حضر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز رسوم افتتاح الاجتماع، ما يدل على أهمية هذا الحدث. كانت تلك فرصة مناسبة للتأكيد على أن بلده يقبل أخيراً فكرة مجموعة دول الساحل الخمس،1 بعد الكثير من المماطلة والتمنع، وأنه سينخرط فيها بشكل كامل انطلاقاً من ذلك الحين.
تردد موريتانيا حيال الانخراط في مجموعة دول الساحل الخمس له مبرراته، ولو أنها أيدت تشكيل المجموعة منذ البداية. فنواكشوط لم تكن يوماً مقتنعة تماماً بأن هذا المشروع العسكري جدير بالثقة. وبحسب بعض المصادر والشائعات في المنطقة، فقد مورس ضغط خارجي كبير على الرئيس الموريتاني لكي يتخلّى عن تردده هذا.
تركزت النقاشات خلال هذا الاجتماع بشكل رئيسي على جوانب أمنية واستراتيجية مختلفة. ولكن المحور المركزي كان مجموعة دول الساحل الخمس، وكيف لها ـ أو عليهاـ أن ترتبط بالآليات الأخرى: أيجب أن تكون مستقلة أو عليها أن تتعاون بشكل وثيق مع الآليات المختلفة الموجودة في المنطقة، مثل عملية نواكشوط وهندسة أفريقية للسلام والأمن. أثناء مناقشة هذه الناحية، ذكرت كلمتا “التعاون” و“التنسيق” عدداً لا يحصى من المرات، إلا أن النقاش لم يفض بالمتحدثين إلى التفاهم على مجموعات وآليات إقليمية.. للتنسيق.
صعوبة التنسيق بين منظّمات المنطقة
عملية نواكشوط، التي كانت بدورها في صلب نقاشات هذا الاجتماع، خطط لها ووضعها مجلس السلام والأمن للاتحاد الأفريقي عام 2013، من أجل مواجهات الأزمات الأمنية في المنطقة برمتها. ما يعني أن الهدف منها هو تعزيز التعاون الأمني والعملياتي لمنظمة هندسة أفريقية للسلام والأمن، التي تشمل إحدى عشر دولة من موريتانيا إلى خليج غينيا. وبالتالي فإنها لا تحدد المسائل الجيوستراتيجية في المنطقة الساحليةـ الصحراوية فحسب، وإنما تشدد أيضاً على ارتباط جميع الدول المعنية، من شمال إلى غرب أفريقيا.
وقد أكد مجلس السلام والأمن أنه لا يمكن فصل مسائل السلام والأمن في المنطقة عن منظمة هندسة أفريقية للسلام والأمن التي“تنتظم وفق هياكل وأهداف ومبادئ وقيم، بالإضافة إلى عمليات وليدة قرارات، لإدارة وحل الأزمات والنزاعات واتقاءها، ولإعادة الإعمار والتطوير في مرحلة ما بعد النزاع في [سائر] القارة [الأفريقية]”. وبهذا، فإن العلاقة بين الاتحاد الأفريقي (الذي يشكل تعزيز السلام والأمن والاستقرار في أفريقيا مهمته الأساسية) والمجتمعات الاقتصادية الإقليمية، والآليات الإقليمية للاتقاء وإدارة وحل النزاعات، هي مكون هام من مكونات هندسة أفريقية للسلام والأمن.
بالإضافة إلى عملية نواكشوط وهندسة أفريقية للسلام والأمن، توجد أدوات إقليمية أخرى لمحاربة الإرهاب وتجارة المخدرات وغيرها من النشاطات غير الشرعية في المنطقة. للتذكير، لقد وقعت كل من مالي والنيجر وموريتانيا على خطة تمنراست عام 2009، التي سمحت بتشكيل لجنة قيادة عمليات عسكرية مشتركة(سيموك)، وخلية استخباراتية مشتركة هي وحدة الدمج والربط. وهي أمثلة ممتازة عن التعاون الساحلي الصحراوي. صحيح أن “سيموك” لم تجد زاوية العمل الأنسب منذ تشكيلها، وأنها تحتاج إلى تحسين من عدة نواح، إلا أن وجودها بحد ذاته هو ميزة، ويجب أن تعزز وأن تنال الدعم. بعبارة أخرى، أفضلية السيموك الاستراتيجية تكمن في كونها تغطي الساحل وشمال أفريقيا، المنطقتين المرتبطتين بعرى وثيقة. لجنة العمليات المشتركة تعمل على تعزيز مهاراتها وأدائها وإمكانيات قيامها بعمليات2، كما أنها تعمل بالتوازي مع الخلية الاستخباراتية المشتركة. كما تذكر زينب كوتوكو، المنسقة العامة لهذه الخلية :“وحدة الربط والدمج تلتزم بالعمل مع جميع الجهات الفاعلة في مناطق شمال أفريقيا والساحل لاتقاء المخاطر الأمنية التي تهدد نسيجها الاجتماعي وأسسها الأيديولوجية.”
وختاماً، للاتحاد الأفريقي أداة إضافية، عن طريق مجلس السلام والأمن، وهي القدرة الأفريقية للاستجابة الفورية لأزمات الاتحاد الأفريقي (كاريك) وقد عينت بدورها للمساهمة في عمليات دعم السلام، منتدبةً من قبل مجلس السلام والأمن.
إذا أخذنا هذه الآليات الإقليمية المختلفة بعين الاعتبار، محاولين تجاهل عملية نواكشوط، نجد أن مسؤولي مجموعة الخمسة الساحلية وحلفاءهم يقسمون بحكم الواقع المنطقة الجغرافية والسياسية الممتدة من خليج غينيا إلى شمال أفريقيا إلى ثلاث مناطق مختلفة هي : المغرب والساحل وأفريقيا الغربية، متجاهلين بذلك الاتكال الكبير لكل من هذه المناطق على الأخرى سياسياً وجغرافياً وأمنياً. ما سينتهي بإضعاف التنسيق والتعاون بين الدول المكونة لعملية نواكشوط، إن لم نقل شلّهما تماماً، عدا عن أنه سيؤدي في الغالب إلى إفقاد الاتحاد الأفريقي لمصداقيته بشكل نهائي.
في أعقاب العمليات العسكرية الفرنسية
مع ذلك، من البديهي أن مجموعة دول الساحل الخمس لا يمكن أن تكون علاجاً لجميع الآلام التي تفتك بالمنطقة. كما أشارأنطوان تيسرون، الذي يعمل في مجموعة البحث والمعلومات حول السلام والأمن، من المهم التأكيد على أن“المنطق الأفقي لمجموعة الخمسة الساحلية، بشكلها الحالي، يتجاهل واقع ديناميكيات بين الشمال والجنوب وأخرى عابرة للمناطق، في الوقت تنتقل فيه عدوى الأزمات وفق ديناميكيات عمودية، سواء كان ذلك في الجنوب مثال بوكو حرام، او في الشمال مع المجموعات الإرهابية الموجودة في ليبيا”. إن الصحراء الكبرى، للتذكير، هي شريط التقاء وامتداد جغرافي طبوغرافي طبيعي بين الساحل والمغرب العربي. كما أنها منطقة شاسعة يعبرها البشر وحيواناتهم منذ قرون، دون أن يعرفوا شيئاً عن الحدود المرسومة فيها.
من الضروري إذاً إلا تصبح مجموعة الخمسة الساحلية أداة جديدة تحل محل أطر التوافق القائمة، بل أن تنضم إليها بانسجام بحيث تشكل حلقات مركزة من النقاش، وتكون عاملاً من عوامل التآزر لا مصدراً للتوتر، أو حتى إضعافاً للبنى الإقليمية المذكورة سابقاً. ومن باب المقارنة، تنتشر قوات عملية بارخان رسمياً في موريتانيا والنيجر وبوركينافاسو والتشاد، إلا أنها تتجاوز هذه الحدود وتصل بشكل غير رسمي إلى جنوب ليبيا وشمال نيجيريا. ما يؤكد أن التهديد الإرهابي الذي تواجهه جميع هذه الدول والمناطق عابر للحدود والمناطق. فيما عدا مجموعة الخمسة الساحلية، وعملية نواكشوط، هناك تساؤلات أخرى ملحّة تطرح حول الوضع الجيوستراتيجي للمنطقة الساحلية ـ الصحراوية. وقد وُفّرت بداية إجابة عن هذه التساؤلات خلال يومي المحادثات في موريتانيا.
أنجل لوسادا، المندوب الخاص عن الاتحاد الأوروبي من أجل الساحل، أجرى مداخلة عن الاستراتيجيات والمبادرات في الساحل والتحديات التي تواجه تطبيقها. وزلة لسان المندوب أثناء المداخلة تقول الكثير عن استراتيجيات التنفيذ في لساحل، وحتى عن طبيعة تشكيل مجموعة الخمسة الساحلية بحد ذاتها. حيث أنه نطق بالجملة التالية: “من أجل أن نشرح لكم ما نقوم.. اه.. ما تقومون بوضعه حيز التطبيق” حتى وإن كان المندوب قد دافع عن زلة لسانه هذه، يصعب ألا نرى في استخدامه ل“نحن” اعترافاً غير مقصود بالسياسة الأوروبية في مالي وفي الساحل بأسره.
للتذكير، مجموعة دول الساحل الخمس ليست إلا نتيجة واستمراراً لعملية سيرفال التي أطلقت في كانون الثاني/ يناير عام 2013، ومن بعدها عملية بارخان من آب/أغسطس، الهدف الأساسي من الأخيرة هو شلّ تقدم الإرهابيين نحو باماكو واستعادة أراضي شمال مالي التي وقعت في قبضة الإرهابيين نفسهم. تلك هي الراوية الرسمية، حيث أن الدوافع الجغرافية الاقتصادية والاستراتيجية لهذه العملية بقيت طي الكتمان. فالساحل موطن لمخزون نفطي كبير ومناجم يورانيوم وذهب (والعديد من الموارد الثمينة الأخرى، الضرورية لصناعة التقنيات الجديدة) موارد تطمع بها العديد من البلدان، ومنها الصين. والحضور العسكري في المنطقة يسمح أيضاً بالسيطرة على هذه الثروات الهائلة بشكل أفضل.
مع ذلك، للحضور العسكري الفرنسي كلفة لا يستهان بها، لا تستطيع فرنسا تحملها إلى أجل غير مسمى. ما يفسر تصريحات وزير الدفاع الفرنسي السابق، جان ـ إيف لودريان منذ عام 2013 حين قال:“إعادة التنظيم الذكية تعني خفض عدد كوادرنا [العسكرية] وزيادة حضورنا في نفس الوقت” ولتحقيق ذلك، تقوم الدولة الفرنسية بالإشراف على مجموعة الخمسة الساحلية بوساطة خلية تنسيق وربط ملحقة بمركز قيادة عملية باخارين، مع أن مركز قيادة العمليات لمجموعة الخمسة موجود في مالي.
دعم الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية
تعتمد فرنسا على دعم غير مشروط من قبل شركائها وحلفائها الأوروبيين، لإضفاء “شرعية” دولية على وجودها العسكري في الساحل. وبهذا، لم تزل سياسية وحضور الاتحاد الأوروبي في الساحل قائمة. يتعاون الاتحاد الأوروبي مع دول الساحل الخمسة على صعد عدة مثل الهجرة ومحاربة الإرهاب والتطوير على مدى طويل، إلا أنه حاضر عسكرياً أيضاً، من خلال مهام عملياتية مختلفة في إطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة. أوكاب ساحل نيجر، يدعم المؤسسات وقوى الأمن النيجيرية لتعزيز دولة القانون وإمكانيات نيجيريا لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. و أوكاب ساحل مالي يقدم خبرات في المجال الاستشاري الاستراتيجي ويوفر التدريب لقوى الأمن المختلفة في مالي وللوزارات المعنية. المهمة التدريبية في مالي أوتم، مسؤولة عن إعادة هيكلة قوى الجيش المالي، عن طريق تشكيل كتائب. لا شك في أن تحركات وطموحات مجموعة الخمسة الساحلية، المحدودة أساساً، تزداد محدودية وتبقى تحت السيطرة الخانقة نتيجة للممر الاستراتيجي الدبلوماسي الذي يصل باريس ببروكسل.
أما فيما يتعلق بالدول المشكلة لمجموعة الخمسة (موريتانيا ومالي وبوركينافاسو والنيجر والتشاد) فما يزال الغموض يلف دوافعهم الحقيقية، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار إخفاقهم إلى يومنا هذا في تنسيق عملياتهم الإقليمية. ما يدفع بالكثير من المراقبين إلى القول إن دافع تشكيل هذه القوة العسكرية هو مال القروض الأجنبية بدرجة أولى ـ الذي يختلس قسم منه بطبيعة الحال. لكونها لا تملك الإمكانيات ولا والوسائل ـ ولا حتى الرغبة الحقيقية على الأكثرـ من أجل محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة اللذين يكتسحان هذه البلاد، تسعى دول الساحل إلى الاستفادة من منطق فرنساـ أفريقيا القديم والمتآكل.
ومن هذه الناحية، تبقى مسألة التمويل اللازم لتشغيل مجموعة الخمسة الساحلية أمراً جوهرياً. ومما يثير القلق، هو أن ربع تعهدات المعونة مصدره المملكة العربية السعودية (100 مليون يورو من أصل 441 مليون) علماً أن السعودية لها دور إشكالي في نشر المذهب الوهابي المتشدد في قلب منطقة الساحل.
الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بمجموعة دول الساحل الخمس تكمن في هذين الجانبين الأخيرين، أي الدافع المادي لدول الساحل مدعوماً بالمخططات الأوروبية غير المصرح عنها. مع أن استقرار منطقة الساحل، ومع الزمن، استقرار القارة الأفريقية بأسرها، هي مسؤولية جميع الهياكل الإقليمية المتجاورة. بالإضافة إلى ذلك لا يمكن فضل مستقبل مجموعة الخمسة وفعاليته كتنظيم مناطقي عن ارتباطه بباقي الجهات الفاعلة الموجودة في الساحل أو في محيطه القريب. لقد كشف اجتماع نواكشوط وجود خطر حقيقي يهدد منطقة الساحل وكامل القارة الأفريقية، كما كشف محاولات لتسخير آليات أمنية إقليمية مثل هندسة أفريقية للسلام والأمن، لتكون في خدمة مجموعة الخمسة الساحلية، مع أن إجراء كهذا هو معاكس تماماً للمتوجب عمله.
1مجموعة دول الساحل الخمس هي الإطار المؤسساتي للتنسيق ومتابعة التعاون الإقليمي على صعيد سياسات التطوير والأمن، أنشئت المجموعة خلال قمة عقدت بين 15 و17 شباط/فبراير 2014، من قبل دول الساحل الخمس: موريتانيا، مالي، بوركينافاسو، النيجر والتشاد.
2رغم اتفاقهم، فضلت كل من مالي والنيجر وموريتانيا الحفاظ على تعاونهم العسكري مع باريس أو حتى واشنطن، على تطوير وتعزيز النشاطات الإقليمية المشتركة عن طريق السيموك.