الجنود الفرنسيون في الساحل واللاوعي الاستعماري

في الشريط الساحلي الصحراوي، يروي الجنود الحرب بكلماتهم الخاصة، كلمات أولئك الذين تشبّعوا منذ الطفولة بـ“مآثر” الفتوحات الاستعمارية والمُقوْلبون في المدارس العسكرية، وهم من الواضح متحمسون لمهمتهم ومندفعون لما يعتبرونه مغامرة غير عادية، غير أن منظورها العسكري والأبوي يقول الكثير عن الجيش الفرنسي.

جنود فرنسيون في تمبكتو، في 27 أبريل/نيسان 2016.
موقع وزارة الدفاع الفرنسية.

على الرغم من ضحالتها في الوقت الحالي فإن عدد الشهادات المنشورة لجنود شاركوا في حرب فرنسا في الساحل تتزايد عاما بعد عام. آخر مولود ظهر هو كتاب موجه للأطفال، وهو من تصميم ضابطين فضَّلا عدم الكشف عن هويتهما (هما إذا الملازمان ياء (y) بالنسبة للنص وزين(z) بالنسبة للصور).

يحكي كتاب “مغامرات”بونهوم“[الرويجل] في إفريقيا” يوميات الجنود الفرنسيين في الصحراء المالية -صعوبة العثور على الماء، وجبات بلا طعم والمخيمات المؤقتة- دون الخوض في تفاصيل العمليات، ولا حتى في قلب الموضوع. فلا نعرف لماذا ومن يقاتلون. كل ما نعرفه هو أنها “رحلة غريبة” وأن أعداؤهم “أشرار”. ويصوَّر الجنود الفرنسيين في شكل حيوانات متنوعة موجودة هناك “لمساعدة قرى بعيدة للدفاع عن نفسها”. لا وجود لعبرة تستخلص من هذا الكتاب الموجه للأطفال الصغار وخاصة أبناء وبنات الجنود الذين يعانون من ذهابهم المنتظم في مهمة، باستثناء التعميمات المعتادة التي تكرس صورة قارة جامدة، والتي يكون واقعها نفسه في كل مكان (“تحت الشمس الإفريقية الحارقة”) وعلى الخصوص البراري حيث لا وجود للبشر.

هوية الناشر ليست ثانوية، فهي تحملنا إلى العالم الذي انحدر منه عدد كبير من الضباط وضباط الصف الفرنسيون. “بيار تيكي”، هي “دار نشر كاثوليكية تأسست سنة 1868” من طرف راهب مارياني، كما يشير موقعها الإلكتروني. كان الهدف آنذاك إنتاج وترقية “كتب لا تشوبها شائبة على المستوى العقائدي وسليمة أخلاقيا ومثيرة للاهتمام بالمعنى الحرفي للكلمة”. وهو عمل من أجل “الدفاع عن الأسرة وترقيتها” وهي تدعي مواصلته اليوم. يقول مسيرها فرانسوا لومير إن “الأمر يتجاوز الإعلام بل يتعلق بالتكوين”.

إعادة غزو شمال مالي

أما كتب الحرب الأخرى التي تنشر فهي أساسا الدراسات. وهي إذا أكثر إثارة للاهتمام للمطالعة والتشريح لمن يريد فهم تسيير الجيش والمحفزات الإيديولوجية التي تحركه ونظرته للقارة الإفريقية. تم نشر الكتابين الأولين في 2015، أي بعد حوالي عامين من بداية عملية سيرفال (يناير/كانون الثاني 2013). ويتعلق الأمر بشهادتين لضباط لعبوا دورا رئيسيا خلال “إعادة استرجاع الشمال”. “عملية سيرفال، ملاحظات حربية” (“Opération Serval, notes de guerre”) هي مذكرات اللواء بيرنارد باريرا الذي قاد العملية. ويذكر الكاتب اللواء هنري بانتيجيات في المقدمة بأنه “من انتصر في الميدان، شمال مالي، في إحدى أصعب المعارك التي خاضها الجيش الفرنسي منذ نهاية حرب الجزائر”.

كتاب “تحرير تمبكتو. يوميات الحرب بمالي”، نشر في نفس الوقت وهو عمل الملازم فريديريك غوت، الذي أُرسل إلى مالي مع بداية عملية “سيرفال” كقائد لفوج المروحيات القتالية الخامس المتمركز في مدينة بو بجنوب غرب فرنسا. “بين رجالي وقادتي، يوميات ملازم في مالي”، نشر سنة 2017، وهو يوميات ضابط صف شاب يدعى سيباستيان تانشيني قاتل في مالي سنة 2014، في مرحلة تحولت فيه عملية “سيرفال” إلى عملية “برخان” وامتدت إلى أربع بلدان أخرى في المنطقة هي موريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. هذا الكتاب “المدون على شكل يوميات سير، يوما بعد يوم، تحت حرارة الصحراء المالية” هو عبارة عن سلسلة من “الانطباعات الفورية” وأيضا عن أفكار وآراء يعترف كاتبها أنها قد تكون صادمة ولكنه يتبناها بشكل كامل.

من المؤكد أن هذه المنشورات جلبت حماس المتعصبين للعمليات العسكرية. وهي تسمح إلى حد ما بفهم الحقائق العسكرية لميدان معقد -سواء تعلق الأمر بالمستوى البشري أو بالمناخ والطوبوغرافيا- وبالتالي لعملية صعبة بشكل خاص، كما تسمح بإلقاء نظرة على الصعوبات التي قد يواجهها قائد عسكري في خضم المعركة. علاوة على كونها تمنح القارئ الناقد أيضا تفاصيل تقول الكثير عن طريقة تفكير الضباط ورؤيتهم لمسرح غريب عنهم من الواضح أنهم غير متمكنين تماما من حيثياته.

زمن المستعمرات المبارك؟

تتجلى حقيقة أولى عند قراءة الكتب الثلاثة: حتى وإن بدا بعيدا فإن “زمن المستعمرات المبارك” لا يزال راسخا بقوة في ذهنيات العسكريين. يذكر باريرا، الذي مر بمدرسة سان سير العسكرية (دفعة مونسابيرت 1982-1985) “مدرسة المثل والخدمة والتقاليد” بأن “الجنود متمسكون بتاريخ وحداتهم، مثل القدامى”، وبأنهم “يستمدون من هذه المراجع فخرهم وتميزهم”. لكن في الجيش البري تعود العديد من هذه المراجع إلى فترة الغزو الاستعماري. ويروي باريرا كيف عاد إليه “التاريخ العظيم” أثناء تقدم القوات الفرنسية نحو تمبكتو في يناير/كانون الثاني 2013، وهو ينظر إلى خريطة مالي:

من خلال قراءة الأسماء، أعثر مجددا على مسار الحملة الفرنسية لعام 1894، من باماكو إلى تمبكتو، في زمن السودان الفرنسي، إنه التاريخ العسكري في خدمة العمليات! ليري، نيافونكي، غوندام، المسيرة المرهقة لرتل العقيد بونير، وقد تبعه رتل المقدم جوفر، المنتصر المستقبلي في معركة المارن، وهم يتعرضون بانتظام لهجمات الطوارق المتمردين الذين جاؤوا لشن غارات على السكان السود المستقرين بنهر النيجر. وأنا أقرأ اسم نيافونكي على الخريطة، أرى مجددا جدي الضابط الاستعماري القديم وهو يقص علي في سهرات صيفية بفيلته الكبيرة بمرسيليا قصص العمليات البعيدة.

نيافونكي التي تم “تحريرها 119 سنة بعد غزوها من طرف جنود جوفر في 20 يناير/كانون الثاني 1894، مقابل 100 متمرد قتيل”.

ثم يضيف:

أنظر إلى خريطتي: نيافونكي، غوندام و35 كيلومترا أبعد، الهدف، هدف جوفر. [...] تحضرني ذكرى العقيد بونير وقيادة أركانه: 13 فرنسي، و63 مشاة قتلوا في 15 يناير/كانون الثاني 1894 بتاكوباو.

بعد تطهير تمبكتو من الجهاديين، ينطلق باريرا على خطى أحد أبطاله التاريخيين، روني كايي. فبينما كان الوضع يبدو تحت السيطرة، قام بعبور المدينة لزيارة منزل كايي “أول غربي دخل المدينة في 20 أبريل/ نيسان 1828” وكان قد قطع عهدا على نفسه وهو يقرأ كتاب “عبد الله”، لروجي فريزون-روش الذي يسرد مغامرات كايي.

شمالا، يجد المناظر الطبيعية التي كانت تسكن أحلام طفولته:

مرتفعات الهقار الجزائرية والمالية بأدرار إيفوغاس وجبال آير النيجيرية ملأت مخيلتي خلال شبابي، عندما كنت أطالع قصص المهاري.

إلى درجة أنه يكاد يندم لكونه ولد متأخرا جدا لكي يشهد الحملات الصحراوية الكبرى. ولكن أيها بالضبط؟ فبعضها تركت ذكريات سيئة لهذه الشعوب الإفريقية التي يقول بأنه فخور بتحريرها من نير الجهاديين. واحدة من أشهرها والأكثر دموية أيضا، هي ما يسمى بمهمة “فولات-شانوان”، باسم القبطانين المكلفين بغزو ما سيصبح تشاد، في 1899، والتي تسببت في مقتل مئات الرجال والنساء من بين السكان الذين رفضوا إطعام الرتل العسكري، مع تدمير عدة قرى.

“فكرة معينة عن الحضارة الأوروبية”

عندما وجد نفسه في حصن آروان، في قلب الصحراء، أثنى باريرا على “هؤلاء الرجال الذين كانوا يتمتعون بحياة داخلية قوية ورسالة عميقة كي يعيشوا لمدة أشهر وسنوات بين هذه الكثبان الرملية خارج الزمن”. ثم يختتم بهذه القصيدة التي تمجد الاستعمار:

كان عمل الدولة يندرج في الأمد الطويل، وكان المعلمون والمهندسون والتقنيون والإداريون يتبعون الأرتال العسكرية ويحملون فكرة معينة عن الحضارة الأوروبية [...] التاريخ ليس بعيدا أبدا في إفريقيا. وحتى إن تحصلت الشعوب على الحرية بصفة مشروعة فهي تحتفظ في الذاكرة بمعالم وذكريات سلطة، غالبا ما اختفت، وهي مرادفة للأمن.

ويروي فريديريك غوت (الذي تخرج من مدرسة سان سير مثل باريرا) قصة أقل انطباعية بكثير، مكتفيا معظم الوقت بسرد تفاصيل العمليات، ومع ذلك لا يمتلك نفسه هو أيضا من لحظة حنين إلى الماضي عندما يصل إلى غوسي حيث كتب: “أشعر وكأنني أعثر من جديد على مغامرات كنت أطالعها في زمن غابر”.

لكن الحنين الاستعماري حاضر بقوة أكبر في رواية سيباستيان تانشيني، الذي يكاد يقفز حرفيا من صفحة إلى أخرى، وهو شعور منتشر بقوة عند الجيش. هذا الضابط الشاب المتخرج من المدرسة العسكرية المتعددة الأسلحة دفعة بيجار (2010-2012)، على اسم أحد أهم قادة حروب الهند الصينية والجزائر والذي كان يعتبر أن التعذيب “شر لابد منه”. من البداية وبعد إشادته بأسطورة الامبراطور نابليون وقبل أن يكتب بأن الشعب الفرنسي هو في عينيه “الأكثر شجاعة والأكثر استثنائية من بقية الشعوب”، يحذر الكاتب: “إذا صدم القارئ من بعض الأفكار والآراء، فليعرف أن هذه الأفكار راودتني فعلا”.

ويا لها من أفكار! إفريقيا - “ذلك الحلم الاستعماري للجمهورية الفتية”، “ذلك المسرح الرائع” الذي يجذبه “أكثر بكثير من البلقان الباردة”، هذه الأرض “لكل الأخطار” ولكن أيضا لكل “التخيلات” و“الأمجاد الاستعمارية القديمة وماضي فرنسا المجيد”- حصلت حسب رأيه من الجمهورية على “فوائد الحضارة” وتم “تحريرها من نير تجار العبيد العرب”. آه! يا للسحر الإفريقي “بهذه العملة التي يعود تاريخها إلى العهد الاستعماري”، هذه المناظر الطبيعية الخلابة، هذه الشعوب الساذجة والسخية (“في هذه البلدان لا يتطلب الأمر كثيرا لجعل الناس سعداء”).

دو غسكلان الجدد

تانشيني هو أيضا مثل غوت ومثل باريرا، شعر خلال مهمته أنه عاد نحو الماضي، لأننا في إفريقيا نعيش “في زمن آخر”. يتساءل: “هل نحن في سنة 2014 أم في 1350؟”. هل نحن دو غسكلان الجدد الذين أتوا إلى مالي لطرد عصابات الطرق الذين يضطهدون شعب الريف وبالتالي استعادة السلام؟“. بالنسبة له، فالأمر بديهي: فرنسا،”فرنسا الجميلة!“لها دور تلعبه في إحلال السلام بمالي كما فعلت ذلك منذ قرن مضى.”نحن بلد قوي، مقتدر ومحترم: فلنفرض وصاية لفترة قصد حل المشاكل [...] ويمكننا أن نغادر من جديد مع الاحتفاظ هناك ب “عين أبوية”. كأننا عدنا إلى 1890. ولكن يجب ألا نخطئ، فتانشيني شاب ابن عصره حيث يوضح: “نحن لا نطارد هنا الإنكليزي السيء، بل مجانين الله”. في هذه المرة فرنسا، “الأمة العظيمة ذات القلب الكبير[...] تطير لنصرة شعب مضطهد من قبل الهمجية الإسلامية”. ها نحن مطمئنون إذا!

فضلا عن هذا الفيض من الحنين النتن، يُظهر الضباط الفرنسيون أحيانا جهلا بالبلدان التي يقاتلون فيها وبالشعوب التي يعتقدون أنهم يساعدونها بل ينقذونها والأعداء الذين يقولون إنهم يقاتلونهم. بالنسبة لهم الأمر واضح، فهناك من ناحية “الأشرار” ومن ناحية أخرى “الأخيار”. هذه الرؤية الثنائية التي دافع عنها على الخصوص المؤرخ اليميني المتطرف برنارد لوغان، المدافع بدون هوادة عن نظام التمييز العنصري بجنوب إفريقيا والذي يحظى بتقدير كبير لدى الضباط، لا تترك أي مجال لمقاربة أكثر اتزانا.

“الأشرار” أولا: أعداؤهم. هم “إرهابيون” ولكن أيضا متاجرون دنيئون، وأيضا “مهربو الصحراء” (وفق باريرا)، و“قطاع طرق” (وفق غوت). يردد العسكر إلى درجة الغثيان أسطورة الإرهابي المتاجر بالمخدرات، والذي يستخدم الإسلام لتنفيذ تجارته والذي لا يملك في الحقيقة ربا سوى المال، مع أن معظم المتخصصين في المنطقة قد أظهروا منذ زمن طويل محدودية هذا الخطاب. وقد لخص ذلك مؤخرا الباحث غيوم سوطو-مايور في حوار مع موقع "موند أفريك“قائلا:”لا يجب أبدا الخلط بين الفاعلين الإجراميين والفاعلين الجهاديين، فذلك خطأ فادح" ويضيف:

الفكرة القائلة بأن الجماعات المسلحة الجهادية هي مجموعات قُطاع طرق يلتحفون غطاء دينيا بينما هدفهم الأساسي هو المال هي فكرة عبثية وغير واقعية [...] هذا الوصف الناركو-جهادي هو عمًى متعمد، وهو يخدم في الغالب أهدافا سياسية. كون جزء ضئيل من الجهاديين يأتي من الإتجار، وبعض المتاجرين يقدمون لهم المال، أو كون الجماعات الجهادية المسلحة وبعض الجماعات المسلحة تتعاون في وئام بالمنطقة، لا يعني أن الجهاديين أصبحوا مهربين.

برابرة جدد دون مشاريع

كل شيء يصلح لنزع أي طموح سياسي من هذا “الشرير” وحرمانه من أي إمكانية للتفكير. فباريرا، وهو رجل معرفة واعتدال، لا ينجو من التبسيط المفرط عندما يؤكد:

يدعو الجهاد في منطقة الساحل إلى العودة إلى الأصول، ولكنه يستفيد من مركبات تويوتا وأجهزة الكمبيوتر وهواتف الأقمار الصناعية. وقصد توسيع سلطته وفرض عمليات تهريبه على مناطق كاملة فهو يدمر دون أن يبني. ويفرض العودة إلى العصور الوسطى على شعوب ضعيفة تخضع لدكتاتورية عدد قليل.

ويختم بمقارنة غريبة: “كانت للشيوعية، عدونا السابق، نظرة ومشاريع معينة للمجتمع. أما البرابرة الجدد فليس لهم أي مشروع”.

من جانبه شكل غوت لنفسه فكرة دقيقة عن ماهية الإسلام. فجهاديو الساحل بالنسبة له “لا يحترمون شيئا أو أحدا، لا سيما الإسلام”. كما أنهم يتعاطون المخدرات بالمناسبة. وبالنسبة لتانشيني فهم مجرد “جهلة”.

في مواجهة هؤلاء “الأشرار”، يكون هناك “أخيار”. وهم الجنود الفرنسيون طبعا! ولكن أيضا الماليون “المسالمون وهم يعيشون غالبا في سلام” كما يعتقد غوت. فالماليون، مثل كل الأفارقة، ساذجون، دافئون، لطيفون ومبتسمون. “وسهل التأثير عليهم”، كما يقول أيضا (انشيني، ولا علاقة لهم إذا بهؤلاء الجهاديين الغامضين. وهذا رغم العديد من الأبحاث التي أجريت في الميدان تظهر أن الجزء الكبير من القوات التي تشكل مختلف الكتائب النشطة في الساحل تم تجنيدها محليا. فإذا كانت القاعدة في بلدان المغرب الإسلامي قد ولدت في الجزائر وإذا كان قادتها أتوا في مرحلة أولى من شمال إفريقيا، فقد تم استبدالهم منذ فترة طويلة برجال ذوي أصول من مالي وبوركينا أو النيجر. فإياد آغ غالي، قائد مجموعة “دعم الإسلام والمسلمين” التي خلفت القاعدة في المنطقة هو من طوارق مالي. أما حمادون كوفا، قائد جبهة تحرير ماسينا، وهي واحدة من الجماعات الأكثر نشاطا في مالي، فهو فُلاَّني مالي. أما قائد “أنصار الإسلام” التي تنشط شمال بوركينا فهو فُلاَّني بوركيني. لكن هذه الحقائق لا مكان لها في رواية العسكريين الفرنسيين. وهذا لا يمنع تانشيني من التأكيد على “ضرورة أن يبقي العسكري فكره في حالة تأهب وأن تكون له نظرة أكثر شمولية من النظرة المبسطة التي تفرضها وسائل الإعلام والتربية الوطنية”.

نظرة كاريكاتورية عن إفريقيا

لا داعي للذهاب بعيدا للبحث عن المراجع الإيديولوجية لهذا الضابط الشاب الذي لديه “الانطباع بأننا آخر الحصون [...] آخر الناجين لفكرة معينة عن فرنسا”. لا شك أن هذا المُتَحَمِّس لآي ميريك شوبراد، وهو مستشار سابق لمارين لوبان (قائدة حزب اليمين المتطرف الفرنسي)، والذي يذكره كمرجع في مجال الجيوـسياسية، قد التهم أيضا كتب بيرنار لوغان. بالنسبة لهذا المؤرخ المنبوذ من طرف أغلب زملائه، كل شيء بسيط في إفريقيا، كل شيء يعود إلى العرق، وكل شيء متوقف في الزمن. تلك هي أيضا الرسالة التي يمررها كتابنا العسكريون، إذ يكتب باريرا: “لقد توقف الزمن في هذه المدينة” (تمبكتو). وبخصوص “الأزقة الرائعة” لتمبكتو، يرى غوت أن “لا شيء تغير منذ قرون”. طبعا، ومع كل ذلك، كما كتب باريرا “إنها إفريقيا، هنا لا شيء منطقي”.

تقول هذه النظرة الكاريكاتورية عن القارة الكثير عن الطريقة التي ترى بها المؤسسة العسكرية القارة الإفريقية، مسرح عملياتها الرئيسي. وهي لا تمنع أحيانا ظهور فترات من الاستبصار. فإن كان باريرا محقا في حديثه عن أحد انتصارات عملية “سيرفال” (انتصار “الجندي الفرنسي الأزلي، الشجاع والسخي” كما يصر على القول) فهو يعترف منذ عام 2015 بأن هذه الانتصارات التكتيكية “لن يكون لها معنى إلا إذا تبعها وضع دبلوماسي جديد”، كما يذكر ببداهة: “لقد تكلم السلاح، لكن الجواب لا يمكن أن يكون سوى سياسيا”.