الإمارات العربية المتحدة: لاعب سياسي بعيد عن الأضواء


لقد نشرت صحيفة “الشرق” القطرية في الحادي عشر من الشهر الحالي شباط فبراير مقتطفات واسعة من المقابلة التي أجرتها مجلة أوريان 21 مع الباحث ستيفان لاكروا حول سياسة الإمارات العربية المتحدة. ولقد كان للترجمة التي قامت بها صحيفة الشرق أصداء مدوية في الصحافة الخليجية أثارت جدلاً وسعاً. ولقد اقتضى التنويه بأن تلك الترجمة تنطوي على عدد من الإضافات والمغالطات الفادحة (منها على سبيل المثال ان “إدخال العلمانية الى السعودية سوف يؤدي الى دمارها”), ولذلك فلقد قررت مجلتنا أن تترجم المقابلة بنفسها الى اللغة العربية ليحكم القراء بأنفسهم على المضمون. ومن المؤسف فعلاً في أجواء التوتر السائدة في الخليج أن تعمد الصحافة المحلية، لا في قطر فحسب بل في السعودية أيضاً الى الضرب بأبسط قواعد أخلاقيات المهنة عرض الحائط جاعلةً نفسها أداةً في خدمة مآرب سياسية تقررها حكوماتها. ويبدو صباح هذا اليوم أن الصحيفة المعنية حاولت التراجع عما نشرته. ولكن كان لا بد لنا من الاحتجاج على ماحصل ونشر الترجمة الموثوقة.

فيليب غوني: يكثر الحديث عن المملكة العربية السعودية وعن قطر ولكن نادراً ما يتم التطرق الى النظم الملكية الأخرى في الجزيرة العربية. ألا تعتقد أن دولة الإمارات بين هذه الدول تستحق اهتماماً أكبر ؟

ستيفان لاكروا: هناك علاقة قوية تربط المسؤولين الفرنسيين بالإمارات، خاصة الحكومة الفرنسية الحالية ومنها وزير الخارجية ووزير الدفاع الأسبق، جان إيف لو دريان. كما أن لفرنسا في هذا البلد وجود عسكري يتمثل بقاعدة بحرية وهو أمر نادر في هذه المنطقة. إلا أن هذا البلد لا يلفت الانتباه لأسباب عدة. فالأمر الذي يثير الجدل باستمرار هنا عندما يرد الحديث عن السعودية وقطر هي مسألة الإسلام. الإسلام الذي يُصوّر للجمهور غالباً على أنه راديكالي سواءً أكان في صورة السلفية أم في صورة الدعم المقدم للإخوان المسلمين. أما الإمارات فهي تضع نفسها في موقع آخر من هذه المسألة وبالتالي لا تبدو مثيرة للقلق أو جالبة للمتاعب. وفِي ذلك مفارقة، حيث أن الإمارات تنتهج سياسة تدخل واسع في شؤون المنطقة وقد تكون الدولة الأكثر مَيْلاً للمبادرة بهذا الاتجاه. ولكن ذلك كله يظل بعيداً كل البعد عن انتباه وسائل الإعلام ، وفِي ذلك شيء من اللغز في حقيقة الأمر.

ف. غ: كيف يمكننا إذن تعريف سياسة الإمارات الخارجية، و هي السياسة التي لا تتسم بالحياد على ما يبدو. ما هي سماتها المميزة؟

س.ل: فعلاً هي ليست على الإطلاق طرفاً محايداً . فلقد اختارت الإمارات معسكرها منذ وقت بعيد وخلافاً لعدد من الجيران فإن مشروع الإمارات يتميز الى حد ما بالبساطة والانسجام مع الذات. وهو مشروع قديم ومستند الى إمكانيات تتسم بفعالية لا بأس بها. ومن الأسباب التي تجعل السياسيين الغربيين يرتاحون للإمارات هي سمعة الفعالية هذه. فإذا التزم الإماراتيون بأمر ما، قاموا به على أكمل وجه، سواءً أكان ذاك على الصعيد العسكري أم السياسي.

أما على الصعيد السياسي، فيتمثل المشروع في إحلال منطقة استقرار سلطوي مع أنظمة مشابهة لنظام الإمارات والى استبعاد أي خطر بحدوث ثورة أو أي نوع من الاحتجاجات. ولقد نفرت الإمارات نفوراً شديداً من موجة الربيع العربي وكانت منذ البداية من أشد المعارضين لكل ديناميكياتها . وعلى وجه الخصوص، بات الأخوان المسلمون، الذين ظهروا كالطرف القادر أكثر من غيره على قطف ثمار الربيع العربي، هاجسهم الأول. وهذا هو الخط الأحمر بالنسبة لأبوظبي . هذا ما يميز مشروعها السياسي.

وأما على الصعيد الاقتصادي فيتمثل المشروع في جعل الشرق الأوسط سوقاً كبيراً يمكن للإمارات فيه أن تنشط تجارياً وتُصدّر النموذج النيو ليبرالي الذي درجت عليه منذ زمن بعيد. وعبر هذين المشروعين تتراءى لنا طبيعة العلاقة الحيويّة (الديناميكية) بين أبو ظبي ودبي، الإمارتين الأثقل وزنأ في الفدرالية التي تضم سبع إمارات، حيث تمثل أبو ظبي السلطة السياسية والعسكرية، “اسبارطا الصغرى” كما سُميت أحياناً، وتمثل دبي سلطة الاستثمارات والأعمال التجارية.

ف.غ: لقد تحدثت عن العلاقة المشدودة بين أبو ظبي والإخوان المسلمين. ما هو سببها الأصلي؟

س.ل: إبتداءً من الستينات، استقبلت الإمارات، شأنها في ذلك شأن السعودية وقطر، عدداً كبيراً من الإخوان المسلمين. كان ذلك أيام الحرب الباردة العربية التي باعدت ما بين مصر جمال عبد الناصر من ناحية والسعودية والنظم الملكية الخليجية من ناحية أخرى. وكان يُنظر آنذاك الى الإخوان المسلمين في هذا النزاع على أنهم حلفاء للنظم الملكية. فانقلب وضعهم من لاجئين سياسيين الى مساهمين في تشييد الدولة وتحديث هذه البلدان. وكان ينظر اليهم حينها بشكل إيجابي نسبياً، بما في ذلك في الإمارات.

وجاءت الصدمة الأولى في بداية التسعينات وطال أثرها الإمارات. حيث برزت احتجاجات إسلامَويّة في السعودية جراء استنجاد الملك فهد بالقوات الأميركية في إطار حرب الخليج الناتجة عن اجتياح صدام حسين للكويت. وكان من قاد هذه الاحتجاجات في السعودية حركة إسلامَوِيّة محلية لها امتداد في الإمارات وفِي غيرها من البلدان. وبالنسبة لسلطات هذه البلدان فإن الأخوان المسلمين هم من أَلْهَم هذه الموجة من الاعتراض الإسلاموي، وبالتالي فهي نتيجة وجودهم في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين تحولت تماماً نظرة بعض البلدان في المنطقة إلى الإخوان المسلمين. ولكن الغريب في الإمر أن هذا التغيير لم يكن بنفس الحدة في السعودية و في الإمارات وذلك مع أن الاحتجاجات برزت أولاً في السعودية .

وفِي تلك الأيام ، كانت اللعبة في السعودية وحتى عام 2015 معقدة للغاية تستوجب مراعاة كل الأطراف، فكان هذا التوازن الأفقي لا يشجع على التغيرات الجذرية في السياسة الداخلية والخارجية. أما في الإمارات، فلقد بدأت العلاقة بين السلطة والإخوان المسلمين تشهد تحولاً. وفور انتهاء التسعينات بدأ الإخوان المسلمون وجمعيتهم المحلية “الإصلاح” يتعرضون لضغوط متزايدة، في موازاة تعاظم نفوذ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والرجل القوي في الاتحاد. وهو الذي يكنّ للإخوان المسلمين عداوة تكاد تبدو شخصية لا سباب غير واضحة فأَسْبَغ عليهم صفة العدو اللدود.

ف.غ: هل من أمثلة على النتائج المترتبة على سياسة أبو ظبي الخارجية حيال الإخوان المسلمين؟

س.ل: قبل عام 2011، كانت الإمارات تقوم بعمليات تمشيط داخلية ضد أنشطة الإصلاح. ابتداءً من 2011، شرعت في نوع من الحملة الإقليمية بمطاردة الإخوان المسلمين في الخارج ولقد بدأ التدخل في مصر حيث لعبت أبو ظبي دوراً مهماً الى جانب الرياض، في إطاحة الجيش المصري بالرئيس مرسي بداية تموز 2013. واستمر التدخل في ليبيا حيث انحازت الإمارات الى جانب الجنرال خليفة حفتر وساندته في حربه على الإخوان المسلمين، ذاهبة الى حد القصف الجوي. وفِي تونس عملت الإمارات على مناهضة الحزب الإخواني، النهضة، التابع لراشد الغنوشي الذي وصل الى الحكم عام 2011، وساندت حزب نداء تونس التابع للباجي قائد السبسي، وذلك قبل أن توجه له اللوم عام 2017 لأنه لم يتخذ موقفاً موالياً للإمارات ضد قطر.

كما أن الإمارات دخلت طرفاً في اليمن، هذه القضية التي أصبحت رهاناً غاية في الأهمية، حتى لو لم تكن الدوافع هي نفسها التي تحركها وتحرك السعودية. فكل من النظامين الملكيين يتابع هدفاً مختلفاً الى حد ما. على الصعيد الرسمي، يحاربان جنباً الى جنب الحوثيين ويسعيان لفرض هيبة الحكومة الشرعية. أما في حقيقة الأمر فهدف الإمارات الأساسي هو جعل اليمن منطقة خالية من الإخوان المسلمين. وبالتالي فهي تساند بشكل عازم أي قوى مناهضة للإخوان حتى لو اضطرها الأمر أحياناً الى مساندة ميليشيات ذات انتماءات سلفية تكن لها الكراهية الشديدة .

واستراتيجية الإمارات تختلف بالتالي عن حليفتها، فالسعودية مستعدة لعقد حلف مع الإخوان في بعض الحالات حسب الظروف، وهذا ما حصل في اليمن بالرغم من الحملة الإعلامية التي شنتها ضدهم. و بهذا الصدد فإن كانت السعودية قادرة على التحلي بالواقعية، فإن الإمارات تظل متمسكة بالعقائدية أي السلوك الأيديولوجي.

كما أن الاختلاف في الموقف من اليمن يتعلق بتصور فترة ما بعد الحرب الحالية. فالدولتان تختلفان فيما يتعلق بالنموذج السياسي. ولقد استقر رأي الإمارات أخيراً على استقلال الجنوب، وهو الخيار الأنسب من وجهة نظرها، لأنه يسمح لها بوضع هذه المنطقة الجنوبية الخاضعة لحركة انفصالية تمدها بالدعم، يسمح بوضعها كلها تحت سيطرة الإمارات. في مطلع فبراير شباط 2018 شنت هذه الحركة الانفصالية في عدن هجوماً على الحكومة الشرعية التي تساندها السعودية. مما أدى الى اشتباك في الميدان بين ميليشيات تساندها الإمارات مع ميليشيات تساندها السعودية.

والفكرة التي تستحوذ على كل تفكير أبو ظبي هي أن الانفصاليين هم أعداء الإخوان المسلمين وبالتالي فهم يلعبون لمصلحة الإمارات، وأن انفصال جنوب اليمن سيسمح لها بتكوين محمية إماراتية خالية من الإخوان المسلمين.

ف.غ :في الأزمة الحالية بين قطر من ناحية والإمارات المتحالفة مع السعودية من ناحية أخرى، ألم تكن روابط قطر بحركة الإخوان هي السبب الأساسي الذي أثر على موقف الإمارات؟

س. ل: الإسلام السياسي هو العامل الأساسي في تحرك الإمارات في المنطقة، وهو في صدر أولوياتها . ومع أن السعودية والإمارات متحالفتان ضد قطر، إلا أن كل منهما يسعى لهدف مختلف نسبياً. فالسعودية هاجسها “التوسع الإيراني” وفي هذا المحور القائم بين أبو ظبي والرياض، يقدم كل طرف بعض التنازلات ويتبنى أولويات الطرف الآخر أملاً منه بأن الآخر سوف يتبنى الأولويات الخاصة به أيضاً. والحرب على اليمن، التي تبرز فيها الإمارات كحليف مخلص للسعودية هي قبل أي شيء آخر حرب سعودية. فهي حرب السعودية ضد كل ما تلمسه على أنه امتداد للنفوذ الإيراني على حدودها الجنوبية أي الحوثيين.

والإماراتيون تبعوا السعودية في اليمن وانحازوا الى جانبها في مرحلة أولى. علماً أن الحوثيين بالنسبة للإماراتيين لا يشكلون قضية مركزية: فهؤلا بعيدون عن حدودهم، ولا يهددونهم بشيء.

ولكن في المقابل، استطاعوا جرّ السعودية الى موقفهم من النزاع مع قطر. ففي هذه الإزمة حول قطر، ليس التنافس بين السعودية وقطر هو لب القضية بل التنافس بين الإمارات وقطر.

فقطر والإمارات بلدان متشابهان الى حد بعيد. إلا إنهما قاما بخيارات مختلفة جذرياً في التسعينات. فاستخدمت قطر شبكات الإخوان المسلمين كذراع لسياستها الخارجية. وإن كان الإسلام الرسمي في هذا البلد ذا طبيعة سلفية وهابية، مثله مثل الاسلام في السعودية، إلا أن الإسلام الذي كانت تؤيده قطر على الساحة الدولية هو إسلام أقرب الى الإخوان. هذه هي تماماً الاستراتيجية التي اتبعتها قطر في التسعينات. عكسها تماماً كان خيار الإمارات، بإعلان الحرب على الإسلام السياسي، بشكل مبطن أولاً ثم معلن بعد ذلك. ولم تكن السعودية، رغم توتر علاقاتها مع قطر لتدخل هذا النزاع وحدها لولا الإمارات.

ف.غ : حتى يومنا هذا كان يجري الحديث عن مجلس تعاون خليجي، وهو المجموعة السياسية التي انشأت عام 1981 وشملت كل الأنظمة الملكية في الخليج رداً على التهديد المتمثل بالثورة الإيرانية عام 1979. هل يمكننا القول اليوم، على ضوء الأزمة القطرية ونشوء محور سعودي إماراتي أن مجلس تعاون الخليج قضى حتفه؟

س.ل: لم يسبق أن كان مجلس تعاون الخليج في مثل هذا الوضع الرديء. فهو منقسم، لا إلى قسمين فحسب، بل الى ثلاثة. فهناك من ناحية قطر، وحدها، ومن ناحية أخرى المحور السعودي الإماراتي ولقد انحازت إليه البحرين، بما في ذلك حيال قطر. وفي الوسط هناك الكويت وعُمان اللتان تحاولان عدم الانحياز الى هذا أو ذاك وتَعرِضان وساطتهما. ولكنهما أيضاً في حالة هلع مما يحدث اليوم . فإن رضخت قطر، فالكثير من الكويتيين يخشون أن يصبحوا الهدف القادم للثنائي الرياض- أبو ظبي، في عماية ضبط الصفوف هذه. والكويت، بما تمثله من سمات خاصة - وجود تعددية سياسية، و برلمان منتخب يجلس فيه الإخوان المسلمون كسائر النوّاب، إن لم تكن ديمقراطية فهي أقرب ما يكون الى الديمقراطية داخل مجلس تعاون الخليج، وقد تشعر بأنها مهددة لو فرض المحور السعودي الإماراتي نموذجَه السلطوي.

ف.غ: في هذا الثنائي السعودي الإماراتي الذي نراه على الساحة ماذا عن الثنائي بين محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي بل قُل الرجل القوي الذي يقود الإمارات حالياً ومحمد بن سلمان هذا الأمير الشاب الذي في يديه اليوم كل السلطات تقريباً في السعودية؟ هل هي علاقة قابلة للاستمرار عبر الزمن؟

س.ل: العلاقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد قوية للغاية. ويشغل فيها محمد بن زايد دور المرشد. فهو يكبر نظيره السعودي بعشرين عاماً والى حد ما هو الذي جعله يدخل معترك السياسة. فبفضل اتصالات بن زايد أثبت بن سلمان وجوده على الساحة الدولية. ولقد التفت محمد بن زايد الى هذا الشاب الذي يتفق معه بالرأي، والذي لديه المشروع نفسه تقريباً، المستند الى نفس الرؤيا السياسية للعالم. ورأى في ذلك فرصة ذهبية بأن تعقد الإمارات حلفاً متيناً مع السعودية، التي لم تكن العلاقات معها دوماً على ما يرام. كما أدرك محمد بن زايد أن سياسته الخارجية نفسها محدودة النطاق. فكان لا بد له، من منطلق الإمارات، أي ذاك البلد الصغير، الحامل لطموحات سياسية واقتصادية بمستوى طموحات أبو ظبي ودبي، من انتهاز الفرصة المتمثّلة بالتحالف مع بلد أكثر جسامة. ومن وجهة نظر الإماراتيين، فلقد تشكلت العلاقة في إطار من الوعي بالمصالح. وهكذا حذت الإمارات حذو السعودية في اليمن: كانت تلك لحظة تاريخية في التأسيس لهذه العلاقة الجديدة، والاستثمار في المستقبل بإشهار الوفاء للسعودية.

ولقد راهن محمد بن زايد على فتح الأبواب في الأوساط الغربية، الأوروبية منها وخاصة الأميركية، أمام الأمير السعودي الشاب الساعي لاعتراف دولي بشرعيته. حيث كان ينازعه في المملكة عام 2015 غريم لا يستهان به في شخص محمد بن نايف وزير الداخلية وولي العهد آنذاك، رجل محاربة الإرهاب ، الذي كان يحظى بالاعتبار في أعين الغربيين، ولا سيما واشنطن التي كانت تُفضله على محمد بن سلمان.

ومحمد بن زايد هو الذي جهد لبناء علاقة محمد بن سلمان مع دونالد ترامب، فلقد كانت تربطه بهذا الأخير أصلاً وشائج وثيقة قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية وكان من كبار مناصريه. ولقد نسق بن زايد بشكل وثيق مع إريك برينس، المدير السابق لشركة المرتزقة بلاك ووتر والذي هو أحد مستشاريه، والذي تشغل أخته منصب وزيرة التربية في حكومة دونالد ترامب. ولقد لعبت هذه الروابط كلها دوراً مركزياً في بناء التحالف بين محمد بن سلمان ودونالد ترامب. و أدركت الإمارات أهمية التحالف مع السعوديين في استراتيجيتها. وبرأيي فالإمارات راغبة باستمرار هذه العلاقة .

ف.غ: هذا التحرك وهذه السياسة التي تتبعها الإمارات، هل تساهم في استقرار المنطقة أم هي عامل زعزعة؟

ًس.ل: في نظر الإماراتيين ما من استقرار إن لم يكن سلطويا فالنموذج الذي يؤمنون به هو مضاد للربيع العربي، يحكمه قادة ديكتاتوريون، رجال أقوياء أمثال عبد الفتاح السيسي، الذي يساندوه بالجهد الجهيد. كما أن هذا النموذج ينطوي على الليبرالية الاقتصادية وحرية السوق لتسهيل التجارة كما يشمل الانفتاح على اسرائيل. فما من مشكلة برأيهم في إدخال تل أبيب في هذه الديناميكية بما أن التطبيع مع إسرائيل سوف يُتَرجَم الى فوائد اقتصادية يأملون بتحقيقها.

إلا أن الملحوظ أن بلوغ مثل هذه النتيجة المرجوة ينطوي على خوض الحروب بوتيرة مكثفة. فالإماراتيون يشاركون في الحرب في ليبيا وفي اليمن. ويساهمون في مساندة أنظمة سياسية ترتكب انتهاكات حقوقية فادحة كما هو حاصل في مصر حيث تمت في نهار واحد فقط في آب 2013 بعد انقلاب السيسي تصفية ألف شخص من أنصار مورسي على أيدي الشرطة المصرية.

وعلاوة على ذلك فإن هذا النموذج الإماراتي يفترض سلفاً أن إحلال وضع من الاستبدادية المصحوبة بالليبرالية الاقتصادية أمر قابل للاستمرارية. قد يكون الأمر كذلك على صعيد الإمارات وهي البلد الصغير الذي يتّبع نموذج سنغافورة الى حد ما، وهو ينادي بذلك باستمرار.

ولكنني لا أتصور أن هذا الوضع يمكن أن ينسحب على المنطقة بأسرها ، سيما أنها معقدة ومتشرذمة كما أنها تضم بلدان كبرى مثل مصر أو حتى السعودية نفسها. وما يسعى إليه بالضبط محمد بن سلمان هو استيراد النموذج الإماراتي النيو ليبرالي وتطبيقه على السعودية.

ولكن إن كان هناك عبرة واحدة لا بد من استنتاجها من الربيع العربي فهي أن فرض مثل هذا النموذج قد يؤدي على المدى البعيد الى مزيد من زعزعة الاستقرار بدلاً من الاستقرار.

ف.غ: وماذا عن إيران، من وجهة نظر أبو ظبي؟

س.ل: يساهم الإماراتيون في الحملة التي يقوم بها السعوديون ضد إيران، وهي حملة تزداد حدة اليوم. والسعوديون يريدون جر شركائهم الأمريكان والإسرائيليين الى النزاع مع إيران. وليست الإمارات مقتنعة بذلك، فإيران، برأيي، كما أسلفت، ليست في صدر أولويات الإمارات. إلا أن تحالفهم مع السعوديين، والذي يدر عليهم منافع أخرى، يجعلهم طرفاً في هذه العملية.

وهذا العامل الأخير يساهم أيضاً في زعزعة الاستقرار في المنطقة.

#

ترجمت المقال من الفرنسية ندى يافي