سيلفان سيبيل: يبدو الوضع أكثر تعقيدا مما كان منتظرا ونحن عشية الإعلان المحتمل لبنيامين ناتنياهو على “ضم” أراض من الضفة الغربية، ما سبب ذلك؟
روبرت مالي: هذا صحيح، إذ يرى شريكا ناتنياهو الجديدان في الحكومة -أي رئيسا الأركان القدامى بيني غانتس وغابي أشكنازي- أنه يجب ضم الأراضي بالتوافق مع بلدان المنطقة، وهو طبعا أمر مستحيل. كما يودان أن يرافق هذا الضم نوع من مبادرة السلام الإسرائيلية، مهما كانت متواضعة. في الحقيقة، لم تأت المعارضة الأكثر شراسة لنتانياهو من هذا الصف بل من اليمين المتطرف الذي يرى في أي عملية ضم -مهما كان حجمها- أمرا أسوأ من المحافظة على الوضع الحالي، في حال اقترن الضم بقبول ولو شكلي لدولة فلسطينية في المستقبل. فإسرائيل تتمتع في الوضع الحالي بسيادة عملية على كامل الأراضي الفلسطينية.
هم يقولون لماذا نقبل بدفع هذا الثمن؟ أما آخرون، فيعتبرون أنه يجب ضم جميع الأراضي التي تتحدث عنها “خطة ترامب”. لكن لا يجب المبالغة في حجم هذه الخلافات. أظن أن ناتنياهو سيضم أراضي الضفة لكي يبقى اسمه راسخا في تاريخ إسرائيل، فضلا عن كون ذلك يصب في مصلحته من الناحية السياسية.
س. س: يبدو البيت الأبيض منقسما بدوره بين من يدعمون ناتنياهو بقوة وبين آخرين -على غرار جاريد كوشنر- الذين يسعون إلى الحد من مشروع الضم للحفاظ على علاقتهم مع دول الخليج.
ر. م.: هذا الجدال بين أولئك الذين يمثلهم كوشنر والذي يظنون -ربما بسذاجة- أن باستطاعة خطة ترامب أن تعيد إحياء “عملية السلام”، وبين آخرين -على غرار السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان- الذين يرون أن الهدف من هذه الخطة هو في الحقيقة تعزيز الطموحات الإيديولوجية الخاصة بطبيعة الممسكين بالحكم في إسرائيل وتعديل المعادلة الإسرائيلية الفلسطينية، كان دائم الحضور وسط إدارة ترامب. ترى المجموعة الأولى أنه يجب مسايرة الحلفاء العرب للبيت الأبيض. أما الثانية -وقد عبر فريدمان عن ذلك بطريقة شبه مبينة-، فهي ترى أن على الفلسطينيين أن يفهموا أن هذه الأرض لن تعود أبدا إليهم وأن عليهم التخلي عن أوهامهم.
في الأخير، سيكون الحسم بيد دونالد ترامب. أظنه سيكون أكثر استماعا لحجج فريدمان، لما فيها له من ضمانات لدى قواعده الانتخابية، خاصة لدى الإنجيليين. لكن عادة ما يكون الميل للتسوية بين الفصائل هو الفائز في جميع الإدارات. إن أعلن ناتنياهو عن ضمه للمستوطنات الكبيرة فقط ولجزء من غور الأردن، قد يظن هو وترامب أن الرأي الدولي سيقبل بذلك مثلما كان الحال في الماضي، ففي جميع خطط السلام كان المطلوب أن تتمكن إسرائيل من ضم الجزء الأكبر من مستوطناتها. وهما يراهنان على أن تهديدات العرب ضد إسرائيل ستبقى مرة أخرى مجرد كلام.
س. س.: مهما كان حجم هذا الضم، هل يمكن أن يكون لهذا الموضوع ثقل في الانتخابات الأمريكية الرئاسية؟
ر. م.: هناك ملفان -من ضمن ملفات السياسة الخارجية التي ينوي ترامب استغلالها خلال حملته- يشملان الشرق الأوسط، وهما ضم غور الأردن والملف النووي الإيراني. إن قامت إسرائيل بضم الأراضي، فسيتهم ترامب الديمقراطيين بالتخاذل عن حليفهم، وسيقدم جو بايدن في صورة الصديق الكاذب لإسرائيل وكـشخص “واهن” بالنسبة للملف الإيراني. لكن هذا لن يجلب إليه صوتا يهوديا آخر ولن يكون له أثر كبير على الانتخابات.
س. س.: أعلن ترامب أنه لن يدعم سوى مشروع ضم يحظى بموافقة الحزبين الإسرائيليين الأساسيين -أي “ليكود” و“الأزرق أبيض”- بالنسبة لحجم الضم وطريقة تطبيقه. هل يمكن أن نتصور أنه في غياب توافق داخلي على هذا الموضوع في إسرائيل، سيعلن ترامب تنازله عن هذا الموضوع إلى حين إشعار آخر؟
ر. م.: لن يتنازل ترامب عن خطته التي تحظى في إسرائيل بدعم واسع، خاصة من طرف الحزبين المتشاركين في الحكم. لكنه قد يعلن أنه سينتظر حتى يتفق الحزبان. سنعرف ذلك سريعا، لكن في الحقيقة، ترامب لا يهتم كثيرا بالنقاشات الداخلية في إسرائيل. لكنه مقتنع أنه بفضل “خطة السلام” سيكتب اسمه في سجل التاريخ باعتباره الرجل الذي روج لرؤية مبتكرة. بيد أن الوضع الراهن يصب في مصلحة أنصار الضم. لو كان ترامب متأكدا من إعادة انتخابه، سيقول “سأنتظر”. لكن استطلاعات الرأي حاليا سلبية جدا وباتت رياح الذعر تهب في صفوف من حوله. إن كان ترامب يريد تدوين اسمه في سجل التاريخ، يجب عليه المصادقة على الضم قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
س. س.: تقول الاستطلاعات اليوم أن ترامب سيخسر. إن حدث ذلك، ما الذي سيبقى للولايات المتحدة الأمريكية من سياسته في الشرق الأوسط؟
ر. م.: لنبدأ بطرح سؤال آخر: إن لم يتم ضم غور الأردن، ماذا سيحدث؟ في الوضع الراهن وقبل الإعلان عن الضم، لسنا قاب قوسين أو أدنى من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد تم ضم الأراضي الفلسطينية منذ عقود على أرض الواقع دون أن يتم ذلك قانونيا. الضم الرسمي -مهما كان بعده- لن يغير شيئا على أرض الواقع أو في حياة الفلسطينيين. ما يجب تفاديه هو في حال عدم القيام بضم الأراضي، ألا نتنفس الصعداء ونرضى بالوضع السابق. لا يجب أن ننسى أن “حل الدولتين” يحتضر، وهذا قبل ضم الأراضي.
س. س.: ما الذي يمكن لجو بايدن فعله في هذا الملف، في حال تم انتخابه؟
ر. م.: معارضة بايدن لخطة ترامب واضحة، وقد أعلن أنه سيتراجع عن بعض القرارات التي اتخذت. لن يشمل ذلك قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه سيفتح القنصلية الأمريكية من الجانب الفلسطيني، كما سيحاول فتح مكتب تمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وسيجدد المساعدات المالية للفلسطينيين التي علقها ترامب. هل سيتراجع عن مشروع الضم؟ إن كان واسعا ويشمل كامل غور الأردن والأغلبية الساحقة من المستوطنات، فمن الوارد ألا تعترف به إدارة بايدن. لكن يجب أخذ عنصر رئيسي بعين الاعتبار، وهو أن القضية الفلسطينية لن تكون الأولوية في سياسة الشرق الأوسط لإدارة ديمقراطية. بايدن رجل واقعي قبل كل شيء، وقد اعتبر دائما أن الإسرائيليين والفلسطينيين -وهو قاس جدا تجاههم- بعيدون جدا عن أي توافق وألا جدوى من السعي ليتغلبوا عن خلافاتهم في الوضع الراهن. باستثناء حدث غير متوقع، لا أظن أن إدارته ستلتزم بمبادرات مهمة، فبايدن لا يؤمن بذلك.
س. س.: دعت أكثر من 120 منظمة أمريكية للدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق المدنية جو بايدن لـ“مساندة المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وقد أمضى ممثلون ديمقراطيون في الكونغرس مقربون جدا من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)1 مثل تاد دويتش وبراد شايدر عريضة ضد ضم الأراضي الفلسطينية. هل نحن أمام تطور جوهري لموقف الديمقراطيين من إسرائيل؟
ر. م.: أولا، يجب الإشارة إلى أن أهم معارضة سمعناها في الولايات المتحدة الأمريكية على ضم الأراضي الفلسطينية لم تأت من يسار الديمقراطيين بل من أشخاص مثل هؤلاء النواب الذين ذكرت وهم أنصار متحمسون لإسرائيل، أو من طرف شخص مثل روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى2. هؤلاء الأشخاص يعون جيدا أن هناك جدالا يتفاقم في صفوف الديمقراطيين حول ضرورة معاملة إسرائيل كأي بلد آخر، وحول كون إسرائيل تمارس سياسات تتعارض جذريا مع قيمهم ومع المصالح الأمريكية. بل ونجد حتى من بينهم من يقول إنه يجب أن نبدأ في الحد من المساعدة العسكرية لإسرائيل. هذا الخطاب جديد للغاية ولم يتعد الأقلية، لكن عددهم في ارتفاع.
كذلك، نشهد اليوم صعود جيل جديد في صفوف النواب، جيل يقول: “حذار! فضم الأراضي الفلسطينية يلغي القيم التي نؤمن بها وإمكانية وجود دولتين تعيشان بسلام الواحدة حذو الأخرى”. حتى لو كان الضم محدودا، فسيكشف ذلك القناع الذي كان يحمي إسرائيل. في الواقع، إن السؤال الذي يزعج هؤلاء هو: “لمَ تضم إسرائيل أراض وهي تتحكم فيها؟” وأضيف أنها لا تدفع مقابل ذلك أي ثمن سياسي. فضم الأراضي الفلسطينية يجعل المعادلة أكثر تعقيدا. بالنسبة لهؤلاء، فإن الوضع الحالي هو أفضل حل بالنسبة لإسرائيل، وهو ما يفسر خوف جزء منهم. إذ أن جزءا من اليسار الديمقراطي بدأ يرفع صوته قائلا: “ليضموا الأراضي الفلسطينية حتى ينكشف القناع ويرى الجميع الوجه الحقيقي لإسرائيل”. وهذا الخطاب كارثي بالنسبة لأنصار إسرائيل في صفوف الديمقراطيين، لذا تجد عددا أكبر فأكبر من المسؤولين الديمقراطيين -ومن بينهم من كان من الداعمين الكبار لإسرائيل- ينأون بأنفسهم عن سياستها. وقد يلعب هذا دورا لا سيما في إسرائيل، ليس في الوقت الراهن ولكن على المدى الطويل.
س. س.: هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعاقب إسرائيل؟
ر. م.: بعض الأوروبيين يفكرون في الأمر، لكن لن يكون ذلك على صعيد الاتحاد الأوروبي بسبب غياب إجماع على الموضوع. قد تتخذ بعض البلدان عقوبات ضد إسرائيل، وقد يتبنى الاتحاد عقوبات في المجالات التي لا تحتاج إلى إجماع، مثل الاتفاقيات التجارية والتعاون الدولي. لكن فكرة أخرى بدأت تبرز حاليا، وهي الاعتراف القانوني بدولة فلسطينية من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي. إن جدّ ذلك، فإن سؤالا مهمّا سيطرح نفسه: هل سيتم الاعتراف -بطريقة مبهمة- بمبدأ الدولة، أم بدولة ذات سيادة على حدود يونيو/حزيران 1967، مع تعديلات طفيفة محتملة؟ إن الأوروبيين يتناقشون في الموضوع. أظن أن ناتنياهو يراهن أنهم سيذعنون إلى الأمر المقضي على المدى الطويل، كما كان الحال دائما إلى حد الآن. لكن غانتس وأشكنازي يتواصلان بدورهما مع الأوروبيين، وقد يكون للأمر أهمية، وفق ما سيفعله الاتحاد الأوروبي.
س. س.: يعتبر تشاك فرايليش مساعد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق أن ضم الأراضي الفلسطينية ستكون له عواقب وخيمة، من بينها فقدان تام لشرعية إسرائيل على الصعيد الدولي، وموجة عنف جديدة، وحرب قد يشارك فيها حزب الله، وتعزيز لـ“محور المقاومة” ضد إسرائيل، وأخيرا انقلاب الديبلوماسية الأمريكية على إسرائيل. ويختم قائلا إن “الحكماء لا يجازفون بمستقبل بلادهم وهم يلعبون الروليت الروسية”. في الجهة المقابلة، يرى الكثير من المعلقين الإسرائيليين أن ضم الأراضي الفلسطينية لن يواجَه بعداء يفوق القرارات السابقة التي اتخذها ترامب إلى حد الآن، نظرا لضعف السياسة الفلسطينية ونقص الاهتمام الدولي اليوم بهذا الصراع. ما رأيكم؟
ر. م.: تعودنا جميعا ردود فعل الدول العربية على سياسة الأمر المقضي الإسرائيلية والتي لا تسفر على شيء، لذلك نتخيل أن الأمر لن يكون مختلفا هذه المرة. ونصل هكذا إلى استنتاج أن إسرائيل انتصرت وأنه لا يمكننا القيام بالكثير. أتفهم ذلك جيدا، لكنني أظن أننا سنتبين خطأ هذه الرؤية عاجلا أم آجلا. متى سيتم رد الفعل وما الذي سيكون الدافع؟ هذا ما نجهله. لكن ما نعلمه هو أن منطق السياسة الإسرائيلية هو منطق تمديد إقليمي. فلم ستتوقف؟ شخصيا، لا أؤمن بحرب من قبل الدول العربية أو بهجوم من حزب الله ضد إسرائيل في القريب العاجل. لكن هذه المنطقة قابلة للالتهاب، وسيتسبب أمر ما في ذلك. للأسف، يمكننا أن نفهم المنطق الإسرائيلي، فإسرائيل تنتصر إلى حد الآن. وطالما لم تحدث كارثة، سيكون من الصعب إقناع الإسرائيليين أن ذلك قد يحدث.