المنفى هو بلا ريب حياة عطشى للخلاص... الخلاص من القهر والظلم والاستبداد... لكنه أيضا الخلاص من كيس الذكريات والوجوه والكلمات والأمنيات البسيطة. الكاتب والشاعر والفنان المسرحي الفرنسي من أصل عراقي صلاح الحمداني، واحد من المنفيّين الذي يجرجر جثمان وطنه أينما ولّى حبره وخياله. فهذا الرّجل السبعينيّ، المنفي في باريس منذ سنة 1975 –ما يربو على نصف قرن- صاحب أكثر من ستين عملا أدبيا، شعرا ورواية وقصة، لا يزال طفلاً صغيراً، لا يعرف كيف يكبر. فالنهر المتدفق في داخله لا يصبّ إلا في قفار الذاكرة، ذاكرة وطن داسته أقدام العسكر وبزات الأنظمة المستبدّة ودبابات الغزاة، وهو الذي قضّى فترة من شبابه في دهاليز المعتقلات واسطبلات تعذيب المناهضين لنظام صدام حسين وغيتوهات حزب البعث العراقي. لذلك يبدو السرد عند صلاح الحمداني شمعا ذائبا، بل هو طائرة ورقية تضيّعها حروب الأوغاد. ومع ذلك تطير إلى الأعلى لتجعل حياة صلاح الحمداني، هذا المنفيّ الذي يتدلّى رأسه كل نهار بجبال تأمّلاته البعيدة، تجعله في حالة عطش دائم للخلاص.
عن أم اسمها بغداد اغتصبها أبناؤها
عند دار الكتاب بتونس لصاحبها الناشر الحبيب الزغبي صدر آخر كتاب للفرنسي العراقي صلاح الحمداني، اختار له من العناوين “لُهاث تحت سماء آيلة للسّقوط”. لم يتقيّد فيه الكاتب بجنس أدبي من الأجناس المتعارف عليها، رواية أو قصة أو أقصوصة، بل هو سرد مفتوح تتشكّل “شذراته” ونصوصه المسترسلة لترسم هويّة مكتملة لنص وجودي لا يكفّ كاتبه عن نثر الأسئلة ونقاط الاستفهام حول هذا الانسان الذي لا يكلّ ولا يتعب من اللهاث تحت سماء آيلة للسقوط، رغم أن الكاتب يفصح داخل متنه عن أن ما يقدّمه للقرّاء هو من جنس اليوميات، وتحديدا “يوميات المنفى”. ومع ذلك يتشبّث الحمداني بالطيران وبالحرّية وبالأمل، فصورة غلاف الكتاب تتكفّل بكل هذا وأكثر، وهي، أي الصورة، التقطها المصوّر الفرنسي دونيس بابليه Denis Bablet، للكاتب ذاته، وهو يجسّد دور أنكيدو في مسرحية جلجامش، الملحمة الأسطورية السومرية، سنة 1979، فوق خشبة المسرح الوطني الفرنسي Palais de Chaillot بباريس، حيث يظهر الكاتب مثل طائر حرّ يُفرد ذراعيه مثل الأجنحة بلحاف أبيض، ولا يرى في الأفق الأزرق غير الطّيران والتّحليق بعيداً عن الطّين المغمّس بالدّموع والدّماء، وفي مواجهة المواسم المسمومة في أرض بعيدة كانت تسمى وطنا وما زالت تسمى وطنا، بعيدا عن أم اسمها بغداد اغتصبها أبناؤها. والكاتب صلاح الحمداني يساعد قرّاء كتابه الجديد لفكّ رمزية وشعريّة صورة الغلاف من خلال عتبة نصية أولى أوردها على شكل مقطع شعري دون عنوان، يكتب فيه هذا العراقي الذي سيموت في أرض غريبة: “سأقصّ عليكم مآسي المنافي/ومن ثمّ آكل أجنحتي/لكي لا أطير”. الحياة/الموت/الخلود، ربما تكون هي ذي المفاتيح أو الشيفرات الثلاثة التي يتحرّك فيها الكاتب من خلال هذا النص الجديد.
سيّد اللغة ومالك الخطاب
يطالع قارئ كتاب “لهاث تحت سماء آيلة للسقوط” 55 نصا، وتبدو النّصوص في الظاهر مستقلّة بأغلب عناوينها المركّبة. ويأخذ كل نصّ هويّته السّردية والجماليّة، لكن كل النّصوص “الصغرى” تتشابك وتتعانق فيما بينها لتشكل وحدة نصية “كبرى” تتحرك في المدار الثلاثي الذي أشرنا إليه آنفا: الحياة/الموت/الخلود. فمجموع النصوص التي يفتتحها الكاتب بـــ“سارق الصباحات” وينهيها بــ“حكموا عليّ بالمنفى” تتحرّك فيها المشاعر الفردية والوضعيات الإنسانية مع المواقف السياسية والفكرية والفنية للكاتب الذي يحرص على “توثيق” سردي يتخفف من التواريخ والمعطيات الجافة التي قد تصيب شعرية النصوص la poétique des textes. وقبل أن يشرع القارئ في اللهاث خلف سماء الكاتب الآيلة للسّقوط، يضيف الأخير عتبة نصية ثانية مكثّفة بعنوان “لحظة خاطفة”، جمع فيها بين السرد والحوار الباطني (مونولوغ)، ليمعن في إرباك القارئ. فصلاح الحمداني يعلمنا أن “هناك فرقاً كبيراً بين أن تعزل نفسك وبين أن تعيش بمفردك”، ويخبرنا: “مشيت بقوّة لأعود إلى الوراء”، وهو أيضا “يتكلّم لكنه لا يقول شيئا” لأنه لا يسمع سوى صدى صوته.
فالكاتب في هذه العتبة النصيّة يشرع في رسم الحقل الدلاليّ الذي سنتحرّك فيه من خلال إشارات مجازية عالية التكثيف تنهض على الحالة النفسية: العزلة الاضطرارية/الوحدة الاختيارية، وعلى الحركة/الفعل: المشي إلى الوراء، وعلى الخطاب/اللغة: صدى الصّوت. وهذه التقنية سيعوّل عليها الكاتب في مختلف النصوص اللاّحقة، ويشتغل عليها بطرق مختلفة ومتنوعة ليمنح نصوصه شعرية مكثّفة تسند البناء السردي ونسق الحكايات المروية بشكل توليديّ، حيث تتناسل وتتوالد القصص والحكايات من بعضها البعض. فصلاح الحمداني، وفي كل نصّ يكون هو محور الفعل والحركة، وبالمثل، كل الحالات النفسيّة إمّا تكون نابعة منه أو هو واقع تحت تأثيرها، وهو أيضا سيّد اللغة ومالك الخطاب، إن استحضارا لماض عراقي بعيد، أو توثيقا لحاضر باريسي قريب، أو مزيج بينهما في مشهد يوميّ هو الشّريك الحقيقيّ لأسلوب الكاتب.
مطمور من النّفايات الوطنيّة
يعود بنا الكاتب إلى زمن بعيد، بعيد جدا، إلى الصّباحات المسروقة عندما كان عمره لا يتجاوز الأربع سنوات، متذكّراً محاربته حشود النمل فوق حدبة من الرمل، ليطوّح بنا في زمن لاحق عندما يجد نفسه شبيها بنمل طفولته، وسط سجناء لا تتلقّى جلودهم سوى سياط الجلاد البعثيّ الأخرس، حيث الهمسات يائسة، موبوءة بالخناق، وحيث الأمل لا يعدو أن يكون سوى محاولات متكررة للتحليق من دون أجنحة نحو الحرية، واصطياد نور الخارج بالكلاّبات المعقوفة. هكذا يدخلنا صلاح الحمداني في الزمن اللاّ سعيد دون مقدّمات، بعدما أُغلقت الحدود في وجهه، ويدفعنا للسير مع المتوهّمين في هذا الكون الذي فقد توازنه يوم وجد الشاب صلاح الحمداني نفسه مُطوّقاً بأشجار معسكر الرّشيد خارج المدينة وجها لوجه مع الحرّاس والقوّادين والأوصياء والجلاّدين البعثيّين بوجوههم وأفواههم المليئة بالافتراء والرّذيلة، منزوع الهويّة الإنسانيّة عندما أصبح الجندي المرقم 330019، وتحوّل رأسه إلى مطمور من النّفايات الوطنية وهو يحمل زنزانته في تلك الرأس التي تحاول كتابة قصيدة، وترفع مجازاً يضاهي ابتسامة حبيبة الصبي، نجاح.
ابتسامة نجاح ووفاء أبو بريص صديق الطفولة، يخترقان برودة وكآبة طقس باريس ويحسمان النزاع لفائدة صلاح الحمداني الذي ينجح في سرقة بريق الكتابة من منفاه الباريسي ويشحذ عزيمته للاعتناء بجراح أيامه ومواسم عزلته، تلك المواسم الحزينة التي قرّرها في حقه القاضي العسكري منذ سنين طويلة بتلك النظرة المليئة بالكراهيّة، ولم يترك لصلاح الحمداني إلا أن يضرم النار في كل ما يؤلمه، قادة العالم والبحر والقصائد الثورية الانشائية والتضحيات اللامجدية وكوابيس الحنين ومؤلفات الله الكاملة، وقدره العراقي الذي يشبه “الرّوث المعلب”... سيواجه صلاح الحمداني كل ماضيه المسلُوب تماما مثلما فعلت أمه “وهي تواجه رعُونة تقاليد رجال قريتها”، وسيُوهمنا السّارد بأنه سيفرش حكاياته مثل بضاعة مستهلكة، وهي التي يستلّها من شفاه الفرات كقبلة مبلّلة بين عاشقين، ويعجنها من طين دجلة كروح هاربة، تلك هي حكاياته التي ينتقيها من غرفة صغيرة في زقاق الدّعارة في حيّ الميدان في بغداد، ويعيد صياغتها وانتقاء مفرداتها من قاموس الأرق بين أرجاء منزل باريسيّ كبير اشترته رفيقة حياته ايزابيل... ومع ذلك يظل صلاح الحمداني يحلم “بامتلاك حفنة تراب” وبافتراس الحياة من ذاك الوطن الذي أمعن في قذارته، بليله الذي يكتظ بالاستخبارات والميليشيات البعثيّة، وبكل هذا الكون الذي يعدو وراء الصّبي الطريدة الذي لم يتجاوز عمره العشرة أعوام... والذي ظلت روحه تُصفعُ يمينا وشمالا بالأفكار المتشائمة فوق ذاك السرير البغداديّ ذو القضبان الحديدية... حيث أتعاب الحرّية موشومة... هكذا هو قدر صلاح الحمداني، فمن ثقلت مأساته لن تنحني قامته.
تفسّخ البشرية في مرآة الحياة
لم تكن باريس غيمة للهروب بقدر ما كانت فرصة لسلخ أكبر عدد من أيام بغداد ونفض الغبار عن هيبة مواسم ماضية والإفلات من كمّاشة الأخلاق الصّارمة المزيّفة والاعتقادات الإيمانيّة المفبركة. كما تبدو باريس فرصة للتّخلص من كلّ ذاك الإشباع التأويليّ لتراكم السّنين الخائبة في أعماق صلاح الحمداني، وتلك الطفولة التي يمتزج فيها الغبار بالقيض. ذلك أن عاصمة الأنوار في حياة صلاح كانت فسحة وجوديّة ليتعلم طرح الأسئلة الحيويّة، وتحرير روحه وعقله من ثقافة كراهيّة الآخر ومن الرّواسب الملغومة. ورغم روتينيّة وضجيج النّهار الباريسي يظلّ العالم المتخيّل في ذهن الكاتب، بجسده المقيّد بالحداد والحروب والمنافي، يذكّره بأنّه ذاك الصبي الذي يطوف وسط ساحة ألعاب مُتربة في عيد بغداديّ، قبل أن تفترسه رياح المنافي، وقبل أن يستفرد به الحنين مع مرور الزمن.
يتناسلون من ذاكرته المثخنة بالحنين، والدته بوجهها المدوّر، ووالده أبو جواد الذي لم يقرأ على قبره سورة الفاتحة، ورزاق وأم رزاق الشهوانيّة الهائجة، بأوراقها الخريفيّة الدّفينة، وتوفيق وأخوه الكبير الذي لم يكن يعرف معنى الابتسامة، وقلفز، والقوّادة الحكيمة وعبد الحسين وحسن الأعور... وغيرهم من الوجوه التي يسحبها صلاح الحمداني من ذاكرته مع كل نص، وبين التفاصيل التي يوردها، كأنّه يبحث عن ملامحهم في تلافيف الزّمن الضّائع، ويلقيهم على وجوه قرّائه، ويذكّرنا بمحنة سنواته الأربعين التي قضّاها وهو ينظر ويتأمّل تفسّخ البشريّة في مرآة الحياة، ليخلص إلى أنه لا توجد حياة للهيب بلا خشب، لذلك كانت الحياة عند صلاح الحمداني شبيهة بحياة محارب على كل الجبهات عندما يكتب: “منذ زمن طويل وأنا أرسم المشاوير، أسمّي المواسم كما أريد، أهدم المدن، أدفن الرجال، أبكي على الماضي، أبكي قرى من التّنك، ومروجا بلا أشجار، أروي القبور بأشباح بلا أجنحة، أركن الأكفان، أبحث عن وطن وصديق وفيّ”.
“أضعت نهر دجلة في رحلتي”
هكذا هو هذا العراقيّ الذي يتبعه المنفي مثل كلب، ويرقد قمر صباه بعين واحدة. حياته طائرة ورقية ضيّعتها حروب الأوغاد. تعلّم في باريس، ولا يزال، كيف يصير مثل فراشة لا تحترق بلهيب الحياة ولا بنار الذّاكرة. إنه ينجُو بحياته السّابقة من ويلات حياته اللاّحقة، لأنّه ببساطة ظل ينقّب في كهوف عتمة الحياة ذاتها، ويعجن أزمنتها بروحه القلقة، كأنّه “في وقت مستعار من الموت”. فباريس أصبحت هي بداية كل الأشياء، وهي التي علّمته كيف يعمل -وبقناعة كبيرة- في نصب الفخاخ للغد القادم، بعيدا عن أشباح الماضي وهزائمهم “التي يتقاتلون من أجل تحويلها الى انتصارات فيما بينهم”، وبعيدا عن تلك الأيام التي لا وجوه لها، حيث جنود الله المزيّفون يعتقلون الدّهشة، ويتناوبون على اغتصاب النّور. فلا وقت للحمداني إلا لتنضيد أيامه سطراً بعد آخر على ركح هذه الحياة، كمن يتعارك مع الزّمن بالأيادي من أجل الفوز بالحياة، فصلاح الحمداني يسوّي الكتابة بالموت: إن توقّف عن رسم حروف حياته المعلولة ستتوقّف حياته: “الحرّية تنقصني، أضعت نهر دجلة في رحلتي، وإذا توقّفت عن الكتابة، سأموت، لن يتبقّى شيء”. إنه مستمر، مثل غير الموجود، لكنه موجود... في جلبة الصّمت وفي مواجهة المواسم المسمومة، بعيداً عن سماسرة القضايا العربيّة الكبرى، ممن يصفهم الكاتب “مثقّفي وشعراء ومسلمي العون الاجتماعي، الذين يملؤون شوارع أوروبا، الذين يأكلون بملاعق غيرهم، لكن ألسنتهم وأفكارهم مدبّبة ضد من يُطعمهم”.
الزّمن هو اللّعبة الأثيرة في “يوميّات المنفى” لصلاح الحمداني، فهذا المكوّن الأساسي في كتابة اليوميّات، والذي يخضع في الغالب الأعم لشكل مضبوط، ولنسق وترتيب معيّن يساعد القارئ على تحديد فترات الكتابة وأزمنة التحولات، ينسفه صلاح الحمداني ليتلاعب بالزمن مثلما تتلاعب به المحن، وهو يترقّب اللحظة المناسبة وينبش في النّهار دوماً، لذلك يصل إلى الليل في وسط النّهار، كأنّه في وقت مستعار من الموت، أو هو تائه في عدد كبير من أيّام بلا وجوه، أو في شلاّلات الوقت الضّائع، وربّما لذلك – وهو يتعارك مع الزّمن بالأيادي- يقدّم ساعتين على الزّمن منذ الفجر الفائت، ليكشط الأيام من ذاكرته حيث كل لحظة تمحو الأخرى، وحيث النّهار يصعد أفقيا، هاملاً وراء الظّلام، وحركة الكون محصورة في الزّقاق المؤدي إلى النّهر... نهر دجلة... ولا مفرّ له إلاّ أن يعبر الأزمنة وحيدا، يصطنع الأزمات وتصطنعه. فهذا الزمن النفسي/الوجودي لم يعد فيه اليوم الجديد ذا شأن كما البارحة، وحتّى وحدة الليل، لا تصفو إلى سموّ السّكون.
لا يتخلّى الكاتب تماماً عن الإشارات الزمنية المضبوطة، بل يوردها في بعض المواضع بشكل وظيفيّ لخدمة السّرد بعيدا عن الشكل الإجرائي الذي يقيّد الزمن بحساب الأيام وعدد الشهور وتواريخ السنوات إلاّ فيما ندر، وهو غالباً ما يكتفي بمحدد زمني مثل “في عام 1981”، “في أحد أيام عام 1980”، “الساعة السادسة والنصف صباحاً”، “الأحد 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021”، “ليلة رأس السنة الجديدة 2022”، “شهر تموز 1973 الساعة العاشرة صباحا”، “تحديدا عام 1975”، “عمري 22 عاما”، “تجاوزت حاجز السبعين عاما”، “الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي”، “19/12/1968”، “الأحد 23 حزيران-يونيو عام 1976”... اختيار صلاح الحمداني لهذا الشكل يجعل نصّه متخفّفا من الكتابة الكرونولوجية الصارمة، فهو لا يكتب تاريخه الشّخصي باعتباره عراقيا منفيا بقدر ما يكتب ما يمكن أن نطلق عليه الرّوح العراقية المنفية، تلك الرّوح المشرّدة في العراق ذاتها وفي كل أصقاع الدنيا، وكأنّ صلاح الحمداني يوزّع منفاه الذّاتي على كل العراقيين المنفيّين، بل على كل ذات إنسانية لم تنجو من مصانع “محو الآدميّة”.
يكتب صلاح الحمداني: “حين أفتح الجرّارة، ثمّة حياة تدبّ تحت الأوراق، وزمن كنت قد أودعته دون تعمّد في قلوب ذكريات غابرة، واليوم لا شعوريّا أنفخ عنه أتربة تراكم السّنين، لأجد كائنا بلا ملامح، نحيفا، ولا يزن غير حبّات من الدّموع، يبست فوق كتاب أنيق لشاعر عراقيّ مغرور”. ومع ذلك يتصالح صلاح الحمداني مع أشياء كثيرة تطارده من الماضي، رغم أن بغداد تقيّده بسلاسلها وهو يعبر شوارع باريس، ويصارع ويقاوم روحه المنغلقة على أسرارها من أجل أن يعبر نهر دجلة ولا يترك نهر السين la Seine يغرق في أوجاعه. سنده في ذلك رفيقة حياته ودربه، زوجته إيزابيل لانيي Isabelle Lagny، تلك التي يتعلّق في أذيال معطفها الوطن من حنجرته. وما الوطن سوى الحب.