منذ الثامن من آذار/مارس 2017، لا يزال مشروع القانون الأساسي“المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة” الذي تبنّاه مجلس الوزراء يوم 13 تموز/جويلية 2016 موضع مراجعة من قبل لجنة الحقوق والحريّات بالبرلمان التونسي. وبعد أشهر من الانتظار، لا يزال المجتمع المدني، الملتف حول الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والجمعية التونسيّة للنساء الديموقراطيّات، مجنّداً للمطالبة بالإسراع في تبنّي هذا القانون.
ويُعتبر العنف ضد المرأة ظاهرة منتشرة في تونس. ففي إطار بحث لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف)،نُشر في أذار/مارس 2016، أقرّت نسبة 53.3% من النساء المستجوبات بأنهن قد تعرّضن لنوع، على الأقل، من أنواع العنف(نفسي، مادي أو جنسي) بين عامي 2011 و2015. ويصعب على الضحايا اللجوء إلى القضاء أو الحصول على الخدمات الصحية وعلى الدعم، وذلك بحسب ما يشير إليه تقرير صدر عام 2016 لمنظمة العفو الدوليّة، والذي يخلص إلى أنّ “الخدمات الاجتماعيّة والصحيّة المخصّصة لضحايا العنف الجنسي المرتبط بالجندر محدودة وغير كافية. إذ تواجه ضحايا الاغتصاب صعوبات كبيرة للحصول على خدمات منع الحمل وعلى الإحاطة النفسية على سبيل المثال، من بين خدمات العناية الصحية اللازمة. إضافة إلى ذلك، وبسبب افتقاد آليات للحماية، بما فيها مراكز استقبال للنساء والفتيات ضحايا العنف، يتعرّض هؤلاء لاعتداءات أخرى”.
مادة “العار”
وقد كانت “مادة العار” سيئة الذكر، وهي المادة 227 مكرر من المجلّة الجزائيّة (قانون العقوبات) التي كانت تمكّن المغتصب من الافلات من أي تتبعات جنائية بزواجه من الضحية، والتي طالما طالبت جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة بإلغائها، قد ألغيت في شهر آذار/مارس. إذ تمّت مراجعة هذا القانون عقب حصول اعتداء جديد كان قد خلّف صدمة كبيرة لدى التونسيين: في كانون الأول/ديسمبر 2016 في مدينة الكاف، قام قاض بالحكم بزواج طفلة في الثالثة عشرة من العمر برجل في العشرين من العمر بعدما حملت منه.
تعتبر خديجة الشريف، وهي شخصية بارزة وعريقة في المجتمع المدني التونسي (كانت نائب رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان وجرى ترشيحها لمنصب وزيرة لشؤون المرأة في العام 2015 ثم أزيحت بسبب توجهها النسوي)، أنّ مشروع القانون عدد 60 لسنة 2016 يشكّل مكسباً كبيراً لمناهضة العنف ضد المرأة، إذ أنه كقانون ــ إطار، يُعدُّ شاملاُ بمعنى أنه يغطي الجوانب الثلاثة المتعلقة بالوقاية وحماية الضحايا ومعاقبة الجاني. كما أنّه يؤكد على أهميّة نشر مبادئ حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين، إذ يجب أن تنظّم حملة وقاية ويجب أن تتم مطابقة البرامج المدرسية مع مبادئ القانون، كما ستمنع وسائل الإعلام من نشر صور نمطية لكلا الجنسين وهو ما يعتبر من عوامل زيادة عدد حالات العنف والتمييز ضد النساء. وسيحصل أصحاب المهن ذات العلاقة المباشرة بالضحايا، على غرار القضاة وأعوان الأمن، على تدريب خاص. ومن وجهة نظر حليمة الجويني، عضو الهيئة الإدارية للرابطة التونسية لحقوق الانسان، فإنّ هذا القانون يؤكد على مفاهيم أساسية “وذلك عبر ربطه مسألة العنف ضد المرأة بمسألة احترام حقوق الانسان العالمية” وبالتطرق كذلك إلى العنف الاقتصادي وهو “مفهوم أساسي لفهم وضعية النساء في المحيط الريفي خاصة”، واللاتي يعشن في هشاشة كبيرة ويقعن غالبا ضحية تجاوزات واستغلال.
تجاذب شديد بين المحافظين والتقدميين
“لقد تأثّر مسار هذا القانون كثيراً بعدم الاستقرار السياسي وبالتعاقب السريع لست حكومات خلال ست سنوات”، كما تشرح منية بن جميعة رئيسة الجمعيّة التونسية للنساء الديموقراطيات وعضو مجموعة الخبراء التي عملت على مشروع القانون الأول تحت حكومة المهدي جمعة (2014-2015). في تلك الفترة، أطلقت كاتبة الدولة المكلفة بشؤون المرأة، نايلة شعبان، مشروع قانون طموح كان يُرجع العنف ضد المرأة للتمييز ويهدف بالتالي إلى القضاء على جميع الأحكام التميزية في التشريع.
“في 2014 كان النقاش ثريّاً، وقد شارك فيه عدّة وزراء من بينهم وزراء العدل والتربية وشؤون المرأة والشؤون الاقتصادية والصحة”، كما تذكر منية بن جميعة. وفي نفس السنة، رفعت الحكومة التونسية تحفّظاتها على اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وهي تحفظات تم ابداؤها عام 1985 حول المساواة أمام القانون وقانون الزواج والإرث وحق الأم في نقل الجنسيّة (كان النسب يُمنح حصريّا من طرف الأب وفي 2014، بدى الوقت مناسباً لتبني قانون ــ إطار، لكن نايلة شعبان التي كانت ضمن حكومة المهدي جمعة بصفتها “مستقلة” أجبِرت على التخلي عن مهامها بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014 ووصول الباجي قايد السبسي إلى الحكم. “كان حجم العمل كبيراً، وقد واجه المشروع، مباشرة، عراقيل عدة”، كما تُعلّق خديجة الشريف. وكان هناك تحفظ، سياسي بالدرجة الأولى، من طرف الأحزاب الأكثر محافظة على غرار حزب النهضة الإسلامي المعتدل، والذي مثّل القوة السياسية الأكبر في البلاد ما بين عامي 2011 و2014 ونداء تونس وهو الحزب الذي أسّسه الرئيس الحالي (الباجي قايد السبسي).
بعد وقت قصير، جرت مراجعة مشروع القانون وإعادة صياغته، ثمّ قُدّم إلى الحكومة في أيار/ماي 2016 من طرف سميرة مرعي التي خلفت نايلة شعبان على رأس وزارة المرأة والأسرة والطفولة. وقد حذفت الوزيرة الجديدة، البعيدة عن النسويّة، جوانب من القانون يمكن أن تشكل ازعاجا للاسلاميين مثل إصلاحات مجلة الأحوال الشخصية التي كانت مدرجة في النسخة الأولى من القانون.
وللأسف، فإن جمعيات المجتمع المدني التي دعيت لإعطاء رأيها حول مشروع القانون، قد انتهت إلى القبول به: ʺكنا نريد أن يمرّ القانون ونتفهّم أن بعض الأحكام كانت طموحة جدا، ولم يكن المحافظون والإسلاميون ليقبلوا بها كما كانتʺ، كما تشرح منية بن جميعة التي تعتبر أن ʺهناك بعض الأولويّات التي لم يعد يمكن تأجيلها، ومنها إنشاء ملاجئ للنساء ضحايا العنف".
محظورات أخرى لا بد من إزالتها
أثناء آخر مراجعة، تم حذف كل الإصلاحات الخاصة بالأحكام التمييزية وبالخصوص تلك الواردة في مجلّة الأحوال الشخصية.وكانت مجلة الأحوال الشخصية التي أصدرها الحبيب بورقيبة في 13 آب/أوت 1956، وهو اليوم الذي أصبح يوماً وطنياً للمرأة في تونس، تمثل قانوناً رائداً في زمنها ذاك، إذ منع تعدّد الزوجات وقدرة الزوج على الطلاق حين يشاء. لكن عدة مختصين في القانون يدينون اليوم عدم توافقها مع العصر وتناقضها مع بعض أحكام المجلة الجزائية ومع الاعتراف بالتناصف الذي كرسه دستور 26 كانون الثاني/جانفي 2014 واتفاقية سيداو.
ففيما يخص الاغتصاب الزوجي على سبيل المثال، تتناقض مجلة الأحوال الشخصية تماما مع التقدم التشريعي الجديد حول هذه المسألة. إذ تنص على أنّ العلاقات الجنسية في إطار الزواج تعدّ واجبا وبمجرد تقديم المهر للزوجة، يمكن للزوج أن يدخل الزواج حيز التنفيذ. لذا فإن مصير النساء ضحايا الاغتصاب الزوجي اللواتي يتقدمن بشكاوى، يخضع بصفة كبيرة إلى اجتهاد كل محكمة. إلى جانب ذلك، فإن إجراءات الميراث التي تحددها المجلة تأتي ضد مصلحة المرأة، اذ تقع هذه الأخيرة ضحية الإجحاف بما يخص حقها الاقتصادي مقارنة بأقرانها من الرجال، كما تحرم من دور الولي بالنسبة لأطفالها.
وتخلص خديجة الشريف إلى القول إنه ʺرغم الثغرات الواردة في مشروع القانون، من المهم أن يتم التصويت عليه وتمريرهʺ، قبل أن تضيف ʺيعتقد العديد من الرجال أنه من الطبيعي تربية المرأة عبر العنف، وبالتالي يشكل الاعتراف بالعنف على أنه اعتداء، تهديدا لمؤسسة العائلة بالنسبة إليهمʺ.