روسيا في الشرق الأوسط: حضور واثق من نفسه

في الشرق الأوسط تتحرك روسيا بثقة متعاظمة بالنفس، مستغلة الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة الأمريكية. والكرملين عازم على تحدي واشنطن في بسط سيطرته

تظهر الصورة اجتماعًا رسميًا حيث يجلس رجل يرتدي بدلة ذات لون داكن. يبدو أنه مركز جداً، حيث ينظر إلى الطاولة أمامه. في الخلفية، يمكن رؤية أشخاص آخرين يرتدون الملابس التقليدية، مما يعطي انطباعًا عن حدث رسمي أو دبلوماسي يشارك فيه ممثلون من ثقافات مختلفة. يحيط بالاجتماع أجواء من الجدية والتركيز.
محادثات سعودية روسية في الكرملين في 5 أكتوبر تشرين الأول 2017
kremlin.ru

من ربوع الشرق الأوسط الى ربوع آسيا نرى روسيا تحتل الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية، تحدوها في ذلك ثقة متعاظمة بنفسها. ويأتي عزم الكرملين على تحدي الولايات المتحدة الأميركية ببسط سيطرتها على العالم بالرغم من فترة كسادٍ اقتصادي عميق داخل البلاد رمى بملايين الناس في الفقر.

من الأسباب الرئيسية التي دفعت روسيا الى التوجه للشرق الأوسط تبعات الربيع العربي التي قَلَبت الأوضاع رأساً على عقب في المنطقة بأسرها. فلقد أقنعت الرئيس بوتين أن روسيا كانت على خطأ في انسحابها من المواقع التي كانت قد ورثتها من الاتحاد السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط. ويسعى بوتين اليوم الى استعادة هيبة روسيا الدولية عبر استغلال الأخطاء الأميركية بشكل أساسي. وهو الأمر الذي وفر للكرملين فرصة بناء مناطق نفوذ جديدة.

هندسة الأوضاع

وكما عودنا على ذلك الكرملين فإن التكتيك الذي يتبعه يهدف الى الحصول على الاعتبار في الداخل والنفوذ في الخارج معاً. ولقد رفعت المناورات السياسية المحنكة من مكانة موسكو العالمية ومن دورها كوسيط دبلوماسي. ولقد ارتقت الدبلوماسية الروسية اليوم الى مستوى جديد حيث لم تعد تكتفي بسياسة ردود الفعل بل تسعى لهندسة الأوضاع بنفسها. ولقد بات من الصعب للغاية اتخاذ أي قرار في سوريا دون الرجوع الى روسيا أو رغماً عنها. وتبدو روسيا مستعدة للولوج بشكل أكبر في قضايا الشرق الأوسط وتسعى لتعزيز قبضتها على ناصية الأمور وتثبيت شرعيتها في البحر الأبيض المتوسط. ومن نجاحات الدبلوماسية الروسية إقامة علاقات طيبة مع كل دول المنطقة بمن فيها إسرائيل بالرغم من الخصومات فيما بينها. مما يدل على استعداد هذه الدول إقامة علاقات طيبة مع الكرملين بالرغم من علاقاته مع خصومها. فروسيا لديها علاقات جيدة مع الدول الحليفة تقليدياً مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة كالسعودية وبلدان أخرى في مجلس تعاون الخليج ومصر والأردن وتركيا. فلقد بدأت جميع هذه الدول تخشى التزاماً غير كامل من الولايات المتحدة الأميركية تجاهها. أما روسيا فتبدو اليوم هي الحامية للوضع القائم في الشرق الأوسط حيث يُنظر إليها على أنها أكثر تماسكاً ومصداقية في سياساتها الشرق أوسطية.

استعادة دور القوة الإقليمية

وترسل روسيا اليوم مؤشرات على أنها استعادت دورها كلاعب أساسي في المنطقة واستقرت فيها كقوة يحسب لها حساب. فلم تكتف موسكو بالعودة فقط بل لديها أهداف واضحة، وتصور للسبيل الذي يؤدي الى بلوغ هذه الأهداف والموارد الوطنية الضرورية لذلك. يريد الرئيس بوتين إعادة صياغة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وقلب الآية فيما يتعلق بالنظام الإقليمي الذي يضمن للولايات المتحدة الاستفادة دون عناء أو كلفة فائقة من التدفق اليسير لموارد الطاقة من المنطقة. ولقد أدركت الدول الخليجية الموالية لأمريكا والتي كانت أمريكا تعتمد عليها، أن عليها من الآن فصاعداً أن تأخذ في الحسبان مصالح روسيا وأهدافها. ولقد ضم السيد بوتين جهوده لجهود الإيرانيين المستائين كذلك من النظام الإقليمي الذي أرست أسسه الولايات المتحدة في المنطقة.

وتنظر مصر بوضوح الى روسيا كبديل محتمل للولايات المتحدة الأمريكية. فلقد أعطاها الأمريكان ما يكفي من الأسباب للبحث عن مساندة أخرى. كما دفعت الهموم المحلية باتجاه تعزيز الروابط مع موسكو. فبالنسبة للرئيس السيسي، من المفيد الظهور بمظهر من يتعاون مع موسكو لتعديل صورة التابع المنصاع لأمريكا.

ولقد أنقذت موسكو الرئيس بشار الأسد من الهزيمة ورجّحت ميزان القوى العسكري لصالحه. إلا أن سوريا تمثل اليوم في نظر موسكو وسيلةً لتحقيق مزيد من النفوذ الإقليمي أكثر منها غايةً بحد ذاتها. زد على ذلك أن أنه من غير المؤكد على الإطلاق أن يكون الروس مستعدين للتدخل في أماكن أخرى في الشرق الأوسط للدفاع عن أنظمة أخرى بنفس الدرجة التي تدخلوا فيها لصالح نظام الأسد. هذا ومن غير المتوقع أن تسحب روسيا كل جنودها من سوريا في المستقبل القريب ولن تتخلى بسهولة عن مساندتها لنظام الأسد.

وما من ضمانة أن الرئيس الروسي سيكون قادراً على الحفاظ على سياسته الخارجية الساعية الى التوازن مع أمريكا في المنطقة الى ما لا نهاية، مع أن سياسته قد أثارت آمالاً عريضة لدى بلدان المنطقة حول قدرة روسيا أو إرادتها التدخل لصالحها. ألا أن المسألة مجرد صراع نفوذ في منطقة الشرق الأوسط ورغبة في التحكم بقواعد اللعبة في هذه المنطقة.