منذ إطلاقه شعار “إسرائيل تعود إلى إفريقيا، إفريقيا تعود إلى إسرائيل” في شباط/فبراير 2016 للاحتفال بافتتاح “لوبي موالي لإفريقيا” داخل البرلمان الإسرائيلي، قام بنيامين نتانياهو بجولة شملت أوغندا وكينيا وأثيوبيا ورواندا في حزيران/يونيو 2016. كما ألقى كلمة خلال القمّة الحادية والخمسين للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في حزيران/يونيو 2017 .
ولم تتوقّف الزيارات الرسمية الإفريقية إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة، و كان آخرها زيارة بول كاغامي رئيس رواندا في تموز/يوليو 2017،1و زيارة فوري غناسينغبي رئيس توغو في أغسطس/آب. وإن كان لشعار نتنياهو أثر واضح، إذ أن وسائل الإعلام العالمية تتناقله عند كل تواصل إسرائيلي إفريقي جديد، فأن إلغاء القمة الإفريقية المرتقبة في أكتوبر/تشرين الأول في لومي قد يوحي للوهلة الأولى أن على الدبلوماسية الإسرائيلية أن تكون أكثر تحفظاً وتواضعاً.
وعلى غرار الصين والهند وتركيا، تريد إسرائيل الاستفادة من التراجع الأميركي عن الانخراط في إفريقيا ومن احتجاب فرنسا وانشغال الأنظمة الملكية النفطية في الصراعات الشرق أوسطية وداخل الجزيرة العربية. وهدف الرئيس نتانياهو ديبلوماسي، إذ إنه يطمح إلى اكتساب حلفاء جدد داخل المنظمات الدولية للتصدي للحملة الفلسطينية داخل الأمم المتحدة واليونسكو والمنتديات الدولية الأخرى في السنوات الأخيرة. كما تريد إسرائيل أن تسترجع مقعدها كمراقب ضمن الإتحاد الإفريقي والذي كانت تشغله حتى عام 2002، في وقت أنّ المصالح الجيو- استراتيجية للدولة العبرية لا تغيب أبداً عن ذهن نتنياهو. ومن جهتها، ترغب الدول الإفريقية في تنويع مصادر تزويدها بالأسلحة وبالتكنولوجيا العسكرية وفي الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجال جمع المعلومات ودراستها والتحكّم فيها ومجال الشبكات والحرب الإلكترونية، وأيضا في الري ومعالجة المياه واستغلال الطاقة الشمسية. “بالنسبة للأفارقة، فإنّ الوصول إلى هذا النوع من التكنولوجيا الدقيقة والمعرفة التقنية يمكّنهم من عدم الاعتماد كليّاً على الأوروبيين والأميركيين”. هذا ما كتبه دافيد إلخايم في صحيفة لو جورنال دو ديمانش (في 6 يوليو/تموز 2016).
من معادة الاستعمار الى أفيغدور ليبرمان
لم تنفك إسرائيل منذ قيامها تُطوّر علاقات دبلوماسية واقتصادية مع الدول الإفريقية، ويمكن لعدد من تحرّكاتها أن يفسر الترتيبات الأمريكية والأوروبية في إفريقيا، بل وحتى التراجع الأميركي والأوروبي في بعض الحالات من القارة السوداء. فهؤلاء يشاركون دوريا كعنصر من عناصر لعبة تكامل واسعة، تقوم فيها إسرائيل بدور القوة الرديفة أو التكميلية، ولكن وفقاً لمصالحها الخاصة.
وإلى نهاية الستينيات كانت الدولة العبرية تستفيد بصورة أو بأخرى من هالة مناهضة الاستعمار2 كما كانت تقيم علاقات جيدة مع عدد من الدول الإفريقية حديثة الاستقلال. وهو أمر تمسّكت به أكثر بعدما أُبعدت عام 1955 من ميثاق باندونغ الذي مثل نقطة الانطلاق لسياسية “العالم الثالث” على الساحة الدولية. أقامت غولدا مايير تحالفاً مع جومو كينياتا منذ عام 1963 بفتحها سفارة في نايروبي. واعترفت إسرائيل باستقلال مالي والسنيغال منذ عام 1960 وحافظت في نفس الفترة على علاقاتها الدبلوماسية وتعاونها مع حوالي ثلاثين دولة إفريقية من بينها الغابون والكامرون والتشاد والكونغو برازافيل وغانا وغينيا وليبيريا ونيجيريا وسييراليوني وتوغو.
وكانت الخريطة الدبلوماسية المصرية (الخاصة بالإدارة المصرية للشؤون الإفريقية) تبيّن أنّ إسرائيل قد حاصرت حوض النيل منذ عام 1961 وذلك باتفاقها مع أثيوبيا وأوغندا والزائير وكينيا ورواندا والتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد تمّ توقيع اتفاق سريّ مع أوغندا في عام 1969 لتشييد مطار من شأنه أن يهدّد سدّ أسوان.3
وقد ظهرت العقبات الأولى بعد حرب 1967، لكنّ حرب أكتوبر (1973) والحصار النفطي الذي فرضته دول الخليج قد أنهى العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بحصره دبلوماسية دول جنوب الصحراء داخل تحالف مؤيد للعرب. وحدها السنغال، برئاسة ديوف حادت عن توصيات منظمة الاتحاد الإفريقي بقطع العلاقات مع إسرائيل بعد حرب 1973.
ورغم ذلك ففي عام 1982 كان يوجد أكثر من 4000 خبير إسرائيلي يعملون في إفريقيا.4 بالتوازي، كثفت إسرائيل علاقاتها مع النظام العنصري في بريتوريا وقدّمت له دعماً دبلوماسياً وعسكرياً5 ومدعمةً بتجربتها في جنوب إفريقيا وسمعتها الجيّدة في “حفظ الأمن”، قدّمت إسرائيل خدماتها إلى عدّة أنظمة استبدادية كانت تواجه تهديدات داخلية: حسين حبري في التشاد وموبوتو في الزائير وغناسينغبي اياديما في التوغو. وفي عام 1984، نظّم الموساد عملية نقل لعشرات الآلاف من الفلاشا الأثيوبيين، وهي أقلية يهودية؛ “قام عشرة آلاف فلاشا بمسيرة طويلة على الأقدام من أثيوبيا إلى السودان ثم للوصول إلى إسرائيل عبر جسر جوي بين السودان وإسرائيل. ثمّ أطلقت إسرائيل في أيار/مايو 1991،”عملية سليمان“بالإتفاق مع النظام الأثيوبي الجديد فالتحق بإسرائيل 14 ألف فلاشا كانوا مجتمعين حول السفارة الإسرائيلية في أديس ابابا”.6
وكان لتوقيع اتفاقيات أوسلو والاتصالات التي أقيمت ما بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل أثراً في كسر حالة العزلة التي كانت تحيط بإسرائيل في إفريقيا. تقيم إسرائيل اليوم علاقات دبلوماسية مع حوالي أربعين دولة إفريقية من بينها عشر دول تستقبل بعثات دبلوماسية إسرائيلية دائمة. لكنّ هذه العلاقات أو السفارات لا تضمن لإسرائيل مساندة لمواقفها في المنظّمات الدولية. فكينيا وأثيوبيا فقط هما اللتان تظهران دعمهما للوجود الإسرائيلي ضمن الاتحاد الإفريقي. وهو ما تعارضه جنوب إفريقيا، الشريك التجاري الرئيسي لإسرائيل في إفريقيا.
سوق واعدة من التقنيات العسكرية
لا تزال الدبلوماسية الإسرائيلية تتقدم بنفس النمط الذي ساد في الستينيات والسبعينيات: دعم عسكري وخدمات لوجيستية استخباراتية وتركيز على التكنولوجيا الزراعية والشمسية، لكنّها تعرف أن الوضع الجيو- إستراتيجي في إفريقيا جنوب الصحراء يهمّها اليوم على أكثر من صعيد. إذا تصاعد الإرهاب الإسلامي في هذه المنطقة فإنّ إسرائيل قد تتأثر بذلك، وليس فقط من خلال زلزلة الإستقرار الكبير الذي قد يحدث في سيناء على حدودها الجنوبية. إنّ الحضور الإسرائيلي في دول جنوب الصحراء الإفريقية يكتسي إذن أهمية كبرى لأمن الشرق الأوسط وفي تمكين إسرائيل من الحفاظ على تقدّمها الاستخباراتي. فتنوع الحركات التي تنشط تحت مظلة الإرهاب الإسلامي وتطوّرها المركّب وفرضيّة استمرارها تستدعي معرفة أفضل بديناميكيات التوسع لديها.
وقد فهمت إسرائيل الفائدة التي تجنيها من الحرب التي تستأثر الآن بمعظم دول المنطقة، من القرن الإفريقي إلى البلدان المتاخمة لخليج غينيا، وكيف يمكنها أن تنخرط مع أجهزة محلية تفتقر إلى خدمات لوجستية استخباراتية حقيقية. تراهن الدولة العبرية على تحالف مسيحي ضد الاختراق الإيراني والإسلامي شرقي إفريقيا بما أنّ عدّة دول في المنطقة لديها أغلبية مكوّن أساسي مسيحي وإحيائي (الإحيائيون هم من يؤمنون بوجود أرواح تحرك كل الأشياء والكائنات في الطبيعة). هكذا تم التحالف مع الدولة الجديدة في جنوب السودان. ولقد يدأت مساندة إسرائيل للمتمردين ضد الخرطوم في السودان بعد حرب 1967. فمخزون النفط في هذا البلد الإفريقي الصغير يعد من أهم المخزونات في إفريقيا ويمكن أن يتم عبور شحنات النفط عبر البحر الأحمر إن اقتضت الحاجة.
وللتصدي للتهديد الإسلامي تتخذ الدبلوماسية العسكرية الإسرائيلية طابعاً تكنولوجياً فريداً: “تتفرد الدولة العبرية عن بقية الفاعلين الدوليين بكون غالبية مسؤوليها الحكوميين وعدد لا يستهان به من طبقتها السياسية، من جميع الأطياف السياسية، يأتون من الاستخبارات أو من القوات الخاصة أو قد مروا بتجربة فيها (...)”7. وترتبط الصناعات المعلوماتية والجوية والدفاعية برابط عضوي؛ تبيع إسرائيل رشاشات ودبابات وقذائف وقوات حماية للمسؤولين الأفارقة، وتبيع بالأخص تكنولوجيا استخباراتية وتكنولوجيا للتنصت ولجمع ورقمنة المعلومات الشخصية ونظماً للتحكّم في الحدود وتجهيزات للمراقبة البرية والبحرية وأدوات وبرامج كومبيوتر للحرب الرقمية والتجسس بالتصوير . كما أنّها تقدّم للدول الإفريقية الفتيّة والهشّة نسبيا نموذجاً جذاباً لسلطة تكون فيها الدولة وأجهزة المخابرات العسكرية المجهزة تكنولوجياً، نخبة منصهرة.
تتجاوز حصة الصناعات التكنولوجية اليوم حصة المعدات العسكرية في الصادرات الإسرائيلية، لكن الفصل بين مجالي التجارة ودبلوماسية الدولة العبرية يعدّ شائكاً لارتباطهما الوثيق. ولئن كانت هذه الاستثمارات الإفريقية متواضعة نسبياً، وإسهام إسرائيل في واردات الأسلحة لإفريقيا أقلّ بكثير من إسهام روسيا وأوروبا وحتى الصين، فإنّ إسرائيل تعرف أنّ نصيبها من السوق يمكن أن يزداد في قارة تشهد ارتفاعاً كبيراً في النفقات العسكرية وتعرف أّن إفريقيا ستسجّل نموّاً ديموغرافيّاً كبيراً خلال العشريات المقبلة وأنّها لافتقادها للتجهيزات التقليدية ستفضّل الحلول التكنولوجية في حدود ما تسمح به إمكانياتها. وبما أنّ ثلاثة أرباع الإنتاج العسكري الإسرائيلي موجه اليوم إلى التصدير، وأنّ القطاع العسكري يبقى قوة رفع هامة للصناعات الدقيقة، فإنّ الدولة العبرية بحاجة لدخول أسواق جديدة مهما كانت صغيرة أو متواضعة.
الماس مقابل السلاح
كما أنّ إسرائيل لا تنسى في علاقاتها بإفريقيا إحدى أهم صادراتها: الماس. ففي عام 2016 كان هذا البلد يتبوأ المركز الخامس بين مصدري الماس الخام، بحصة تقدر ب 6،7ب المائة من السوق والمركز الرابع كمستورد عالمي، بحصة 7,6 بالمئة. وتشير الأرقام الرسمية للحكومة الإسرائيلية الى أن صادرات الماس عام 2016 بلغت 7،3 مليار دولار. كما تشير الأرقام نفسها الى أن صادرات الأسلحة حققت رقم 6،5 مليار دولار.
إنّ إستراتيجيات الحصول على الموارد المنجمية في إفريقيا، المثيرة للريبة في كثير من الأحيان، مرهونة بهجماتها الدبلوماسية والعسكرية. فإيقاف بيني شتاينميتز مؤخراً من قبل الشرطة الإسرائيلية على خلفية اتهامات بتبييض الأموال ورشوة شخصيات قريبة من النظام الغيني، على غرار التتبعات الأميركية ضد دان غيرتلير، أحد الفاعلين الإسرائيليين في تجارة الماس، تبيّن أن إسرائيل تشارك بجدية في “منظومة كيمبيرلي”، إلا أنّ ممارسات رجال الأعمال المهيمنين فيها تبقى متلاعبة مع القانون. عام 2001 اتهم غيرتلر بتمويل مشتريات من الأسلحة لعصبة كبيلا مقابل الحصول على احتكار تجارة الماس. ويشير فريق “افريقيا بروغريس بانل” عام 2013 الى أن رجل الأعمال هذا قد حرم جمهورية الكونغو الديمقراطية من 1،4 مليار دولار من عائدات الاستثمار في المناجم. أما ليف ليفياف، المسمى ب“ملك الماس”، فلقد شيد ثروته بفضل شراكته مع رئيس أنغولا خوسي إدواردو دوس سانتوس، للتحكم بصناعة الماس. وبصفته شريكاً تجارياً للمقربين من ترامب، فغالباً ما يثار ذكر اسمه في صحف الإثارة، بشأن صفقات مريبة أو فضائح أو محاكمات.
انعدام تام للاجئين، انعدام تام لأية معارضة
على غرار بلدان المغرب العربي والحوض المتوسطي وأوروبا، شهدت إسرائيل وصول عدّة موجات من اللاجئين الأفارقة خلال العشرين سنة الأخيرة، لاسيما القادمين من إريتريا والسودان وأيضا من غرب إفريقيا. ويعيش في إسرائيل حوالي 50 ألفا من الأفارقة غير الحاصلين على أوراق إقامة، في وقت لا تمنح فيه الدولة العبرية أبداً صفة اللاجئ لهؤلاء الأشخاص (عدى استثناءات نادرة). ويجد عدد لا يستهان به من المقيمين غير الشرعيين وظائف في مجال الفندقية والبناء مثلما هو الحال في أوروبا، وآخرون في مجال التجارة الصغيرة والاقتصاد الموازي. وترفض إسرائيل استقرارهم بصفة شرعية عندها بسبب عقيدتهم الدينية. في عام 2014، وقعت إسرائيل اتفاقاً مع اوغندا ورواندا لاستقبال لاجئين أفارقة مرحّلين، من جميع الجنسيات. وفيما بقيت بنود هذه الاتفاقات سرية، فإنّ إسرائيل وأوغندا ورواندا كانوا قد صادقوا على اتفاقية جنيف الخاصة بحقوق اللاجئين لعام 1951 والتي توصي باستقبالهم ومنحهم صفة محمية وأن لا يجري تبادلهم في إطار اتفاقات شاملة. ويتضمن برنامج “المغادرة الإرادية” الذي أطلقته حكومة إسرائيل رسالة رسمية تَعِد المُرَحَّلين بأوراق إقامة وبالحق في العمل في البلد الإفريقي الذي سيستقبلهم. في حين أن أوغندا ورواندا لم تسويا وضعيات اللاجئين الآتين من إسرائيل.
خارج حدودها كما داخلها، تُظهر الدولة العبرية نفس الخصال ونقاط الضعف: اتباعها العفوي لمنطق الصراع على حساب المفاوضات يحملها دائما على تفضيل منطق القوة والحرب. إنّ الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين والدوليين لا ينفكون يكررون أن هذا التوجه تفرضه الظروف في الشرق الأوسط. وهو أمر غير دقيق: يكفي أن نرى الطابع الإستعماري أحادي الجانب للاحتلال الإسرائيلي لأراض فلسطينية كان يمكن لها لو كانت مستقلّة أن تساهم في تقليص العنف داخل حدود الدولة العبرية، لنفهم إلى أي مدى أصبح ضمّ الأراضي بالقوّة والحكم بالترهيب واقتصاد القنص من الأمور “الطبيعية” عند السلطة الإسرائيلية. يكفي أيضاً أن نفكر بكل الشروخات التي أحدثتها الحدود والجدران وحواجز التفتيش المقامة من قبل الدولة العبرية.
إنّ اتهام إسرائيل لمنتقديها الغربيين بأنهم ليسوا أفضل منها في ممارساتهم ومطامعهم قد يكون له ما يبرره، لكنه يتجاهل اختلافاً مُهمّاً: إذا كانت القوى الغربية تدعم مصالح شركاتها متعددة الجنسيات على الأراضي الإفريقية فإنها تملك داخلها قوى مضادة، ديموقراطية، تعارض استغلال إفريقيا وتناضل من أجل استقلالها ومن أجل ديموقراطية أنظمتها. وهو أمر مغاير تماماً لوضع إسرائيل حيث توجد منظمات غير حكومية مميزة لكنها لا تمتلك ذات الحاضنة كما في أوروبا أو الولايات المتحدة. ومع ذلك فإنّ نتنياهو يسعى لمحوها عن الخريطة بوضعها خارج القانون متعلّلاً بكون تمويلاتها “الأجنبية”، وهي المورد الوحيد الذي يمكّنها من البقاء، تهدد أمن الدولة.
مهارات مشبوهة
إنّ الدبلوماسية الإسرائيلية تثير إذن عدة تحفظات لأنّ ثقافتها وتصرفاتها تهدف إلى خنق كل شكل من أشكال النقاش الديموقراطي. كما أنّ الطابع الفريد للدبلوماسية الإسرائيلية في إفريقيا، حيث يحجب الأمن غالباً كل شكل آخر من أشكال الانخراط، يمثّل عيباً هائلاً، إذ إنه يسلّط الضوء بصفة تكاد تكون كاريكاتورية على ديناميكيات الحكم من خلال العنف، وتعطي صورة سلبية عن إفريقيا والدبلوماسية الإسرائيلية، فيها الكثير من المغالاة والغرابة أحياناً. إنّ هذه السمعة السيّئة تجعل الحكومات، على غرار حكومة جنوب إفريقيا وعلى الرغم من إقامتها علاقات تجارية مع إسرائيل، تبدي معارضة شبه دائمة لدبلوماسية هذه الأخيرة في المنتديات الدولية. وليست معاداة السامية هي التي تثير هذا الجوّ السلبي المحيط بالسياسة الخارجية الإسرائيلية بل هو الازدراء الذي يُظهره نتنياهو حيال المنظمات غير الحكومية الدولية والمنتديات التي يحاول الإسرائيليون إسماع أصواتهم فيها. إنّ دولة إسرائيل المعتادة على اخضاع المنظمات الديموقراطية تتحاور بسهولة أكبر مع الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية. وهذا الرفض للحوار الذي يشوّه دبلوماسيتها سوف ينتهي بها إلى الهشاشة، وهو يقودها على طريق افتقار لا مفرّ منه وهروب إلى الأمام في ثقافة تقوم على الريبة والعنف. ومن الممكن أن يظل هذا التصلب الشائك عائقاً أمام علاقاتها حيث لا يكون التقدير لها نابعا من عرفان صادق وإنمّا من إقرار بخبرتها الحاسمة، غير الشفافة وغير الجديرة بالاحترام. ولئن كان من المؤكد أن هذا الوضع الفريد والإنطواء الذي يخلفه يتفاعل في المجتمع الإسرائيلي من الداخل، فإنّه من الصعب معرفة إلى أي هاوية يمكن أن يقود.
1“نحن أُمّتان تدركان تماماً فظاعة الإبادة، وعلبنا أن نُظهر ما يمكن للبشرية أن تحققه من نجاحات في مجال التعاون والتفاهم” هذا ما قاله الرئيس الإسرائيلي روفن ريفلين في كلمة موجهة الى كاغامي. إلا أن إسرائيل موضوع شكوك في مجال تسليم أسلحة ساهمت في عملية الإبادة.
2كان و.أ.ب دوبوا ،أحد مؤسسي منظمة أميركية للدفاع عن الحقوق المدنية ولا سيما حقوق المجموعات المتحدرة من أصول إفريقية في أميركا، يقول عام 1909 :“بالنسبة لنا فإن حركة النضال الإفريقي تشبه حركة الصهيونية بالنسبة لليهود”. وهذه المقارنة تبرز من حين الى آخر في الثقافة الإفريقية-الأميركية والثقافة الأفاريقية ، وذلك حتى الستينات، ولقد استغلت إسرائيل بحنكة كبيرة هذا الأمر.
3حلمي شعراوي في الصفحة 288 من كتاب صادر بالانكليزية
“Israeli Policy in Africa”in “The Arabs and Africa” Croom Helm, Centre for Arab UnityStudies, 1984
4راجع المصدر نفسه، لحلمي شعراوي
5استند غزو أفريقيا الجنوبية لإنغولا الى المهارات الإسرائيلية في استراتيجية محاربة الإرهاب التي اكتسبتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة" كما ورد في كتاب
Marissa Moorman “the long short history of Angola-Israel relations”.
إلا أن الأمر لم يمنع إسرائيل من عقد معاهدة مع عدوها الأنغولي القديم، وذلك من أجل استغلال حجار الماس.
6إيريك دينيري و دافيد إلخاييم ، في الصفحات 112-113 من كناب صادر بالفرنسية حول المخابرات الإسرائيلية
Eric Denecé et David Elkaïm, Les services secrets israéliens, Aman, Mossad et Shin Bet, éditions Taillandier, avril 2014
7راجع المصدر نفسه المذكور آنفاً