المعارضة المصرية تحاول جاهدةً تجاوز الانقسامات

على خلفية قمع شرس · لقد بلغ القمع ضد القوى السياسية في مصر مستوى غير مسبوق. إلا أن الانقسامات بين التيارات السياسية ولا سيما الإسلامية والعلمانية، وغياب أي بديل حالي هي السبب الرئيسي في ما يبدو من مظاهر استقرار النظام.

القاهرة في 30 يناير/ كانون الثاني 2018. مؤتمر صحافي لأعضاء المعارضة ومن ضمنهم حمدين صباحي (الصف الثاني، الى اليسار) والمحامي جورج إسحاق (في الوسط) وخال داوود (الصف الثاني من اليمين) ومحمد البرادعي (الصف الأول من اليمين)
Mohamed El-Shahed/AFP

فتح النجاحُ المرحليّ لثورة يناير البابَ أمام الأيديولوجيات المختلفة للتعبير عن نفسها في أُطُر قانونية، وتشكّلت عشرات الأحزاب، وبرزت عدة أحزاب تمثّل الكتلة الحزبية الكبرى من حيث التنظيم وأعداد العضوية، وتنوّعت الاتجاهات السياسية لتلك الكتلة الكبرى بين الأحزاب السياسية الإسلامية الأكبر حجما وأحزاب ليبرالية ويسارية وقومية، وفي ظل الاستقطاب السياسي السابق على انقلاب تموز/ يوليو 2013، كان هناك تكتلان رئيسيّان يضمان مجموعة من الأحزاب، أحدهما إسلامي بزعامة حزبي جماعة الإخوان والسلفيين، والآخر علماني تحت مسمى “جبهة الإنقاذ”، لكن تدخّل الجيش استهدف الإسلاميين بعنف وقام بتنحيتهم سياسيا واجتماعيا عن الشارع، وتم تشكيل حكومة من أحزاب شاركت في جهة الإنقاذ المصرية، لكن بعد مرور ست سنوات تقريبا من تحرك الجيش نجد أن هذه الأحزاب اختفت أيضا من المشهد السياسي، فما الذي حدث للحياة الحزبية المصرية؟

شلّ العملية السياسي

يعتمد النظام المصري في تعامله مع الأحزاب على التضييقات التي تدفع الأحزاب إلى تعليق نشاطاتها بصورة ذاتية، ولا يلجأ النظام إلى حل الأحزاب إلا في أضيق نطاق، مثل حل حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وأبقى على أحزاب كانت منضوية تحت تجمع “تحالف دعم الشرعية”1 مثل الوسط والبناء والتنمية ولم يقم بحلِّها، لكنه جعلها دون نشاط سياسي يُذكر.

ولإحكام الرقابة على الأحزاب، يقوم النظام باعتقال أعضائها لتوجيه رسالة إلى قيادتهم، وعند تجاوز الحدود يتم اعتقال قيادات الحزب، أو الاعتداء عليهم في المناسبات العامة2 أو التلويح بورقة حل الحزب، عبر تقديم بلاغات تتهم الحزب بمخالفة قانون الأحزاب، وفي ظل الحصار تختار الأحزاب أن ترفع السقف بحذر لا يتجاوز البيانات الإعلامية، لأن عاقبة الاتصال الجماهيري لن تكون هيّنة.

يعتبر مصطفى عبد العال عضو اللجنة التحضيرية بحزب (العيش والحرية - تحت التأسيس)3 المناخَ السياسيَّ في أسوأ حال “لسنا قبل ثورة 25 يناير حتى، والنظام ضد أي حرية”، وبدأت مجموعة خرجت من حزب التحالف الشعبي (حزب يساري) تأسيس حزب العيش والحرية، وكان بيان الدعوة لتأسيسه أواخر 2013، ويمكن القول أن هذه المجموعة اختارت توقيتا حرجا لمحاولة تأسيس حزب ليس من رحم النظام عقب تغيير يقوم به العسكر، ويقول مصطفى في هذا السياق “اهتممنا ببناء الكوادر ليكون لدينا 5 آلاف عضو مؤسس بشكل حقيقي عند التأسيس، ولكن المناخ السياسي وإمكانيات الوصول إلى الجمهور المستهدف كانا يضيقان مع الوقت”.

استدعاءت من جهات الأمن

أثناء عمل النظام على تضييق مساحات العمل أمام الأحزاب، فإنه لا يقوم باعتقال كوادر الحزب كرسالة لباقي الأعضاء، بل يسعى إلى القيام بتجفيف منابع العمل الحزبي، فوفقا لمصطفى فإن هناك “تعليمات بعدم عمل توكيلات للراغبين في تأسيس الحزب إلا بعد استئذان الأمن الوطني، وأثناء تكرر الشكاوى أظهر أحد مديري الشهر العقاري ورقة لهم بهذا المضمون، وإزاء ذلك قاموا بتقديم بلاغات للنائب العام، كما يتعرضون لتضييقات أثناء محاولة تأجير المقرات، أو القاعات لعمل فعاليات”.

وبشكل عام هناك “استدعاءات دائمة من جهات الأمن لأعضاء في الحزب، وتعتقل السلطات حاليا 5 من أعضائه، والملاحظ أنهم من ذوي النشاط الاجتماعي والسياسي بشكل فعليّ”، فالاعتقالات تستهدف الفاعلين داخل الحزب لإعاقة حركته، لا لمجرد الاستهداف الأمني والتضييق السياسي.

لا يختلف الوضع كثيرا في حالة حزب (مصر القوية)، وهو الحزب الذي نشأ عقب الانتخابات الرئاسية وحاز عبد المنعم أبو الفتوح خلالها على ما يجاوز 4 ملايين صوت، وأصبح رئيسا للحزب عقب تأسيسه الرسمي، وقبيل الانتخابات الرئاسية العام الماضي، قامت قوات الأمن باعتقال نائب رئيس الحزب، وبعدها بعدة أيام اعتقلت رئيس الحزب على خلفية لقاءات إعلامية هاجم فيها استبداد السلطة والأجواء القمعية التي صاحبت العملية الانتخابية، واعتقال المرشح الرئاسي المحتمل سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق.

من 110 مقر... الى مقر واحد

نتج عن تلك الاعتقالات تعليق العمل داخل الحزب وفقا لأحد قياداته (فضّل عدم ذكر اسمه)، وأصبحت الاجتماعات تُعقد على مستوى هيئة المكتب السياسي فقط لتسيير الأمور الإدارية فقط، كما توقف العمل بكل المحافظات، ويربط المصدر بالحزب هذه الحالة بـ“خوف أعضاء الحزب من العمل، فإذا كان رئيس الحزب تم اعتقاله ويتم التعامل معه بتشديد أمني غير اعتيادي داخل محبسه، رغم وضعه السياسي كرئيس للحزب ومرشح رئاسي بارز، فكيف سيتم التعامل مع الأعضاء العاديين؟”.

من ناحية أخرى يقول المصدر أن الحزب كانت له 110 مقرات حزبية على مستوى الجمهورية، ولم يعد للحزب الآن سوى مقر واحد فقط، وهذا الانخفاض في المقرات نتيجة توقف التفاعل من الأعضاء بعد الانقلاب العسكري خوفا من البطش الأمني، خاصة مع رفض الحزب لإجراءات 3 تموز/ يوليو 2013، وكان ملفتا أن “أكبر عدد من الاستقالات التي شهدها الحزب كانت بعد وصول السيسي إلى الحكم، وأصرّ أعضاء مستقيلون على قيام الحزب بالرد على استقالاتهم بما يفيد قبول الاستقالة، كمستند يثبت انتهاء علاقتهم بالحزب”، الأمر الذي يكشف حجم الخوف الذي أشاعته الإجراءات الأمنية عقب انقلاب 2013.

اتفق المصدران السابقان على عدم وجود تواصل بين حزبيهما والنظام المصري الحالي، وكانت الرئاسة قد وجهت دعوة لرئيس حزب مصر القوية عام 2014، لكنه اعتذر بسبب اعتبارها دعوة بغرض التسويق الإعلامي أكثر منها لفتح حوار مجتمعي، وهو ما تأكد بعد ذلك من لقاءات الرئاسة بالأحزاب أو غيرها بحسب المصدر بالحزب.

رفض التعاون مع التيارات الإسلامية

إذا كان النظام المصري يقوم بعملية حصار للأحزاب، وتجفيف لمنابع العمل الحزبي، فإن هناك حصارا ذاتيا تقوم به الأحزاب لنفسها، عبر تعميق الانقسام الأيديولوجي، ورفض التوافق بينها على المواقف المشتركة، وهو ما يبدو من موقف الحركة المدنية المصرية من الإسلاميين في مصر، وربما يكون هناك رفض مفهوم للتعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها مصنّفة كجماعة إرهابية من قِبل السلطات، لكن غير المفهوم (في ظل قمع السلطة للجميع) رفض التعاطي مع أحزاب معارضة كالوسط والبناء والتنمية ومصر القوية.

في المقابل كان خطاب الإخوان قبل وفاة مرسي يتمسك بعودته رئيسا كحل للأزمة السياسية، وهو خطاب مناكفة سياسية للقوى العلمانية، ولا يبدو أن هناك من الكيانات الكبرى من يسعى إلى تقديم تنازلات على مستوى المواقف والتراجع لخطوات، بهدف أخذ موقف موحّد يكسر الاستقطاب السياسي والتمهيد لبناء جبهة سياسية معارضة.

ربما تقوم الكيانات الأقل فاعلية بصنع خطاب متوازن، لكنها لا تقدر على كسر حلقة الاستقطاب حتى الآن، كتقديم حركة السادس من ابريل نعيا في وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهي من أبرز الحركات التي دعت إلى إسقاطه أثناء حكمه، أو القفزة الكبيرة التي قام بها أحد أجنحة الإخوان -الجناح الذي ترفض قيادات الجماعة الكبار الاعتراف به- بإصداره بيانا جاء فيه: "[فإننا نعلنُ أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تقفُ الآن على التفريق بين العمل السياسي العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة"] .

والقفزة التي قام بها هذا الجناح من الجماعة، تتعلق بإعلانهم أن الإخوان لن تدخل في منافسات سياسية على السلطة، وهو ما يضع جميع الأطراف أمام مازق، فالجناح الأكبر من الجماعة يرفض تلك الخطوة، بينما يعتبر الكثير من شبابها أن عملية التمييز بين الوظيفتين أو التخصص في العمل، خطوة لا بد منها، خاصة بعد تجربة الحكم والانقلاب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تحجج القوى السياسية بأن الإخوان هم الفصيل الأكثر جاهزية حال المنافسة على السلطة، لن يعود مبررا إذا انسحبوا منها، ومن جهة ثالثة، فإن النظام الذي يستخدم الإخوان كفزّاعة أمام الحلفاء في الغرب، ستصبح حجته واهية إذا أصبح هذا التوجه عاما لدى جسم الجماعة كاملا.

التقينا بمصدرين داخل الحركة المدنية الديمقراطية4 (فضّلا عدم ذكر اسميهما) واتفقا على أن العامل الأمني سبب أساسي للابتعاد بين الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية وغيرها من أحزاب الحركة، فهناك تهديدات واضحة من النظام المصري لهم في حالة التقارب مع حزب كمصر القوية مثلا، بالإضافة إلى وجود قيادات حزبية داخل الحركة المدنية، تخشى من ربطها بالإسلاميين في ظل القمع الشديد الذي يتعرضون له، مما سيجعلهم عرضة لنفس المستوى من البطش الأمني، فالرفض هنا مرتبط بالخوف من رد فعل الدولة.

اجترار الخلافات القديمة

كذلك هناك تباين أيديولوجي لم تتعافى منه الحالة النخبوية المصرية، وتبدو هذه الحالة مع ذكرى مناسبات كأحداث شارع محمد محمود في نوفمبر 2011، وتظاهرات 30 يونيو 2013 وما تبعها، فيتم اجترار مرارة الأحداث وما صحبها من خلافات.

ووفقا لأحدى قيادات الأحزاب المشَكِّلة للحركة المدنية فهو إن كان يتفق على أن العامل الأمني سبب لعدم التقارب، لكنه يضيف سببين آخريْن لعدم التقارب بين التيار المدني والإخوان، أحدهما، فقدان الثقة بين الأطراف، ثانيهما، اختلاف الأهداف، ففي تقديره هناك فرق بين السعي إلى دولة مدنية وبين السعي إلى الحكم، ويرى أن الإخوان يسعون إلى الحكم كهدف، وهذا يبدو منهم عند التفاوض، إذ كان مطلب عودة مرسي هو المطلب الأول5، وهو يعتبر أن الإخوان فضّلوا مصلحتهم التنظيمية، كما فضلوا المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فضلا عن عدم تطور التنظيم فكريا، بحسب قوله. وما يثير التساؤل هنا، أن طبيعة ووظيفة الأحزاب السياسية أنها تهدف إلى حيازة السلطة، فإذا كانت هناك رؤية لدى حزب ما، فكيف سيسعى لتحقيقها دون وصوله إلى السلطة؟ بعبارة أوضح، هل كان يجب على حزب الإخوان المسلمين ألا ينافس على السلطة؟

المصدر الآخر أخبرنا أن هناك قبولا من العديد من الشخصيات المستقلة داخل الحركة لفكرة التحالف مع الإسلاميين، لكنهم لا يقدرون على الذهاب إلى تحالف معهم لأن الأحزاب داخل الحركة المدنية ستنسحب منها في تلك الحالة، وغياب الأحزاب سيؤثر على الحركة بشدة، لأنها تمثل مظلة سياسية للحركة المدنية، وهو نفس ما أكده المصدر الأول بالحركة، خاصة بالنسبة إلى حزب مصر القوية الذي أصبح هناك قبول أوسع لوجوده بعد نقاشات عديدة، لكن الاعتراضات مرتبطة أكثر بالجيل الأكبر سنا، وأكّد أن “التقارب سيحدث لكن ليس بين هذه القيادات من الأطراف المختلفة”.

الملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا، أن الشباب لديهم موقفان مختلفان عن الأجيال الأكبر سنا داخل الحركة المدنية الديمقراطية، ويمكن توسيع تلك الملاحظة إلى ما يجاوز الحركة، الموقف الأول، أنهم أكثر انفتاحا من حيث إمكانية قبول الإسلاميين في تحالف أوسع، والثاني، أنهم أكثر تشددا في قبول دخول المحسوبين على النظام السياسي في تحالفاتهم السياسية، وربما كان مثال تجربة (اتحاد الدفاع عن الدستور) أبرز مثال لذلك؛ حيث رفضوا التحالف مع حزبي (المحافظين والاتحاد) لأن قيادات الحزبين كان منهم أعضاء في الحزب الوطني الحاكم قبيل ثورة 25 يناير 2011.

وضع ينذر بانفجار

اتعلّم النظام المصري الحالي من تجربة ثورة يناير، فسعى لسد الفراغات التي قد تُسهم في إعادة الاحتجاج عبر استراتيجية شاملة مستخدما عدة أدوات، الأداة الأمنية، والأداة التشريعية، والأداة القضائية، والأداة الإعلامية، والأداة الاجتماعية، والأداة الاقتصادية، وبدلا من مجرد سد فراغات الاحتجاج، فقد قام النظام بصنع كتلة صمّاء تتفاعل داخليا، الأمر الذي ينذر بتفجر الوضع في لحظة ما، دون وجود قدرة لأي طرف على السيطرة على الشارع حال تفاقم الأمر.

على المستوى الأمني، فإن الحلول الأمنية تعد الخيار الأول لدى النظام المصري الذي قام باعتقال عشرات الآلاف، قدّرتهم منظمات حقوقية بستين ألف معتقل، وفي بيان لوزير الداخلية في مارس 2018، ذكر أن الوزارة اعتقلت خلال أربع سنوات 19108 أسماهم بالإرهابيين6، ولم يسْلم أي طرف من الاعتقال منذ يوليو 2013، فتم اعتقال رموز سياسية وشبابية شاركت في حراك 30 يونيو الذي أدى إلى الإطاحة بنظام مرسي، كأحمد دومة وحازم عبد العظيم، وتم اعتقال عسكريين سابقين أبرزهم الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش لسبع سنوات، وعسكريين في الخدمة كالعقيد أحمد قنصوة، بسبب إعلانهما نيتهما الترشح للرئاسة، وقضاة سابقين مثل المستشار محمود الخضيري، ودبلوماسيين سابقين كالسفير الأسبق رفاعة الطهطاوي، بخلاف الاعتقالات التي طالت الإسلاميين، فضلا عن اعتقال الفتيات والنساء، وتم توثيق حالات لاعتقال أسر بأكملها بمن فيهم الأطفال7لفترات قبل أن يُسلموا إلى أحد أقاربهم ، وتجاوزت الممارسات الأمنية حدود الاعتقال، فقامت بحرق منازل بعض المطلوبين لديها، وتحطيم أخرى، كما يتم تعذيب معتقلين بصورة قاسية أدت إلى حدوث حالات وفيات.

كوسيلة من مشائل القمع القتل خارج القانون

السلوك الأمني الأبرز تمثّل في القتل خارج نطاق القانون، ووفقا لتقرير وكالة رويترز8 التي قامت بتحليل بيانات وزارة الداخلية المصرية، فإن الوزارة أعلنت عن مقتل 465 فردا على مدار ثلاث سنوات ونصف، وتحدث التقرير عن حالات عديدة أكد ذووها أن القتلى كانوا محتجزين لدى أجهزة الأمن المصرية.

على المستوى التشريعي، قام نظام ما بعد الانقلاب العسكري بسن تشريعات تضمن تأميم المجال العام، كان أهمها “قانون التظاهر” سنة 2013، ثم “قانون مكافحة الإرهاب” سنة 2015، ثم قانون “الجمعيات الأهلية” سنة 2017، وإذا كان يُفترض في قانون التظاهر أنه مخصص لتنظيم عملية التظاهر، فالواقع أنه قام بتكبيلها، ويُستخدم القانون كأداة للبطش بالمعارضين، وكذلك الحال بالنسبة للقانونين الآخرين.

وبموازاة ذلك صدرت عدة قوانين أخرى بهدف هندسة المشهد السياسي وفق حسابات السلطة، مثل قانون الانتخابات البرلمانية الذي صاغته السلطة بما يضمن لها برلمان تابع للنظام، وقانون تنظيم الإعلام الذي يمنح السلطة التنفيذية الكلمة العليا في تشكيل المجالس والكيانات المنظّمة للعمل الإعلامي، أضف إلى ذلك قانون تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية الذي أصدره السيسي في غيبة البرلمان، ويعطي رئيس الجمهورية حق تعيين رؤساء هذه الأجهزة9 وعزلهم، الأمر الذي اعتبره كثيرون مساسا باستقلالية عمل هذه الأجهزة .

قضائيا، تم استحداث 6 دوائر نهاية ديسمبر 2013 للنظر في قضايا “الإرهاب”، وبلغت 9 دوائر في العام القضائي الجديد 2018/2019، وقامت هذه المحاكم بإصدار أحكام إعدام على المئات، ووفقا لحقوقيين، فإن جلسات الانعقاد تفتقر لأدنى معايير العدالة، كوجود المتهمين خلف حاجز زجاجي يمنعهم من التواصل بوضوح مع القضاة أو المحامين، وما يرتبط بعمليات التحقيقات من تعذيب، ورغم ذلك يأخذ القاضي بالأقوال المنتزعة تحت التعذيب، ويرفض الإقرارات أمامه، فضلا عن الأحكام المشددة التي تصدر في معظم القضايا.

اتهام المعرضة بأنها مرتزقة

تتداخل الأداتان الإعلامية والاجتماعية أكثر من غيرهما، فكل وسائل النظام على جميع المستويات متشابكة، لكن الأداتين الإعلامية والاجتماعية أكثر تداخلا من غيرهما، فالأداة الإعلامية كانت البوابة لشحن الشارع ضد السياسيين بشكل عام، وضد الإخوان خلال فترة تواجدهم بمجلس الشعب أو الرئاسة، وقام الإعلام بعملية ازدراء اجتماعي للإخوان، وتم تعميم مصطلحات دونية كـ“خرفان”، لوصفهم كقطيع الخراف الذي يطيع طاعة عمياء، وخرجت مصطلحات موجهة لنشطاء من حركات شبابية كـ“نشطاء السبوبة” (وهي كلمة من العامية المصرية في إشارة إلى أنهم ينتقدون النظام الحاكم بسبب تمويلات خارجية يتلقونها تستهدف إحداث اضطرابات داخلية).

اقتصاديا، قام النظام الحالي بالتحفظ على أموال آلاف الأشخاص، خاصة المنتمين للإخوان المسلمين والتيار الديني الإسلامي بوجه عام، سواء كانوا حركيين أو أولئك الذين اكتفوا بالعمل الاجتماعي والخيري، ثم صدر القانون رقم 22 لسنة 2018 “الخاص بتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين”، فانتقل سلوك الدولة من التحفظ إلى المصادرة، كما عمد النظام إلى إجراءات فصل من العمل بحق المعارضين له على خلفية الانتماء السياسي.

كان هدف التفاعل بين كل هذه الأدوات إحداث حالة ذعر بين عموم المجتمع، خاصة النشطاء السياسيين، وفي ظل حالة الاستقرار الظاهرية لحكم السيسي ودخوله في فترة ولاية ثانية، وتمريره لتعديلات دستورية ترسخ سلطته، فقد نجحت هذه الوسائل في تخفيف الاشتباك مع النظام بدرجة واضحة، مقارنة بالفترة السابقة للانقلاب العسكري، وأصبحت استراتيجة النظام بأدواتها تمثل هاجسا لدى السياسيين من جهة، ولدى عموم الشارع من جهة أخرى، لكن هذه الاستراتيجية رغم أهميتها في التأثير على القرار الجماهيري وخطورتها في حالة محاولة مواجهتها، فإنها ليست العامل الأساسي في إحجام الشارع عن الاشتباك، إذ العامل الأكثر فاعلية هو غياب البديل المطروح أمام النظام، والبديل لا يقتصر على رأس النظام، بل يتعداه إلى وجود رؤية شاملة ومتماسكة ومقبولة للشارع للانتقال من حالة الفوضى السياسية والاقتصادية والتشريعية التي يصنعها النظام، إلى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتشريعي، وغياب الرؤية لدى المعارضة وتعمد التنافر بين أطرافها، يكشفان صلب الأزمة الداخلية التي تعيشها أجنحة المعارضة المصرية.

1تحالف دعم الشرعية مكون من عدة أحزاب وحركات، بغرض مناصرة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومناهضة الانقلاب العسكري

2اعتقل النظام المصري رئيس حزب الوسط ونائبه عقب الانقلاب العسكري مباشرة، كما اعتقل رئيس حزب مصر القوية ونائبه كذلك منذ أكثر من عام، واعتدى على مجموعة من السياسيين من قيادات الحركة المدنية الديمقراطية خلال تجمع لهم أسفر عن إصابة رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي كان أول رئيس وزراء بعد الانقلاب من قياداته السابقة.

3الأحزاب تحت التأسيس هي الأحزاب التي لم تستكمل الاشتراطات المطلوبة لتأسيس الحزب بحيث يصير حزبا رسميا معترفا به من الناحية القانونية، ومن ضمن هذه الشروط أن يبلغ عدد المؤسسين 5 آلاف شخص موزّعون على 10 محافظات على الأقل.

4تتكون الحركة من مجموعة من السياسيين وأحزاب: المصري الديمقراطي الاجتماعي - تيار الكرامة - الدستور - التحالف الشعبي الاشتراكي - حزب الإصلاح والتنمية - حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) - حزب مصر الحرية.

5كانت المقابلة قبل وفاة مرسي.

6“تعرف على جهود الداخلية على مدار 4 سنوات”، اليوم السابع

8“قوات الأمن في مصر تقتل مئات المشتبه بهم في اشتباكات مشكوك فيها”، رويترز

9النعماني، علي، حصار العمل الأهلي في مصر: خنق المجال العام، مركز الجزيرة للدراسات، ص 3.