جيوسياسة

جولة جو بايدن في الخليج، عودة إلى الواقعية السياسة؟

تهدف زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للخليج إلى ترميم العلاقات المتردية مع تلك المملكات والإمارات التي لم تعد تثق في التزامات الولايات المتحدة في المنطقة، وترفض زيادة إنتاجها النفطي أو النأي بنفسها عن روسيا في ظلّ الأزمة الأوكرانية.

تظهر الصورة شخصاً يقف أمام خلفية بها نجوم، مع تأثير بصري يشير إلى دائرة حمراء غير واضحة. يبدو أن الشخص يتحدث أو يدلي ببيان، حيث يُركَّز الضوء عليه بشكل يجعله بارزاً. الخلفية والظلال تضفي طابعاً درامياً على الصورة.
8 يوليو/تموز 2022، جو بايدن في ولاية فيرجينيا خلال زيارة له إلى مقرّ وكالة الاستخبارات المركزية، بين أضواء الكاميرات.
Samuel Corum/AFP

تماطل جو بايدن في الإفصاح عن الغرض من زيارته للمملكة العربية السعودية يومي 15 و16 يوليو/تموز 2022 وإنكاره المتكرر لمقابلته لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، يتناسبان مع مستوى الإحراج الذي يُظهره معسكر الحزب الديمقراطي الذي يعادي عموماً هذه الخطوات. تعدّ هذه الزيارة تقلّبا واضحًا بخصوص أحد الأهداف التي وضعها جو بايدن لنفسه في خطابه الأول المتعلق بالسياسة الخارجية حول الشرق الأوسط1. كانت أولوياته آنذاك تتمثل في بذل كل ما في وسعه للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، ووضع حد للإفلات من العقاب الذي كانت تتمتع به، في عهدة ترامب، الأنظمة الملكية الخليجية الأكثر قمعا، ومنها المملكة العربية السعودية (قضية جمال خاشقجي والحرب في اليمن) والإمارات العربية المتحدة، من خلال وضع شروط لبيع الأسلحة. غير أنه لم يحقق أيًّا من هذه الأهداف.

فرض الوضع الدولي المتفاقم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 والذي أدى إلى التهاب أسعار الطاقة والمواد الغذائية، على الرئيس الأمريكي القيام بهذه الزيارة إلى المنطقة، بدايةً إلى إسرائيل وفلسطين، ثم إلى المملكة العربية السعودية. وهو يتطلع من جهة إلى الحصول على التزام من السعوديين بتوظيف كل ثقلهم لطمأنة الأسواق، من أجل المساهمة في تهدئة دوامة التضخم بهدف التأثير على أسعار المحروقات. ومن جهة أخرى، يريد بايدن إعطاء إشارات واضحة للالتزام الأمريكي الكامل بالمساهمة في أمن شركائه.

لا تؤدي الحرب في أوكرانيا -التي قد يطول أمدها- إلى تفاقم التوجه التضخمي فحسب، بل تزيد من مخاطر ركود الاقتصاد الدولي وعدم الاستقرار الاجتماعي على نطاق واسع في البلدان المستوردة للمحروقات والحبوب. ويفرض هذا الوضع على الإدارة الأمريكية إعادة تقييم أولويات أجندتها الدولية، من خلال السفر إلى دولة وصفها جو بايدن خلال حملته الانتخابية بـ“الدولة المنبوذة”، في وقت كان يرفض فيه حتى اعتبار ولي العهد السعودي كمُحاور. خلال هذه الزيارة، لن يتحادث الرئيس جو بايدن مع الملك وولي العهد في اليوم الأول من زيارته فحسب، بل سيحضر في اليوم الثاني قمة مجلس التعاون الخليجي الموسعة إلى مصر والأردن والعراق. لم تنحز أي من هذه الدول إلى مواقف “المعسكر الغربي” للتصويت على العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل. تتمثل الفكرة الكامنة في إعادة بعث شراكة أمنية، قصد تعزيز تماسك يعتمد على مبدأ اتفاق كتلة تتكوّن من الولايات المتحدة وإسرائيل والخليج، لمواجهة إيران بشكل أفضل. ففي غياب اتفاق حول النووي، تصبح إيران مرة أخرى هدف احتواء مشدَّد.

يتمثل الهدف الآخر من هذه الزيارة في جعل دول الخليج وإسرائيل تبتعد -على المدى المتوسط- عن الصين، وهي الشريك الاقتصادي الحاسم في المنطقة. إذ تسعى واشنطن لثنيهم عن مواصلة التعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، خاصة في المجال العسكري. يبدو منطق تعزيز الكتل الأمريكي ناجعاً مع أوروبا بخصوص المسألة الأوكرانية، ومع بعض الحلفاء الآسيويين (اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، نيوزيلاندا) لمواجهة الصين، لكنّه يبدو متعارضاً مع الاستراتيجية المتعددة الأطراف التي تفضلها دول الشرق الأوسط.

وضع طاقوي جديد

يُفصِّل تقرير شامل صاغه باحثون من معهد الشرق الأوسط أسباب هذه الزيارة2. فمع نسبة تضخم بلغت 10% وتؤثر بشكل ملحوظ على سعر البنزين، والمديونية الأمريكية الضخمة التي تصل إلى 30 ألف مليار دولار، سيكون موعد الانتخابات النصفية المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 صعباً بالنسبة إلى المعسكر الديمقراطي، ما يجبر جو بايدن على تغيير أولويات أجندته الدولية لإقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاجها النفطي بشكل معتبر. كما يُذكر أن المملكة -التي لم تتأثر بالموجة التضخمية- تظهر صحة اقتصادية مثيرة مع ارتفاع سعر البرميل إلى حوالي 115 دولار، ونمو بنسبة 10% في ناتجها المحلي الإجمالي في النصف الأول من عام 2022.

لا تتردد بعض مراكز التفكير الأمريكية -ومنها معهد دراسات دول الخليج العربي بواشنطن- في مقارنة زيارة بايدن للملكة العربية السعودية بتلك التي قام بها هنري كيسنغر سنة 1974، وكان حينها مستشارا للأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون، بعد الصدمة النفطية الأولى والتي مست الاقتصاد الأمريكي بشدة. وتنتظر واشنطن من الرياض وأبو ظبي والدوحة العمل للمساعدة على استقرار الأوضاع الاقتصادية. بالنظر إلى العلاقة المتردية بين البلدين، فمن غير المحتمل أن يطلب جو بايدن -أو يحصل- من المملكة العربية السعودية على قطيعة جذرية في طريقة إدارة سياستها التشاورية في إطار أوبك+ (الدول العشر التي تشكّل منظمة البلدان المصدرة للنفط، والتي تهيمن عليها الرياض + 13 دولة من خارج أوبك بقيادة موسكو).

بالإضافة إلى ذلك، فبعد عامين من الأزمة الصحية، لا تزال المشاكل الهيكلية المرتبطة بنقص الاستثمار تحدّ من قدرات الإنتاج. وبالفعل، فإن الطلب من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بزيادة إنتاجهما باثني مليون برميل إضافي في اليوم قصد تخفيض أسعار الطاقة بشكل ملحوظ ليس واقعيا حسب كارن يونغ، مديرة برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط ومحرّرة مشاركة في التقرير المذكور أعلاه.

غير أن زيارة بايدن تشكّل على المدى القصير فرصة حقيقية لإعادة إطلاق محادثات حول مستقبل الأمن الطاقوي مع أهم رؤساء دول الشرق الأوسط. وهي تعيد دول الخليج إلى قلب اللعبة. تعدّ هذه الدول فعليّا من بين أكبر المستثمرين في قطاع الطاقات المتجددة، ويدرك ولي العهد السعودي الفرصة الفريدة التي أمامه ليظهر للشريك الأمريكي مدى تحوّل المملكة هيكليا في غضون خمس سنوات. إذ تُشكّل رقمنة اقتصادها وإدارتها بالتوازي مع استراتيجيتها الاستثمارية المتوجهة بحزم نحو الشركات الناشئة في التكنولوجيا العالية والانتقال الطاقوي مجالات اهتمام استراتيجي، لا تريد الولايات المتحدة التخلي عنها لصالح الصين.

وقد توالت منذ أبريل/نيسان 2022 زيارات رفيعة المستوى بين الجانبين لتمهيد الطريق لزيارة الرئيس بايدن -والتي أصبحت لا مفر منها- لتقريب وجهات النظر، بعد رفض الرياض وأبو ظبي الانحياز إلى مواقف المعسكر الغربي بخصوص الأزمة في أوكرانيا. وقد أدّى تكثيف التبادلات إلى تعيين السفير الأمريكي في الرياض في 28 أبريل/ نيسان الماضي، بعد 18 شهرا من الشغور.

يعود رفض الانحياز إلى “المعسكر الغربي” في سياق الحرب على أوكرانيا بشكل أساسي إلى ما تلومه كل من المملكة العربية السعودية والإمارات على إدارة بايدن كفاعل لا يمكن الاعتماد عليه في أداء دورها كضامن للأمن الإقليمي. وفي المقابل، قامت الرياض وأبو ظبي بمراعاة موسكو بشكل أكبر، موسكو التي فرضت نفسها كلاعب لا يمكن تجاوزه في سوريا. كما أن البلدين ممتنتان لروسيا كونها امتنعت عن التصويت مرتين خلال المصادقة في 14 أبريل/نيسان 2015 على قرار الأمم المتحدة 2216 بخصوص الحرب في اليمن، والمتعلّق بحظر الأسلحة المفروض على جماعة الحوثيين، ثم في 28 فبراير/شباط 2022، خلال التصويت من أجل تمديده حتى عام 2023. من جهة أخرى، لا تغفر أبو ظبي والرياض للرئيس بايدن دعمه المتأخر بعد قصف الحوثيين بصواريخ وطائرات مسيرة لمواقع طاقة حيوية على أراضيهما في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2022. حتى أن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن قد اعتذر باسم بلاده عندما جاء لتقديم التعازي للرئيس الجديد لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، الذي خلف أخاه غير الشقيق، الشيخ خليفة، الذي توفي في 13 مايو/أيار 2022.

منعرج سنة 2019

تعد الثقة التي أصبح يبديها قادة الخليج مؤشرا عن نفوذهم المتزايد في العالم، خاصة ابتداء من عام 2019. كما أقنع غياب رد فعل من الرئيس السابق دونالد ترامب إبّان بعض الأحداث -مع أنه مقرب من حكام السعودية والإمارات المستبدين- بعدم موثوقية الشريك الأمريكي. ونذكر من بين هذه الأحداث الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة التي تبناها الحوثيون (ولكنها منسوبة لإيران) على الناقلات المتمركزة في ميناء الفجيرة بالإمارات في مايو/أيار 2019، ثم الهجمات على منشآت البقيق النفطية في المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر/أيلول من نفس السنة (والتي شلّت نصف إنتاج البلاد من النفط لمدة 15 يوما). كما تعزّز هذا الشعور بغياب الموثوقية مع وصول الرئيس بايدن إلى الحكم.

تعتبر سنة 2019 حاسمة في إعادة ضبط الإمارات والسعودية لسياستهما الخارجية. فقد اختارت كل منهما تنويع الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، خاصة مع القوى الآسيوية (اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، الهند) وكذلك مع بلدان الاتحاد الأوروبي، للحدّ من اعتمادهما المفرط على الولايات المتحدة التي لا تقدّم ما يرضيهما لضمان أمنهما. قامت أبو ظبي بإعادة توجيه سياستها الخارجية من خلال الإقرار -دون التصريح بذلك علنا- بفشل سياستها التدخلية. وقد قامت منذ أغسطس/آب 2017 بسحب تكتيكي لقواتها في اليمن، مع الدخول في نفس الوقت في حوار أمني مع إيران. وسارت الرياض على نفس درب التهدئة مع بداية سنة 2021، من خلال تنظيم قمّة العلا لإنهاء الأزمة مع قطر. وهي مصالحة كانت فاتحة لعهد من الانفراج الإقليمي، بما في ذلك مع إيران.

أظهرت الرياض وأبو ظبي مرونة أكبر وانخرطتا في حوار مع جميع الفاعلين الإقليميين، وقد سمحت فترة الوباء بذلك. تمت استعادة العلاقات مع أنقرة والرياض وأبو ظبي، كما عرفت المحادثات بين الرياض وطهران عبر الوساطة العراقية تقدما وقد تؤدي في القريب العاجل إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ يناير/كانون الثاني 2016. بالإضافة إلى ذلك توفّر هدنة في اليمن منذ الأوّل من أبريل/نيسان 2022 ولأول مرة منذ اندلاع النزاع قبل 8 سنوات، أفقا لنهاية الحرب.

نحو التطبيع مع إسرائيل

أخيرًا، فإن “اتفاقيات أبراهام” التي أبرمت مع الإمارات والبحرين في سبتمبر/أيلول 2020 برعاية الرئيس ترامب، وضعت إسرائيل في قلب منطقة الخليج، إضافة إلى تقارب ملحوظ مع الرياض. تعود الإشارة الأكثر رمزية لعملية التطبيع السعودي-الإسرائيلي في الواقع إلى 2016، عندما قرّرت المملكة العربية السعودية استرجاع سيادتها على جزيرتي تيران وصنافير3، والموافقة على احترام الالتزامات التي تعهّدت بها مصر، عند التوقيع على معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، بشأن المعايير الدولية المتعلقة بحرية الملاحة.

يكمن الغرض من زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، وفقًا للعديد من البيانات والتعليقات الصحفية في واشنطن وتل أبيب، في تشجيع “تطبيع” العلاقات الإسرائيلية-السعودية التي تعرف -كما قال لنا في مقابلة بتاريخ 9 مايو/أيار 2022 أسعد شملان، الباحث في معهد الملك فيصل الدبلوماسي- “طفرة مؤكدة مع فتح رحلات جوية مباشرة بين البلدين، وتنسيق المجال الجوي العسكري والمعاملات والاتصالات المباشرة بين رجال الأعمال والشركات الخاصة، خاصة في مجال الشركات الناشئة في مدينة نيوم المستقبلية.”

مع ذلك، من غير المرجح أن نرى الرياض تُطبِّع علاقة دولة بدولة، علما أن المملكة تستفيد فعليا من كل المزايا الناجمة عن “اتفاقيات أبراهام”، إما بشكل مباشر من خلال القنوات الخاصة، أو بشكل غير مباشر من خلال قنوات حكومية عبر البحرين، والتي شجع ولي العهد السعودي بقوة تطبيعها مع إسرائيل.

بالتوازي مع الانفراج الإقليمي، اختارت الرياض وأبو ظبي -اللتان تخوضان أيضًا منافسة شرسة لجذب الاستثمار الأجنبي لتصبح المركز العالي التقنية للعالم العربي الإسلامي- تفضيل نهج متعدد الأقطاب، معتبرتين وفقا لعبد العزيز صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث (أجرينا معه مقابلة في 8 مايو/أيار 2022)، أنه “كلما ازداد عدد الفاعلين الملتزمين بالتعاون في مجال الاتصال عالي التقنية والأمن في المنطقة، كلما اكتسبت هذه الأخيرة مزيدًا من الاستقرار”.

تعتبر أبو ظبي، التي تتصدر هذه الديناميكية الموصوفة بالنموذج الدبلوماسي “المتعدد الإرسال” في المنطقة، مثلها مثل الرياض، أن زيادة التعاون المصغر المتعدد يعد أفضل طريقة لتجنب تبعية مفرطة للشراكات الثنائية. وتبرّر أبو ظبي، وفقًا لهذا النهج متعدد الأبعاد، تطبيعها مع إسرائيل، والذي لا يجب أن يُفهم على أنه اتفاقية ثنائية، بل شراكة تضاف إلى تلك التي تم التعاقد عليها مع الصين والهند وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وفرنسا وتركيا.

نداء الصين

تندرج زيارة الرئيس بايدن أيضًا في منطق جيوسياسي لتعزيز التفاهم الإسرائيلي الخليجي لمواجهة التهديد الإيراني. وقد أدّى تبني إدارة بايدن للمخاوف السعودية الإماراتية لحماية نفسها من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على أراضيها -والتي لم تتمكن صواريخ باتريوت الباهظة الثمن وأنظمة “ثاد” للدفاع الجوي المرتفع من اعتراضها في أوائل 2022- بواشنطن إلى تأسيس، في شراكة مع إسرائيل، هيكل متكامل للدفاع الجوي المضاد للصواريخ لردع الهجمات التي تشنها إيران ووكلاؤها في المنطقة.

بهذه الطريقة، تسعى واشنطن من خلال اقتراح نظام الدفاع الجوي هذا الذي سيجعل من إسرائيل لاعباً أساسياً في الهيكلة الأمنية الجديدة في الخليج والبحر الأحمر، بالإضافة إلى اندماجها في القيادة المركزية الأمريكية (Centcom) في يوليو/تموز 2021 بعد إبرام “اتفاقيات أبراهام”، إلى ثني السعودية -على المدى المتوسط- عن مواصلة تعاونها مع الصين في برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية. وتريد واشنطن في الواقع على المدى الطويل ثني دول الخليج وإسرائيل عن تشجيع الاستثمارات والتكنولوجيا القادمة من الصين. علماً وأن بكين ليست فقط الشريك الاقتصادي الأول للشرق الأوسط، ولكنها -وعلى عكس واشنطن- تحتفظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية واستراتيجية ممتازة مع كل من الدول العربية وإسرائيل وإيران وباكستان.

لا تجد الضغوط التي تمارسها واشنطن على الرياض وأبو ظبي لكي تقلّل من تبعيتها الاقتصادية ونقل التكنولوجيا من الصين أصداء كبيرة. ويشير الخليجيون جميعا إلى التناقض الأمريكي الذي يتلخص في القول: “هم لا يكتفون فقط بالانسحاب من المنطقة، بل يطلبون منا فضلا عن ذلك تقليل تبادلاتنا وتعاوننا التكنولوجي مع الصين!”.

تطمح واشنطن في مرافقة الوفاق الإسرائيلي الخليجي الذي بدأت ملامحه مع اتفاقيات أبراهام وتَعزَّز بإبرام اتفاق التجارة الحرة الإسرائيلي الإماراتي (31 مايو/أيار 2022)، والذي يفتح الطريق أمام شراكة موسّعة لمواجهة التهديد الإيراني. ويأمل بايدن أن يوفّر هذا الوفاق بديلاً للعلاقات مع الصين، من خلال تشجيع النقل التكنولوجي الأمريكي والإسرائيلي من جهة، واستثمارات الصناديق السيادية الخليجية لتمويل وتطوير برامج البحث في مختلف المجالات ومنها الطاقات المتجددة من جهة أخرى.

يرى محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، أن هذه الحجة قد أثرت بالتأكيد في القرار الإماراتي، عندما طلبت أبو ظبي في شهر مايو/أيار الماضي من بكين وقف بناء مصنع في ميناء خليفة، وذلك بعد ضغوط مارستها واشنطن التي كانت تشتبه بأن بكين تبني قاعدة بحرية سرية (مقابلة بتاريخ 13 مايو/أيار 2022).

تتمثل الاستراتيجية الأمريكية في جعل حلفائها اليابانيين والكوريين والأستراليين والكنديين والهنود والإسرائيليين والفرنسيين والأوروبيين الذين أبرموا هم أيضا شراكات مع دول الخليج مترابطين، قصد كبح طموحات الصين الاقتصادية في العالم. غير أن لدول الخليج وإسرائيل رؤية مختلفة تماما عن الصين، التي توفّر شراكات جد مربحة، ومن ثم رفضهما الانجرار في دوامة المواجهة التي توحي بها المنافسة الصينية الأمريكية. ويكمن السبب الآخر الذي يفسّر الإرادة في استمرار العلاقات الطيبة مع بكين في الثقل المعتبر الذي اكتسبته الأخيرة في المنطقة، سواء مع الأنظمة الملكية الخليجية ومصر وإسرائيل، أو إيران. وبالتالي، تعتزم كل من الرياض وأبو ظبي مواصلة تعاونهما الوثيق مع الصين، قصد موازنة الشراكة الاستراتيجية الصينية الإيرانية.

وهكذا فعلى الرغم من زيارة جو بايدن، من غير المرجح أن تعود دول الخليج إلى الاصطفاف التلقائي وراء المواقف الأمريكية، كما يتضح ذلك من المسافة التي اتخذوها اتجاه الأزمة الأوكرانية إلى جانب رغبتهم في مراعاة روسيا، وعزمهم على مواصلة تعاون وثيق مع الصين، وأيضا قناعاتهم في وجوب الاحتفاظ بنهج دبلوماسي متعدد الأطراف على حساب ديناميكية الكتل التي تفضلها واشنطن.

3عيران ميلمان جوشوا تيتلبوم ، الإبحار عبر المضيق. معنى استعادة السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير بالنسبة لإسرائيل - Eran Melman et Joshua Teitelbaum, Sailing Through the Straits. The meaning for Israel of restored Saudi sovereignty over Tiran and Sanafir Islands, BESA Center Perspectives Paper, 340, Tel-Aviv, 17 avril 2016