البحرين والإمارات: الويل للمدافعين عن حقوق الإنسان

إن كانت قضية قتل جمال خاشقجي قد كشفت انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية فثمة انتهاكات أخرى لم تحظ بنفس الاهتمام في الإعلام. ومنها الأحكام القاسية في الإمارات العربية المتحدة والبحرين.

شعارات على الجدران في قرية بربر البحرينية
Mohamed CJ, 2012

لقد كانت سنة 2018 سنة قاتمة بالنسبة للمدافعين عن حرية الرأي في الخليج. فلقد ركزت عناوين الصحف الكبرى، وبحق، على عملية القتل الشنيعة التي وقع ضحيتها جمال خاشقجي على يد أتباع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتبعت ذلك أخبار سيئة أخرى في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، دون أن تتداولها وسائل الإعلام. فلقد فوجيء نبيل رجب وأحمد منصور وهما مدافعان رئيسيان عن حقوق الإنسان في البحرين والإمارات العربية المتحدة بتثبيت العقوبة طويلة المدى التي يقضيانها حالياً في السجن، بحكم قرارات نهائية اتخذتها محكمة الاستئناف، وذلك لمجرد انتقادهما للعنف الذي يتسم به النظام المتسلط في كلا البلدين.

ولقد كان أحمد منصور بكل معنى الكلمة آخر المناضلين الصامدين (“آخر المتكلمين” كما يحب أن يصف نفسه) في الإمارات العربية المتحدة عندما داهمته القوات الأمنية في منزله في مارس/آذار وحبسته في مكان مجهول لأكثر من سنة دون أن يستطيع استشارة محام. العدد القليل من المحامين الذين كانوا يدافعون عن المعارضين السياسيين باتوا أنفسهم في السجن أو في المنفى. وكان أحمد منصور قد خضع قبل ذلك لاعتداءات جسدية وتهديدات بالقتل وتجسس متطور للغاية بواسطة برامج كمبيوتر وذلك بسبب مناداته علناً بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

قمة غريبة حول التسامح

لقد لجأت الإمارات العربية المتحدة الى وكالات أميريكية وبريطانية متخصصة في العلاقات العامة، للترويج لصورتها كنظام سلطوي مستنير. ولقد رعت الإمارات القمة العالمية حول التسامح التي دامت يومين وجمعت مسؤولين حكوميين ودبلوماسيين وجامعيين “للاحتفاء بالتعايش بين الناس من مختلف الأوساط، بغض النظر عن آرائهم السياسية”. بالفعل، شريطة ألا تشير هذه الآراء الى انعدام التسامح والقسوة حيال الصوت السياسي المعارض حتى لو كان سلمياً. في مايو/أيار 2018 أصدرت محكمة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا حكماً بالسجن عشر سنوات على أحمد منصور بتهمة إهانة “مكانة الإمارات ومرتبتها وشعائرها” ونشر “معلومات خاطئة” على وسائل التواصل الاجتماعي، “تضر بالوحدة الوطنية والانسجام الاجتماعي وتلحق الضرر بسمعةالبلاد”. ولقد ردت المحكمة الاتحادية العليا في 30 ديسمبر على الاستئناف الأخير المقدم من قبل أحمد منصور بتثبيت عقوبته وتأكيد الحكم.

وفِي البحرين جاء القرار بحق نبيل رجب غداة تأكيد الحكم على منصور في 31 ديسمبر/كانون الأول، حين أيدت محكمة التمييز - وهي أعلى محكمة استئناف في البلاد - الحكم الصادر في شباط /فبراير 2018 عن المحكمة الكبرى الجنائية بالسجن خمس سنوات لأن نبيل انتقد مشاركة البحرين بالحملةالعسكرية التي شنتها السعودية على اليمن (بتهمة “إهانة بلد مجاور” والتنديد بالتعذيب في السجن الرئيسي (“إهانة هيئة قانونية”).

وكان قد تم توقيف نبيل رجب وهو مؤسس ومدير المركز البحريني لحقوق الإنسان في منتصف شهر يونيو / حزيران وقضى سنتين في السجن، في قضية مشابهة ولكنها منفصلة، بتهمة “نشر وبث أنباء خاطئة تمس هيبة الدولة”. هذه الأنباء “المهينة” التي تم الإعراب عنها في مقابلة تلفزيونية كانت تتضمن وقائع موثقة : كون الحكومة تمنع الصحفيين والباحثين في قضايا حقوق الإنسان من القدوم الى البحرين، وكونها تحشد الأجانب (“المرتزقة”) في قواتها الأمنية، كون هذه القوات تمارس التعذيب، وكون السلطة القضائية تفتقد الاستقلالية.

وكما لو كانت السلطة القضائية تود تأكيد هذه النقطة الأخيرة فلقد عمدت محكمة الاستئناف العليا ومحكمة التمييز الى تثبيت العقوبات في كلا القضيتين بالرغم من أن رجب كان يمارس بكل بساطة حقه في حرية التعبير، وهي حرية يزعم الدستور حمايتها.

إغلاق آخر صحيفة مستقلة

كان محامو رجب وأسرته يخشون وبحق أن تمثل جلسة 31 ديسمبر، في نهاية فترة سجنه الأولى تعبيراً عن عزم الحكومة إسكاته في زنزانة. ولقد أقفلت الحكومة، وشجعتها في ذلك المحاكم، في السنتين الأخيرتين الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد ألا وهي “الوسط” كما وحظرت مجموعتين سياسيتين هامتين في المعارضة هما “الوفاق” (إسلاموي شيعي) و“وعد” (علماني يساري). ويخشى البعض أن تشدد المحكمة العقوبة المتخذة بحق رجب. وهو الأمر الذي كان قد حصل بعد حكم البراءة الذي صدر على زعيم الوفاق الشيخ علي سلمان الذي وقع ضحية اتهامات باطلة بالتجسس لصالح قطر : فلقد استأنفت الدولة الحكم وقضت محكمة التمييز ببطلان حكم البراءة وحكمت على الشيخ بالسجن المؤبد في شهر نوفمبر.

يمكنك أن تجد في الصحافة الأميركية المعلومات والافتتاحيات التي تفضح اضطهاد المدافعين عن حقوق الانسان عندما يتعلق الأمر بالصين أو فنزويلا أو إيران أو سوريا ولكن نادراً ما تجد مثلها عندما يكون السجان دولة البحرين ولا تجدها إطلاقاً عندما يتعلق الأمر بالإمارات العربية المتحدة. أما الحكومات الغربية، سواءً في الولايات المتحدة الأميركية أم في فرنسا فهي تسرع في التنديد ب بكين أو كاراكاس، وتلتزم الحذر الشديد بل الصمت المطبق حيال انتهاكات حقوق الإنسان هذه في أبو ظبي والمنامة.

وبصراحة شديدة: أنا أعرف أحمد ونبيل وعملت مع كليهما بشكل وثيق عندما كنت أحد المسؤولين في منظمة هيومن رايتس ووتش ولم يزج بهما بعد في السجن. ومجرد الحديث عن نضالهما وعن الحكم عليهما بالسجن لا يكفي للتعبير عن حقيقة معاناتهما في الحبس الانفرادي في غالب الأحيان وتدهور صحتهما والصدمة العميقة التي حلت بهما، لا بل وبزوجة كل منهما وأطفالهما. ما نشهده اليوم في قضية أحمد منصور ونبيل رجب لا علاقة له بالقضاء ولا بسيادة القانون، بل هو سلوك عقابي بحت، تفرضه الدولة على أفراد يرفضون كم أفواههم أمام الأسر الحاكمة في البحرين والإمارات العربية المتحدة، وتنفذه الحكومة بالتواطؤ التام مع أعلى الهيئات القضائية في كلا البلدين.