أجواء أُفول الحُكم تُخيم على الانتخابات التشريعية في الجزائر

يشارك 52 حزبا وعدد من المستقلين في الانتخابات التشريعية التي تجرى اليوم الرابع من مايو في الجزائر. وإذا كانت المعارضة وأحزاب السلطة تتطرق لنفس القضايا فهي لا تقدم إجراءات ملموسة وأكثر من ذلك فهي غير قادرة على حشد الناخبين.

نبذة عن أهم الأحزاب المشاركة في أغلب الولايات

تجري الانتخابات التشريعية الجزائرية اليوم 4 مايو 2017، حيث يستدعى أكثر من 23 مليون جزائري لانتخاب 462 نائبا للعهدة السابعة للمجلس الوطني الشعبي لمدة 5 سنوات على مستوى ولاياتهم. يقدم 52 حزبا سياسيا وعدد من المستقلين 940 قائمة انتخابية بمجموع 11334 مرشحا وفق وزارة الداخلية والجماعات المحلية . وأهم هذه الأحزاب هي: ـ جبهة التحرير الوطني، وهو حزب تاريخي كان الحزب الوحيد في السابق، وكانت له ميول اشتراكية في البداية. ـ التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أنشئ سنة 1997 بمبادرة من السلطة، وهو يتموقع على يمين جبهة التحرير الوطني. ـ تحالف الإسلاميين: حركة مجتمع السلم مع جبهة التغيير. ـ حزب العمال (اشتراكي) ـ جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض أنشأه سنة 1963 حسين آيت أحمد أحد وجوه الثورة الجزائرية. ـ الحركة الشعبية الجزائرية المتموقعة في اليمين. ـ التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، حزب علماني يميني. ولهذه التشكيلات السياسية قوائم انتخابية في كل ولايات البلاد تقريبا.

خلفية من الفضائح

شابَ غموض كبير عملية تحضير الاقتراع ورافقت انطلاق الحملة الرسمية في 9 نيسان الماضي عدة فضائح أهمها تلك التي كان لها صدى وطنيا وتتعلق باعتقال وافي ولد عباس ابن جمال ولد عباس الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، أقدم حزب في الجزائر الذي يحوز على 221 مقعداً في المجلس الشعبي الوطني1. تم اعتقال وافي ولد عباس وتم تفتيش مقر سكناه حيث وجدت مصالح الأمن مبالغ مالية كبيرة وقوائم لراغبين في الترشح. كما عرف حزب جبهة التحرير مشاكل أخرى منها مشادات بتيارت حيث اصطدم مناضلون بالحزب حول مسألة تعيين المترشحين وكانت النتيجة: قتيل و6 جرحى.

لم تكن جبهة التحرير الوطني الوحيدة المعنية بالفضائح فقد طالت أيضا ثاني قوة سياسية في البلاد، التجمع الوطني الديمقراطي. وقد وجد الحزب الذي أنشئ بإرادة من فصائل في الحكم وله 70 مقعدا في البرلمان صعوبة في تشكيل قائمة المرشحين. ففي مدينة باتنة شرق الجزائر احتج 450 مناضلا ضد المرشحين المعينين وأغلقوا المقر المحلي للحزب. وأكد الأمين العام للحزب أحمد أويحيى بأن اختيارات المرشحين تمت وفقا للكفاءات. ويوجد في القائمة 7 رجال أعمال على الأقل منهم الطيب الزرايمي صاحب مطاحن المتيجة واسماعيل بن حمادي مسير شركة بناء وأشغال عمومية “آلترابكو” والذي يملك أيضا مصنع آجر كبير ومركبا لإنتاج المواد الإلكترونية المنزلية وثلاث شركات في قطاع البناء.

وفي جهة الإسلاميين تشكَّل تحالفان جمع الأول كل من حزب البناء والجبهة من أجل العدالة والتنمية والنهضة. وجمع التحالف الثاني حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير. وكان عبد الله جاب الله من جبهة العدالة والتنمية قد انتقد خلال التشريعيات السابقة التحالف المقام بين حركة مجتمع السلم والنهضة والإصلاح غير أنه لجأ إلى هذا التحالف في هذه الانتخابات. ويكمن سبب ذلك في القانون الانتخابي الجديد الذي يفرض على الأحزاب التي حصلت على أقل من 4% من الأصوات في التشريعيات السابقة نفس الشروط الصارمة المطبقة على القوائم المستقلة، كما عليها أيضا جمع على الأقل 250 توقيعا للناخبين عن كل مقعد في المجلس بالمقاطعة المعنية. كما أن اختيار التحالف هو أيضا نتيجة لضعف الحركات الإسلامية في الجزائر والعالم. فقد أدت خسارة الإخوان المسلمين في مصر خاصة إلى إضعاف تشكيلاتها عبر العالم الإسلامي وأثر ذلك على ممثليها في الجزائر. ولا ننسى آثار مجازر التسعينيات في البلاد والتي تبنتها الجماعات الإسلامية المسلحة مما ولد ريبة لدى السكان اتجاه أحزاب التيار الإسلامي.

إضفاء الطابع الليبرالي على القطاع العام أم تدعيمه؟

ماذا تقترح الأحزاب الإسلامية؟ أعلن عبد الرزاق مقري (حركة مجتمع السلم) عن برنامج يبدو أنه يستلهم كثيرا من الوعود المتكررة للسلطة: دعم الانتاج الوطني، تقليص الواردات، إصلاح جبائي إلخ... بديباجة خطاب ديني. بينما يقترح تحالف العدالة والبناء والنهضة المرور إلى نظام برلماني. لا توجد مفاجآت في برامج الأحزاب الأخرى. فالتجمع الوطني الديمقراطي يقترح برنامجا يفتقد لإجراءات ملموسة كما هو حال معارضيه أيضا. إذ يتبنى ليبرالية وطنية تفضل المؤسسات المحلية على الأجنبية ويحث على استغلال الغاز والبترول الصخري.

وينص برنامج حزب العمال على إعادة بعث الشركات العمومية المحلية أو الوطنية التي تم غلقها على إثر تفكيك القطاع العام في الثمانينيات ثم التسعينيات. كما يقترح الخروج من معاهدات التجارة الحرة (مع الاتحاد الأوروبي والعالم العربي) وإرساء ضريبة على الثروة. وفرض دفع الجمارك والضرائب على المستوردين أو الصناعيين وعلى الخصوص أولئك الذين استفادوا من هدايا جبائية من حكومة أرهبها الربيع العربي ولها ريع بترولي كبير. وفي برنامج حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الإشتراكية هناك انتقاد للسلطة أكثر منه اقتراح إجراءات ملموسة. إذ يقترح التجمع اللجوء إلى الاستدانة الخارجية بينما تدافع الجبهة عن دولة اجتماعية قوية.

الحركة الشعبية التي تقدم نفسها على أنها ثالث قوة سياسية في البلاد بالنظر إلى عدد مقاعدها في المجالس المحلية (البلدية والولائية) تنادي بتنويع الاقتصاد عبر تشجيع الشركات المتوسطة والتنمية الفلاحية وزيادة ميزانية الثقافة. يمكن أن نشهد صعودا لهذا الحزب إذا نظرنا إلى وعود الحكومة بتقليص ميزانية التجهيز للجماعات المحلية. ومن المنتظر أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت كبيرة بالنظر إلى العدد الكبير من الأحزاب المتنافسة وضعف الهيئة التشريعية.

نشاط برلماني ضعيف

بالرغم من إدخال نظام الغرفتين مع التغيير الدستوري لسنة 1996 يبقى النظام الجزائري رئاسيا وهو ما يؤكده النشاط الضعيف للمجلس الشعبي الوطني. فخلال العهدة الحالية (2012ـ 2017) لم يصوت المجلس الوطني سوى على 62 قانونا، وبالمقابل كان قد صادق على 75 قانونا بين 2007 و2012 حيث كان للمجلس نشاط أكبر بالرغم من أنه كان يسجل تراجعا في العديد من القطاعات المهمة، وبالمقارنة بالعهدة التي سبقت والتي صودق فيها على 93 قانونا. وفضلا عن تراجع عدد القوانين المصادق عليها سجلت منذ 2012 العديد من القوانين غير المهمة والقليل من القوانين العضوية والأساسية التي تمس بالسياسة العامة للبلاد وباستراتيجيتها. وهكذا تمتلئ الجريدة الرسمية بالمراسيم والقرارات أو النصوص التنظيمية، وتسير العديد من القطاعات بوابل من المراسيم الرئاسية الآتية من رئيس غائب. وكلما كان الرئيس قليل النشاط كلما قل عمل المجلس. كيف يمكن شرح هذا الوضع؟

أحد أسباب هذا الوضع هو إغلاق المجال السياسي خاصة منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم سنة 1999. فلقد تم توقيف التحول الديمقراطي الذي انطلق مع دستور 1989 وترسيخ التعددية وأصبح النظام رئاسيا أكثر من ذي قبل: الرئيس هو وزير الدفاع ويعين الوزير الأول ليس بالضرورة من الحزب الذي حصل على الأغلبية في البرلمان. فالسياسة تسن مباشرة من رئيس الدولة الذي دعمت بعض الأحزاب ترشحه لعهدة رابعة (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر “تاج”). ليس للبرلمان قدرة كبيرة في التشريع وتتوقف اقتراحاته عند مكتب المجلس. وفي الأخير كان وزير الداخلية السابق دحو ولد قابلية قد التزم بتغيير نظام تعويضات البرلمانيين بتقليص الرواتب مع منح مرتبطة بالقوانين التي يقترحونها وبحضورهم الجلسات البرلمانية، ويسعى هذا القانون إلى الحد من الغيابات التي تسببت في تأجيل كثير من الجلسات. ويجري العمل على تطبيق هذا النظام حاليا.

أزمة نظام

يشهد هذا البؤس التشريعي على نظام في حالة جمود غير قادر على التجدد والذي يفضل اللجوء إلى القمع البوليسي ضد الاحتجاجات الشعبية بدل وضع استراتيجية فعالة للتنمية. وترى الحكومة أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ضرورة لتنمية الاقتصاد في حين أن تحطيم القوانين الحامية السارية في المجلس ليست حلا. فمن النادر أن يكون هناك إجماع عندما يناقش البرلمانيون أو يصوتون على قوانين هامة. ففي سنة 2015 مثلا نشبت مشادات في المجلس حول قانون المالية ووصل التوتر إلى حد منع نواب حزب العمال وبعض من حزب جبهة القوى الاشتراكية من الدخول إلى المجلس لجلسة التصويت. ومع ذلك تم تمرير القانون. كما يعد قانون المحروقات المعروف بقانون خليل نسبة إلى اسم وزير الطاقة السابق شاهدا هو أيضا على ضعف الجهاز التشريعي في اختيار السياسات. فهذا القانون الذي كان يهدف إلى خلق بيئة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب تمت المصادقة عليه بالرغم من معارضات قوية . حيث كان يعاب عليه كونه يضعف شركة سوناطراك لصالح الشركات المتعددة الجنسيات. وتم إلغاء هذا القانون فيما بعد. بالرغم من عدم وجود إجماع حول المسائل المتعلقة بشؤون المجتمع أو تسيير البلاد يتفق المعارضون على ضرورة تغيير النظام. فالوثبة الديمقراطية تم كبحها إن لم نقل توقيفها منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم، وأصبح كل من السلطة والمعارضة والفاعلين الدوليين والمراقبين في حالة ترقب لانتفاضة شعبية محتملة.

116وزيرا من الحكومة الحالية هم من جبهة التحرير الوطني 8 منهم مرشحون تركوا وظائفهم مؤقتا