وتقليصُ عدد المرشحين الذين يَستطيع الناخب أن يُصوِّت لهم من 4 إلى 1، ويتمُّ انتخاب المرشحين العشْر الذي حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدوائر الخمسة. تَعتَبر المعارَضة التي كانت تَستعمِل الانتِخاب المتعدِّد المرشَّحين لتكوين تحالُفات، أن تعديلَ القانون مُخالف لمصالِحها.

2وفقاً لتقريرٍ قدّمه مَكتبُ التدقيق، ديوانُ المحاسبة الكويتية، بلغَت قيمةُ صندوق الاستِثمار 399 مليارات دولار عام 2014.

3يستثني مجموعُ الناخبين أفرادَ الجيش والمواطنين من الدرجة الثانية لمدَّة 35 سنة بعد تجنيسهم. صدرَ عام 1994 قانونٌ يَسمح لأبنائهم بالانتِخاب.

4كان عددُ النوّاب الذين اجتَمعوا للتصدّي لترشيحِ الرئيس السابق للمجلس مرزوق الغنيم إلى رئاسة البرلمان مرة أخرى 27 نائباً. فقط 17 من هؤلاء النوّاب صوَّتوا ضدّه، ممّا يُشير إلى غِياب الانضِباط، وإلى التفرُّق في تحالُفات المعارَضة.

5Rivka Azoulay et Claire Beaugrand « Limits of political clientelism : elites’ struggles in Kuwait fragmenting politics », Arabian Humanities, 4, 2015.