مصير روحاني على المحك في الانتخابات الإيرانية

حُدّد تاريخ الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في إيران يوم 19 مايو/أيار 2017. ولقد باتت المعركة الآن محصورة بين حسن روحاني وآخر مرشحي المحافظين ابراهيم رئيسي. فهل سيتم انتخاب الرئيس الحالي في الدورة الأولى؟ وقد تُمثل حصيلة سياسته المتباينة في المجال الاقتصادي وفي مجال مكافحة الفساد موطن ضعف في موقفه الحالي وتساعد خصومه، سيما وأن التأييد لصالحهم يتزايد كما يبدو من استطلاعات الرأي العام الأخيرة.

ملصقات الانتخابات في شوارع طهران
محمد علي نجيب / الجزيرة 2017

نشر مجلس حراس الثورة، الذي يضطلع وفقا للدستور بمهمة التصديق على الترشيحات للانتخابات الرئاسية قائمة المترشحين الذين سيسمح لهم بالتقدم أمام الناخبين يوم 19 مايو/أيار القادم. وتضم القائمة ثلاثة مرشحين إصلاحيين وهم حسن روحاني واسحاق جهانغيري ومصطفى هاشمي طابا في مواجهة ابراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف ومصطفى آغا مير سليم من صف المحافظين. وبعد الانسحاب المفاجئ لمحمد باقر قاليباف، رئيس بلدية طهران وتأييده لإبراهيم رئيسي أصبحت المنافسة تنحصر أساسا بين هذا الاخير وحسن روحاني.

وبالرغم من المؤشرات التي كانت ترجح انتخاب الرئيس الحالي في الدور الاول يلاحظ أن الامور بدأت تتغير في الايام الاخيرة. فقد تقدم المرشحان من المحافظين، ابراهيمرئيسي ومحمد باقر قاليباف بصفة ملفتة في عمليات سبر الآراء في حين لم يحظ حسن روحاني إلا على 50٪ وبصعوبة من نوايا التصويت. كان هدف المحافظين في البداية منع إعادة انتخاب الرئيس الحالي في الدور الاول قصد إضعاف موقفه في العهدة الثانية. فحسب عمليات سبر الآراء يحتفظ الرئيس الحالي بتقدم طفيف في الدورة الأولى بينما لا يحظى في الدورة الثانية إلا بنتيجة ضيقة أمام أحد منافسَيْه الإثنين الأساسِيَيْن.

ولكن وبشكل غير منتظر يمكن لمرشح المحافظين المتبقي أن يفكر في هزم الرئيس روحاني في الدورة الأولى مباشرة. وهو احتمال لم يعد مستحيلا وإن كان ما يزال غير وارد حتى الان. وحسب معهد سبر الآراء للطلبة الإيرانيين يحظى الرئيس روحاني ب 32,7٪ من نوايا التصويت بينما كان لقاليباف 26,8٪ ولرئيسي 24,9٪. وبعد أن أصبح رئيسي المرشح المحافظ الوحيد ارتفعت نوايا التصويت لصالحه الى 38٪ مقابل 48٪ لروحاني. والملاحظ أنه قبل أيام قليلة من موعد التصويت ما يزال عدد الناخبين الذين لم يحسموا اختيارهم بعد كبيرا.

ولاية روحاني الاولى متباينة النتائح

وصل روحاني إلى الحكم سنة 2013 بعد النزاع مع وكالة الطاقة الدولية والأزمة السياسية في 2009 والتي كانت الأكبر منذ ثورة 1979. وقد تمكن من إحداث إجماع لدى قادة الدولة لغاية إخراج البلاد من الأوضاع الموروثة عن سلفه والمتمثلة في خنق المجتمع المدني والأفق المسدود في مجال العلاقات الدولية. وقد انتخب روحاني بناء على ثلاثة تعهدات أساسية: حرية أكبر على المستوى الداخلي والتقليل من التوتر مع الخارج ومعالجة المشاكل الاقتصادية.

كما كان الاتفاق الدولي بخصوص البرنامج النووي متضمن تعهداته أيضا. وكان عليه ان يعمل على إبعاد خطرالحرب ضد إيران وحل المشاكل الاقتصادية عبر رفع العقوبات. فيما يخص النقطة الاولى يُنظر للحصيلة على أنها متباينة. فميزان القوى على المستوى الاقليمي هو في صالح إيران التي تمكنت من المحافظة على علاقات “طبيعية” مع القوى العظمى. ولكن بالرغم من تقليص نسبة التضخم من 40٪ الى 8٪ لم يتمكن روحاني من إحداث تغييرات حقيقية في الاقتصاد الايراني. وإذا كان المحافظون المتشددون في السابق يوجهون هجومهم باتجاه سياسته الخارجية فإن خصومه اليوم يركزون على المسائل الاقتصادية. وهو ما جعلهم يتقدمون ضد الرئيس الذي يجد صعوبة في الدفاع عن موقفه. وقد كشفت العديد من وسائل الاعلام، التي صارت تحظى بحرية تعبير نسبية، عن الفساد السائد في الادارة. فبعد مضي أربع سنوات توالت فيها عمليات الكشف عن قضايا الفساد أصبح لدى الناخبين الايرانيين حساسية تجاه الموضوع. وقد تم الكشف عن العديد من القضايا مست على الخصوص مقربين من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد تورطت فيها بنوك حكومية وخاصة وبلدية طهران وتنظيمات مقربة من الحكومة. ولم تَسْلَم أي قوى سياسية من هذه الاتهامات.

إبراهيم رئيسي يجازف في الرهان

إذا كان حسن روحاني معروفا لدى الإيرانيين بصفته رئيسا للجمهورية فإن ابراهيم رئيسي لم يكن وجها سياسيا بارزا قبل الحملة الرئاسية. مع أنه منذ سنتين يتبوأ منصب المدير القوي لمؤسسة استان قدس رضوي التي تُسيّر مرقد الامام الرضا (ثامن أئمة الشيعة) وهي منظمة جد مؤثرة وغنية. وقد تقلد مناصب هامة في النظام القضائي الإيراني منذ ثورة 1979 حيث كان المدعي العام و“نائب السلطة القضائية” من 2004 الى 2014. وهو عضو في جمعية رجال الدين المناضلين (حزب سياسي محافظ متشدد) كما أنه عضو في مجلس خبراء القيادة وهي هيئة من 86 عضوا لها صلاحية انتخاب المرشد الاعلى للجمهورية الإسلامية. وقد ذُكر اسمه منذ عدة أشهر لتبوء منصب المرشد العام في حالة وفاة آية الله علي خامنئي والذي هو فى77 من عمره. والوصول الى الوظيفة الرئاسية من شأنه ان يعطيه شرعية سياسية غير مسبوقة. فآية الله علي خامنئي انتخب هو نفسه رئيسا للجمهورية من 1981 الى 1989 قبل أن يصبح مرشدا للجمهورية. وتتمثل قوة رئيسي في قربه منه، فهو مثله ينحدر من مدينة مشهد المقدسة والثرية وهي ثاني مدينة في البلاد. وهو مدافع عن اتجاه محافظ تقليدي يتميز في العادة بمعارضته لانفتاح البلاد. وقد يكون هكذا المرشح المفضل لدى المرشد العام وجزء كبير من نخب المحافظين الذين يعتبرونه خلفا جيدا لخامنئي ولكن فقدانه للشرعية الشعبية يجعل ترشحه للمنصب صعبا. وان هو خسر في الرئاسيات فقد يجري إقصاؤه من السباق لخلافة المرشد. وبذاك فهو يجازف بالرهان.

هل يمثل ذلك أمرا مفيداً للمحافظين؟ الجواب هو نعم ولا. نعم، لأنه قبل الآن كان للمحافظين صعوبة في التجمع حول راية رجل واحد. فصف المحافظين منشطر إلى عدة فصائل. لكن الامر قد يكون جيدا للإصلاحيين لأنه أصبح هناك خصما حقيقيا لروحاني يمكنه استعماله كفزاعة لإقناع الإيرانيين ذوي الاتجاه الاصلاحي أو المعتدل بالتوجه الى مكاتب الاقتراع. ويكمن الخطر الاكبر بالنسبة للرئيس الحالي، الذي يتعرض لوابل من الانتقادات خاصة عن حصيلته الاقتصادية في غياب تعبئة منتخبي الوسط والمترددين. وبعبارة أخرى الممتنعين عن التصويت. وهناك ظاهرة مؤكدة في الانتخابات الإيرانية أنه عندما يتجند الناخبون بقوة فذلك يعزز دوما المرشح الاصلاحي؛ وبالمقابل عندما تكون نسبة الامتناع قوية يكون الاصلاحيون هم المتضررين. كما حظي المرشحون المحافظون أيضا بدعم من الجبهةالشعبية لقوات الثورة الاسلامية (جمنا) ولكي يقنعوا ناخبي الطبقات الشعبية ويستدرجونهم للتصويت فلقد وجّهوا النقد اللاذع للحكومة الحالية مبرزين أخطاءها.

ترشح محمود أحمدي نجاد المرفوض

شكل الظهور الخاطف للرئيس السابق محمود أحمدين جاد خلال هذه الحملة إحدى اللحظات المؤثرة. وقدأجهضت محاولته الاولى حيث منعه علنيا مرشد الثورة علي خامنئي من الترشح. كان ذلك خلال لقاء في 9 أغسطس/آب 2016 حيث طلب المشاركة فأجابه المرشد “من المفروض ألا تترشح”، حسب رواية جريدة “الجمهورية الإسلامية”. وأمام إلحاح أحمدي نجاد الذي كان يتحجج بالدعم الشعبي لتبرير ترشحه بقي آية الله خامنئي صارما في موقفه قائلا له: “سيؤدي وجودك في الانتخابات إلى إحداث استقطاب في الحملة. هذا ليس من مصلحة الثورة ولا من مصلحة الشعب. عليك أن تقاوم هذا المطلب”. وأمام تكذيب أحمدي نجاد لفحوى لقائه الخاص هذا، اضطر آية الله خامني إلى تأكيد موقفه خلال اجتماع علني. “أتاني شخص ونصحته لمصلحته ومصلحة البلاد ألا يخوض في هذا الامر. لم أقل له حتى أن لا يشارك. قلت له أنه يبدو لي أنه من غير مصلحته ان يقوم بذلك”. قال ذلك خلال محاضرته الأسبوعية يوم 26 سبتمبر 2016. وتم نشر هذا الموقف غير المألوف للمرشد الأعلى أيضا في موقعه على الأنترنت مما يضفي عليه طابعا شبهرسمي.

وبالرغم من رفض المرشد الأعلى دخول الرئيس السابق مرة أخرى في السباق حاول هذا الأخير العودة عبر دعمه لترشح حميد بقائي. كان أحمدي نجاد في حملة الرجل الذي كان نائب الرئيس خلال فترة حكمه. وحرص في كل فرصة متاحة أمامه على تقديم نفسه كقوة معارضة للنظام وأطلق العديد من الخطب في هذا الاتجاه. وعلى الرغم من الحظر الواضح في سبتمبر 2016، قدم ترشحه الرسمي بينما كان يرافق حميد بقائي إلى المكتب المركزي للانتخاب بوزارةالداخلية. ولكن لم تكن هناك تبعات لهذه المغامرة حيث قام مجلس حراس الثورة برفضها بسرعة.

“مزايدات ما بين”الموالين“للنظام و”المناهضين"

يمكن القول أن الرئيس الحالي دفع بشكل ما ثمن انفتاحه في مجال حرية التعبير. وعمد معارضوه إلى تقديم صورة لبلد غارق كليا في الفساد ومفلس في حين أنهم جزء من القيادات العليا للجمهورية الاسلامية منذ نشأتها. ومن موقعه الحالي كرئيس يتعين على حسن روحاني أن يرد كلام معارضيه مما يضطره أن يكون في موقف دفاعي كمرشح “موالي” للنظام ضد مترشحين محافظين يقدمون أنفسهم على انهم “مناهضون” للنظام.

وفي حرب الصور هذه هناك أمر أكيد: لم يُحضّر الرئيس روحاني نفسه جيدا للنقاشات في التلفزة. فبالرغم من قدراته الخطابية والتي انتصر بفضلها على منافسيه في 2013، وجد نفسه هذه السنة في موقف صعب. ولم يستعد قدراته في الجدل سوى في اللحظات الاخيرة من النقاش المتلفز. فقد تمكن خلال بضع دقائق من تسجيل نقاط حاسمة ضد منافِسَيْه الاثنين. فذكَّر بالدور المركزي لإبراهيم رئيسي في قمع المعارضين السياسيين وجهله في مجال العلاقات الدولية. كما أشار الى كلام محمد باقر قاليباف عندما كان قائدا للشرطة الوطنية بخصوص عزمه على قمع مظاهرات الطلبة. وقد أثر ذلك على حملة رئيس بلدية طهران.

يمكن لحسن روحاني أن يتنفس الصعداء الآن حيث لم يبق أمامه إلا خصم واحد وقد عرض على رئيسي نقاشا متلفزا. لم يخف مؤيدوه فرحتهم بنبأ انسحاب رئيس بلدية طهران حيث يدركون أن هذا الأخير أكثر اتساماً بالحداثة من رئيسي وكان بمقدوره “ابتلاع” كثير من الاصوات التي هي نظريا من مكاسب روحاني. فناخبو قاليباف ليسوا بالضرورة من المتعاطفين مع المرشح المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي. إذ يمثل رئيس بلدية طهران تيارا براغماتيا في حين أن رئيس مؤسسة استان القدس عقائدي.

نحن على بعد أيام قليلة من نتائج الدورة الأولى من هذه الانتخابات المليئة بالمفاجآت. هل سيتمكن المحافظون من كبح الرئيس الحالي ومنع اعادة انتخابه في الدور الأول؟ أو حتى إلحاق الهزيمة به في الدورة الثانية؟ هل سيتمكن حسن روحاني من الانطلاقة في الايام الاخيرة بفضل شبكات التواصل الاجتماعي كما حصل ذلك في 2013؟ لا بد من انتظار يوم 19 مايو/أيار لتبيّن الأمر.

#

ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي