لقد وقّع دونالد ترامب في الـ27 من يناير/كانون الثاني مرسوماً جمهورياً يهدف إلى “حماية الأمة من دخول الإرهابيين الأجانب إلى الولايات المتحدة”. ويحظر المرسوم دخول الأراضي الأميركية على رعايا سبعة بلدان تدين بالإسلام (العراق وسوريا والسودان والصومال واليمن و ليبيا و إيران)، وذلك لفترة ثلاثة أشهر. ومن ناحيةٍ أخرى، فلقد علّقت واشنطن لفترة أربعة أشهر برنامج استقبال وإسكان اللاجئين الوافدين من بلدان في حالة حرب. في حين نص القرار أيضاً على منع دخول اللاجئين السوريين حتى إشعار آخر، علماً بأن 18.000 منهم فقط قُبلوا في الولايات المتحدة منذ 2011، مقابل مليونين تقريباً في تركيا، ومليون في لبنان. ولقد ألمح ترامب إلى احتمال إعطاء الأفضلية للاجئين المسيحيين في حال رفع الحظر.
ومع أن الرئيس الأميركي لم يذهب إلى حدّ تنفيذ بعض الوعود التي أطلقها في حملته، كحظر الدخول على كل المسلمين أياً كانوا أو وضع سجل للمسلمين الأميركيين، إلا أن قراره الأخير أثار موجة واسعة من السخط والإدانة في غالبية بلدان العالم، ما عدى المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وهي البلدان التي أعفاها الرئيس الأميركي من القرار، رغم أن 18 من أصل 19 من مختطفي الطائرات في الـ11 من سبتمبر/أيلول كانوا من رعاياها. كما أن القرار أدّى إلى مقاومة مدنية واسعة في الولايات المتحدة، وفتح المجال لمعركة قانونية بين السلطة وبعض القضاة.
إطلاق العنان للخطاب العنصري
كما أن القرار أطلق العنان لخطاب عنصري يستهدف في آن معاً المسلمين والسود بل واليهود، ففي النصف الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني، تم إخلاء 58 مركز تجمع للطائفة اليهودية في امريكا إثر تهديدات بالتفجيرات1. كما أعيدت صياغة بلاغ صادر عن البيت الأبيض بمناسبة اليوم العالمي لذكرى ضحايا حرب الإبادة التي مارسها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية، وحُذفت من البلاغ أية إشارة الى الضحايا اليهود. ولقد رحب ريشارد ستاينر، أحد كبار المنظرين الأيديولوجيين لـ“ليمين البديل”، بنزع الصفة اليهودية عن ضحايا الإبادة.
وقد تبدو عودة هذه الحملة المعادية للسامية مجدداً أمراً غريباً في الوقت الذي يؤكد فيه ترامب على تضامنه مع إسرائيل. وثمة ما يفسر هذه المفارقة في تحليل الأكاديمي بنيامين بيت حلاحميحي للحلف المستغرب بين حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا مع إسرائيل، حيث أن أيدولوجية الفصل العنصري استلهمت من النازية مبادئها: “من الممكن تماماً الجمع بين كراهية اليهود ومحبة إسرائيل، ففي نظر البعض، لا يعتبر الإسرائيليون تماماً من اليهود، فصورتهم صورة مستوطنين ومقاتلين، شأنهم شأن المستعمرين الهولنديين”الأفركآنر“في جنوب أفريقيا الغابرة. وينظر إليهم على أنهم يتميزون بالقسوة والجلد. ويعرفون كيف يسيطرون على الآخرين.”2 كما أنهم يشبهون “الفاتحين في أقاصي الغرب” الذين استعمروا الأراضي الأميركية الشاسعة، طاردين منها سكانها الهنود الحمر.
وعلاوةً على معادته الأجانب، يمثّل انتخاب دونالد ترامب خطراً كبيراً على العلاقات الدولية. فأياً كان الانقسام في الآراء الذي ما زال ماثلاً داخل الإدارة الأميركية حول العديد من القضايا، ثمة جماعة نافذة في أروقة البيت الأبيض تعتبر أن الغرب يخوض حرباً عالمية ضد الإسلام. ولقد نوهت صحيفة الـ“نيويورك تايمز” مؤخراً في إحدى الدراسات بأن “ترامب رسم للإسلام صورة قاتمة جعلها في صميم السياسة الأمريكية”.3 وُيذكّر الصحفيون بما جاء سابقاً على لسان المرشح للانتخابات الرئاسية خلال الحملة حول المخاطر المحدقة في عصرنا هذا بالولايات المتحدة والتي يمكن تشبيهها حسب رأيه بـ“آفات القرن العشرين الكبرى”، أي النازية والشيوعية. وثمة رجلان يلعبان دوراً أساسياً في هذه الزمرة، ألا وهما الجنرال مايكل فلين، الذي تبوأ منصب مستشار الأمن القومي، والذي يرى أن “الخوف من الإسلام أمرٌ عقلاني” و استيفان ك. بانون، المستشار في الشؤون الاستراتيجية الذي منحه الرئيس مقعدًا دائماً في مجلس الأمن القومي، الأمر الذي سيتيح له ممارسة نفوذ أساسي في تحديد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
شبح “الحرب المقدسة” يلوح في الأفق
“”نواجه حالياً بدايات نزاعٍ شرسٍ ودامٍ، يهدد بالقضاء على كل ما ورثته البشرية منذ 2000 أو 2500 عاماً “، هذا ما أعلنه بانون عام 2015. وهو ضابط سابق في البحرية تحول الى رجل أعمال (ولا سيما لدى”غولدمن أند ساكس“) ولقد كان مديراً لموقع”بريتبارت نيوز“على الإنترنيت، المنتمي الى اليمين المتطرف، المؤمن بنظريات المؤامرة، الناطق بلسان” اليمين البديل“، ذاك اليمين الذي يعتبر الجمهوريين، بل وقناة”فوكس نيوز" التلفزيونية نفسها، رغم مغالاتها، من المحافظين المتخاذلين. ولقد أتيحت فرصة التعبير في هذا الموقع لأدعياء سيطرة العرق الأبيض ولأبواقٍ في معاداة السامية باتت مفضوحة. بل يذهب بانون نفسه إلى حد اعتبار اليهود، بسبب ما يتراءى له من تحررٍ فكريٍ لديهم، من العناصر المساعدة للجهاد المسلح الذي تمارسه الجماعات المتطرفة.4
وحسب تعبير الصحفي الإسرائيلي شيمي شاليف، فإن “بانون يؤمن بحقائق مطلقة، ورؤيا كارثية لنهايات العالم، وحرب حتى الفناء بين يأجوج ومأجوج”. راجع مقال بالإنكليزية في صحيفة هآرتس“في عددها الصادر في 3 فبراير/شباط 2017 :”ترامب وبانون يأخذان بتوصيات نتانياهو حول الإسلام المتطرف.5] إذ يزعم بانون بأننا نعيش “حروباً صليبية معكوسة” وبأن “قوى الإسلام الظلامية ماضية في حربها للقضاء على الغرب، الذي سبق أن نال منه أساساً الملحدون والليبراليون”. ويقارن الصحفي هذه التصريحات بما صدر عن نتانياهو في كتابه “مكان بين الأمم”6 إذ كتب:“الأصولية الاسلامية ورم سرطاني يمثل خطراً كبيراً على الحضارة الغربية”.
كيف ستترجم على الساحة الدولية مثل هذه التوجهات؟ من السابق لأوانه البت في الأمر، فلقد اتخذ ترامب للتو عدداً من العقوبات ضد إيران وبرنامج الصواريخ لديها، وأدان بشدة تدخل إيران في اليمن. إلا أن الجمهورية الإسلامية تحارب إلى جانب الولايات المتحدة في العراق، وتتصدى للقاعدة ولمنظمة الدولة الإسلامية. فهل سيضطر الرئيس الأمريكي، للهروب من هذه التناقضات ومن تنفيذ وعوده الانتخابية، إلى خوض حرب جديدة، كما يشير إلى ذلك الصحفي برادلي بورستون، حرب يطلق عليها صفة “الحرب المقدسة”7 هذه المرة؟
1Jewish community centers in US receive nearly 50 bomb threats in 2017 so far Haaretz - 4 Feb 2017
2The Israeli Connection. Who Israel Arms and Why, Pantheon Books, New York, 1987.
3Scott Shane, Matthew Rosenberg, Eric Lipton, « Trump Pushes Dark View of Islam to Center of U.S. Policy Making », New York Times, 01/02 2017.
4JTA, Steve Bannon Described U.S. Jews as ’Enablers’ of Jihad, Haaretz, 05/02 2017
5Chemi Shalev, «Trump and Bannon Are Implementing Netanyahu’s Playbook on Radical Islam», Haaretz, 3 février 2017.
6Bantam Books, 1993.
7Bradley Bruston, «Trump Needs a Holy War», Haaretz, 06/02 2017.