الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الفرنسية

إسرائيل - فلسطين. إيمانويل ماكرون “إلى الأمام” نحو القدس

يمكن لرئيس الجمهورية المنتهية ولايته، والموالي لإسرائيل والمفتون بـ “الأمة الناشئة”، أن يُحدث تغييرا في دعم فرنسا التاريخي لحل الدولتين، في أعقاب اتفاقيات أبراهام. فالعديد من الدول المعنية بهذا الاتفاق حليفة لفرنسا وزبائن أوفياء لأسلحتها. ويكمن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في قلب نقاشات أنصار هذه الاتفاقيات.

قصر الإليزيه، 18 مارس/آذار 2021. إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي كان في زيارة رسمية إلى باريس.
Ludovic Marin/Pool/AFP

مرت الجملة المقتضبة مرور الكرام. ففي 24 فبراير/شباط 2022، خلال مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (المعروف باسم “الكريف”) في باريس، كان الضيوف -قرابة الألف- منشغلين بأمور أخرى. فالسفراء والوزراء -الحكومة بأكملها تقريبًا- وأربعة مرشحين للرئاسة -وهم رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، ورئيسة المجلس الإقليمي في إيل دو فرانس -الإقليم الذي تنتمي إليه باريس إداريا- فاليري بيكريس، والنائبان يانيك جادو (حزب الخضر) وجان لاسال، جميعهم كانوا لا يتحدثون سوى عن أوكرانيا. وقد غاب ضيف الشرف، الرئيس إيمانويل ماكرون، لحضور قمة عاجلة في بروكسل مخصصة للحرب التي أعلنتها روسيا للتو. وتكفل بتمثيله كل من زوجته بريجيت ورئيس الوزراء جان كاستيكس. يقرأ الأخير خطاب رئيس الجمهورية، ويؤكد بإصرار نيابة عن ماكرون: “القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، لم أتوقف عن قول ذلك”. ويضيف: “أنا مثلكم قلق بشأن قرار الأمم المتحدة فيما يخص القدس، والذي يستمر، بشكل متعمد وفي معارضة تامة لأبسط المسلّمات، في تجاهل المصطلح اليهودي لـ’جبل الهيكل’”. قرار تبنته الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2021 وصوتت عليه فرنسا، وقد وصفه رئيس “الكريف”، فرانسيس كاليفات، في خطابه الافتتاحي بـ“الإنكاري”. كلام يقال في نيويورك، وكلام آخر في باريس. هكذا يُظهر خطاب ماكرون المزدوج تلك المواقف المتضادة المعلنة “في نفس الوقت”1 والتي تخفي تيهان سياسته الخارجية.

وإذ أعرب الرئيس عن تعلقه الشخصي بالقدس، فإن الذاكرة الجماعية لا تحتفظ سوى بذكرى مروره على كنيسة القديسة حنة في البلدة القديمة. ففي كانون الثاني/يناير 2020، عبّر ماكرون عن غضبه من رجال الشرطة الإسرائيليين أمام هذه الممتلكة الفرنسية، في محاولة منه للتأثير في النفوس من خلال تقليد جاك شيراك وغضبه الشديد في عام 1996 ضد رجال الشرطة الإسرائيليين في نفس المدينة القديمة. لم يكن ماكرون آنذاك في زيارة رئاسية رسمية، بل في رحلة “تذكارية” بمناسبة منتدى دولي نُظّم بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير محتشد “أوشفيتز-بيركيناو”.

بتصريحاته عن القدس، حظي خطاب الرئيس بالتصفيق خلال مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا. وقد طالب الأخير في أعقاب “صفقة القرن” ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، بأن تقوم فرنسا بنفس الخطوة نحو “العاصمة الأبدية” من خلال نقل سفارتها إلى هناك. يقول أحد العارفين بشؤون المنطقة: “لم أسمع أبدًا ماكرون يقول شيئًا كهذا”. ويضيف نفس الرجل ساخرا: “كما لم أكن أعلم أنه يتردّد على القدس. ربما يكون قد أدّى فريضة الحج عندما كان مراهقا؟”

“مصطلحات تاريخية مشبعة بالعار”

في نفس الوقت، يُدين الرئيس تقرير منظمة العفو الدولية (دون ذكر اسمها) حول سياسة الفصل العنصري -أبارتايد- التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والذي نُشر في بداية فبراير/ شباط 2022. “هناك إساءة في استخدام مصطلحات تاريخية مشبعة بالعار. كيف يمكننا التحدث عن فصل عنصري؟ هذا منافٍ للحقيقة”. في الكواليس، تُزايد أورور بيرجي، النائبة عن حزب “الجمهورية إلى الأمام” (حزب الرئيس ماكرون)، ورئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية الإسرائيلية “ضد الحملة المفضوحة لمنظمة العفو الدولية التي تتحدث عن الفصل العنصري، في حين أنه من الواضح أن إسرائيل دولة ديمقراطية. يجب طبعا حلّ الجمعيات التي تدعو إلى الكراهية”. وفيما يبدو كأنه تهديد لمنظمة العفو الدولية، تُلمّح بيرجي إلى حلّ جمعيتين “صغيرتين”، هما “فلسطين ستنتصر” و“لجنة العمل الفلسطيني”.

تم الإعلان عن عمليات الحلّ هذه، والتي طالب بها فرانسيس كاليفات ووزير الداخلية جيرار دارمانان، الحاضر هو الآخر في المأدبة، في نفس الأمسية من طرف جون كاستيكس ـأي من طرف ماكرون. وقد تمّ حلّها بالفعل خلال مجلس الوزراء في 9 مارس/آذار 2022.

في انتظار الصديق لابيد

في منتصف أغسطس/آب 2023، وإذا بقيت الحكومة الائتلافية قائمة الذات – وهو أمرُ بات غير مؤكّد بالمرّة -، سيصبح وزير الخارجية يائير لابيد رئيس وزراء إسرائيل. إن رئيس حزب “يش عتيد” (“هناك مستقبل”)، هو الصديق الإسرائيلي الكبير -والوحيد دون شك- للرئيس الفرنسي. لابيد كاتب روايات بوليسية وصحفي سابق، وهو “وسيم” الوسط، وقد كان فاعلاً عنيدًا لسقوط بنيامين نتنياهو.

في 5 أبريل/نيسان 2019، أي قُبيل أيام من جولة انتخابية جديدة في إسرائيل، منحه رئيس الجمهورية الفرنسي عناقا حارًّا تحت أضواء كاميرات المصورين بالإيليزيه. قبل ذلك التاريخ بسنتين، دعا لابيد إلى التصويت لماكرون ضدّ مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، بدعوى “المنطق السليم ضد شعبوية خطيرة”. وقد التقى الصديقان مجددا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في باريس، دون أن تشوب لقاءَهما التسريبات حول استعمال برنامج “بيغاسوس” التجسسي. يستنكر أحد الدبلوماسيين قائلاً: “كيف يُمكن أن يخرّب برنامج بيغاسوس هاتفين للرئيس دون أن يكون لذلك أي تداعيات!” يجيب لابيد دون مزاح: “لم يتنصت أحد على هاتف الرئيس”!.

كانت صورة أبريل/نيسان 2019 بالإيليزيه رسالة لنتنياهو على الخصوص. وقد نصح العديدُ من العارفين بالمنطقة والذين عمل أغلبهم تحت قيادة فرانسوا ميتران2 أو جاك شيراك، نصحوا ماكرون بتوخي الحذر منه منذ بداية عُهدته. يشرح لي أحد قدماء مصالح المخابرات قائلاً: “إسرائيل دولة ديمقراطية، ولكن الطريقة التي كان يحكم بها نتنياهو إشكالية. فهناك الكنيست، وهناك المحكمة العليا، ما يُبقي النظام مرتبطاً بالديمقراطية. ولكن تبقى به ثغرات، فنظام الاحتلال ملتو للغاية”. أمام هذه النصائح، “لم يرغب ماكرون في لعب دور الصديق” مع نتنياهو، الذي غالبًا ما كان يُنظر إليه في باريس على أنه “مراوغ” و“لا يمكن الوثوق به”.

“خطر الفصل العنصري في إسرائيل”

يعلّق نائب من الأغلبية الحاكمة: “صحيح أن الرئيس قريب إلى حدّ ما من تل أبيب والشبكات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تدعم إسرائيل في باريس. ومع ذلك، فيما يتعلق بمخططات ضم وادي الأردن، قام ماكرون باللازم، وكان جان إيف لودريان [وزير الخارجية الفرنسي] واضحًا وحادًّا ودقيقًا مائة بالمائة”.

يقرّ برتران هلبرون من جمعية “تضامن فرنسا فلسطين” بأن “فرنسا كانت صامتة، ولكنها لم تكن بكماء”. فقد تحدّث لودريان بصراحة ودون مهادنةِ الحكومة الإسرائيلية أمام مجلس الشيوخ، بل وذكر سنة 2021 خطر “وجود فصل عنصري في إسرائيل” إذا ما توقف حلّ الدولتين عن التقدم.

ولكن سواءً كان ذلك تحت رئاسة فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون، لم تعترف فرنسا بدولة فلسطين، على الرغم من التصويت الإيجابي جدا لصالح الاعتراف من طرف المجلس الوطني (البرلمان) في ديسمبر/كانون الأول 2014 بـ 339 صوتًا مؤيّدًا و151 معارضًا. وضع يأسف له غويندال رويلارد، نائب مدينة لوريان (في شمال غرب فرنسا) عن حزب الجمهورية إلى الأمام، والمقرّب من جان إيف لودريان -الذي كان في الحزب الاشتراكي في 2014 وكان قد صوّت آنذاك لصالح هذه اللائحة: “لم يُلهم موقف البرلمان الفرنسي رئيسينا المتعاقبين”. صحيح أن لفرنسا علاقات دبلوماسية مع فلسطين، لكن تبقى السويد البلد الأوروبي الوحيد الذي يعترف بها كدولة.

وإن لم يهتدِ وزير الخارجية إلى كيفية تعزيز هذا الاعتراف، فهو لم يطأ إسرائيل أبدًا، سواء في عُهدة فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون، مع أنه يعرف المنطقة جيدا، ويمسك بالمقود في مبيعات الأسلحة الفرنسية التي نمت بشكل كبير على مدى عقد من الزمن مع زبائن مهمين جدا، كالإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وقطر، ومصر.

لم يذهب رئيسا الوزراء إدوارد فيليب وجاك كاستيكس ـ وبالطبع في سياق صحي صعب بالنسبة لهذا الأخيرـ هما الآخران إلى إسرائيل خلال هذه العهدة الخماسية. بل في 2020، وقّع جيل بويي، عضو البرلمان الأوروبي وهو أقرب مستشاري إدوارد فيليب وصديقه نداء البرلمانيين الأوروبيين ضد الضم. كما وقّع على النداء ثلاثة مرشّحين عن اليسار، وهم جان لوك ميلونشون -مرشّح “فرنسا الأبيّة”- ويانيك جادو وفابيان روسال -مرشّح الحزب الشيوعي، والذين هُزموا في الدور الأول من الانتخابات، وأيضا النائب الأوروبي لحزب “الجمهورية إلى الأمام” ستيفان سيجورني، مستشار ماكرون، وهو شريك غابرييل أتال، الناطق باسم الحكومة. وقد حضر الأخير مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، بينما لم يحضر سيجورني.

الاستفادة من اتفاقيات أبراهام

تشرح لي نائبة عن الأغلبية فضلّت عدم ذكر اسمها: “لا تنتظر أن يكون هناك برنامج، إذ لا وجود له، لأن الرئيس المرشح المنتهية عهدته هو بالطبع يدافع عن حصيلة وليس عن بديل”. وتواصل النائبة بأن ماكرون يبدو أنه “يبحث عن مخرج” بعد هذه العهدة التي وصفتها بعهدة “الجمود” بشأن فلسطين وإسرائيل. وتضيف إلى هذا فشلاً شخصيا مريرًا في لبنان.

في الواقع، وعلى الرغم من الاحتجاجات الرسمية وعرائض المنتخبين، لم يحدث شيء. لم يفعل ماكرون خلال عهدته الأولى. بالنسبة لروني برومان، الرئيس السابق لمنظمة “أطباء بلا حدود”، “فلسطين ليست من اهتماماته”. ويضيف الأخير بأن هذا الرجل المنعزل “يتميّز بانحرافه نحو الملكية”. ويضيف النائب الشيوعي السابق جان كلود لوفور: “ليست لديه نظرة في السياسة الخارجية”. وعليه، فإن التحرك في إطار اتفاقيات أبراهام قد يكون فرصة سانحة لاستعادة المبادرة. يواصل جان كلود لوفور: “يُنظر إلى اتفاقيات أبراهام على أنها إرادة أمريكية، لكن الإسرائيليين هم من سعَوا لإنجازها. تسعى إسرائيل إلى الانعتاق من الولايات المتحدة. ويترافق هذا التباعد بتكثيف للعلاقات بين إسرائيل والصين”.

الإماراتيون هم أفضل المؤيدين للإسرائيليين في هذه القضية، علمًا وأن الإمارات العربية المتحدة زبون وحليف لفرنسا التي تحظى بثلاث قواعد عسكرية هناك. ويبدو من الصعب تصور أن الجنرالات ورجال الأعمال المواظبين على أبو ظبي لم يتناقشوا مسبقا حول اتفاقيات أبراهام مع أصدقائهم الإماراتيين. وقد قاموا بالتالي بتوصيل المعلومات إلى باريس، أي إلى وزير الخارجية لودريان، وبالطبع إلى ماكرون أيضا.

لفرنسا أيضًا قاعدة عسكرية في الأردن، حيث تنتشر طائرات “رافال” وأنظمة مضادة للصواريخ، كما أنّ لها تعاونًا عسكريًا وأمنيًا وثيقًا مع مصر. وتُضيف المؤرخة فريديريك شيلو أنه، بغض النظر عن هذه الاتفاقيات، “فإن فرنسا وإسرائيل يتواجدان في نفس الصف بخصوص نقطتين أساسيتين: في ليبيا مع الإمارات العربية المتحدة، وبخصوص الغاز في البحر الأبيض المتوسط، مع المنتدى الذي أقامته كل من إسرائيل ومصر والأردن”.

يشرح مختص في المنطقة قائلا: “صحيح أن فرنسا لم تحذُ حذو ترامب بشأن القدس والضفة الغربية والجولان، وأعادت التأكيد على موقفها الكلاسيكي بخصوص الاستعمار وحل الدولتين. لكن لدينا أصدقاء مشتركون مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمغرب، وأيضا مصر والأردن. إننا نبيع أسلحة ثقيلة ولنا تحالفات عسكرية. وهذا ما يفسّر موقف إيمانويل ماكرون المدروس جدًّا، الذي تصرّف كأن شيئًا لم يكن”.

يشرح نائب عن “الجمهورية إلى الأمام” قائلًا: “يجب أخذ ميزان القوة على الأرض بعين الاعتبار، والتطورات في العالم العربي، وخطة ترامب أيضا، ليس لتقبلها بالكامل، ولكن لكونها عنصرا جديدًا ونقطة انطلاق”. ويقول منتخب آخر: “يجب اتخاذ موقف واضح وصريح يمر عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”.

هل تعطي هذه الطريقة في مباركة فكرة القدس كعاصمة لإسرائيل فكرة عما ستكون عليه العهدة الثانية لإيمانويل ماكرون وتطوّر موقف فرنسا؟ فجملة ماكرون التي صدرت في مأدبة عشاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية لم تأت أبدا من فراغ، ويجب أن تُحمل على محمل الجد. كما تلقى هذه الفكرة ترحاباً من طرف سفير فرنسي في المنطقة حاليا وهو قريب من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، لكنه ينصح ماكرون بالاعتراف “في الوقت نفسه” -وفق جملته الشهيرة لحملة 2017- بدولة فلسطينية، رغم الضبابية التي تحيط بهذه الفكرة، تكون القدس الشرقية عاصمتها.

يضيف هذا الرجل قائلا: “ستكون تلك خطوة رمزية، ويكفي أن نقيم مقرّاً رئاسيا في القدس الشرقية، مكتبان أو ثلاثة مكاتب وزارية، والباقي يمكث في رام الله”. وضيف قائلا إنه في جميع الأحوال، سبق وكانت أريحا هي عاصمة فلسطين. لكن يبدو هذا كلّه خياليًا إلى حد ما، ولا يأخذ في عين الاعتبار التطورات الاجتماعية والثقافية للشباب الفلسطيني الغاضب من السلطة الفلسطينية، أو الصمت الحالي للزعماء العرب بشأن هذا الموضوع. فملك المغرب على سبيل المثال لم يردّ الفعل حول ما يجري حاليا في المدينة، رُغم كونه رئيس لجنة القدس.

صمت الزعماء العرب

أمام الوضع الجديد الذي فتحته اتفاقيات أبراهام، تقول نائبة عن الأغلبية الرئاسية المنتهية عهدتُها: “اكتفت فرنسا إلى حد الآن بتسجيل ذلك”. فبينما يحلّ جوّ من البرود الطويل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يفكر ماكرون في تحالف استراتيجي بين فرنسا وإسرائيل والعديد من الدول العربية، كالمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والأردن، والمغرب. ولكن ما الفائدة من التحدث عن ذلك الآن؟ فهو كيس من القضايا الغامضة وغير الواضحة!

يعلّق نائب من الأغلبية: “هذا الموضوع ليس شعبيًا جدًّا. لذا لا نريد أن نجازف كثيرا، هذا ليس من الشجاعة ولا من المجد”. في هذا السياق لا توجد ولا كلمة لفلسطين، المنسية الكبرى في عهدة الخمس سنوات المنتهية. بالنسبة للفلسطينيين، ليس لهم ما ينتظرونه من فرنسا إذا تمت إعادة انتخاب ماكرون في 24 أبريل/نيسان 2022. وقد استقبلت السلطة الفلسطينية تصريحه بخصوص القدس على أنه طعنة في الظهر. وتم استدعاء قنصل فرنسا بالقدس إلى رام الله، حيث أكّد على أن موقف بلاده لم يتغير.. هنا أيضا، من نصدّق؟

في جميع الأحوال، فالطريق مفتوح، لأن ماكرون ليس الوحيد الذي نسي الفلسطينيين. وحده أمير قطر تميم آل ثاني من بين قادة الدول العربية الذي ذكّر بمصير ملايين الفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي والإهمال الدولي منذ سبعة عقود، وذلك بمناسبة افتتاح منتدى الدوحة في مارس/آذار 2022. من جهتهم، لم ير وزراء خارجية مصر والبحرين والمغرب والإمارات، والذين اجتمعوا في نفس الوقت تقريبا في النقب في قمة وُصفت بأنها تاريخية مع نظيرهم الإسرائيلي لبيد ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن، من المناسب أن يذكّروا بمواقفهم تجاه الفلسطينيين.

ويشير دبلوماسي إسرائيلي في هذا الصدد إلى أنه “لم يزر أي من الوزراء العرب المشاركين في قمة النقب محمود عباس”، وقد أصبح الرئيس الفلسطيني أكثر عزلة من أي وقت مضى في رام الله. كما لم يفكروا في الذهاب إلى غزة. وقد عُقدت القمة في سديه بوكير، الكيبوتس الذي كان لفترة طويلة مقر إقامة دافيد بن غوريون والذي يعدّ اليوم اثنان من أفخم الفنادق وأكثرها تكلفة في إسرائيل، على مسافة ساعة بالسيارة من غزة.

شقاق قرار مايار

أيدت الأغلبية البرلمانية رغبة إيمانويل ماكرون بتبنيها في خريف 2019 القرار الذي صاغه النائب سيلفان مايار عن “الجمهورية إلى الأمام”، حول معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، والتي نالت رضًا كبيرًا من طرف الحكومة الإسرائيلية. لكن لم يتجاوز عدد المصوتين عليها 154 نائبًا من إجمالي 577. وقد صوّت ضمن مجموعة “الجمهورية إلى الأمام” 84 نائبا لصالحها و26 ضدها من مجموع 303 منتخبين. كان إيمانويل ماكرون قد وعد بنيامين نتنياهو بهذا التصويت، مستعملًا كل الصيغ المناسبة خلال حفل 2017 الذي يحيي ذكرى أكبر توقيف لليهود جرى في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. كما أرضى أيضًا المحافظين الجدد الفرنسيين، والمتحمسين جدا للأصوات التي تدعي بأن معاداة الصهيونية ليست سوى شكلا من أشكال معاداة السامية. ومع ذلك، فعلى عكس تصريح رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، وعلى عكس خطابه لسنة 2019، لم يعد ماكرون في كلمته في فبراير/شباط إلى هذا الخلط.

أزعج قرار مايار عددًا من البرلمانيين، كما تشهد على ذلك نائبة منتهية عهدتها: “كانت لها نتائج عكسية. وقد تساءل كثير من النواب عن محاولة استعمالهم في موضوع يُقسّمهم”. يأسف من جانبه غويندال رويلارد، نائب عن “الجمهورية إلى الأمام” لكون “لائحة مايار خطأ حقيقيا، فهي تسجل خلطا بين معاداة السامية -التي تدان قانونا- وبين نقد السياسة الإسرائيلية. وقد فُهمت على أنها إشارة تذهب دائما في نفس الاتجاه”. ويشاطره الرأي زميله من “الحركة الديمقراطية” (تيار الوسط) برونو جونكور: “كان قرار مايار لحظة شرخ. لم تكن هناك أغلبية واضحة بخصوصها، مما يبرز مدى تعقيد المسألة. ولم يكن الأمر مجيدا جدا في حزبنا، حيث كان خمسة نواب لصالح القرار وخمسة ضده”. و13 امتنعوا عن التصويت..

إذا كان نواب “فرنسا الأبية” واليسار الديمقراطي والجمهوري (الحزب الشيوعي الفرنسي وحلفاؤه) قد صوتوا بأغلبية واسعة ضد هذا القرار، ومن بينهم المرشح جان لوك ميلانشون (على خلاف المرشح الشيوعي فابيان روسال، الذي لم يشارك في التصويت)، فإن تبني قرار مايار أحدث شروخا في حزب “الجمهورية إلى الأمام” وفي الحزب الاشتراكي و“الحركة الديمقراطية”. يأسف ملاحظ مطّلع على المنطقة: “بخصوص موضوع إسرائيل ـ فلسطين، يلتزم كثير من البرلمانيين الصمت، غالبًا بدافع الانتهازية أو الجبن. فهم يخشون الوقوع في اضطرابات. فالإسلاموفوبيا تُعد لقبا نبيلا، بينما يؤدي الاتهام بمعاداة السامية إلى السقوط. وقد أظهر التصويت على قرار مايار على الخصوص بأن هناك الكثير من الفخاخ حول الموضوع”. وليس من المنتظر أن يتغير الأمر قريبا، تماماً كما لن يتغير موقف رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، والذي أصرّ مرّة أخرى منذ أيام، وبحضور الرئيس الإسرائيلي حاييم هرتصوغ، قائلا: “معاداة السامية ومعاداة الصهيونية هما عدوّا جمهوريتنا”.

1“في نفس الوقت” عبارة كان المرشح إيمانويل ماكرون يرددها خلال حملته الانتخابية سنة 2017 حتى اقترنت باسمه.

2رئيس الجمهورية الفرنسية من 1981 إلى 1995.