صبيحة التاسع من فبرايرأعلن المتحدث العسكري بدء خطة المجابهة الشاملة (سيناء 2018)، التي تستهدف تحديدا مناطق شمال ووسط سيناء، بالإضافة إلى مناطق أخرى في الدولة المصرية، وبعد يومين من بدء العملية أصدر المتحدث العسكري أول إحصائية لها في بيانه الرابع عنها، لتكشف البيانات المتلاحقة عن عمليات جوية، وقصف مدفعي، ومصادرة وتدمير معدات، وتدمير أوكار ومزارع مخدرات، فضلا عن عمليات اعتقال وقتل أثناء المواجهات.
تدور المواجهات المسلحة بين الطرفين في ظل معاناة كاملة للأهالي، الذين أصبحوا في ذيل حسابات أطراف الصراع، وأصبحت المدن الأقرب لقطاع غزة بمثابة جحيم لقاطنيها (رفح والشيخ زُوَيّد)، تليها باقي المدن الساحلية في المحافظة (العريش وبئر العبد)، وتعتبر مدن وسط سيناء (الحسنة ونخل) أهدأ حالا بشكل ملحوظ.
وعن الوضع في المدن الساحلية الأربع يقول منصور (اسم مستعار) بأنه يمثل أزمة كبيرة.
"بسبب الحصار الكامل على هذه المدن ومنع دخول المواد الغذائية إليها منذ 9 فبراير الماضي، إلا إن الوضع في مدينة بئر العبد أفضل نسبيا من المدن الثلاث الأخرى، لأن المدينة بها مزارع للخضروات وتتوافر بها اللحوم والدواجن، فالموجود بها ذاتيّا يُمكّن السكان من التعامل مع الأزمة، لكن الأزمة التي تواجههم بشكل أكبر هي عدم توفّر الوقود منذ بدء الحصار".
ويضيف (منصور) -المقيم بشمال سيناء- بأن
“توابع العملية تظهر بوضوح بدءا من العريش التي تجري بها المعارك، ويفسّر ذلك بأن عملية مسجد الروضة كانت مؤشرا على أن التنظيم تجاوز العريش وسيدخل بئر العبد، كما أن تنظيم ولاية سيناء قام بعمل كمائن داخل المدينة في عامي 2017 - 2018 لكنها كانت معدودة، وترافق مع العملية منع الطعام والمواد الأساسية بما فيها ألبان الأطفال، وارتفعت الأسعار بصورة كبيرة جدا بالنسبة للمواد الغذائية الموجودة -بقِلّة أصلا- من الزراعات المحلية، وما يتم إدخاله للمحافظة تم توزيع بعضه على عدد من التجار وباعوها بأسعار مرتفعة”.
أما عن الوضع في رفح والشيخ زويد فيذكر أنهم
“في حصار منذ منتصف عام 2016 تقريبا، وما كان يدخل لهم من غذاء -حتى بدء العملية- كان يأتي من العريش، وهي تعاني الآن من ندرة المواد الغذائية وتدخلها المؤن على فترات وبكميات محدودة، فضلا عن إغلاق الطرق المؤدية إلى المدينيتن، وتم فصل جنوب المدينيتن عن شمالهما ولا يدخلهما أي شيء منذ سنتين، لأنهما معاقل للتنظيم وكان يقيم بهما أكمنة ثابتة فيما بين العامين 2015 - 2016، وبعد تشديد الهجمات الأمنية أصبح جنوب المدينيتن أماكن نشاط لا أماكن سيطرة، ومن هنا كان التعامل فيهما بهذه الصورة”، ويطالب (منصور) في المقابل “بإدخال المواد الغذائية بشكل كاف للمحافظة، ومراقبة صرفها عبر أي آلية حكومية مناسبة ترفع المعاناة عن المتضررين”.
ويُلاحظ أن تنظيم ولاية سيناء يتعامل بحرص مع العملية العسكرية الجارية في سيناء، ويؤكد (منصور) أن ملاحظة سلوك التنظيم تقول بأنه
“يدخل في كمون أثناء الاستنفار الأمني، لكن توجد اشتباكات جنوبي مدينتي رفح والشيخ زويّد، إلا أن ما يجري فيهما لا يمكن وصفه بدقة بسبب صعوبة الحصول على مصادر من الطرفين، لكن ما تم لمسه بالفعل وجود عملية في الكتيبة 101”
والكتيبة هي مقر قيادة القوات المنتشرة في رفح والشيخ زويد والعريش وتخرج منها الحملات المكبرة، كما تجري بها التحقيقات الأمنية الأولية لمن يتم اعتقاله، ومقار التحقيق بها سيئة السمعة، ويستدرك (منصور) “بأن تفاصيل العملية غير معروفة، كما أن الجيش مؤخرا أصبح ينقل الجرحى عبر آلياته العسكرية حتى لا يبدو وجود إصابات إذا تم نقلهم بالإسعاف”، ولم يصدر تعليق رسمي مصري حول العملية، ونقلت بعض وسائل الإعلام عن مصادر أمنية لم تسمّهم أن القوات المصرية أحبطت الهجوم.
المدينة | عدد السكان |
رفح | 81 617 |
الشيخ زويد | 60 038 |
العريش | 179 981 |
بير العبد | 91 876 |
الحسنة | 29 759 |
نخل | 12 241 |
الإجمالي | 455 512 |
يقول (منصور)
“إن الناس في سيناء لا يمانعون الإجراءات الاستثنائية، بشرط تحسين الوضع بعد ذلك، لكنهم لديهم هاجس من تكرار ما جرى في الشيخ زويد ورفح من تهجير، وبعضهم يعيش الآن في العريش، فأبناء البيئة الصحراوية لا يسهل عليهم الانتقال للمدن” وكان مجلس الوزراء في عهد السيسي قد أصدر قرارا أواخر 2014 بإخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة من السكان، ويضيف (منصور) بأن “هناك من تم قصف بيته ولم يصرف له تعويض، ولم يتم دفع تعويضات عن المزارع والأراضي الفضاء والمحلات التجارية، وكانت التعويضات تُدفع على المنازل فقط، وفي أول مرحلتين وبعدهما لم يتم دفع أية مبالغ، والذين قُصفت بيوتهم حوالي 40000 مواطن دون مأوى ولا يسأل عنهم أحد إلا على فترات وبمبالغ زهيدة بعد تدمير منازلهم ومصادر دخلهم”.
يفسّر البعض هذا الحصار بأنه لمنع وصول الإمدادات لمقاتلي تنظيم ولاية سيناء، لكن هناك تساؤلات عديدة حول العملية، منها ما يتعلق بإمكانية تفادي إقحام الأبرياء في هذه المعاناة، ومنها ما يتعلق بقرار العملية الذي يسبق الانتخابات الرئاسية المصرية التي سيبدأ الاقتراع عليها في الخارج منتصف الشهر الجاري، فما الدافع في اختيار عملية بهذا الحجم في هذا التوقيت؟
حملة دعائية؟
يقول د. أحمد سالم الخبير في شؤون سيناء
“هدف هذه العملية دعائي في المقام الأول، فنحن شهدنا مجموعة عمليات في سيناء (نسر1، ونسر2، وحق الشهيد 1، 2، 3، 4) وكانت تصاحبها تصريحات بأن هدفها القضاء على الإرهاب، وضبط الوضع الأمني في سيناء، ولكنها تنتهي دون إحراز نتيجة ملحوظة، وفي المقابل لا يتم تقديم كشف حساب عما جرى، ولا محاسبة من فشل في إدارة العمليات، فالرئيس المنتهية ولايته أراد التغطية بهذه العملية على مشهد الانتخابات الهزلي الذي اعتقل فيه كل خصومه بمن فيهم رئيس أركان الجيش الأسبق، ليبدأ فترته الثانية بنفس الحالة التي بدأ بها ولايته الأولى”
ويضيف سالم أن البعد الآخر لهذه الحملة هو أن “النظام لاقى انتقادات عديدة من حلفائه، بسبب إخفاقه في القضاء على العنف في سيناء، مما دعاه للتحرك”. ويصف سالم ما يجري بسيناء
“بجرائم الحرب، إذ هناك حصار للسكان فلا يدخل أحد من خارج المحافظة إليها، وفي المقابل لا يخرج منها أحد إلا في أضيق الحدود، فضلا عن الحصار الغذائي، وعدم توفّر السلع الأساسية بما فيها الألبان، ووصل الحال بالبعض في مدينتي رفح والشيخ زويد لأكل الأعشاب البريّة” وكان المتحدث العسكري قد أعلن عن إرسال مساعدات غذائية إلى المحافظة، لكنها -وفقا لسالم- “غير كافية، بل إن أغلب القوافل كانت من رجال أعمال من سيناء، وكأن رسالة الجيش هي أننا نفضنا أيدينا من الالتزامات بسيناء”.
التخوف الموجود لدى أهل العريش “تكرار ما جرى برفح والشيخ زويد من تهجير، حيث كان يتم منع المساعدات الغذائية وبعد أسابيع من الحصار يتم فتح الطرق ليخرج السكان هربا بحياتهم دون تعويضات، ومن صدر قرار رسمي بإخلاء منازلهم على الشريط الحدودي، تم دفع التعويضات لهم في أول مرحلتين وبدءا من الثالثة حتى السادسة لم يتم دفع أية تعويضات” على حسب قوله.
وكانت السلطات المصرية قد حددت 500 مترا في العمق لكل مرحلة وأعلنت عنأربع مراحلحتى الآن، في حين حدث تضارب حول إحدى المراحل مما قد يستدعي التساؤل حول المساحة الحقيقية التي تم إخلاؤها وعدد المراحل التي نُفّذت، في ظل انعدام الشفافية في تغطية الوضع بسيناء، فقد أعلن رئيس هيئة المساحة المصرية في يناير 2016 عن انتهاء تنفيذ المرحلة الثالثة وانتظار التكليف ببدء المرحلة الرابعة، وأضاف أن الشريط الحدودي سيكون بطول القطاع 15 كم وبعمق 5 كم، لكن محافظ شمال سيناء أعلن عن انتهاء تنفيذ نفس المرحلة في أكتوبر 2017 بفارق 22 شهرا عن الإعلان الأول، وفي سياق آخر أعلن المتحدث العسكري عن دفع الدولة للمتضررين مبلغ 900 مليون جنيه.1
وجرت محاولةلاغتيال وزيري الدفاع والداخلية المصريين في مطار العريش، ليعلن السيسي -أثناء مؤتمر حكاية وطن الذي ترشّح في ختامه رسميا للرئاسة- عن إقامة حرم آمن حول مطار العريش بمحيط 5 كم، من المدينة التي تبلغ مساحتها 48 كم، وسبق للسيسي أن ذكرفي فبراير 2017 رفضه لخطة عُرضت عليه بإخلاء مدينة العريش أثناء حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، واصفا -حينها- التعامل بأنه مثل الجرّاح الذي يزيل الخطر دون إيذاء باقي المواطنين، لكنه عاد واختار إخلاء نصف المدينة تقريبا عقب تلك الحادثة.
ويشير سالم إلى “وجود فجوة بين أعداد القتلى الذين يعلن عنهم الجيش المصري منذ خمس سنوات تقريبا، وبين أعداد مقاتلي داعش، فأعداد القتلى تتراوح بين أربعة إلى خمسة آلاف قتيل، في حين أن تقديرات مقاتلي داعش تتحدث عن المئات أو الألف مقاتل على أقصى تقدير، فهذه الفجوة تشير إلى سقوط آلاف المدنيين دون حساب”، وكان مدير المخابرات الحربية قد ذكر أن عملية حق الشهيد قضت على 500 عنصر تابع لتنظيم أنصار بين المقدس (ولاية سيناء).
دعم شعبي وديني
وتجدر الإشارة إلى أن العملية رافقها دعم من أغلب الأحزاب المصرية، وأيضا المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية، والعديد من المؤسسات النقابية والأهلية المصرية، كما عممت وزارة التربية والتعليم إذاعة نشيد الصاعقة المصرية“قالوا إيه” أثناء طابور الصباح ووقت الراحة، ونشر المتحدث العسكري على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مقطعايُظهر جنودا ممن تنتهي خدمتهم الإلزامية مطلع مارس الماضي، وهم يؤكدون على رفضهم ترك الخدمة أثناء العملية العسكرية، واستمرارهم في صفوف الجيش أثناء العملية.
وطلب رئيس أركان الجيش المصري من السيسي تمديد مدة العملية أثناء زيارته لمقر قيادة قوات شرق قناة السويس بزيه العسكري، وهو ما يبدو أنه لاقى قبولا إذ كان يفترض انتهاء مدة الثلاثة أشهر التي منحها السيسي له ولوزارة الداخلية بنهاية فبراير الماضي، وأعلنت إسرائيل مطلع مارس الجاري مصادقتها لزيادة أعداد الجنود المصريين لتبلغ 88 كتيبة بقوة 42000 جندي، مقارنة بـ 41 كتيبة بقوة 25000 ألف جندي العام الماضي، فيما يبدو أنه دعم للعملية العسكرية بشمال سيناء، فيما لم تصدر تصريحات رسمية إسرائيلية حول العملية.
حصيلة المواجهات
وتثور اعتراضات أيضا حول العملية العسكرية بسيناء في مقابل الدعم الحكومي والأهلي، كما تثور مخاوف من استخدام الجيش لأسلحة محظورة، وأكّدت منظمة العفو الدولية استخدام مصر لقنابل عنقودية، ظهرت في فيديو للمتحدث العسكري، وتثار مخاوف كذلك من عمليات القتل هناك دون محاسبة، وكانت قناة مكملين المعارضة للسيسي قد أذاعت فيديو لعمليات قتل من قِبَل أفراد يرتدون زي الجيش المصري، ثم يقومون بوضع السلاح بجوار القتيل لتصوير أنه تم قتله أثناء المواجهات -بحسب القناة-، ونُشرت صور منها على صفحة المتحدث العسكري باعتبار القتلى “إرهابيين”، كما احتجت عائلات سيناوية على بيان للداخلية مطلع العام الماضي أعلنت فيه مقتل عشرة أشخاص في اشتباكات، وتم توثيق ست حالات من بينهم تم اعتقالهم قبل تصفيتهم.
ويلاحظ من بيانات الجيش المصري في عمليته الجارية أنه يعتمد بشكل أساسي على المقاتلات الجوية في عملياته، إذ لا يخلو بيان من ذكر حصيلة الأهداف المدمَّرة بها، وبلغت 209 أهداف، كما لا تخلو البيانات من إحصائيات القتلى والمعتقلين وتدمير الملاجئ والأوكار وتفكيك العبوات الناسفة، ودمّر الجيش 598 هدفا عبر القصف المدفعي فقط، كما يلاحظ أن الأسلحة النارية التي أُعلن عن مصادرتها قليلة جدا مقارنة بأعداد القتلى، إذ تم إحصاء 24 سلاحا فقط، وقُتل 121 شخصا، وتذكر بيانات المتحدث العسكري مصادرة أسلحة أخرى دون تحديد لعددها، ويمكن حصر الأرقام الصادرة في بيانات كل من القوات المسلحة وتنظيم ولاية سيناء على النحو التالي:
ويمكن رصد اختلافات بسيطة في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها المتحدث العسكري لعرض نتائج العملية، مقارنة بالبيانات شبه الدورية التي بلغت 15 بيانا والموجودة نتائجها بالصورة السابقة، ومنها أن إجمالي الوفيات حتى 11 مارس بلغت 14 ضابط وفردا،2 في حين ذكر المتحدث في مؤتمر 8 مارس أنهم بلغوا 16 حالة وفاة، ولم يتم ذكر إحصاء الفارق في أي بيان مفصّل، وفي المجمل لا تختلف البيانات التفصيلية عن المؤتمرات التي تعرض النتائج العامة، وفي كل الأحوال لا يمكن التأكد من مصدر مستقل حول طبيعة الأرقام الواردة ببيانات كل من الجيش وتنظيم ولاية سيناء.
محصّلة ما يجري بسيناء أو “أرض الفيروز” كما يحب المصريون تسميتها، أن هناك عنفا متزايدا خاصة مع تفاقم الإجراءات الاستثنائية بها، وفي المقابل هناك هجمات أمنية متزايدة وعمليات قتل عشوائية، فضلا عن تهميش دائم في الوظائف الحكومية لأهالي سيناء منذ عقود، ولا يزال أهالي أرض الفيروز ينتظرون نهاية لمعاناتهم.