إيران: تداعيات فيروس كورونا في زمن العقوبات الاقتصادية

مستشفيات تعج بالمرضى وتفتقر إلى الموارد، سكان في وضع اقتصادي غير مستقر ومحرومون من الموارد، وتعبئة للشرطة والجيش للسيطرة على البلاد: سرعة انتشار فيروس كورونا في إيران مهولة. ولمواجهة هذه الأزمة الصحية والاجتماعية، طالبت السّلطات بمساعدة طارئة من صندوق النقد الدولي وبرفع العقوبات عن البلاد.

تظهر في الصورة مجموعة من الأشخاص يسيرون في شارع محتشد. يرتدي الجميع أقنعة وجه، مما يشير إلى أنهم يتخذون تدابير وقائية، ربما بسبب ظروف صحية مثل جائحة. يظهر في الصورة أشخاص مختلفون في المظهر، حيث يرتدي بعضهم ملابس شتوية، بينما تظهر فتاة صغيرة ترتدي سترة زرقاء. كما يمكن ملاحظة وجود شخص يشاهد هاتفه المحمول. الأجواء تعكس مشهداً حضرياً وتفاعلاً اجتماعياً في ظل الظروف الحالية.

لأول مرة منذ ما يقرب من 60 سنة، استنجدت إيران يوم الخميس 12 مارس / آذار 2020 بصندوق النقد الدولي وطلبت منه غلافاً مالياً عاجلا بقيمة 5 مليارات دولار (4.65 يورو). وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن الهدف من هذه الخطوة مساعدة بلاده على مكافحة فيروس كورونا. وكان صندوق النقد الدولي قبلها بيوم قد أعرب عن قلقه بشأن الانتشار العالمي للوباء وعواقبه الاقتصادية، داعياً إلى “استجابة دولية منسقة”. وفي نفس اليوم، أعلن المتحدث باسم الوزير سيد عباس موسوي على تويتر بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة “تؤكد ضرورة رفع جميع العقوبات الأمريكية الأحادية وغير القانونية ضد إيران لمواجهة فيروس كورونا”.

تأثر جميع المحافظات

تعتبر إيران الدولة الثالثة الأكثر تضرراً في العالم من جائحة فيروس كورونا بعد الصين وإيطاليا، بحصيلة بلغت 41495 حالة إصابة و2757 وفاة إلى غاية 30 مارس / آذار، وهي حصيلة لا تشمل سوى الحالات التي تم تشخيصها. وبذلك يكون كوفيد-19 قد وصل إلى 31 مقاطعة في البلاد. وإلى حدود 19 مارس/آذار، كانت الحالات تتركز بشكل عالٍ في العاصمة طهران (23.8 ٪ من الحالات)، تليها مازندران وغيلان على شاطئ بحر قزوين (8.6 ٪ و6.5 ٪ من الحالات)، فأصفهان وقم في الوسط (7.6٪ و5.7٪ من الحالات). وتعود قلة تأثر المحافظات الجنوبية بلا شك إلى بعدها عن بؤرة الوباء، وقد تكون الحرارة بدورها عاملاً مفسّراً.

لا يُعرف بدقة حتى الآن مصدر المرض في إيران، وقد تم الإعلان عن ظهور أول حالة في 19 فبراير/شباط. بعضهم يرجع ذلك إلى رحلات شركة ماهان للطيران التي نقلت مواطني الشرق الأدنى من الصين، فيما اتهم آخرون تاجراً سافر إلى الصين، كما تشير أصابع الاتهام إلى الطلبة الصينيين بمدرسة قم القرآنية.

تُبرز مراقبة الإحصائيات الرسمية اليومية أن عدد الوفيات المنسوبة إلى كوفيدـ19 في تزايد، لكن بعض أعضاء البرلمان يطعنون في الأرقام الرسمية، على غرار غلام علي جعفر زاده وهو نائب عن مدينة رشت الذي صرّح قائلا: “لا أريد بث الهلع، لكن يجب أن أكون صريحًا وأقول إن العديد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض كورونا لقوا حتفهم في مقاطعتنا دون يتم إدراجهم ضمن الإحصائيات، ما داموا لم يخضعوا لأي كشف”.

كما جاءت نتيجة الفحوصات التي خضعت لها العديد من الشخصيات السياسية إيجابية، منها 23 نائبا من مجلس الشورى (البرلمان الإيراني) من أصل مائة تم فحصهم. نجد من بين اللائحة الطويلة للمصابين نائبة الرئيس المكلفة بشؤون المرأة والأسرة بير حسين كوليفان، ونائب وزير الصحة إيرج حريجي، بالإضافة إلى علي أكبر ولايتي، المستشار المقرب للمرشد الأعلى ووزير الخارجية الأسبق. كما فتك الفيروس بشخصيات معروفة في البلاد كمحمد مير محمدي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة تحكيم بين المؤسسات، وحسين شيخ الإسلام الذي شارك في احتجاز رهائن بسفارة الولايات المتحدة عندما كان طالبا قبل أن يصبح سفيراً في سوريا ثم مستشاراً لمحمد جواد ظريف.

المساعدة المادية للصين

يتوقع الإيرانيون -الذين مروا في السّابق بأوقات صعبة- أياماً حالكة. ففي حال فشلت الإجراءات المتخذة في إبطاء تقدم الفيروس، من المتوقع أن يبلغ الوباء ذروته في منتصف أبريل / نيسان على أفضل تقدير، ما سيُخلّف حصيلة وفيات تقدّر بالآلاف. من المفروض أن إيران تتمتع ببنية تحتية وطاقم صحي رفيع المستوى خلال الفترات العادية، إلّا أن الوضع تغير منذ تشديد العقوبات. هذا ما لخّصه الخبير الاقتصادي تياري كوفيل في جريدة “لا كروا” الفرنسية في 13 مارس/آذار: “إن حرمان أي دولة من 40٪ من إيرادات ميزانيتها بمنعها من تصدير نفطها وغازها، لا يمكن سوى أن يؤثر سلباً على كفاءة نظامها الصحي”.

سيحتاج آلاف المرضى خلال الأيام القادمة إلى الإنعاش، في حين تشهد المستشفيات ضعفاً على مستوى طاقتها الاستيعابية. وقد وضعت وزارة الصحة الإيرانية مسبقاً قائمة طويلة من المعدات الطبية التي تحتاجها مستشفياتها لمكافحة فيروس كورونا والتي تضم أقنعة الأكسجين وأجهزة الإنعاش ومقاييس الحرارة والاختبارات التشخيصية والقفازات. على الرغم من أن عقوبات واشنطن لا تشمل نظرياً الأدوية والمعدات الطبية، إلا أن الأمريكيين يبقون عمليا على قيودهم ويشددونها.

رغم ذلك، اقترح دونالد ترامب مساعدته الإنسانية عبر وساطة سويسرية، لكن دون تقديم اقتراح ملموس إذ قال إن “كل ما على [لإيرانيين] فعله هو أن يطلبوا”. تصريح ردّ عليه الرئيس الإيراني حسن روحاني في 4 مارس / آذار قائلا إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا مساعدة إيران في مكافحة فيروس كورونا، فما عليها سوى رفع العقوبات المفروضة على البلاد بما في ذلك حظر استيراد الإمدادات الطبية، مضيفاً أن “أولئك الذين ارتكبوا أبشع الممارس ات ضد الأمة الإيرانية خلال العامين الماضيين يظهرون (الآن) مُرتدين قناع التعاطف”.

من جانبها، منحت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مساعدة رمزية لإيران يومي 2 و16 مارس / آذار في شكل إمدادات طبية. لكن معظم المساعدات أتت من الصين وتكونت من خبراء على الميدان وقوافل تضامن من المانحين الصينيين. وصرّح الرئيس الصيني شي جين بينغ في 14 مارس / آذار أن الصين ستواصل بذل قصارى جهدها من أجل دعم إيران في مكافحة وباء كوفيدـ19.

دعم شعبي للطواقم الطبية

رغم ظروف عملهم الصعبة للغاية والتي تعوزها الإمكانيات، توجد طواقم الصحة على خط الجبهة الأمامي لمكافحة كوفيد-19، وهو ما جعل السكان يشيدون بهم عن طريق الملايين من رسائل الشكر على الشبكات الاجتماعية.

تُظهر مقاطع فيديو قُدمت على أنها صُورت في مستشفيات وتم بثها على الإنترنت خلال الأيام الماضية أفراد طواقم طبية مرتدين زي غرف العمليات وأقنعة حماية، وهم يرقصون على إيقاع موسيقى إيرانية تقليدية وموسيقى البوب الإيرانية بغرض محاربة اليأس. يرافق العديد من مقاطع الفيديو هذه الرمز #چالش_رقص (تحدي الرقص) أو #کرونا_را_شکست_می_دهیم (سنهزم على كورونا).

صعوبات الحجْر الصحي

على الرغم من التحذيرات، تواصل اندفاع الطبقات الميسورة إلى الفيلات الفخمة الواقعة في المدن الساحلية لبحر قزوين، خاصة مع حلول رأس السنة الإيرانية نوروز في 20 مارس/آذار. وفي طهران كذلك، لم يحترم السكان دوماً التعليمات، إذ قال سيد زالي المسؤول عن مراقبة الفيروس في العاصمة يوم السبت 14 مارس / آذار مستنكرًا هذه الظاهرة: “وفق ما لاحظناه عمليا، كان اليوم أحد الأيام الأكثر ازدحامًا في طهران، على الرغم من تحذيراتنا للسكان بتواصل انتشار فيروس كورونا”.

وتم الإعلان عن تدابير صارمة بعد أن أمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في 12 مارس / آذار القوات المسلحة بالانخراط في مكافحة كوفيد-19، من أجل السيطرة بشكل أفضل على حركة التنقل في المدن وعبر البلاد. كما تمّ تشكيل لجنة لمراقبة عملية “إفراغ المتاجر والشوارع والطرق”، طبقاً لقرار اتخذ على المستوى الوطني على حد تعبير رئيس هيئة الأركان العامة اللواء محمد حسين في تصريح تلفزي. وأكد هذا الأخير أنه “ستتم مراقبة كافة الأمة الايرانية خلال الايام العشرة المقبلة، سواء عبر الفضاء الإلكتروني أو عبر الهاتف، وبشكل شخصي إن لزم الأمر”، مضيفاً أنه “سيتم التعرّف عن الأشخاص المشتبه في إصابتهم”. ويبدو أن الوجود الظاهر للحرس الثوري والجيش خاصة في عمليات تنظيف المدينة يهدف إلى تحسين صورة هذه القوات بعد اشتباكات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضد ارتفاع أسعار الغاز.

من جانب آخر، طفت على السّطح مواضيع مثل شفافية المعلومات في وسائل الإعلام الرسمية وظروف العمل الصعبة لأطفال الشوارع، إذ أطلقت منظمات غير حكومية وجمعيات خيرية نداءً من أجل معلومات مباشرة وشفافة وحجر المدن الأكثر تضرراً وحظر عمل الأطفال في الشوارع وتقديم معلومات بخصوص المساعدات الأجنبية والتبرعات الواردة واحترام التوصيات العلمية حول الوقاية، بالإضافة إلى استخدام جميع الإمكانيات والوسائل التي وفرتها منظمة الصحة العالمية.

ووفقًا لقرار صادر عن السلطة القضائية بتاريخ 13 مارس / آذار، من المقرر أن يتم العفو على حوالي 90 ألف سجينا يستثني من صدرت بحقهم أحكام بالسجن لأكثر من عشر سنوات و/أو الذين شاركوا في عمليات “ضد الأمن القومي”، من سراح مؤقت للحد من انتشار الفيروس. وفي الوقت الذي استفاد بعض السجناء السياسيين من هذا الإجراء، طالب حوالي مائة سجين سياسي سابق في رسالة إلى علي خامنئي بالإفراج عن سجناء الرأي، كما طالبت عائلات السجناء بالمزيد من الإمكانيات الصحية لحماية المعتقلين.

تدابير لدعم الفئات الهشة

يؤثر الحجر الصحي والمرض وتوقف الأنشطة بشكل كبير على حياة السكان، الذين كانوا يعانون أصلاً حتى قبل الأزمة الصحية. وهم اليوم يفتقرون إلى موارد العيش بسبب توقف نشاط الآلاف من المحلات التجارية وورش العمل والشركات. يقتضي برنامج الدعم الحكومي اقتراح قرض من قيمة مليون إلى مليوني تومان (66 إلى 120 يورو) وبمعدل سداد بـ 4٪ لفائدة عمال البناء والعُمال الموسميين والمُياومين والباعة المتجولين وسائقي سيارات الأجرة وعمال المطاعم. وستستفيد من هذا البرنامج حوالي ثلاثة ملايين أسرة. أمّا العائلات التي لا تتوفر على أي موارد أو تلك التي تتوفر على موارد غير منتظمة، فستستفيد من إيصالات دعم تصل إلى 200 ألف تومان شهرياً لفائدة الشخص الواحد و600 ألف لفائدة خمسة أشخاص فأكثر (15 و40 يورو على التوالي). كما أعلن بونیاد مستضعفان من منظمة المحرومين في 16 مارس / آذار أن المؤسسة ستمنح مليون تومان (حوالي 66 يورو) لفائدة 4000 بائع متجول في جنوب طهران.

لكن كل هذه التدابير بمثابة قطر ماء في البحر. فالإجراءات المتخذة لمحاولة مساعدة الفئات الهشة لا تبدو بمستوى الكارثة، وقد أضعف “الضغط الأقصى” الأمريكي الاقتصاد الإيراني وكذا الفساد الداخلي. في المقابل، يستطيع كبار الأثرياء والشركات الكبرى أن يتنفسوا قليلاً بفضل وعود التخفيضات الضريبية لهذا العام.

على الرغم من كون المرض يؤثر على الجميع دون تمييز اجتماعي، فإن عواقبه أشد بكثير على الفئات الفقيرة. فمن الواضح أن احترام توصيات النظافة ضد الفيروس أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون لتلبية احتياجاتهم والذين يواصلون العمل العشوائي على الرغم من الحجر، كما هو حال الآلاف من رجال توصيل الطلبات الذين يزوّدون من يدفع لهم حتى لا يغادر منزله. وكما يعتقل مضاربون يوميا، إذ أعلن مثلا رئيس الشرطة المسؤول عن الأمن الاقتصادي عن اكتشاف أكثر من 16 مليون من التجهيزات الصحية (قفازات، مطهرات، أقنعة...) في جميع أنحاء البلاد، فقط خلال يوم 14 مارس / آذار.

في انتظار رد صندوق النقد الدولي

النظام الصحي مهدد بشكل خاص في إيران. ومع فيروس كورونا، سترتفع معدلات البطالة والتضخم بشكل كبير. الضغوط الاقتصادية كما منحنى تقدم المرض يسحقان السكان، ويتخذ هذا الحصار في الوضع الحالي ولا سيما على المنتجات الصحية بعدا إجرامياً.

ما هي حظوظ رد إيجابي من صندوق النقد الدولي على الطلب الإيراني؟ هل سيكون قادراً على إنقاذ إيران دون موافقة واشنطن؟ ماذا سيكون رد فعل المؤسسات الدولية وباقي الدول الأخرى المُنشغلة بالوباء؟ من سيجرؤ على تحدي الأمريكيين في زمن أزمة صحية غير مسبوقة كهذه؟ في انتظار ذلك، تبدو الأزمة الصحية خارجة عن السيطرة في إيران.