جرت الانتخابات في أعقاب سن قانون القومية في الكنيست وما قدّم له وتبعه من تشريع قوانين تمييز عنصري، وهو الذي شكّل الاساس القانوني لممارسة مقولة “يهودية الدولة”، وشكّل نقلة نوعية في بناء الآليات السياسية والقانونية لإخراج الجماهير العربية خارج دائرة الحقوق القومية ، وشكّل الأساس القانوني لتثبيت موقف المؤسسة الحاكمة وغالبية أحزاب المعارضة الصهيونية القائل بأن الحقوق القومية في “أرض إسرائيل” (إقرأ فلسطين التاريخية)، مقصورة على “الشعب اليهودي”، وأن لا حقوق قومية لغيره في المنطقة الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، بما يعنيه ذلك من إسقاط الحقوق القومية للشعب الفلسطيني كله عن جدول الاعمال، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بجانب اسرائيل. وهو ما يبدو توطئة لصفقة القرن أو جزءا أساسياً من مشروعها لتصفية القضية الفلسطينية .
وإذا كان قانون القومية يشكّل سفينة العَلَم في تعامل معسكر اليمين الفاشي برئاسة نتنياهو مع حقوقنا ومكانتنا وهويتنا القومية، والذي جاء ليشرّع وليسرّع إخراج الاقلية القومية العربية الفلسطينية المواطنة في اسرائيل من دائرة الحقوق القومية في وطنها، فإن التحريض الفاشي على حقنا في المشاركة السياسية في الانتخابات، بما فيها على حقنا في التصويت وعلى حقنا في التأثير على شكل الحكم في اسرائيل بعد الانتخابات، وعلى حقنا في استعمال وزننا الكبير والهام في سد الطريق أمام حكومة فاشية قادمة، فإن هذا التحريض الفظ كان يهدف الى إخراجنا من دائرة حقوق المواطنة أيضا، استكمالا لقانون القومية، ليصبح المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل، مواطنين بلا حقوق قومية من جهة، ومن دون حقوق مواطنة متساوية ومشروعة من الجهة الأخرى. على هذا كانت تدور الانتخابات الاخيرة وعلى هذا ما تزال المعركة تدور بعد الانتخابات .
وإذا كانت المؤسسة الحاكمة في اسرائيل قد عبّرت تاريخياً عن خشيتها ورعبها من تمسك المواطنين العرب بالمُرَكّب الفلسطيني في هويتهم كما عكسته وثيقة السادس من حزيران 19801 . والتي جاء فيها:“نحن أهل هذا الوطن ولا وطن لنا غير هذا الوطن .. حتى لو جوبهنا بالموت نفسه فلن ننسى أصلنا العريق .. نحن جزء حي وواع ونشيط من الشعب العربي. الفلسطيني” . إلا أن المؤسسة الحاكمة في اسرائيل اليوم في ظل أزمتها الاستراتيجية وتخبطها السياسي تعلن على الملأ ، خوفها من المركب المواطني بالذات في هويتنا، كمواطنين في دولة اسرائيل التي قامت في وطننا ، متجاهلة أننا نحن دون غيرنا من مواطني الدولة الذين نستمد شرعية مواطنتنا من كوننا أهل هذا الوطن ، ولا نستمد حقنا في الوطن كباقي الناس، من مواطنتنا في اسرائيل" .
“الناخبون الذين يتدفقون الى صناديق الاقتراع”
وفي هذا السياق لم يكن غريبا أن تكون الجماهير العربية المواطنة في اسرائيل، وموقعها وحقها في التأثير على الساحة السياسية الاسرائيلية ومعركتها التاريخية على المساواة في الحقوق القومية والمدنية، محوراً مركزيا ورئيسياً في هذه الانتخابات ، مرةً نتيجة تحريض المعسكر الفاشي بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو عليها وعلى شرعية حقها في المشاركة السياسية ونزع الشرعية عن دورها في التأثير ، والتخويف من مجرد مشاركتها السياسية على نسق استنفاره للناخبين اليهود ومعسكره اليميني المتطرف في يوم الانتخابات في العام 2015 ، بتخويفهم بأن “الناخبين العرب يتدفقون الى صناديق الاقتراع” ..ومرة ثانية من خلال إصرار الجماهير العربية على مقاومة قانون القومية ومواجهته وتحديه وصولا الى إسقاطه، وتمسكها بحقوقها القومية أسوة بحقوقها المدنية ، وبدورها الحاسم في إسقاط تحالف المستوطنين والقوى الفاشية الحاكمة ونزع الشرعية عن مواصلة جلوس نتنياهو ومعسكره المتطرف على سدة الحكم .
وبهذا المعنى لم تكن المفاضلة بالنسبة للجماهير العربية وقواها السياسية وحلفائها التقدميين اليهود، لا على مستوى القائمة المشتركة ولا على مستوى لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل والاحزاب السياسية التي تنضوي تحت سقفها، مفاضلة بين نتنياهو وغانتس ، بل كان هدفها واستراتيجيتها الانتخابية تقوم على استنهاض وتجنيد كل الطاقات العربية واليهودية التقدمية لقطع الطريق على عودة نتنياهو ونهجه الفاشي وتحالفه الاستيطاني العنصري الى الحكم .
فخطر عودة نتنياهو الى الحكم ليس نابعا فقط من كونه يمينياً وعدوانياً واستيطانياً ، فمثل هذه الصفات تنطبق على كثيرين من بين جنرالات وقادة معسكر يمين الوسط (كحول لفان) الذي يرأسه غانتس ، وإنما بسبب عمق الأزمة التي يختنق بها رئيس الوزراء شخصيا التي تجعله أشد خطرا في ظل ملفات الفساد التي يواجهها ،
تحالف مع المستوطنين
كما يمثل خطراً بسبب الطريق المسدود داخليا وإقليميا، الذي أوصل اليه البلد بسياساته ، وتحالفه الخطير مع القوى الاستيطانية العدوانية التي باتت ترى بالديمقراطية الاسرائيلية على محدوديتها ، وترى بآلياتها ومؤسساتها، و بموقع الأقلية القومية العربية فيها ، عائقا تتطلب “المصالح القومية العليا” إزالته من طريقها ، بدءا بتحجيم استقلالية الجهاز القضائي والمستشار القضائي للحكومة ، واستقلالية الإعلام وحرية الصحافة ، وتطبيق القانون ونزاهة العملية الانتخابية ذاتها ، والتحريض الدموي المجنون على المواطنين العرب في اسرائيل ، ليصبح واضحا أنه حين سيقف نتنياهو امام خياره المحتوم : السجن او الفاشية فإنه لن يختار السجن، وستكون الفاشية كقول الشاعر “ملجأ الوغد الأخير” ! وسيكون المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل ضحايا الفاشية الاساسيين والأوائل.
ويجب ان يكون واضحا أن هذا الموقف يختلف جوهرياً وبعيد كل البعد عن التصريحات الإشكالية التي أُطلِقت قبل الانتخابات والتي اعتبرت ان القائمة المشتركة ستكون مستعدة في شروط معينة للمشاركة في ائتلاف حكومي يشكله زعيم حزب كحول لفان او دعمه من الخارج .
مأزق سببه الاحتلال
وكشفت نتائج الانتخابات وفشل جهود المعسكرين الكبيرين – معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف بقيادة نتنياهو من جهة ، ومعسكر يمين الوسط الذي يقوده جنرالات حزب كحول لفان برئاسة بيني غانتس من الجهة الاخرى - في تشكيل ائتلاف حكومي لأي منهما أو لكليهما معا في حكومة وحدة قومية، أن الخارطة السياسية الاسرائيلية والقوى السياسية والاجتماعية السائدة فيها اليوم مأزومة وغير مؤهلة لإخراج اسرائيل من مأزقها . وأن المأزق الحقيقي الذي تعاني منه اسرائيل ليس في واقع الامر مأزقا انتخابيا فقط ، بقدر ما هو مأزق سياسي استراتيجي عميق.
إن مأزق السياسة الاسرائيلية الحقيقي يتمثل في أن عقودا من سياسة الاحتلال والاستيطان والقمع والعدوان والتمييز العنصري واستعداء المواطنين العرب في اسرائيل، قد نجحت في ترسيخ وعي زائف لدى الجمهور الاسرائيلي وكأن بمقدوره أن يواصل الاحتلال والاستيطان والهيمنة على الشعب الفلسطيني، وأن يعمّق القمع والاضطهاد القومي وسياسة الضم والتوسع وإشعال الحروب، وخدمة مشاريع الهيمنة الامريكية في المنطقة ، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وللحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب في اسرائيل ، وأن ينعم في الوقت نفسه بديمقراطية (يهودية) نقية ، واستقرار سياسي وسيادة القانون، وحياة طبيعية رغيدة وآمنة .
وأصبح واضحا أن كل التناقضات التي تراكمت في الفكر السائد في إسرائيل وفي الثوابت السياسية المترسخة فيها آخذة بالانفجار في أيدي أصحابها ، وهذا هو الامر الاساسي الذي علينا ان نسجله ونحن نقرأ الانتخابات الاخيرة ونتائجها باعتبارها فاتحة لمرحلة متعثرة جديدة .
وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات الاسرائيلية تشي بأن قطاعات واسعة داخل الجمهور اليهودي وليس العربي فقط ، بدأت تتململ من نهج اليمين المستوطن واليمين المتطرف بقيادة نتنياهو ، إلا أن هذا التململ لم يتطور بعد الى قوة سياسية حقيقية منظمة وجاهزة لطرح بديل حقيقي ، وقابلة لاستيعاب شرعية نضال مشترك لكل المعنيين بإحداث التغيير، من اليهود والعرب، والمعنيين بإحداث اختراق في الوعي السياسي والفكري السائد ، يمكّن من تجاوز النهج السياسي القائم وتغييره في اتجاه ديمقراطية حقيقية ومساواة في الحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وفي كل القضايا المطروحة للحسم . لقد كان لافتا في ظل هذا التقاطب الحاد حول موقع الفلسطينيين المواطنين في اسرائيل ، أن الانتخابات شهدت ارتفاعا كبيرا في نسبة الناخبين اليهود التقدميين والليبراليين اليهود الذين اختاروا الاصطفاف الى جانب القائمة المشتركة والتصويت لها ونشر مقالات في الصحف الاسرائيلية تدعو لذلك .
نتنياهو هو الفاشل الرئيس
وفهم نتنياهو أن المفتاح السحري والشرط الأساس من أجل عودته الى الحكم يتلخص في إجراءين متوازيين: توحيد قوى اليمين الفاشي والاستيطاني من حوله، بما فيه حركات يمينية متطرفة صنفتها الكنيست الاسرائيلية بالقانون كحركات إرهابية مثل حركة كاخ وأتباع السفاح غولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل في العام 1994، وبالمقابل تحييد المواطنين العرب وتحييد وزنهم عن الساحة السياسية واخراجهم خارج دائرة التأثير، وإلغاء ثقلهم في المعادلة الاسرائيلية من الجهة الاخرى، واعتبر نتنياهو ان ذلك يتسنى إما من خلال الحد من مشاركتهم السياسية والترويج لمقاطعة الانتخابات، وإما بتفريغ وعيهم السياسي وحرف النقاش عن القضايا الاساسية ، وتصدير الأزمة الى ساحة الجماهير العربية الداخلية، ليصبح الصراع صراعا داخليا وليس صراعا تخوضه الجماهير العربية مع سياسات التمييز العنصري والاضطهاد القومي .
كان لنتائج انتخابات نيسان 2019 والخطر الذي تهدد حتى اللحظة الأخيرة وجود تحالف الحركة الإسلامية والتجمع الوطني الديمقراطي وتجاوزه نسبة الحسم ( 3،25 بالمائة)، كان لهذا الخطر أثر كبير في نجاح المفاوضات لاستعادة تشكيل القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة نحو انتخابات أيلول بعد خمسة أشهر . وقد سهلت نتائج الانتخابات الحقيقية في انتخابات نيسان على تحديد توازن القوى داخل القائمة المشتركة التي حققت مُركّباتها في نيسان عشرة مقاعد، منها أربعة مقاعد للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ومقعدين اثنين لكل من الإسلامية والتجمع والعربية للتغيير.
نسبة المشاركة 60 بالمائة
وكان لاستعادة تشكيل القائمة المشتركة من جهة واهتزاز مكانة نتنياهو في انتخابات نيسان ، أثر كبير على استعادة استقطاب ثقة الناخبين العرب الذين شعروا أنهم كانوا قد خُذِلوا في انتخابات نيسان ، حين تفككت القائمة المشتركة وبرز التناقض بين الحديث الكبير عن خطورة الوضع السياسي المركب وما يحمله معه من مخاطر وتحديات من جهة ، وبين تفكيك القائمة المشتركة من الجهة الاخرى . فكانت إعادة تشكيل القائمة المشتركة في الانتخابات الاخيرة محفزاً لاستعادة الثقة الشعبية بوجود فرصة لانتزاع التغيير واعتبار أن إسقاط تحالف اليمين الفاشي المعادي للعرب برئاسة نتنياهو بات في متناول أيدينا وإن شئتم في متناول أصواتنا الموحدة . .
إن قراءة في نتائج انتخابات أيلول تثبت أن نتنياهو هو الفاشل الرئيس في هذه الانتخابات، وأنه اذا كان قد فرض الانتخابات المعادة لكي يصل الى ائتلاف يميني فاشي يحصل على اكثر من ستين عضو كنيست يوفرون له الفرصة التي أفلتت من يديه في انتخابات نيسان ليتمكن من تشكيل حكومة يمين نقية ومطيعة ، فإنه هو الذي سجل اكبر تراجع في انتخابات أيلول ...
والأمر اللافت أن فشل نتنياهو هو أولا وقبل كل شيء إنجاز من صنع جماهير الناخبين العرب الذين خرجوا بقوة وصلابة الى صناديق الاقتراع ، يتحدّوْن الاستفزازات العنصرية ويردون عليها ، بشكل يعكس التأثير المباشر والحقيقي لمشاركتهم الواسعة في التصويت بنسب تجاوزت 60% من أصحاب حق الاقتراع مقارنة بنسبة 49% في انتخابات نيسان هذا العام .. . ووصلت نسبة الاصوات التي منحها المشاركون العرب في التصويت للقائمة المشتركة في كبريات مدننا وبلداتنا العربية والمدن المختلطة الى نسب غير مسبوقة تجاوزت في بعضها نسبة 90% 95% من مجمل المصوتين.
إن أبرز ما جرى في هذه الانتخابات يتمثل في أن الجماهير الشعبية العربية مسنودة بحلفائها اليهود التقدميين، عرفت بفعل حسها الوطني السليم كيف ترد على التحدي الذي انتصب أمامها ، وعرفت كيف تدافع بزخم عن حقها في ممارسة مواطنتها ، ضاربة عرض الحائط بدعوات التقاعس والمقاطعة وأدلَجَة الإحباط والعجز السياسي والغضب ، ورفضت الدعوات التي روّجت لها بعض القوى وقليل من النخب لمقاطعة الانتخابات، وهي نخب وقوى سياسية عجزت عن أن ترى ما رأته الجماهير الشعبية الجارفة حين خرجت الى صناديق الاقتراع بكل ما تكتنزه من زخم شعبي ووعي لكرامتها الوطنية وحقها في التصدي للفاشية التي تقرع أبوابها.
إن زخم التجاوب هذا لم يحدث لأن القائمة المشتركة هي الشكل الاستراتيجي النهائي والأرقى للمستقبل لتنظيم نضال الجماهير العربية السياسي الوطني والتقدمي ، وانما لأنه في انتخابات ايلول 2019 وفي الظروف التي رافقتها ، انتصب خياران لا ثالث لهما أمام الناخبين العرب والناخبين اليهود المناهضين للمعسكر الفاشي: فإما المشتركة وإما نتنياهو ومشروعه الفاشي .. ولا نعرف بعد إن كنا قد نجحنا في اسقاط نتنياهو وحكمه نهائيا، ولا إن كنا قد أنهينا دوره السياسي ، لكننا نجحنا أن ندق مسمارا قد يتحول الى مسمار حاسم في نعش حكم نتنياهو ومشروعه الذي يتهدد مستقبلنا .
عين على الحقوق المدنية وعين على الحقوق القومية
الجماهير العربية في إسرائيل عرفت بالممارسة الكفاحية كيف تحول وضعها المركب الى مصدر قوتها لا مصدر ضعفها وتخبطها في إطار معركتها المتواصلة على حقوقها ، وصاغت وعيها كأقلية قومية تصر على انتمائها الوطني من جهة ، وتصر في الوقت نفسه على أن تمارس دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي كجزء من المواطنة في إسرائيل الدولة التي قامت في وطنها . وبدلا من التخبط في تناقضات وضعها المركب عرفت تاريخيا وبفعل قيادة وطنية تقدمية شيوعية قادت نضالاتها وأسست لفكرها السياسي على مدار سبعة عقود أن تمارس دورها باعتبارها جزءا من شعبها العربي الفلسطيني ، وفي الوقت نفسه جزءا من قوى التغيير الديمقراطي على الساحة السياسية الاسرائيلية تمارس حقوق مواطنتها وتتمسك بمساواتها في الحقوق المدنية وتصر على المساواة في حقوقها القومية .
إن الجماهير العربية في اسرائيل لم تسلم بقبول موقعها على الهامش ، بل أصرت على استعمال وزنها المتزايد ووزن مواطنتها من أجل أن تكون شريكا في المعركة على إحداث التغيير الديمقراطي الحقيقي والتقدمي العميق في المجتمع الاسرائيلي ، وفي النضال من أجل السلام العادل الاسرائيلي الفلسطيني ومن أجل تحرر الشعب الفلسطيني واستقلاله الوطني وممارسة حقه في تقرير المصير على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية
إن الساحة الاسرائيلية هي الساحة السياسية التي نخوض معركتنا للتأثير عليها ونطمح لتغييرها ثوريا. انها جدلية الانتماء القومي الواضح بلا تردد للشعب العربي الفلسطيني ، وفي الوقت نفسه الانتماء بلا تلعثم الى معركة التغيير التقدمي في المجتمع الاسرائيلي والى معارك الطبقة العاملة العربية واليهودية ، وممارسة دور فاعل في إحداث التحويل الديمقراطي العميق للمجتمع الذي نعيش فيه . إن التغيير العميق القادر على تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق القومية والمدنية لن يتم في اسرائيل بدون الجماهير العربية أو في مواجهتها ، لكنه لن يتم عن طريق الجماهير العربية وحدها .
1وثيقة السادس من حزيران 1980 في السادس من حزيران 1980 نشرت صحيفة الاتحاد الصادرة في حيفا عن الحزب الشيوعي الاسرائيلي “نداء الى الرأي العام” جرى تداوله باسم وثيقة السادس من حزيران 1980 ، ودعا النداء الجمهور الواسع والقوى الفاعلة بين الجماهير العربية في إسرائيل الى التوقيع عليه والالتزام به وثيقة توجه نضال الجماهير العربية في اسرائيل وتعبر “عن القلق الشديد الذي يسود المجتمع العربي في إسرائيل جرّاء التدهور الخطير في الوضع في المناطق الفلسطينية المحتلة وانعكاساته على الوضع داخل اسرائيل” ، ودعت الوثيقة الجماهير العربية في إسرائيل الى تنظيم مهماتها وأخذ دورها في مواجهة التدهور الناشئ عن “لجوء اسرائيل الى تشديد وطأة”اليد الحديدية“في المناطق الفلسطينية المحتلة، حتى ارتكاب جرائم العقوبات الجماعية المحظورة دوليا وانسانيا، وهو ما يقود بدوره الى المزيد من المقاومة المشروعة للاحتلال والى تعميق وتوسيع حلقة الدم المفرغة ..” ودعت الوثيقة – النداء “ممثلي الجماهير العربية كافة ، الى عقد مؤتمر يشارك فيه أيضا ممثلو قوى السلام والديمقراطية اليهود” . ووقع على الوثيقة\النداء ألوف الشخصيات والناشطين السياسيين وقامت اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي قادها د. إميل توما ، وحددت السادس من كانون اول 1980 موعدا لعقد مؤتمر الجماهير العربية في مدينة الناصرة على أساس وثيقة 6 حزيران . في الاول من كانون الاول 1980 أياما قليلة قبل موعد انعقاد المؤتمر أصدر رئيس الوزراء مناحيم بيغن بوصفه وزير الحربية ، واعتمادا على أنظمة الطوارئ الانتدابية أمرا يحظر فيه عقد المؤتمر واعتباره تجمعا غير قانوني . ويعتبر الأمر الصادر عن مناحيم بيغن وثيقة السادس من حزيران وثيقة محظورة وغير قانونية باعتبارها تعلن “التأييد والتعاطف مع المنظمة المسماة بمنظمة التحرير الفلسطينية والتي أعلن عنها تنظيما ارهابيا ، كما ويحظر نشاط اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي بات يعرف بالمؤتمر المحظور” . وشكلت وثيقة السادس من حزيران 1980 نصا مؤسسا للفكر السياسي لدى الجماهير العربية في إسرائيل في إحدى أعقد المراحل ، وبلورت مواقها بدقة من علاقتها بوطنها وبمواطنتها من جهة، وصاغت المعادلة المركبة التي حددت انتماءها الى شعبها الفلسطيني من جهة وتمسكها بممارسة مواطنتها ورفض الاجماع القومي الصهيوني وطرح بديل سياسي له