تركز النقاش لمدة طويلة في تركيا بشأن مكانة البلاد في العالم حول ثلاثة محاور: العالم الإسلامي جنوبا (الوحدة الإسلامية)، أوروبا غربا (التغريب) والعالم التركي شرقا (وحدة الشعوب التركية). ولكن تيارا رابعا برز منذ نهاية الحرب الباردة، الأوراسيوية، أوراسياشيليك بالتركية، المشجع للتقارب بين روسيا وتركيا والذي يجد صدى في البلاد. ولأن روسيا التي يحركها شعور بالضيم أمام هيمنة الغرب في الساحة الدولية تتساءل هي الأخرى عن مكانتها في العالم. ويدور الجدل فيها اليوم بين السلافوفيل (المنادين بالعرق السلافي)، الذين يرون أن الديانة الارتودكسية هي المحور، وبين الموالين لأوروبا وأخيرا الأوراسيويين، وهم قوميون يطمحون لجعل روسيا زعيمة قطاع واسع مقاوم لهيمنة الغرب. وتعد هذه الفكرة، التي تمثل ردة فعل تجاه غرب مهدد، أساسية إذا أردنا فهم الأوراسيوية في روسيا وتركيا. وبما أن هذه الاخيرة عضوة في الحلف الأطلسي، فهي تتكبد بقوة عواقب الموقف البراغماتي القصير المدى لحلفائها الأوروبيين والأمريكيين في الأزمة السورية والشرق أوسطية.
أوراسيويون في كل الأحزاب
ظهرت الأوراسيوية في تركيا بوضوح مع نهاية الحرب الباردة ويمثلها اليوم الحزب الوطني (فاتان بارتيزي) الذي يرأسه دوغو برينجك. وهو حزب لم تتجاوز نتائجه 2٪ في الانتخابات ولكنه صار يحظى بتزايد الأتباع في أعلى سلم الجيش ولدى عدد من المثقفين. وهم مناوئون للغرب ويتهمون الأوروبيين بأنهم قاموا، خلال عملية التفاوض من أجل انخراط تركيا في الاتحاد الأوروبي، بتشويه سمعة بلادهم وتشجيع صعود الإسلاموية والقومية الكردية، وهما “الآفتان” اللتان تهددان، برأيهم، أسس تركيا. وفضلا عن ذلك، نجد في كل حزب تيارات قد تتفاوت من حيث الأهمية إلا أنها تحث على تغيير التوجه لصالح روسيا. ويعد تنامي هذا الخطاب مفاجأة لأن تاريخ الإمبراطورية العثمانية اتسم بسلسلة طويلة من الحروب الدموية ضد روسيا، وصولا إلى تفكيكها الذي سهلته الغزوات الروسية. لهذا ولمدة طويلة بقيت صورة الروسي، المسمى بطريقة تحقيرية “موسكوف”، جد سلبية. كما استمرت الصورة السلبية للغاية فيما يتعلق بروسيا السوفيتية، المسيطرة والمستعمرة للشعوب التركية في القوقاز وآسيا، خلال الحرب الباردة، في وقت كانت فيه تركيا حليفا وفيا لمعسكر الغرب ضد معسكر الشرق. ومع ذلك برز التيار الاوراسيوي عند نهاية الحرب الباردة.
مسار منطقي
يسمح مسار آتيلا إيلخان (1925-2005)، أحد المثقفين المدافعين الأكثر تأثيرا عن النزعة الاوراسيوية، بتفهم هذا التحول لدى جزء من الرأي العام التركي. يمكن تصنيف هذا الشاعر الكاريزمي والروائي وكاتب الافتتاحيات الموجهة للجمهور العريض بأنه ِكمالي (من أتباع مصطفى كمال أتاتورك يساري. وكحالة كل اليسار التركي، شعر باليتم عند تفكك الاتحاد السوفياتي في 1990 وبارتباك شديد حيال الارتباط المبالغ فيه لتركيا بالغرب. في مواجهة ذلك، رفقة متحفظين آخرين تجاه أوروبا تحركهم دوافع قومية أو شيوعية أو إسلاموية، صار من منشطي التيار الاوراسيوي الداعي إلى التقارب مع روسيا. وقام، بمعية مفكرين آخرين، بإعادة قراءة ماضي الجمهورية التركية الفتية، مذكرا بأن لينين ومصطفي كمال كانا قريبين جدا، على المستوى الأيديولوجي، في كفاحهما ضد إمبريالية القوى الغربية الطامحة إلى السيطرة على الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية أو تفكيكهما. ونفس المعاملة استهدفت بعد ذلك ورثتهما، الاتحاد السوفياتي وتركيا الجمهورية الفتية. فهو يرى أن اشتراكية لينين وكمالية أتاتورك كانتا متوافقتين، وكان بإمكانهما تشكيل تحالف ضد الغرب المهيمن. يقوم آتيلا إيلخان من خلال أعماله برسم صورة تناظرية بين الثورة المغدورة في الاتحاد السوفييتي من خلال وصول ستالين إلى الحكم والطريقة التي تمت بها في تركيا خيانة مبادئ أتاتورك من طرف خلفه عصمت إينونو. وهناك نقطة حاسمة أخرى في فكر آتيلا إيلخان. فعلى الرغم من معارضته لوحدة الشعوب التركية، قام بالتعريف بأفكار المثقفين الأتراك المسلمين من الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي. ومن بين هؤلاء سلطان غالييف الذي عمل على التوفيق بين الشيوعية والإسلام ودعا إلى ثورة عالمية بقيادة الاتحاد السوفييتي على أساس النضال من أجل تحرير الشعوب المسلمة الرازحة تحت نير امبريالية البلدان الغربية، خاصة فرنسا وبريطانيا.
تحول أردوغان
مع وصول حزب العدالة والتنمية (حزب إسلامي محافظ) إلى السلطة في 2002 فقدت الأوراسيوية بعض تأثيرها أمام الأفكار الليبرالية الموالية لأوروبا التي دعا إليها رجب طيب أردوغان خلال سنواته الأولى في السلطة، بين عامي 2002 و2010. كان حزب العدالة والتنمية يطمح إلى جعل تركيا قطبا مستقلا له دائرة نفوذ الامبراطورية العثمانية السابقة. وهكذا أحرزت تركيا تقدما سريعا بين 2002 و2010 في ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي مع صيانة علاقاتها مع الولايات المتحدة، حيث كان الرئيس أوباما يشيد بالمثال الذي تقدمه تركيا للعالم الإسلامي. وبموازاة ذلك كانت هناك محاكمات في قضايا /إيرغينكون وبايلوز/ في عامي 2007 و2008. وهي قضايا مست مسؤولين في الجيش يشتبه في تحضيرهم لانقلاب وطالت دوائر من العسكر والموظفين السامين المقربين من الأطروحات الأوراسيوية ومن القوميين والمتحفظين تجاه أوروبا. ولئن كانت عمليات التطهير هذه قد مثلت ضربة قاسية للتيار الأوراسيوي فهي لم تقض عليه. وعادت النزعة الأوراسيوية بقوة وبشكل واسع دون شك ابتداء من 2011، مع تعثر عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أو مع اندلاع الأزمة السورية. كما سجل في نفس الوقت تقارب ملفت بين تركيا وروسيا. فمنذ منتصف الصراع السوري أصبح لتركيا حوار أفضل مع موسكو منه مع حلفائها الغربيين. وما انفكت الروابط الاقتصادية الثنائية تتعزز، وقد وصلت أنقرة بالتعاون العسكري مع روسيا إلى حد التفكير في شراء منظومة الصواريخ أس 400 الروسية، وهي مبادرة لا تتوافق كثيرا مع عضويتها في الحلف الأطلسي. كيف يمكن إذا تفسير هذا التقارب الذي يمثل تقدما حقيقيا بالنسبة للأوراسيويين الأتراك والروس؟
تحول العقيدة
لنلاحظ أولا أنه منذ عدة سنوات وعلى الرغم من التفوق الظاهري لحزب العدالة والتنمية، فإن السلطة السياسية في تركيا ترتكز على تحالف غير متجانس بالمرة. ففضلا عن التحالف الرسمي بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية (اليمين المتطرف)، هناك مجموعات مختلفة بما فيها جماعات يسارية، معروفة بعدائها للغرب، تدعم الحكومة التي تنتهج سياسة تمزج بين الإسلاموية والقومية. هذا التعايش الشاذ بين قوى إثنوـ قومية واشتراكية هي في العادة متنافسة، والذي وُجِدَ في روسيا مع زيغانوف وفي يوغسلافيا مع ميلوزوفيتش، أمر غير مسبوق في تركيا. ولفهم هذه المفارقة يجب الاهتمام بتطور الظرف الأمني للشرق الأوسط وتركيا. خلال عهدتيه الأوليين، بين 2002 و2011، ظهر أردوغان كموال لأوروبا وإصلاحي وليبرالي، كما صادق على عدد من القوانين لتحسين وضع الأقليات والمقصيين والمهمشين من النظام السياسي التركي. وكان خلالها على علاقة طيبة مع الليبراليين الموالين لأوروبا والغرب والمؤيدين لمشروعه. واليوم، وبسبب غياب أي بديل في مجال الأمن أو لدواعٍ براغماتية جيوسياسية، فإن قوميي دولت بهتشلي يحملونه في قلوبهم. وكذلك الحال بالنسبة للحزب الوطني /فاتان بارتيزي/ لدوغو برينجك، قائد التيار الأوراسيوي. ففي حين ترتكز سلطة أردوغان الحالية جزئيا على التفاهم مع الدوائر العسكرية المناوئة للغرب، فهو لا يحمل أي تعاطف لأي من هذه التيارات التي أصبحت حليفته. وبالتالي يجب أن نتساءل عن التحولات السياسية والجيوسياسية في تركيا وفي المنطقة التي تفسر إلى حد كبير تحول أردوغان إلى الأوراسيوية. لأننا بالفعل أمام تغيير عقيدة وليس أمام تنامي قوة التيار الأوراسيوي. هل في ذلك مجرد انتهازية؟
الدبلوماسية في الأزمة السورية
تمثل الأزمة السورية عاملا رئيسيا يساهم في تنامي الأوراسيوية في تركيا. ففي البداية كانت السلطة التركية متأكدة من أنها ستنجح في إقناع النظام السوري بالقيام بالإصلاحات التي كان يطلبها الشارع. ولمدة ستة أشهر كاملة، حتى خريف 2011، فضلت أنقرة منطق الحوار والدبلوماسية. وقد أدى جنوح النظام السوري إلى القمع الدموي بتعجيل القطيعة الدبلوماسية دافعا تركيا، مع عدد من البلدان العربية وعلى الخصوص مع شركائها الغربيين، إلى المطالبة رسميا برحيل بشار الأسد. وإلى غاية جويلية 2013 لم يستبعد التحالف التركي العربي الغربي اللجوء إلى القوة ضد نظام دمشق لوقف العنف وتحقيق استقرار البلاد ومباشرة العملية الانتقالية. ولكنها واجهت رفضا قاطعا من موسكو التي أظهرت دعما مكثفا وثابتا لعصبة الأسد.
عواقب النزاع السوري
مع بداية جويلية 2013 بدأت تظهر خلافات ضمن التحالف الذي كان يعمل على رحيل الأسد. وعلى الرغم من تصريحاتها العلنية، نقضت الولايات المتحدة كلمتها عندما اجتاز النظام السوري “الخط الأحمر” الشهير المتمثل في استعماله الأسلحة الكيماوية. أحدث عدم المبالاة وجمود الغربيين خيبة كبرى في تركيا في حين تستقبل البلاد فعليا ملايين اللاجئين وأصبحت حدودها الطويلة حساسة لهذا العامل المزعزع للاستقرار. من وجهة النظر التركية، اضطرت البلاد إلى الانضمام إلى التحالف المعادي للأسد لتجد نفسها في الخط الأول وقد تخلى عنها اليوم حلفائها لتتحمل العواقب وحدها. كما أن النزاع السوري قد تدهور بشكل كبير ابتداء من صيف 2013، وولّد ظاهرتين لم تتوقفا عن التعاظم: بروز العامل الكردي والصعود القوي لداعش اللذان ساهما في توسيع الفجوة بين تركيا والغرب. وقد ساهم ذلك على مستوى الساحة السياسية التركية في تراجع الموالين للغرب لصالح الأوراسيويين.
(ثورة الروج آفا (غرب كردستان
بالنسبة لتركيا، تعد الثورة الكردية، المعروفة بالروج آفا، أخطر من ظاهرة داعش، واعتبرتها تهديدا أكثر مباشرة لأمنها. وبالفعل فإن واقعتين مرتبطتين بالمسألة الكردية أوقدتا رد فعل تركيا. ففي مرحلة أولى فرض حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي تعتبره السلطة مجموعة إرهابية، والذي كان دائم النشاط بسوريا، سيطرته على كل الحركات الكردية في سوريا. وعلى الرغم من أنهم كانوا في البداية ميالين للمشاركة في الثورة السورية ضد بشار، أجبر حزب العمال الكردستاني (البي كاكا) أكراد سوريا على تبني موقف معاد لتركيا. وفي مرحلة ثانية، ومع تفاقم النزاع السوري وصعود القوى الكردية بسوريا، قام حزب العمال الكردستاني بنقض الهدنة الهشة مع الدولة التركية التي لم تعد هي الأخرى متمسكة باستمرارها.
ازدراء الغرب بمخاوف تركيا
وعكس ذلك فقد اعتبر الغرب الحركة الوطنية الكردية في سوريا، على الرغم من خضوعها لحزب العمال الكردستاني، وفي احتقار لمخاوف الشريك التركي، حليفا ميدانيا مفضلا ضد إرهاب داعش. ومن هنا جاء دعم البلدان الغربية المكثف، خاصة من الولايات المتحدة، للميليشيات الكردية. وأدى هذا التحالف على الأرض السورية بين حزب العمال الكردستاني والغرب على الفور إلى تشنج أكبر في تركيا التي باتت هدفاً لبعض الأسلحة التي سلمها الأمريكان إلى القوى الكردية في سوريا. ومن خلال اختياره لهذا التحالف، ساهم الحلف الأطلسي في تغير موقف تركيا تماماً. وقد أصبحت المؤسسة الأمنية التركية ترى شيئا فشيئا بأن روسيا أقل تهديدا من الغرب، مما ساهم من جديد في تنامي الأوراسيوية في تركيا. وفضلا عن تقلبات السياسة الخارجية لتركيا فإن العقيدة الأوراسيوية وجدت دفعا أيضا بسبب تطورات السياسة الداخلية التركية.
شبكات فتح الله غولن
فعلا، فإضافة إلى التهديدات الخارجية هناك الغرغرينا الداخلية التي يمثلها، بالنسبة إلى السلطة، التيار الإسلاموي لفتح الله غولن، وهي شبكة سديمية سرية وقوية، أناضولية وعابرة للأوطان في نفس الوقت. تعرض تحالف حركة غولن الضمني مع أردوغان، الذي كان يرتكز على حماية تمنحها السلطة مقابل كسب شرعية دينية منه، لأول شرخ في فبراير 2012. في ذلك الوقت كانت مجموعة غولن المتوغلة في هياكل الدولة، خاصة القوى الأمنية، قد عارضت مبادرة أردوغان إجراء محادثات سرية مع إطارات من حزب العمال الكردستاني قصد الوصول إلى تسوية للمشكلة الكردية. وقد أصدر أعضاء من النيابة العامة مقربون من غولن مذكرة توقيف ضد رجل أردوغان القوي، هاكان فيدان، رئيس مصلحة الاستخبارات التركية التي أشرفت على هذه المحادثات. منذ ذلك الحين ما انفك غولن يظهر نفسه كقوة سياسية لا يمكن تجاوزها وكسلطة مضادة لأردوغان. وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول 2013، وقصد عرقلته، قام التيار الغوليني بكشف قضايا فساد تمس مقربين من أردوغان ولكن الفضيحة لم تنجح في إسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية. بعد ذلك ب3 سنوات، في جويلية/ تموز 2016 وعلى الرغم من عمليات التطهير، شارك تيار غولن في محاولة انقلابية. وهو انقلاب فاشل ساهم في تنامي التيار الاوراسيوي من الجانبين. في المقام الأول، وفور الإعلان عن فشل الانقلاب، اتهمت السلطة تيار غولن على أنه مدبر محاولة الانقلاب. وقد رد غولن على ذلك بأن أردوغان هو نفسه من دبر العملية قصد التخلص من كل أشكال المعارضة. ما من مسافة زمنية كافية للنظر موضوعياً في الأمر ولا توجد معطيات تسمح بالتمييز بين الكذب والحقيقة ولكن يبدو أن تورط الغوليين في محاولة الانقلاب لا يمكن إنكاره، وأن وضعه موضع الاتهام أجج المشاعر المعادية لأمريكا وخدم التيار الأوراسيوي.
تضامن موسكو
وتجدر الإشارة أيضا إلى كون غولن يعيش في المنفى، في الولايات المتحدة، وهو نشط جدا هناك منذ 1999 مما جعله يظهر كعميل لأمريكا. فمنذ أن توترت العلاقات الثنائية بين البلدين، بدا أن غولن قد اختار موقعه وصار ينتقد صراحة الانجراف التسلطي لأردوغان من خلال شبكاته الكثيرة في الولايات المتحدة. كما أصبحت من جهة أخرى مواعظه وخطبه وكتب الشباب مليئة بإشارات معادية للتقارب مع إيران وروسيا، المرتبطة في اللاوعي التركي بالشيوعية التي حاربها دوما غولن. وأخيرا ففي سنوات 2010 تم إغلاق كل مدارس غولن النشطة في روسيا بأمر من بوتين الذي كان ينظر بعين الريبة لميوله الأمريكية. وهناك عامل أخير، ليس أقل أهمية، سارع في التحول الجيوسياسي نحو الأوراسيوية: لقد أدانت إيران وروسيا بسرعة كبيرة محاولة الإنقلاب مبرزتين تضامنا لا غبار عليه مع السلطة، في حين لم يأت أي تعبير من جانب الغرب، والحلفاء المفترضين، عن التعاطف والتضامن الذي كان ينتظره الأتراك سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لأردوغان، دافعين بالتالي تركيا بصفة غير مباشرة نحو الأوراسيوية.
مستقبل مبهم
في ظروف سياسية إقليمية عديمة الاستقرار، عصية على التوقعات، يصعب التحدث عن مستقبل وصلابة الأوراسيوية في تركيا، ولكن يمكن تقديم ملاحظتين. لا يعود التنامي الحالي لهذه النزعة في تركيا إلى قوة العقيدة بقدر ما يعود إلى الأزمة العميقة التي وجدت العلاقة التركية الغربية نفسها فيها. فاستمرار المشاعر القوية المعادية للغرب تعززت مع الظروف الداخلية والجهوية، وهي تتجاوز فضلا عن ذلك الانقسامات السياسية. وأخيرا فإن تصلب السلطة السياسية في تركيا، وهو انعكاس لتوجه عالمي الذي يبدو للأسف بأنه طويل الأمد، لا يوفر أي آفاق للتطبيع على المدى القصير مع الغرب. وهو يفتح جادة واسعة لبوتين لترسيخ وتعزيز نفوذه في الشرق الأوسط والتي تعد تركيا دولة محورية أساسية فيه.