جو ستورك
كان “التعاون العسكري والأمني” في صلب اجتماع غولار مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في 5 يونيو/حزيران. جاءت زيارتها بعد اتصال هاتفي بين ماكرون والسيسي بُعَيد هجوم “الدولة الإسلامية” في 26 مايو/أيار والذي أسفرعن 29 قتيلا من الأقباط في محافظة المنيا في صعيد مصر. طائرات “رافال” الفرنسية – والتي كانت ضمن صفقة أسلحة فرنسية مصرية تخطت قيمتها 6 مليارات يورو – “تعمّدت بالنار” في استجابة مصر لهجوم المنيا عبر غارات جوية ضد أهداف مزعومة للدولة الإسلامية في مدينة درنة شرقي ليبيا.
التقى لو دريان السيسي ومسؤولين مصريين آخرين بعد بضعة أيام، في 8 يونيو/حزيران. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري إنه زار مصر 8 مرات في السنوات الثلاث الأخيرة كوزير دفاع في حكومة الرئيس السابق فرانسوا هولاند. كانت إحداها في فبراير/شباط 2015، ووقّع حينها لو دريان ونظيره صفقة 24 طائرة رافال – الطلب الخارجي الأول لهذه الطائرة الباهظة الثمن التي كانت صانعتها، شركة “داسو”، تسوّقها منذ فترة.
في لقائه وشكري مع الصحفيين في يونيو/حزيران، بصفته وزير الدفاع، قال لو دريان إن فرنسا “لطالما وقفت إلى جانب مصر في الأوقات الصعبة وخاصة في هذه اللحظة عندما تواجه تهديدا خطيرا”، واعتبر ليبيا مصدر قلق. لم يتطرق لو دريان أو غولار، أو أي مسؤول حكومي فرنسي، إلى وضع حقوق الإنسان المخيف في مصر – على الأقل ليس علنا. قال لو دريان إنه نقل من الرئيس ماكرون “رسالة دعم” لـ “إصلاحات جارية” غير محددة. لم يعلق لو دريان ولا غولار على قانون المنظمات غير الحكومية القمعي والذي وقعه السيسي في 29 مايو/أيار. اقتصر رد الفعل الفرنسي العلني حتى الآن على التعبير عن “قلق” عندما صادق البرلمان المصري على القانون في نوفمبر/تشرين الثاني. لم يكن لدى لو دريان ولا غولار ما يقولانه حول حجب عشرات المواقع الإخبارية مؤخرا في مصر – 62 حسب إحصاء حتى 24 مايو/أيار – وتوقيف عشرات الناشطين السلميين بسبب تعليقات على “فيسبوك” ومواقع تواصل أخرى، بعضهم بتهم إرهاب زائفة.
خالد علي، أحد الموقوفين، هو محام حقوقي بارز ومرشح سابق للرئاسة. أُطلق سراحه حاليا بكفالة ولكنه يواجه تهمة “ارتكاب فعل فاضح” – تحديدا، رفع إصبعه الوسطى خلال مظاهرة سلمية في الشارع. قد يصل الحكم فيها إلى السجن سنة، وقال محامي علي إن إدانته قد تُستخدَم لمنعه من الترشح للرئاسة في 2018. في هذه الأثناء، تنشغل المحاكم العسكرية في مصر بمحاكمة المدنيين – أكثر من 7400 منذ أصدر السيسي قرارا في أكتوبر/تشرين الأول 2014 يوسّع كثيرا من صلاحيات المحكمة العسكرية. لا تؤمّن المحاكم العسكرية حتى الحماية المحدودة للإجراءات القانونية التي تؤمّنها المحاكم العادية. أصدرت المحاكم العسكرية أحكاما بالإعدام بحق 60 شخصا. نُفّذت 6 إعدامات – منها إعدام 3 رجال كانوا محتجزين وقت الجريمة المزعومة التي أُدينوا بها. في الحالات التي حقّقت فيها “هيومن رايتس ووتش”، اختفى الرجال لأسابيع وأكدوا بعد ذلك أن اعترافاتهم انتُزعت بالقوة وأُملِيَت عليهم من قبل عناصر الأمن.
يتفق صمت غولار ولو دريان – وماكرون – مع التساهل الفرنسي خلال رئاسة هولاند مع سياسات السيسي القمعية. لدى إجابته على أسئلة البرلمان الفرنسي في فبراير/شباط، أصر لو دريان على أنه “لن يناقش إن كان محمد مرسي أقل ديكتاتورية” من السيسي وأن استقرار مصر ضروري للمنطقة. وقال: “أنا مقتنع بأن فرنسا تملك الآن شراكة حقيقية مع مصر” من شأنها “تعزيز الديمقراطية على المدى الطويل”. مؤخرا نقل تقرير عن سياسي فرنسي، لم يفصح عن اسمه، يصف مواقف “بعض دول الاتحاد الأوروبي” كالتالي: “إذا أردتم مصر قوية ومستقرة لا يمكنكم الحصول على مصر ديمقراطية”.
قال دبلوماسي فرنسي لم يفصَح عن اسمه لـ “رويترز” إن زيارتَي غولار ولو دريان إلى القاهرة تأتيان في وقت تشكّل “ليبيا أولوية لفرنسا”. مصر والإمارات من الداعمين الدوليين الأساسيين لقائد “الجيش الوطني” الليبي في الشرق، خليفة حفتر، الذي تحارب قواتُه الإسلاميين ومجموعات مسلحة أخرى شرقيّ ليبيا، لكنه يرفض بنفس الوقت دعم “حكومة الوفاق الوطني” في طرابلس برئاسة فايز السراج والمدعومة من الأمم المتحدة.
بحسب التقارير، فإن دعم الفرنسيين لحفتر، المخابراتي بأغلبه، يعكس سياسات وزارة الدفاع في ولاية لو دريان ويتضمن “أعمالا عسكرية غير رسمية” ضد مجموعات مسلحة إسلامية، بالاشتراك مع الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات. بعد تسلم ماكرون الرئاسة، دعى المسؤولون الفرنسيون لأول مرة إلى إنشاء جيش ليبي موحّد يشمل حفتر وقواته.
في حملته الانتخابية، أجاب ماكرون على سؤال لـ هيومن رايتس ووتش قائلا إنه يفضّل أن تكون صفقات الأسلحة مع السعودية مشروطة باحترامها حقوق الإنسان. ولكن لا يبدو أن هذه مقاربة إدارته لمصر. في وقت يسحق السيسي كل أشكال الاعتراض السياسي السلمي، بدون خجل وباسم محاربة الإرهاب، قد نتساءل إن كانت الديمقراطية في مصر والنشطاء الحقوقيين سيتلقون أي مساعدة أو حتى تعاطفا من الرئيس الفرنسي الجديد وفريقه.