تقرير

موجة من الاعتقالات العشوائية في صفوف فلسطينيي الداخل

حرّرت هذا التقرير مجموعة من الحقوقيين الفلسطينيين في الداخل. خلال بضعة أيام، تم اعتقال ما يزيد عن 700 فلسطيني من الداخل، من بينهم عشرات القاصرين. وهي اعتقالات عشوائية هدفها الوحيد إرهاب الفلسطينيين وثنيهم عن المشاركة في المظاهرات.

حيفا، مايو/أيار 2021.

في الأسبوع الأوّل من انتفاضة الوحدة الفلسطينيّة، سجّلت الحقوقيّات والحقوقيّون داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 حالات عنفٍ مروّعة وانتهاكات حقوقيّة سافرة مارستها قوى القمع الإسرائيليّ- من شرطةٍ، ووحدات خاصّة، وحرس حدود، وشرطة سريّة ومستعربين- كمان الأذرع القانونيّة متمثّلةً بالقضاة والمدّعين.

إلى جانب مئات الاعتقالات في القُدس والضفّة الغربيّة، سُجّل في الداخل المحتل أكثر من 700 اعتقال من بينهم عشرات الأطفال، وذلك منذ انطلاق الاحتجاجات في الداخل يوم الأحد (9 أيّار/مايو 2021) وحتّى مساء الجمعة (14 أيّار/مايو 2021). يظهر بوضوح من محصّلة الاعتقالات وتفاصيلها أنّها هدفت إلى إرهاب الفلسطينيين وردعهم عن التظاهر والنزول إلى الشوارع، كما تهدف إلى إحباط مساعي الفلسطينيين للدفاع عن عائلاتهم وبيوتهم، حاراتهم وبلداتهم، أمام اعتداءات العصابات الصهيونيّة المنظّمة. من خلال هذه الاعتقالات، وفّرت الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة الإسرائيليّة حمايةً وغطاءً لهذه العصابات التي اعتدت على الفلسطينيين ونكّلت بهم، أطلقت النار، أشعلت الحرائق، وخرّبت أملاكهم.

يرصد هذا التقرير أنماط متكرّرة في الاعتقالات في كافّة المدن والبلدات الفلسطينيّة، كما رصدناها من اتصالات مع محاميّات ومحامين داخل الأراضي المحتلّة عام 1948.

 اعتقالات عشوائيّة: تميّزت الاعتقالات في هذه الجولة بعشوائيّة بالغة واعتباط تام. نفّذت الشرطة الإسرائيليّة اعتقالات بالجملة في المظاهرات، كما اعتقالات كثيرة للمارة والمتواجدين في محيط الاحتجاجات صدفةً، أو حتّى في الأحياء المجاورة بعد انتهاء المظاهرة. كذلك، أقامت الشرطة حواجز في مناطق خلت من المظاهرات، وأوقفت فيها سيّارات الشبّان، فتشتها واعتقلتهم.

 اقتحامات البيوت والمحال التجاريّة: اقتحمت الشرطة خلال الأيّام الأخيرة عددًا من البيوت المجاورة لموقع المظاهرة، اعتدت على أهلها واعتقلتهم من داخل بيوتهم ولعلّ أبرزها اقتحام منزل الشيخ عوض محاميد في حيفا والاعتداء عليه وعلى أبنائه بوحشيّة. كذلك سُجلت حالات عديدة لاقتحام المحال التجاريّة التي استقبلت الجرحى، من مطاعم أو مقاهي أو دكاكين، وقد تم تكسيرها واعتقال المصابين من داخلها.

 مهاجمة واعتقال من يصوّر ويوثّق الاعتداءات: وُثقت عشرات الحالات التي هاجمت فيها الشرطة كل من صوّر ووثّق عُنفها بحق المتظاهرين، لا سيما أثناء لحظات الاعتقال التي برز فيها العنف الجسديّ البالغ. سُجلت اعتقالات لشابّات وشبّان بسبب تصويرهم للأحداث، بينما هددت الشرطة آخرين قاموا بتوثيق الأحداث بتوجيه فوّهات البنادق إليهم وأطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الصوت عليهم في أكثر من حالة.

 عنف جسديّ خلال الاعتقال والنقل إلى مراكز الاعتقال: سُجلت بين المعتقلين كسور بالأقدام والأيدي والظهر والعنق، كما إصابات في العيون والوجه والرأس. وقد استخدمت الشرطة بشكل متواصل الضرب بالهراوات وأعقاب البنادق، وداست على رؤوس وأعناق المعتقلين لدقائق، كم تعمّدت ضرب رؤوسهم بالأرض والجدران وأبواب مركبات الشرطة. كذلك، مارست الشرطة الإسرائيليّة خلال نقل المعتقلين وفي مراكز الاعتقال عنفًا جسديًا ونفسيًا ضد معتقلين مصابين بأمراضٍ نفسيّة، ما أدّى إلى نوبات عصبيّة خطيرة نُقلوا إثرها إلى المستشفى. في حالتين على الأقل، جرى هذا النوع من الاعتداءات بعد أن أُعلم رجال الشرطة بشكلٍ واضح بهذا الوضع الصحيّ.

 تهديدات بالقتل: خلال الاعتقالات، ولا سيما التي نفذها المستعربون، وبحق القاصرين خاصةً، تعرّض المعتقلين لتهديد بالقتل، كمان غطّت وجوههم وعُصبت عيونهم، وتم نقلهم بين سيّارات مستعربين وشرطة مختلفة لساعات طويلة وسط تهديدات بإخفائهم.

 جمع الأدلة الزائفة: انتهجت قوى الأمن أسلوب جمع الأدلّة الزائفة، حيث يقوم أحد رجال الأمن بعد الاعتقال بجمع حجارة أو زجاجات أو عصي عن الأرض بشكلٍ عشوائيّ والادعاء لاحقًا أنّها كانت بيد المعتقل.

 حشر أعداد من المعتقلين وخنقهم بمركبات ضيّقة: جمعت الشرطة أعداد كبيرة من المعتقلين في مركبات نقل ضيّقة، وفي حالات كثيرة راكمت المعتقلين فوق بعضهم البعض، وأغلقت المركبات دون أي مجرى للهواء، كما اعتدت بشكلٍ دوريّ على المعتقلين المتراصين داخل السيّارة بالضرب. كذلك، انتهج رجال الشرطة ضرب رؤوس المعتقلين بأبواب المركبات ضربات متكرّرة.

 انتهاك حقوق الأطفال في التحقيق: علاوةً على الاعتداءات الفظيعة اثناء الاعتقال، فقد انتُهكت حقوق الأغلبيّة الساحقة من الأطفال المعتقلين، بالعنف الجسديّ المروّع والتهديد والعنف النفسيّ، وأيضًا بمنعهم عن حقوقهم الأساسيّة التي يكفلها القانون؛ مثل حرمانهم من حقّهم بالاستشارة القانونيّة قبل التحقيق، عدم إجراء التحقيق بلغتهم الأم، منع مرافقة الأب أو الأم لأبنائهم وبناتهم خلال التحقيق. وهي كلّها شروط يفرضها القانون. كذلك، جرت أغلبيّة التحقيقات مع القاصرين في ساعات الفجر بما يخالف القانون. كذلك، مارس المحققون أساليب تحايل على الأطفال من أجل انتزاع الاعترافات منهم.

 الاعتداء داخل مراكز التحقيق: شهدت مراكز التحقيق عنفًا وحشيًا من قبل رجال الشرطة ولا سيما رجال وحدات “يسام” التي دخلت مراكز الاعتقال وفرضت سيطرتها بشكلٍ غير قانونيّ. كما سُجلت شهادات عن جمع أعداد كبيرة من المعتقلين في غرف ضيّقة جدًا، ومنعهم من شرب الماء أو الدخول إلى المرحاض. كما سُجلت حالات التقط فيها رجال الوحدات الخاصّة صورًا للمعتقلين بهواتفهم الخاصّة داخل المعتقل دون أي صلاحيّة أو مسوّغ قانونيّ. في الناصرة على سبيل المثال، أفاد أحد المعتقلين بوجود غرفة خاصّة جمعوا فيها المعتقلين على الأرض، منعوهم من رفع رؤوسهم لئلا يروا رجال الأمن الذين يدخلون ويعتدون عليه بالضرب. بحسب شهادة المعتقل، فقد امتلأت أرضيّة الغرف ببقع الدم نتيجة الاعتداءات.

 منع نقل المعتقلين إلى المستشفى قبل التحقيق: سُجلت عشرات الحالات التي رفضت فيها الشرطة نقل معتقلين مصابين إلى العلاج الطبيّ في المستشفى رغم توصيات طواقم المسعفين وجزمهم بضرورة تقديم العلاج فورًا. وقد أصرّت الشرطة في حالات كثيرة ألّا يتلقّى المعتقل علاجًا طبيًا إلا بعد خضوعه للتحقيق. في بعض الحالات التي احتجّت فيها طواقم المحامين ورفضت تقديم الاستشارة للمعتقل حتّى تلقيه العلاج الطبيّ، انتقمت الشرطة من المعتقلين وطواقم المحامين من خلال تأجيل التحقيق، وإبقاء المعتقل دون علاج لساعات طويلة، بلغت في حالات معيّنة أكثر من 9 ساعات، وكانت من ضمن هذه الحالات إصابات تتطلّب علاجًا فوريًا ويلعب فيها الوقت دورًا مفصليًا، مثل الإصابات في العيون.

 الاعتداء على طواقم الحامين: حاولت الشرطة بأشكال مختلفة أن تحبط عمل طواقم الدفاع، لا سيما طواقم المحامين المتطوّعين الذين مثلوا المعتقلين بشكلٍ جماعيّ واصرّوا على حقوقهم، لا سيما حقّهم بتلقّي العلاج الطبيّ. في حالات كثيرة، أبعدت الشرطة المحامين عن مدخل مركز الاعتقال لمنعهم من معرفة عدد وأسماء المعتقلين. أما في الناصرة فسُجل اعتقال لمحاميين اثنين. كذلك، وفي أكثر من حالة، تم طرد المحاميّات والمحامين من مراكز الاعتقال. في أم الفحم مثلًا، أُغلق مركز الشرطة إغلاقًا تامًا، وكذلك أوقف الرد على المكالمات الهاتفيّة، وذلك بهدف عدم الادلاء بأي معلومات عن المعتقلين ومنعهم عن تلقّي أي استشارة قانونيّة. كذلك، وعند إصرار المحامين على حقوق المعتقلين، ولا سيما نقلهم لتلقّي العلاج الطبّي، مارس رجال الشرطة خطوات عقابيّة تهدف لإنهاك المحامين، مثل تأخير التحقيقات حتّى ساعات الصباح، وإجبار المحامين على الانتظار لساعات طويلة قبل تقديم استشارة للمعتقل.

 إطلاق سراح مشروط: في حالات كثيرة، وضمن الاعتقالات العشوائيّة دون أي مسوّغٍ أو مبرّر، قرّرت الشرطة إطلاق سراح المعتقلين بعد الاعتداء عليهم دون تقديمهم للمحاكمة لتمديد اعتقالهم، إلا أنّها فرضت عليهم شروطًا تهدف بالأساس إلى منعهم من المشاركة بالاحتجاجات. ورغم أن الشرطة لم تمتلك أي مبرّر لاعتقالهم، فقد اشترطت إطلاق سراحهم إما بالحبس المنزليّ لأيّام طويلة، وإما إبعادهم عن مناطق سكنهم، وإما اشتراط منع مشاركتهم بالمظاهرات، وهي شروط إما غير قانونيّة وإما غير مبررة قضائيًّا. المُلفت أن المحاكم الإسرائيليّة ماطلت مماطلة شديدة في الاستئنافات التي قُدمت على هذه الشروط، ونظرت بالاستئنافات بعد أن أنهى المعتقلون أيّام الحبس المنزليّ أو الإبعاد.

 التُهم المقدّمة للمحكمة: استخدم الادعاء تهمًا متنوّعة، منها تهم التحريض التي حاولوا من خلالها خلق صورة كاذبة بأن الاحتجاجات عنصريّة و“معادية للساميّة”، وذلك من خلال التشديد على الادعاء الزائف بأن المعتقلين حرّضوا على “قتل اليهود”. كذلك، استخدم الادعاء عددًا من التهم الواهية، مثل استخدام المواد المتفجّرة، جرائم عنصريّة، وقوانين مكافحة الإرهاب.

 محاكم تعسفيّة وقضاة ينفّذون أوامر سياسيّة: برز في جلسات تمديد الاعتقال الدور السياسيّ الذي لعبه القضاة، إذ تجاهلوا بشكلٍ متعمّد كافة الجوانب الحقوقيّة شديدة الأهميّة. وقد أكّد محام في منطقة النقب أن أحد القضاة تحدّث عن صدور “تعليمات عُليا” للجهاز القضائيّ. تجاهل القضاة بشكل شبه تام الاعتداءات على المعتقلين وآثار العنف الجسديّ المروّعة عليهم. كما تجاهلوا في أحكام تمديد الاعتقال كافة الانتهاكات التي سُجلت، مثل منع الاستشارة القانونيّة أو انتهاك حقوق القاصرين. تجاهل القضاة جميع الادعاءات الدستوريّة حول الحق في التظاهر، كما تجاهلوا الإهانات التي وجهها ممثلو الادعاء اتجاه المحامين في قاعة المحكمة. يُذكر كذلك إصرار القضاء على إجراء صفقات بين الدفاع والادعاء، وهي صفقات تمس بحقوق المعتقل وتظلمه. عند رفض الدفاع لهذه الصفقات، تعمّد القضاة إصدار قرارات انتقاميّة تهدف إلى معاقبة المعتقلين والمحامين على رفضهم الصفقات. أما ممثل الشرطة، فقد هدّد المحامين أكثر من مرّة بأنّه سيبدأ بتصعيد طلبات تمديد الاعتقال إذا ما أصرّ المحامون على رفض الصفقات والتمسّك بالترافع عن حقوق المعتقلين. كما يُذكر أنه في الأغلبيّة الساحقة من الحالات التي قرّرت فيها المحكمة إطلاق سراح المعتقل، واستأنف الادعاء على القرار، قبلت محكمة الاستئناف موقف الادعاء وأبقت على تمديد الاعتقال، فيما رفضت محكمة الاستئناف الأغلبيّة الساحقة من استئنافات الدفاع.

هذه المنهجيّات، إلى جانب ممارسات وتفاصيل أخرى كثيرة، تهدف إلى إرهاب الشباب الفلسطينيّ وردعه عن الاحتجاج وتفريغ الشوارع من الجماهير من خلال الاعتقالات المنزليّة وأوامر الإبعاد، في محاولة لثني الناس عن حقّهم بالدفاع عن أنفسهم وبيوتهم وممتلكاتهم وقراهم ومدنهم. ستستمر طواقم المحاميات والمحامين بتمثيل كافّة المعتقلين الفلسطينيين في هذه الانتفاضة الشجاعة، والدفاع عن حقّهم بالنضال من أجل الحريّة.