هل حقا محاربة الإرهاب قيمة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟

قد تبدو القيم المشتركة حجر أساس التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد تسمح برسم خط واضح بين النقد المشروع للسياسة الإسرائيلية والنقد غير المشروع. لكن هذه المقولة وَهمٌ لا يصمد أمام الحقائق.

واشنطن العاصمة في 21 مارس/آذار 2016 - دونالد ترامب خلال مؤتمر السياسة العامة لمنظمة الأيباك
Lorie Shaull لوري شاوول

“سوف نظل كما كنا على الدوام من أنصار إسرائيل الأشداء في الكونغرس لأننا نعلم بأن دعمنا يرتكز على قيم مشتركة ومصالح إستراتيجية. إن النقد المشروع للسياسة الإسرائيلية تحميه قيم حرية التعبير والنقاش الديمقراطي الذي تشترك فيه الولايات المتحدة مع إسرائيل”.

هذا تصريح لقيادة الحزب الديمقراطي حول معاداة السامية يوم 11 فبراير 2019 على إثر ما قالته إلهان عمر1 في ردها على سؤال صحفي، بأن تأثير لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الآيباك)، اللوبي الإسرائيلي، مبنية على “البنجامين”. في إشارة لصورة الرئيس بنجامين فرانكلين المطبوعة على ورقة ال 100 دولار التي تستعمل لشراء موقف ودي تجاه إسرائيل من طرف أعضاء الكونغرس. وقد اتُهِمَت إلهان عمر باستعمال أسطورة “المال اليهودي” وهو خطاب كلاسيكي في معاداة السامية، ومع نفيها لذلك2 فقد قدمت اعتذارها .

على مدى عقود قام المنتخبون والمختصون بتحديد الخطوط الفاصلة بين ما هو “انتقاد مشروع” للسياسة الاسرائيلية وما هو ليس كذلك، والسبب في ذلك بسيط: ماذا كان سيحدث إن توصل “نقد مشروع” إلى الخلاصة بأن عمل ما للسلطات الإسرائيلية يتنافى في الواقع مع “القيم المشتركة” التي نعزها؟ في هذه الحالة كيف سيتمكن الكونغرس من الوفاء بوعده (الاستثنائي حقا) بدعم أبدي لإسرائيل (“إننا وسنكون دوما” إلى جانب إسرائيل)؟ وسنفهم الأمر أكثر من خلال التركيز على إحدى “القيم المشتركة” والمتمثلة في مناهضة إسرائيل والولايات المتحدة المطلقة لكل أشكال “الإرهاب”، ولكن ماذا سيحدث عندما تظهر بوضوح الأدلة التي تناقض هذه المناهضة المزعومة؟

نقد مشروع؟

تم خلال الأسابيع الأخيرة، بمبادرة من بنيامين نتنياهو، إبرام اتفاق مع تنظيم عوتسما يهوديت (عظمة يهودية)3 ومن شأن هذا الاتفاق إتاحة دخول الكنيست لورثة ماير كاهنا المنضوين ل /عوتسما يهوديت/ والمساهمة هكذا في إبقاء نتنياهو في السلطة. غير أنه منذ تحرير هذا المقال، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم السماح لقائد عوتسما يهوديت، ميخائيل بن آري، بالترشح للانتخابات بسبب تحريضه على العنصرية. ولكن تم السماح لمساعده في نفس الحزب، إيتامار بن خفير، بالمشاركة في الانتخابات. وعوتسما يهوديت، حزب خلف حزب /كاخ/ لمائير كاهانا4 الذي أدين بصفة غير اعتيادية من قسم عريض من يهود أمريكا.

لجأ كاهانا ورابطة الدفاع اليهودي إلى الإرهاب في السبعينيات والثمانينيات ويعتبر/ كاخ/ “تنظيما إرهابيا” من طرف الولايات المتحدة والحكومات الإسرائيلية وهو ما يفسر منع قائد عوتسما يهوديت، ميخائيل بن آري، من دخول أمريكا.

استند أغلب الذين انتقدوا مناورات الوزير الأول في إدانتهم إلى رفضهم المطلق للإرهاب. وهكذا بعد أن أشادت بتصريح اللجنة اليهودية الأمريكية5 . الذي أدان عوتسما يهوديت، ادعت الكاتبة باري وايس في مساهمة لها بجريدة /نيويورك تايمز/ بأن هذا التصريح يسمح بالتفريق بين انتقاد مشروع لإسرائيل وانتقاد تشوبه معاداة السامية. فبالنسبة لهم يعد “إرهاب” كاخ ورابطة الدفاع اليهودي مجرد “إرهاب” لمتطرفين دون صلة بالحكومة الإسرائيلية. غير أنه، وفي نفس المرحلة، كان مسؤولون رسميون إسرائيليون منشغلين بإنشاء وتسيير مجموعة “إرهابية” قتلت خلال أربع سنوات مئات المدنيين في لبنان. وتم الكشف عن وجود هذه العملية “الإرهابية” السرية منذ أكثر من سنة. ولم يثر هذا الكشف إدانة أي شخص، ولم يؤدّ إلى أية إدانة، لا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة حيث تم الكشف عن المعلومة. على عكس ذلك، استُقبل الخبر بصمت مطبق من طرف المنتخبين والصحافيين والأخصائيين و“الخبراء في الإرهاب” من كل المشارب.

التحضير لغزو لبنان

في العالم الواقعي تعتبر، بدون أي حجة، أية إشارة إلى “الإرهاب” الرسمي الإسرائيلي غير مقبولة، وتصنف كشكل من الانتقاد “غير الشرعي” تماما وغير المقبول والمنحرف (إن أردنا استعمال مصطلحات المختص في وسائل الإعلام دانيال هالان).

ومع ذلك، فقد حدثت بين 1979 و1983 عشرات العمليات بالسيارات المفخخة في لبنان وسوريا، تم تبنيها من طرف /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ والتي لم يتم تبيين هويتها الحقيقية آنذاك. وقد قامت الصحافة الأمريكية والدولية بتغطية العديد من هذه العمليات. وما انفك الفلسطينيون وحلفاؤهم اللبنانيون (والذين كانوا الضحايا الأساسيين في هذه الهجمات) يؤكدون على أن إسرائيل، من وراء هذه المجموعة، هي التي تشن “حربا سرية” ضدهم. وقد رفضت إسرائيل هذه الاتهامات مدعية بأن هذه الهجمات ماهي إلا أمثلة عن عنف “عرب ضد عرب آخرين”.

ففي فبراير 2018 نَشَرَ رونين برغمان، وهو صحفي إسرائيلي يحظى باحترام أهل المهنة، ولقد عيّنته جريدة نيويورك تايمز منذ ذلك الحين في فريق الصحفيين لديها، نشر كتاباً بعنوان /رايز آند كيل فيرست/ عنوانه الكامل (انهض واقتل أولا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية).

وقد كشف عن أمثلة لعمليات تصفية (ما سمي “بالقتل الانتقائي”) قامت بها السلطات الإسرائيلية. وكشف أن /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ أنشئت سنة 1979 من طرف مسؤولين رسميين إسرائيليين كبار: رفائيل إيتان، مائير داغان، أفيغدور بن غال6، بهدف “زرع الفوضى في صفوف الفلسطينيين والسوريين في لبنان دون أن تظهر بصمات إسرائيل”. وكشف أيضا أنه في الوقت الذي تم فيه تعيين آرييل شارون وزيرا للدفاع سنة 1981، كانت قنابل /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ تهدف إلى “دفع ياسر عرفات لمهاجمة إسرائيل حتى تقوم بدورها باجتياح لبنان”. وقد اتضح أن الفلسطينيين كانوا على حق من البداية حتى النهاية.

“نجاعة السيارات المفخخة”

كانت قنابل /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ تنفجر في الأسواق والشوارع التجارية وقاعات السينما ومخيمات اللاجئين، أي أنها كانت تستهدف المدنيين. والعديد من هذه الهجمات تم توثيقها في قواعد البيانات التي جمعتها /ستارت7/ ومؤسسة راند8 . وقد صرح ضابط مخابرات إسرائيلي إلى بيرغمان: “رأيت من مسافة إحدى هذه السيارات تنفجر وتدمر شارعا بكامله. كنا نُعلِّم اللبنانيين كيف نجعل السيارة المفخخة فعالة. كل ما شاهدناه فيما بعد مع حزب الله، جاء مما تعلمه أعضاؤه من نتائج هذه العمليات”.

جرت هذه الحملة “الإرهابية” السرية في الوقت الذي كانت فيه السلطات الإسرائيلية (بما فيها شارون) منخرطة في جهد شامل لإعادة تشكيل الحرب التي تقودها إسرائيل منذ عقود ضد الفلسطينيين بحيث تظهر على أنها حرب مبادئ ضد خطر “الإرهاب الدولي”. وكان في قلب حملة /الهسبرة9/ (الدعاية) معهد /يوناتان/ الذي أسسه بنزايون وابنه بنيامين نتنياهو. وقد نظَّمَ هذا الأخير مؤتمرين دوليين حول “الإرهاب”، في 1979 بالقدس وفي 1984 بواشنطن العاصمة. وكانت مجهوداتهم خارقة الأداء، حيث أنه منذ أواسط الثمانينيات لم يعد من الممكن التمييز بين الخطابات الأمريكية والإسرائيلية بخصوص “الإرهاب”، وقد تم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 تبني رؤيتهم من طرف بلدان عديدة أخرى في العالم.

وتُظهر المعلومات التي كشفها بيرغمان أن هذا النوع من الخطابات هي منذ البداية مجرد إيديولوجيا. كما تُبرز أيضا أن الادعاء (الذي اعتبر لا جدال فيه) بأنه من حق الدول استعمال القوة للدفاع عن نفسها ضد “الإرهاب”، يطرح في الواقع إشكالا عندما يتم استخدام عبارة “إرهاب” بالوصف الموضوعي وليس بالمعنى الإيديولوجي.

مَنْ، في واشنطن، أو في أي مكان آخر، بإمكانه الإعلان أنه من حق الفلسطينيين (أو لبنان أو سوريا) استعمال القوة ضد “التهديد الإرهابي” الذي تمثله /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ التي أنشأتها إسرائيل؟ ومن يمكنه الادعاء أنه من حقهم القيام بعمليات “القتل الانتقائي” ضد أيتان وبن غال أو شارون بسبب الدور الذي لعبوه في الحملة “الإرهابية”؟ أو أن يكون لهم الحق في استهداف الكيبوتس حيث تم، وفقا للمعلومات التي كشفها بيرغمان، تصنيع عدد كبير من القنابل التي استخدمتها /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/؟ ومن يمكنه الإعلان بأن المدنيين الذين قتلوا يجب أن يعتبروا مجرد “أضرار جانبية”؟ وأن مثل هذا النوع من استعمال القوة يجب أن يحتفى به كعمل شجاع وإجراء حازم في الكفاح الأخلاقي ضد آفة “الإرهاب”؟

صمت نيويورك تايمز

إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة بالنفي، فعلى أي أساس يمكن لإسرائيل، أو الولايات المتحدة أو أي بلد آخر، أن يدعي بأن له الحق في استهداف “القادة الإرهابيين” وقنبلة “منشآت إرهابية لتصنيع القنابل” أو استعمال القوة المميتة ضد متظاهرين لمجرد افتراض أن لهم ارتباط مع “تنظيم إرهابي”؟

إلى يومنا هذا لم تتم الإشارة إلى المعلومات التي كشفها بيرغمان بخصوص /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ من طرف أي كاتب افتتاحية أو محاور أو مسؤول منتخب أو مختص أو “خبير في الإرهاب”. ويدخل ضمن هذه القائمة، زملاء رونن بيرغمان في نيويورك تايمز، أمثال برات ستيفانس وباري وايس وبصفة أكثر غرابة توماس فريدمان، الذي غطى شخصيا العديد من العمليات التي قامت بها /جبهة تحرير لبنان من الأجانب/ في الثمانينيات. ولكن كان لهؤلاء الثلاثة ما يكفي من الوقت للتنديد بالملاحظات المزعومة معادية للسامية لنائبة مينيسوتا، إلهان عمر، مع التأكيد على كونهم يرحبون “بالانتقادات المشروعة” لإسرائيل.

القول بأن الفلسطينيين وإسرائيل كان كل منهم مرتكب وضحية ل“الإرهاب” هو المثال التام عن النقد الذي تم إزالته تماما من النقاش العام. وقد كان لكاتب هذه الأسطر تجربة شخصية في العديد من المناسبات تفيد بأن الاتهامات بمعاداة “السامية” كثيرا ما يتم توظيفها ضد أي شخص يحاول التفكير بهذه الطريقة. (أو بأنك “داعم للإرهابيين” لأنك لم تستعمل عبارة “إرهاب” ضد الأعداء الرسميين لإسرائيل أو الولايات المتحدة).

يجب الوقوف ضد هذه المحاولات. فقدرة المواطنين على بلورة رأي مستنير حول أي موضوع أمر ضروري لضمان ديمقراطية سليمة. ويصح هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر باستعمال القوة العسكرية في سياق “الحرب على الإرهاب” التي تَأَكَدَ، حتى هذه اللحظة، بأنها فشلت فشلا ذريعا “أخلاقيا وسياسيا”. وكل ذلك يرسخ فكرة وجود “مُحَرّمات” (تابو) تتعلق بإسرائيل، مما يغذي النظريات التآمرية ويساهم بصفة أكبر في تنامٍ فعلي وخطير لمشاعر معاداة السامية عبر العالم.

1هي من أصل صومالي وإحدى المنتخبتين المسلمتين في مجلس النواب بالولايات المتحدة، والثانية هي رشيدة طليب من أصول فلسطينية. وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد وصف انتخاب هذه النائبة الديمقراطية ب“اليوم الأسود”.

2ترفض منظمة الآيباك تعريفها بأنها “لوبي يهودي” وتقدم نفسها على أنها لوبي“مؤيد لإسرائيل”، فعلى الرغم من أن أغلب أعضائه من اليهود الأمريكيين، فهناك كثير ممن ليسوا كذلك خاصة ممن ينتمون إلى الحركة الإنجيلية المسيحية. ولكن وقصد التحامل أكثر على إلهان عمر اعتبرت الآيباك الإشارة إلى وسائلها المالية الموضوعة في خدمة المصالح الاسرائيلية بمثابة إشارة إلى “المال اليهودي”، وهي عبارة لم تستعملها أبدا إلهان عمر.

3تحسبا للانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستجرى في 9 أفريل 2019 أمضى عوتسما يهوديت أو “العظمة اليهودية” اتفاقا مع الحزب الوطني الديني البيت اليهودي الذي هو من اليمين المتطرف.

4ملاحظة: كاخ: تنظيم سياسي إسرائيلي أسسه مائير كاهانا وهو حاخام استعلائي يهودي من أصول أمريكية سنة 1971 وقد منع في إسرائيل من المشاركة في الانتخابات بسبب عنصريته ثم اعتبر غير قانوني في سنة 1994. أما تشكيلته الأصلية، رابطة الدفاع اليهودي فهي مسجلة ضمن قائمة “المنظمات الإرهابية” في الولايات المتحدة.

5لجنة أنشئت في سنة 1906 وهي تعد من أقدم وأهم منظمات الدفاع عن اليهود في الولايات المتحدة.

6ملاحظة: كان رفائيل إيتان ومائير داغان مسؤولين ساميين بالمصالح الخارجية للأمن، الموساد، وأصبح الثاني مديره العام من 2002 إلى 2011. وكان الجنرال آفيغدور بن غال أحد منظمي الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982

7ـ قاعدة بيانات مفتوحة تقدم معلومات عن الأحداث الإرهابية في جميع أنحاء العالم. وهي مفتوحة للجميع على الانترنت.

8تقدم مؤسسة راند نفسها على أنها “مؤسسة غير ربحية تهدف عبر بحوثها وتحاليلها إلى المساهمة في تحسين السياسة وأخذ القرارات” ويعتبرها كثير من الأخصائيين مقربة من وكالة المخابرات الأمريكية سي أي إي).

9وهي كلمة عبرية تعني “الشرح العلني” أو: الدعاية.