التدخل الشيشاني المُدهِش في سوريا

وساطة، إعادة إعمار، مساعدات إنسانية: هي أوجه من نشاط حثيث لشيشان رمضان قاديروف في سوريا وطريقة يخدم بها الرئيس الشيشاني الكرملين، مع أداء لعبة خاصة به على خلفية التموقع كمدافع عن الإسلام في جمهورية شمال القوقاز حيث طالما أخذ الكفاح ضد المستعمر الروسي شكل التجنيد الديني خلال قرنين.

.الكرملين، أبريل 2017، لقاء بين فلاديمير بوتين ورمضان قاديروف
kremlin.ru

كما كان الحال خلال النزاع في شرق أوكرانيا الذي اندلع عام 2014، جعل رمضان قاديروف، قائد الشيشان، الجمهورية القوقازية “الروسية”، وسائله في خدمة الكرملين منذ أن قررت موسكو التدخل في الشرق الأوسط. حدث ذلك في سوريا أولا وأيضا في ليبيا وإن كان بمستوى أقل حتى الآن. ويلاحظ الخبير في شؤون شمال القوقاز، أحمد يارليكابوف،: “من جهة يشكل الحماس الذي يبديه السيد قاديروف شهادة عن حاجته، السياسية بامتياز، لكي يبدو مفيدا للكرملين. ومن جهة أخرى هناك حرص على التكتم على الموضوع في موسكو، سواء من جانب الكرملين أو وزارة الدفاع . ويعود ذلك في رأيي إلى كون رئيس الشيشان أصبح في نظر بعضهم ذا قوة مبالغ فيها وأن له لعبته الخاصة”.

“صديق المسلمين”

سبق في 2008 خلال الحرب الروسية - الجورجية أن عرض قاديروف خدماته على فلاديمير بوتين لإرسال “القاديروفسكي” (قوات الأمن)“كـ” قوى للسلام" إلى جورجيا على الرغم من السمعة الرهيبة التي اكتسبوها خلال حرب الشيشان الثانية (ابتداء من 1999) حيث مارسوا التعذيب والتنكيل والاختطاف.

لم يرد الكرملين على عرض الخدمة هذا ولكنه كان قد سبق وأن لجأ بنفسه إلى الشيشان من أجل إرسال كتائب زاباد وفوستوك إلى جنوب القوقاز، في 7 آب/أغسطس 2008، لسحق جورجيا الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية. وسبق أن أظهر الفصل الجورجي كم هي موسكو في حاجة في بعض الأحيان إلى الأعوان الشيشانيين وكيف لقاديروف، وهو يدير لعبته الخاصة، المصلحة في أن يظهر كشريك جيد لوليه.

يشرح غريغوري لوكيانوف، المختص في الشرق الأوسط، من مدرسة الاقتصاد العليا بموسكو: "أراد رمضان قاديروف استغلال الوضع في الشرق الأوسط على الفور، وذلك بمجرد بدء التدخل الروسي العسكري في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2015. فعل ذلك أولا حتى يبدو بمظهر المسلم “الجيد” مقابل من يسميهم ب“المسلمين السيئين”: أي الإسلامويين وكل أولئك الذين يعارضون نظامه وما يسمونه بالاستعمار الروسي. ولكن في نفس الوقت، وهذا أمر أساسي، يساعد قاديروف الكرملين على الظهور كصديق للمسلمين. ولهذا السبب مثلا أثار القائد الشيشاني ضجة كبيرة في سبتمبر/أيلول الماضي حول المجزرة التي يتعرض لها الروهينغا مسلمو ميانمار".

يلعب قاديروف الكثير في هذه القضية. فبالفعل خلال “حرب الشيشان الأولى” (1994 ـ 1996) شارك والده، أحمد قاديروف، مفتي جمهورية شمال القوقاز، في الجهاد ضد الروس حيث طالب من كل شيشاني أن يقتل منهم قدر ما استطاع. ولكن مع بداية “الحرب الثانية”، التي أعاد إطلاقها فلاديمير بوتين سنة 1999، انتقل إلى الصف الموالي لروسيا وقد برر ذلك آنذاك بأن تنامي “الوهابيين” فرض عليه هذا الاختيار. وقد ساعده ابنه رمضان في استعادة السيطرة على الجمهورية حيث تكفل بالأعمال القذرة.

وبعد مقتل والده إثر عملية اغتيال في 2004 ، أصبح رمضان رئيسا للجمهورية بإرادة فلاديمير بوتين؛ وتأسست علاقة (سياسية) جد شخصية بين الرجلين. وجعل هذا التحول من آل قاديروف خونة في نظر الكثير من الشيشانيين، وهو شعب مسلم سني بتعداد مليون نسمة، فقد بين 10 و20 % من أبنائه خلال حربي الاستقلال اللتين نشبتا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

وقد كان الوازع الديني عامل تجنيد كما هو الحال دوما منذ الغزو الروسي للقوقاز من قرنين مضيا، وهذه المرة بموارد الإسلام المستورد من شبه الجزيرة العربية. ويعمل قاديروف لتقويض أسس تمرد شعبه عبر سياسة تمزج بين “إسلام متشدد مستوحى من بلدان الخليج (...) والإسلام الشيشاني التقليدي”، وذلك على خلفية “خطاب معاد للاستعمار” تم تحويله إلى “إيديولوجية وطنية موالية لروسيا تجعل من الشيشانيين مهللين لنجاحات بوتين” كما تلخص ذلك مارلين لاروال.1

أسباب تدخل الشيشان في سوريا

تم الحديث عن تورط الشيشان في سوريا بعد سقوط حلب في ديسمبر 2016، إثر انتصار بشار الأسد على المعارضة المسلحة نتيجة تدخل الطيران الروسي والقوات البرية الإيرانية أو المدعومة من طرف طهران.

كان ذلك أولا عبر دوريات “للشرطة” في حلب المستعادة. كما أوكلت لها مهام مماثلة في مناطق “خفض التصعيد” عبر فرق مشكلة مع مواطنين آخرين من شمال القوقاز من الانغوشيين والقبرديين والداغستانيين. وكان ذلك في وقت التحق فيه الآلاف من مواطنيهم بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية أو القاعدة بسوريا والعراق بعد 2011.

يقول خبير روسي آثر عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع: “من المهم بالنسبة لرمضان قاديروف ليس فقط إسداء خدمة للكرملين وتظاهره بأنه يساهم في السلام عبر مقاتلة”المسلمين السيئين“والإرهابيين، بل كون ذلك أيضا يسمح له بتدريب قواته المسلحة. لهذا يقول لي أشخاص من مقربيه بأن قاديروف يحرص على أن يكون هناك تناوب مستمر للعسكريين في عين المكان. لماذا؟ لأنه يفكر فيما بعد بوتين. ولأنه غير متأكد من أنه سيحظى بنفس الدعم من طرف الكرملين، بل وحتى أن الأمور قد تتجه نحو الأسوأ”.

لقد تمكن قاديروف حتى من إقناع موسكو بإنشاء مركز تدريبي للقوات الخاصة حسب عدة وسائل إعلام روسية. وقد أقيم هذا المركز “بغوديرميس”، بالقرب من مقر إقامة رئيس الشيشان، على مساحة 500 هكتار وفرها مركز التدريب الرياضي المتعدد الوظائف، “ماستر”، المرتبط بمؤسسة أحمد قاديروف. وحسب دانيل مارتينوف، أحد مساعدي رمضان قاديروف، كل المدربين هم من قدماء وحدات النخبة الروسية (آلفا، فيمبل، ومن المديرية العامة للاستعلامات). وقد تم إرسال الكتيبة الأولى التي كونت في هذا المركز إلى سوريا في ديسمبر 2016.

اتسع التدخل الشيشاني بعد ذلك. وهناك حديث عن المساهمة في إعادة بناء البلاد بعد الحرب. في الواقع تم الإعلان على الخصوص بأن الشيشان سيقومون بإعادة بناء مساجد حلب وحمص. هل ذلك مجرد إعلان إشهاري؟ ستأتي الأيام بالخبر اليقين. ولكن ذلك يعبر في المقام الأول عن الأمور التي يريد بها رمضان قاديروف إبراز دعمه للشعب السوري.

ويلاحظ أحمد يارليكابوف بأن “إعادة بناء المساجد هو”ركن“ترك لقاديروف حيث يقوم الكرملين بإبرازه ضمن سياسة إغراء تجاه المسلمين. ويشكل ذلك في الواقع استمرارا للسياسة التي تتبعها فدرالية روسيا نفسها، حيث يقوم الشيشان ببناء المساجد في مناطق تواجد المسلمين. ولهذا تأثيره، حيث أبرزت دراسات كيف تحسنت صورة رمضان قاديروف وجمهوريته لدى مسلمي روسيا”.

وتتكفل مؤسسة أحمد قاديروف القوية بهذه البناءات، وهي التي يتم تمويلها عبر ضريبة غير رسمية يُجمع من خلالها بين 10 و30 % من أجور الشيشانيين و50% من أرباح الشركات التي تنشط في تلك الجمهورية الصغيرة.

وهي نفس المؤسسة التي تتكفل بتوزيع المساعدة الإنسانية في سوريا منذ شهر يناير/تشرين الثاني الماضي. ويكرر رمضان قاديروف في الشبكات الاجتماعية - و يقوم تلفزيون جمهورية الشيشان بإعادة بث ذلك- بأن المساعدة التي تقدمها غروزني للإخوة السوريين أكبر بكثير من تلك التي تقدمها المنظمات الدولية.

وفي رسالة تم نشرها في 28 مارس/ آذار على أرضية مايليستوري يؤكد الزعيم الشيشاني على سبيل المثال بأن مؤسسته “تقوم بعمل إنساني غير مسبوق” في سوريا حيث توفر “مع القوات الروسية مواد غذائية ومياه الشرب ل 700 لاجئ على خط الجبهة في الغوطة الشرقية”.

في الواقع الأمر جد متواضع مقارنة ب 7,6 مليون شخص تتكفل بهم الأمم المتحدة والعشرات من المنظمات الإنسانية الأخرى. ويؤكد كل من موقع “بوليغراف آنفو” "للتدقيق في المعلومات، و"صوت أمريكا "وراديو "فري أوروبا/ راديو ليبرتي، بأن المساعدة الشيشانية لا توزع إلا على المسلمين السوريين.

ويوضح زياد سبسبي، الموفد الخاص لقاديروف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،2 بأن “اللحظة الأهم (لمساعدتنا) ستكون الأعياد الإسلامية: شهر رمضان الكريم وعيد الأضحى”. وهكذا سيتم توزيع خمسمائة ألف طرد خلال رمضان وعشرة آلاف أضحية على خمسين ألف سوري في سبتمبر/أيلول القادم.

مهمات دبلوماسية

يقوم الشيشان أيضا بمهام دبلوماسية خفية في ليبيا. وهكذا توجه النائب من الدوما الفدرالية، آدم ديليمخانوف، عدة مرات إلى طرابلس خلال 2016 للتفاوض من أجل إطلاق سراح بحارة روس متهمين بالتجارة غير الشرعية بالنفط الليبي. غير أن الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك. يقول غريغوري لوكيانوف بأنه “ليس من السهل دائما جمع الأطراف المتعارضة الليبية في موسكو، لذا يتم هذا أحيانا في غروزني، ويعود ذلك إلى كون الشيشان كانوا قد أقاموا علاقات مع الشرق الأوسط منذ زمن بعيد، ومع شتات شمال القوقاز الذي برز في نهاية القرن التاسع عشر. ويتم”ترميم“هذه الروابط أحيانا عبر التجارة وعبر المبادلات الدينية أحيانا أخرى. كما علينا أن لا ننسى أن أحمد قاديروف قد درس في الأردن خاصة. ويعود السبب إلى أن الحربين الأخيرين في الشيشان كانت مناسبة لإنشاء شبكات”.

ويلعب زياد سبسبي دورا خاصا في هذه الوساطات. هذا السيناتور الروسي، الذي ولد سنة 1964 في حلب، عمل لمدة طويلة مستشارا ومساعدا لأحمد قاديروف. وهو رجل المهمات الخاصة: تنظيم عودة بعض الجهاديين من شمال القوقاز، إقامة الاتصال بين جماعات معارضة سورية والسلطات الروسية ( من أجل توقيف الأعمال العدائية على الأرض والبدء في الحوار السياسي)، تحصيل الإقامة في فدرالية روسيا لأعضاء من الشتات القوقازي وهي مسألة حساسة كون موسكو شديدة التردد في هذا الموضوع.

“القاديروفية” إيديولوجية ما بعد الحداثة؟

يظهر العديد من مراقبي شأن الجمهورية القوقازية الصغيرة انبهارهم بالقدرة التي تمكن من خلالها رمضان قاديروف من جعل نفسه مفيدا للكرملين، إن لم نقل ضروريا، مع الاحتفاظ لنفسه بالقدرة على لعب أوراقه الخاصة. يقول أحد هؤلاء الملاحظين بموسكو “قاديروف شخص عنيف، فظ، جاهل ولكن، ولدهشتي الكبيرة، علي أن أعترف بأنه نجح في شق طريقه وفرض نفسه في بيئة معادية. إننا نتكلم دائما عن علاقته الطيبة مع بوتين ولكننا ننسى بأن العديد من الناس في جهاز الأمن الفدرالي الروسي،3 ومديرية الاستعلامات الرئيسية، وفي الكرملين إلخ... يكرهونه”.

ووصل الأمر إلى حد أن بعضهم، مثل مارلين لاروال، يتساءلون إن كانت سياسة قاديروف تؤشر إلى "عدة تطورات جارية. أولا، هو يؤكد على أن مكافحة السلفية الجهادية ستفرض على العديد من البلدان الاسلامية أن تختار سلفية الدولة (...) فالتزمت الديني الموالي للأنظمة القائمة، ولكن المعادي للغرب والمحافظ في المجال الأخلاقي، يبدو موعودا بالنجاح. ثانيا: تجسد القاديروفية الطابع “ما بعد الحداثي” في الأيديولوجيات المعاصرة، بمعنى أنه يستطيع أن يجمع بين ما يبدو متعارضا، والنجاح في تمجيد القومية الشيشانية وقوة روسيا العظمى في نفس الوقت".4 لا يعتقد أحمد يارليكابوف بذلك أبدا: “الشيشان حالة فريدة من نوعها وهو بعيد جدا عن المنطق الشرق أوسطي”. ويتمثل التطور الآخر الناجم عن عمل قاديروف في سوريا وليبيا في بناء دعم خاص به وشبكات خارج روسيا، تحت غطاء تأكيد القوى الناعمة لروسيا تجاه العالم الإسلامي، وذلك في حال ما إذا ساءت الأمور مرة أخرى بين موسكو وجمهوريتها القوقازية النزقة.

1القاديروفية: تشدد إسلامي في خدمة نظام بوتين؟إيفري روسيا فيزيون رقم 99 مارس 2017.

2قاديروف يعلن بأن مؤسسته في الخط الأمامي مع القوات الروسية في سوريا. بوليغراف آنفو، 2 أبريل 2018

3المصلحة الفدرالية للأمن بروسيا، مخابرات روسيا المكلفة بالأمن الداخلي.