تمييز

كندا. قانون العلمانية في كيبك ينعش الإسلاموفوبيا

أكدت المحكمة العليا في كيبك في نهاية أبريل/نيسان على جزء من قانون العلمانية الذي يقيد ارتداء الرموز الدينية في الوظيفة العمومية. ويواجه القانون منذ دخوله حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2019 انتقادات بسبب طبيعته التمييزية، خاصة ضد النساء المسلمات.

مونتريال، 21 يناير/كانون الثاني 2020. مظاهرة طلابية ضد القانون 21.
Katarina Mladenovicova/Le Délit

بعد عدة أسابيع من جلسات الاستماع، أصدر القاضي مارك أندريه بلانشارد، في نهاية أبريل/نيسان، حكمًا مؤيدًا للحفاظ على قانون علمانية الدولة، المسمى “قانون 21”. لكن لجان المدارس الناطقة بالإنكليزية1 ونواب الجمعية الوطنية في كيبيك معفاة من الامتثال إلى حظر ارتداء الرموز الدينية الذي يستهدف بشكل خاص المعلمين والشرطة والقضاة والمدعين العامين.

إنه انتصار جزئي فقط وفق نور فرحات، المحامية وممثلة مجموعة من المدرسين المعارضين للقانون 21: “هناك خيبة كبيرة فيما يتعلق بالحكم الذي تم إصداره، ومع ذلك نحن سعداء بمحتواه”. يقر القاضي بلانشارد بالطبيعة التمييزية لقانون 21، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب أو أنواع أخرى من الأوشحة.

تقر الفقرة 67 من الحكم بوضوح بأن “البيّنة تظهر أن سياسة الإقصاء هذه -كما يجب تسميتها- لها عواقب جسيمة على المسلمات”. وعلى الرغم من أن الحكم يعترف بالطابع التمييزي والمخالف للحقوق والحريات الأساسية للقانون، لم يتم إبطاله. تشرح الأستاذة فرحات بأن “يدي القاضي كانتا مكبّلتين”، حيث تم اعتماد مشروع القانون 21 من قبل المشرّعين بفضل اللجوء إلى “بند غض الاعتبار” الذي يسمح بتجاوز بعض مواد الميثاق الكندي للحقوق والحريات. في نفس اليوم، أعلنت حكومة كيبيك التي يقودها المحافظ فرانسوا ليغولت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 بأنها ستستأنف هذا القرار.

مضايقة إعلامية

أغلبية من فقدوا وظائفهم بسبب حظر الرموز الدينية المنصوص عليه في القانون 21 هن نساء مسلمات وفق المحامية فرحات. وتؤكد هذه الأخيرة بأن “من المفترض أن ينطبق القانون على الجميع بشكل متساو. لكن في الأثر وفي الواقع، فإن المرأة التي تحمل صليبا يمكنها إخفاؤه تحت سترتها، بينما أن امرأة ترتدي خمارا ليس لها أية طريقة لإخفائه”، وهذا ما يفسر هذا الوضع المقلق. ترى خديجة التي التقيناها خلال مظاهرة أمام مكتب رئيس وزراء كيبك تم تنظيمها ساعات قليلة بعد صدور الحكم، بأن أحكام قانون 21 تنتهك حقوق وحريات كل مواطني كيبك. وتؤكد الرئيسة الثانية للجمعية القانونية المسلمة لجامعة ماك جيل: “أعتقد أنه من غير العادل القول بأن القانون يؤثر أكثر على المسلمين”. وتذكر بأنه في غياب أرقام، ليس لهذا التأكيد قيمة تذكر. وتقرّ الطالبة في القانون التي ترتدي هي الأخرى الحجاب، بأن “القانون يساهم في خطاب معاد للإسلام الذي هو موجود بالتأكيد في كيبك”.

قُدّر عدد المسلمين هناك في سنة 2020 بـ300 ألف نسمة من مجموع 8 ملايين. وقد أظهرت استطلاعات الرأي قبل المصادقة على القانون الخاص بعلمانية الدولة بأن أغلبية المواطنين تؤيده. وهي غلبة إحصائية لم تضع حدا للنقاش في المجتمع الذي بات وفق الأستاذة فرحات، مسرحا لحملة من المضايقات الإعلامية تستهدف المسلمات على وجه التحديد. وتقول لـ“أوريان 21”: “لم نسمع إلا قليلا جدا عن الرجال الذين يعتمرون العمامة أو الكيبا2” قبل أن تضيف بأنه “منذ عقد أو عقدين، يوصِمُ الخطاب العام في كيبك المسلمين دون حرج ودون عقد”.

حملة ضد تعدد الثقافات

خلصت دراسة سوسيولوجية تم إنجازها حول أحد كتاب الأعمدة البارزين في “جورنال دو مونتريال” (Journal de Montréal) -اليومية الأكثر قراءة في المقاطعة- بأن “الخطاب عن الإسلام و/أو المسلمين المنشور في أعمدة ريشارد مارتينو [..] يساهم في الإسلاموفوبيا”. يناضل عالم الاجتماع ماتيو بوك كوتي، وهو وجه إعلامي بارز آخر، ضد التعددية الثقافية الكندية التي يعتقد أنها “تشكل تهديدا للأمة الكيبيكية”. وقد ردّ بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا بالتأكيد على أن هذه الأخيرة “باشرت في تفكيك القانون 21” وبأن القاضي بلانشارد “قرر إخضاع كيبك إلى نظام التقسيم العرقي”. ويمكن أن نقرأ في عموده في “جورنال دو مونتريال”: “من جهة، هناك أغلبية فرانكوفونية يتعين التحرز منها، ومن جهة أخرى هناك مجموعات من الأقليات يمكنها الآن أن تتحرر باسم القانون من القواعد الكيبيكية”. وقد أصبحت المسألة “الهوياتية”، التي غالبا ما تتبلور حول رهانات متعلقة بالطائفة المسلمة حاضرة بشكل متزايد في خطاب الأحزاب القومية التي تناضل من أجل استقلال كيبك.

تُوجّه أصابع الاتهام باستمرار من طرف جزء من المعارضة إلى “تحالف مستقبل كيبك”، بسبب مواقفه وإجراءاته التي تعتبر معادية للأجانب، أو حتى أنها عنصرية ومعادية للإسلام. ويرفض قائده ورئيس الوزراء الحالي، فرانسوا ليغولت، الاعتراف بوجود عنصرية منهجية، كما أكد في عام 2019 على أنه “لا توجد كراهية للإسلام (إسلاموفوبيا) في كيبك”. جاء هذا التصريح في تبرير معارضته لإعلان 29 يناير/كانون الثاني كيوم وطني ضد الإسلاموفوبيا، وهو تاريخ إحياء ذكرى الهجمات على مسجد كيبك. وكان ستة مصلين قد فقدوا حياتهم فيه سنة 2017 برصاص أليكسندر بيسونيت، المعجب المتحمس بدونالد ترامب ومارين لوبان3.

مسألة “هوياتية”

يعتبر مفهوم علمانية الدولة في كيبك أحدث بكثير مما هو عليه بفرنسا. فحتى الستينيات، كان المجتمع بأكمله يخضع لسيطرة الكنيسة الكاثوليكية والتي كانت، من بين أمور أخرى، تسيّر الأنظمة الصحية والتعليمية، فضلا عن لعبها دورا أساسيا في المجال الخاص. وما تزال مونتريال، التي تعد القلب الاقتصادي والثقافي للمقاطعة، تسمى حتى اليوم بـ“مدينة المائة جرس”.

أحدثت اكتشافات لجنة بارانت حول التعليم صدمة في المجتمع، وأدت تجاوزات رجال الدين إلى فقدانهم السيطرة على المؤسسات العمومية. بدأت آنذاك ثورة هادئة، تمثلت في عقد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية جعلت كيبك تقوم بالفصل الواضح بين الكنيسة والدولة. وتتوافق هذه المرحلة مع تأميم خدمات مثل الطاقة الكهرومائية، وكان ذلك يتماشى مع الحركة السيادية التي كانت تنمو في أنحاء المقاطعة.

أعيد بعث النقاش حول علمانية الدولة عام 2006، وقد تبلور حول مسألة “الترتيبات المعقولة” التي أتت بعد طلبات رفعتها بعض الجماعات الدينية التي ترغب في أن تُستثنى من بعض القواعد بسبب معتقداتها. ونتيجة لذلك، تم في السنة الموالية إنشاء لجنة التشاور بوشارد/ تايلور، وظهر حظر ارتداء الرموز الدينية البارزة في الوظيفة العمومية كإحدى التوصيات الرئيسية لتقرير اللجنة. وفي عام 2013، وبمبادرة من الحزب الكيبيكي ـالذي حمل لعقود المطلب الاستقلالي ـ، تم طرح مشروع القانون 60 الذي يسعى إلى وضع ميثاق القيم في كيبيك، وهو ميثاق للعلمانية مماثل لذاك الذي نشره في فرنسا في نفس السنة وزير التربية الوطنية فانسان بيون، ليعيد مرة أخرى طرح مسألة الرموز الدينية وبالتالي الحجاب في النقاش العام.. وقد كلّف هذا المشروع المثير للجدل الحزب الكيبيكي عدم الفوز في الانتخابات عام 2014، وتم التخلي عن المشروع.

زيادة جرائم الكراهية

لا تزال أحدث حلقة لملحمة العلمانية والطعن القضائي في قانون 21 متواصلة، وهي تبدو تتويجا لنقاشات ومناورات سياسية ليست وليدة الأمس. ففي حين لاحظت هيئة الإحصاء الكندية ارتفاعا واضحا في جرائم الكراهية بين 2015 و2019، هل يمكن القول بأن مناخ المقاطعة الجميلة أصبح معاد أكثر فأكثر للمسلمين؟

يعتقد يوسف الفقيري، مدير الشؤون العمومية في كيبك لدى المجلس الوطني للمسلمين الكنديين، بأنه حان الوقت للاعتراف بأن القانون 21 يفرض على المسلمين أن يكونوا “مواطنين من الدرجة الثانية”. ويضيف: “أنا لا أقول بأن المجتمع الكيبيكي عنصري. ولكن عندما تنكر الحكومة الحقائق، فذلك هو المشكل الحقيقي”، وذلك في إشارة إلى رفض رئيس الوزراء ليغولت الاعتراف بوجود الإسلاموفوبيا.

لكن بعيدا عن أي استسلام، يؤكد الفقيري بأنه سيواصل النضال ضد قانون علمانية الدولة وضد الإسلاموفوبيا على الرغم من خيبة 20 أبريل/نيسان الماضي: “نحن فخورون بكوننا كيبكيين وكيبيكيات. إننا في وطننا هنا”.

1ملاحظة من هيئة التحرير: لجان المدارس هي السلطة المسؤولة عن إدارة المدارس في منطقة معينة.

2القلنسوة اليهودية.

3رئيسة حزب اليمين المتطرف الفرنسي.