في 11 أغسطس/آب 2022، وطئت أقدام 22 لاعباً لأول مرة أرضية ملعب لوسيل الأيقوني، وهو أكبر ملعب في قطر، وسيحتضن في 18 ديسمبر/كانون الثاني المقبل نهائي كأس العالم لكرة القدم. كان ذلك بمناسبة ديربي قطري بين فريقي النادي العربي ونادي الريان، سجّل خلالها اللاعب الدولي التونسي يوسف المساكني الهدف الثاني لفريقه النادي العربي القطري. وعلى الرغم من الشغف الذي تثيره المباراة، يبقى صداها محصوراً في حدود شبه الجزيرة الصغيرة. وبالنسبة للدوحة التي تطوّر خطابًا حول كأس العالم كاحتفالية كرة قدم عالمية تمنحها الإمارة إلى المجتمعات العربية، تُعدّ المباراة جولة تدريبية أولى.
البحث المستمر عن الإشعاع الإقليمي
يندرج تدشين الملعب مباشرة ضمن سرديّة ما قبل البطولة وهي سرديّة “كأس عالم العرب”، والتي طوّرتها الإمارة في أكثر من مناسبة. فتنظيم كأس العرب للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) التي فازت بها الجزائر على تونس في نهاية سنة 2021، ثم استضافة كأس السوبر الأفريقي على قدم وساق، والتي شهدت مواجهة بين الناديين الكبيرين الرجاء البيضاوي والنادي الأهلي -الحائز على أكبر عدد من الألقاب في إفريقيا-، كلّها أحداث تُرسّخ هذا الخط السياسي. وفي 9 سبتمبر/أيلول، يأتي دور الهلال والزمالك ليدخلا المعترك تعزيزاً لهذا الصدى الإقليمي، ولتدشين الملعب الأيقوني بأبهة أكبر.
تجد قطر في الثقافة الرياضية الإقليمية منهلاً لتعزيز مركزيّتها. إذ تتجه إلى قوى كرة القدم العربية لتتمتع هي الأخرى برمزيّتها. فتركيز افتتاح ملعبها الأخير حول استقبال كأس السوبر المصري-السعودي يمنحها إشعاعاً أكبر بكثير من ذلك الذي تتمتع به حاليّاً. وقد بُعثت هذه الكأس سنة 2001، وهي في الأصل مبادرة من الشيخ فيصل بن فهد آل سعود، الذي كان آنذاك رئيسا للاتحاد السعودي لكرة القدم، مع نظيره المصري سمير زاهر. وتتواجه خلالها الأندية الفائزة في الكؤوس والبطولات الوطنية لمصر والمملكة العربية السعودية.
تم التخلي عن كأس السوبر سنة 2003، وأعيد إحياؤها بشكل مشترك في 2018 من قبل الرياض والقاهرة، ما يُترجم تعزيز العلاقات بين النخب الحاكمة في البلدين. وبعد خمسة عشر عامًا، أصبحت كأس فهد تُلقّب بكأس محمد بن سلمان، بينما خلفت كأس المشير السيسي كأس حسني مبارك.
روابط بين مصر والخليج
كانت العلاقة بين مصر والمملكة العربيّة السعودية بين الخمسينيات والسبعينيات عبارة عن “حرب باردة عربية”، يُمكن أن تتلخّص في المواجهة بين القومية العربية والقومية الإسلامية، أو في صراع بين رؤية مناهضة للإمبريالية دافع عنها جمال عبد الناصر، في مواجهة دعم الحليف الأمريكي للملك فيصل مقابل وصول امتيازي للسوق النفطية. في هذا السياق، تحوّلت المملكة العربية السعودية، مثلها مثل الممالك البترولية المجاورة، إلى منفى يقصده المعارضون المصريون. لكن مع سياسة “الانفتاح” (وهي سياسة التحرير الاقتصادي أطلقها الرئيس أنور السادات)، شهدت العلاقة بين القوتين الإقليميتين انفراجاً. وفي السياق الاقتصادي للصدمة البترولية سنة 1973، تسارعت الهجرة المصرية نحو المملكة العربية السعودية، حتى أصبحت اليوم شبه الجزيرة العربية تستضيف أكبر جالية مصرية في الخارج.
من وجهة النظر الجيوسياسية، تحوّلت هذه المنطقة إلى امتداد ديمغرافي رئيسي لمصر، مع ما يقارب 3 ملايين مصري في المملكة العربية السعودية وفقا لآخر الإحصائيات التي تعود إلى عام 2016. صحيح أنها إحصائيات قديمة، لكنّها تعطي فكرة عن حجم هذه الهجرة. يُضاف إلى ذلك مئات الآلاف من المصريين الذين يعيشون في الإمارات المجاورة. من هذا التشابك الثقافي وُلدت كأس السوبر.
ثقافة كرة القدم مرآة للهجرات
يتمتع كل من الأهلي والزمالك -الناديان الأسطوريان للقاهرة- والهلال والشباب والنصر، الأندية الثلاثة الكبرى للرياض، والاتحاد والأهلي الملكي، الناديان التاريخيان لجدة، بشعبية كبيرة من المغرب إلى المشرق. ويمكن أن يُفهم هذا الوضع على أنه إرث للتأثير الثقافي السابق لمصر إلى جانب الجاذبية الاقتصادية الأكثر حداثة للمملكة السعودية.
في الخمسينيات من القرن الماضي، بينما كان الزمالك والأهلي متألقين ويثيران الإعجاب على المستوى الإقليمي، كانت كرة القدم في المملكة العربية السعودية تشهد بداياتها. مرّ تاريخ هذه الممارسة في هذا البلد بمراحل، وهو غير معروف جيدا. تركّز انتشار كرة القدم حول مراكز تجارية ودينية في الحجاز في السنوات الأخيرة من عشرينيات القرن الماضي، من جدة إلى مكة، ثم في المواقع النفطية في الشرقية، قبل أن يتشكّل حول الرياض في الخمسينيات. وقد تم خلال هذه الفترة تأسيس كبار الأندية السعودية المذكورة أعلاه.
تأكّد هذا الشغف في زخم هبّة التحديث في السبعينيات، بدفع من السلطات السعودية المدعومة بمستشارين غربيين، مع إضفاء طابع مؤسساتي للرياضة ضمن منافسات حكومية. اعتمدت المؤسسات على عائدات النفط، وقد تبع ذلك تحسين في مستوى الأداء على أرضية الملاعب، وارتفاع الحماس في المدرجات. شهدت البلاد في أعقاب حادثة مكة سنة 1979 واحتجاز جهيمان العتيبي وأنصاره للرهائن، تشدّداً في الآداب العامة دافعت عنه السلطات، وأدّى إلى تقليص نطاق الترفيه. هذه القطيعة السياسية جعلت من الملعب أحد الأماكن القليلة للترفيه في الوسط الحضري التي بقيت في متناول الشباب السعودي من الذكور. ومن ثم تأكدت في المملكة العربية السعودية ثقافة الملعب.
تحضيرات سياسية رياضية
ساهم التنافس الداخلي لكرة القدم السعودية والأداء الجيد للمنتخب الوطني في تغذية هذا الشغف المتزايد. وتبنّى العرب الذين يتزايد عددهم في الشتات، وهم في الغالب مولعون بكرة القدم، هذا الجزء من الثقافة السعودية، ما يؤسس لشعبية كبار الأندية بالمملكة، لجدة أو الرياض.
كان الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني، الرجل القوي لكرة القدم القطرية، حاضراً في القاهرة مطلع أغسطس/آب 2022، لمقابلة نظيره المصري، وفق ما ذكرته العديد من وسائل الإعلام المحلية. يهمّ رئيس الاتحاد القطري لكرة القدم ضمان حضور حامل اللقب المصري الحالي، وذلك قصد الاستفادة من شعبية هاتين الركيزتين لثقافة كرة القدم العربية، وضمان دعاية ناجحة لهذا التدشين الذي حرصت الإمارة على أن تضفي عليه طابعا إقليميا قويا.
يُظهر هذا البعد -الأقل بروزا في سياستها- أن قطر ترى نفسها ضمن فضائها الإقليمي. تجعل السلطة من الرياضة لغةً تسعى لتقديمها في أشكال مختلفة باستعمال أدواتها الإعلامية. فالمقابلة بين نادي الزمالك والهلال تجعل الدوحة -من منظورها- في قلب اللعبة التي تمكّنها من تطوير سرديتها -المدروسة جيّدا- حول “كأس عالم العرب”.