إيران : الرئيس المنتخب يواجه تحديات اقتصادية

لقد أعيد انتخاب الرئيس روحاني بنسبة 57 بالمائة من الأصوات في ال19 من مايو /أيار الماضي. ومن الواضح أن آفاق الانفتاح الاقتصادي على الخارج التي وعد بها قد أقنعت الناخبين أكثر مما أقنعتهم الوعود غير الواقعية التي أغدقها منافسوه السياسيون على ذوي الدخل المتواضع. إلا أن قضية البطالة، التي حلت محل قضية التضخم المالي في النقاشات السياسية، لن يكون من السهل التصدي لها فعلياً دون العمل على تنويع الموارد الاقتصادية، بغض النظر عن القطاع النفطي. و في هذا الصدد، فالهدف ما زال بعيد المنال.

قبل أربع سنوات، أي في عام 2013، كانت المشاكل الاقتصادية هي محور النقاشات في الانتخابات الرئاسية الايرانية الحادية عشر. وفي خلال الثلاث سنوات السابقة، عرفت العملة نسب تضخم كبيرة: 26% في 2011 و21% في 2012 و34% في 2013، كما كان النمو سلبيا : 3.7- % و 7.8- % في عامي 2012 و2013 على التوالي، في ظل معدّل بطالة قياسي.

وإذا كانت عدم نجاعة السياسيين مسؤولة جزئياً عن هذه الأوضاع، فإن العقوبات المسلّطة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هي التي شلّت في واقع الأمر الاقتصاد الإيراني. فبالنسبة لمعظم الايرانيين وأيضاً لبعض الحاكمين في عام 2013، لم تعد هذه العقوبات تشكّل فقط مشكلة، إنما أصبحت مصدرا للبؤس والعزلة. وليس من المفاجئ إذن أن يقول حسن روحاني، وهو المعتدل والبراغماتي والمرشح الوحيد من غير المحافظين، في خلال أحد نقاشات الحملة الانتخابية الرئاسية التي بثت عبر التلفزيون، إنّ “أجهزة الطرد المركزي (لتخصيب اليورانيوم) يجب أن تدور، ولكن يجب أن يرافقها أيضا دوران دواليب الاقتصاد”، وأن يعد باستئناف المفاوضات حول المسألة النووية بين إيران ومجموعة 5+11 بهدف رفع العقوبات. إشارة إلى أنه في 14 يوليو/تموز 2015، وبعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران والإتحاد الأوروبي ومجموعة 5+1، كان الإيرانيّون ينتظرون تغييرات سريعة.

لكن الصعوبات الاقتصادية لا تزال في قلب النقاشات، رغم أن الوضع قد تحسن دون شكَ على عدد من الأصعدة خلال فترة الرئاسة الماضية، وذلك وفق تقديرات روحاني ومناصريه: إذ انخفض حجم التضخم من 34% في عام 2013 إلى أقل من 10% في عام 2016، وهي النسبة الأقل المسجلة منذ عام 1998 وقد استقرت نسبيا خلال الأعوام الأخيرة. كما ارتفعت صادرات النفط من 1.3 مليون برميل في اليوم في عام 2012 إلى 2.8 مليون. وجرى تيسير توريد الأدوية والمعدّات الصناعيّة والطبيّة، كما استُؤنف النمو الاقتصادي الذي تطوّر من 7.8ـ % في عام 2013 إلى أكثر من 6% في عام 2016، لكن مع نسبة تقل عن 1% مرتبطة بالقطاعات غير النفطية. كما يؤكد هؤلاء على قيام روحاني بعدد من الإصلاحات الهيكلية للنظام المصرفي والضريبي والجمركي والتي تمّ التصديق على الكثير منها من قبل المؤسسات الدولية على غرار صندوق النقد الدولي.

البطالة في قلب النقاشات

رغم كل ذلك، لا يزال الاقتصاد يمثل نقطة ضعف بالنسبة للبلاد. ولم ينفك محمد باقر قاليباف وإبراهيم رئيسي، وهما مرشحان محافظان في الانتخابات الرئاسية في 2017، يشككان في كفاءة روحاني في المجال الاقتصادي. وقد أخذت البطالة المكانة التي كان يحوزها التضخم لمدة أربع سنوات في النقاشات. إذ شنّ المرشحان المحافظان حرباً بلا هوادة، تسلّحا فيها بالوعود المغرية لخفض البطالة. فتعهد قاليباف بتوفير 5 ملايين فرصة عمل خلال أربع سنوات وبمنح منحة بطالة تقارب الثمانين دولاراً، أي ما يعادل 2.596.471 ريالا ايرانيا لكل عاطل عن العمل. أما رئيسي، فقد تعهد على نفسه توفير مليون فرصة عمل سنوياً على أقل تعديل، وهو وعد أكثر تواضعاً مقارنة بوعد قاليباف.

معدلات البطالة

تشكّل البطالة بكل تأكيد التحدي الأكبر الذي يجب أن يواجهه الاقتصاد الايراني، فهي تبلغ نسبة 11.6% كمعدل منذ 1991 (انظر الرسم البياني رقم 1). وبعدما تقلّصت بنسبة 3% ما بين عامي 2010 و2013، ارتفعت إلى 10.4% عام 2013 وإلى 11.3% عام 2016 رغم أن صافي فرص العمل المستحدثة قد بلغ 1.3 مليون خلال تلك الفترة. ومع ذلك، فإنّ الوضع يُعتبر أفضل بكثير مقارنة بالماضي، إذ أنّ صافي فرص العمل المستحدثة بين عام 2005 وعام 2013 كان أقل من 40 ألف، فيما كان انخفاض معدل البطالة بين 2010 و2013 عائداً لانخفاض معدلات المشاركة في سوق العمل.

تتميز إيران بتركيبة سكانية شابة، وكما يُبيّن الرسم البياني رقم 2، فقد كانت نسبة السكان في سن العمل (بين عمر 15 و65 سنة) تقارب 5% من مجمل سكان إيران، أي أكثر من معدلات دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأدنى. ويَتوقع تقرير صندوق النقد الدولي أن ترتفع هذه النسبة إلى حدود عام 2040 لتبلغ80.%

المعدلات حسب فئات الأعمار (من 15 الى 64 سنة)

إضافة إلى ذلك، فإنّ السكّان النشطين مؤهلون جيّداً. فعدد الطلاب في التعليم العالي قد ارتفع بصفة ملحوظة خلال العشرين سنة الأخيرة (أنظر رسم بياني رقم 3). وقد بلغ عدد الملتحقين بالتعليم العالي في عام 2015، 4.8 مليون ايراني وهو ما يمثل 6.2% من العدد الإجمالي للسكان (مقابل 3.5% في فرنسا). ويعود العدد المرتفع للمسجلين في الجامعات إلى تحسّن سبل الوصول إلى التعليم. لكن صعوبة الحصول على عمل والتي يضاف إليها 18 شهراً من الخدمة العسكرية الإلزامية (فقط للرجال)، تدفع الأجيال الشابة إلى مواصلة التعليم لتأجيل الدخول إلى سوق العمل. إشارة إلى أنّ هذا التجمّع لشباب في سن العمل ومتميّزين بمؤهلات عالية، والذي كان يمكن أن يشكّل فرصة عظيمة في أي مكان آخر، يمكن أن يكون مصدراً لعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في إيران إذا ما بقي هؤلاء الشباب بعيدين عن سوق العمل.

الاعتماد كلياً على النفط

لكنّ مشكلة البطالة مشكلة هيكلية ولا يمكن أن تعالج ببساطة، إذ يتطلب خلق فرص للعمل بأعداد مهمّة نموّا غير مرتبط بالقطاع النفطي. ويبيّن مثال البلدان النامية أنّ التنافسية الكبرى للقطاعات المصدّرة، خاصة في الصناعة، هي السبيل الوحيد المؤدّي إلى نموّ على المدى الطويل وإلى إحداث فرص للعمل، خصوصا في ما يعني اليد العاملة المؤهلة.

عدد الطلاب في الجامعات

إنّ الاعتماد الكلي على النفط يُعدّ العامل المسؤول إلى حد كبير عن ضعف قطاع الصناعات التحويلية في إيران. فقد كان الاقتصاد الايراني مرتبطاً جداً بعائدات النفط خلال الخمسين سنة الأخيرة في حين أن هذا القطاع ليس ذا قدرة تشغيلية كبيرة ولا يمكن أن يولّد فرص عمل. وفي نفس الوقت، فإنّ حصة الاقتصاد المكرّسة للقطاع العام والمرتبط به قد تطوّرت على حساب القطاع الخاص الذي لم يبق له مجالا للنموّ. وباعتماده على عائدات النفط، بُلِي القطاع العام بانعدام النجاعة وغياب الانتاجية. علاوة على ذلك، فإنّ القطاع الخاص الذي يعاني من “المرض الهولندي”2 بقي ضعيفا وغير قادر على المنافسة.

إنّ الإقتصاد الإيراني المعزول منذ عشرات السنين يحتاج لكي يصبح حديثا ولكي يحفّز فرص العمل المنتجة، إلى جذب المستثمرين الأجانب. ويمكن لانخفاض أسعار الطاقة والقرب الجغرافي من الشرق الأدنى، والأهم، وجود يد عاملة غير مكلفة ومؤهلة أن يجعلوا من إيران الوجهة المثلى للاستثمارات الأجنبية. لكنّ التوترات في المنطقة وحقيقة أنّ المصارف الأوروبية تنظر بتحفظ للتعامل مع نظيراتها الايرانية إلى جانب الصعوبات المؤسساتية والمخاطر السياسية قد حملت الشركات العالمية على توخي الحذر في استثماراتها في هذه السوق ذات الامكانات الكبيرة. ووفقا لنائب الرئيس الإيراني اسحاق جهانغيري، فإن الإقتصاد الإيراني لم يتمكّن من جذب سوى 6 مليارات من الدولارات من الاستثمارات الأجنبية، وهو أقل بكثير مما كان يأمله حسن روحاني قبل رفع العقوبات.

وعود المحافظين المتهورة

على عكس حسن روحاني، فإن المرشحَين المحافظين لم يقولا شيئا يذكر عن رغبتهما في جذب الاستثمارات الأجنبية والعمل مع الشركات متعددة الجنسيات. وبالنظر لقرب هذين المرشحين من أصحاب “الخط المتشدد” ومن الحرس الثوري، لم يكن فوزهما سيحوز على استحسان الشركات الأجنبية.

وفي محاولة منهما للحصول على دعم الأسر ذات الدخل المحدود، تعهد كل من قاليباف ورئيسي بأنهما سيرفعان من قيمة “يارانه” أي المنحة المباشرة لكل الإيرانيين. وقد أسندت “يارانه” بموجب خطة إصلاح للمنح في عام 2010 لتعويض مساعدات الطاقة بنوع من الدعم الاجتماعي على شكل منحة مباشرة (تعادل حاليا 14.5 دولارا أي حوالي 470.610 ريالا للشخص الواحد). وقد صرّح قاليباف أنه يريد رفع “يارانه” إلى ثلاثة أضعاف قيمتها بالنسبة إلى الجميع مما يفترض توفير موازنة 50 مليار يورو. وباعتدال أكبر، خصّ رئيسي 30 بالمائة من الأسر ذوات الدخل الأضعف بهذه الزيادة. وقد أثارت هذه الوعود انتقادات عديدة حتى بين المحافظين في البرلمان حول عدم تقديم المرشحين شرحا لسبل تمويل هذه الاصلاحات. إنّ الاجراءات الوحيدة التي يمكن أن تجلب التمويلات اللازمة هي الزيادة في حجم النقد (المصرف المركزي ليس مستقلا) ورفع الضرائب أو رفع أسعار الطاقة (الدولة هي المزود الوحيد للطاقة). لكن أي مزيج لهذه المحاور الثلاث سيكون ضارّا بالإنتاج وسيخلّف تضخما أكبر، وهو الذي يقدّر حاليا بـ10% أي أكثر بكثير من عديد الدول النامية أو المتقدمة.

وبالتوازي، تعهّد المرشّحان برفع الرواتب في الوظيفة العمومية والمعاشات والحد الأدنى للأجور دون شرح كيفية القيام بذلك. وبالتالي فقد كانت برامجهما مغرية ولكن غير واقعية وغير متّسقة ومبهمة. أما الرئيس حسن روحاني الذي كان عليه أن يكون في مستوى التطلعات الكبرى للمواطنين فقد تحمّل المهمّة الصّعبة المتمثّلة في اقناعهم بمزايا فترته الرئاسية. ولقد نجح في هذه المهمة في نهاية المطاف، إلا أن التحديات الاقتصادية ما زالت مطروحة أمامه.

#

ترجمت المقال من الفرنسية بديعة بوليلا

1وهي مجموعة القوى الست الكبرى التي وحدت تجاه إيران في عام 2006 مجهوداتها الديبلوماسية حيال الملف النووي، وهي مكوّنة من الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، أي الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا

2يقال عن بلد ما أنه يعاني من المرض الهولندي عندما يكون ارتفاع عائداته من تصدير موارده الطبيعية سببا في ارتفاع سعر صرف العملة. مما يُعقّد حركة الصادرات ويشجع عل زيادة الواردات (وبالتالي يقضي على فرص تطوير الصناعات الوطنية)، كما يتم ذاك في كل حالات ارتفاع قيمة العملة الوطنية بالنسبة للعملات الأجنبية . وقد أطلق هذا التعبير بعد طفرة الغاز الطبيعي في هولندا في الستينيات