تقرير

الإمارات العربية المتحدة حليف يجب أن يُشعر فرنسا بالحرج

لم يثر توقيع فرنسا على العديد من عقود بيع الأسلحة للإمارات العربية المتحدة الكثير من ردود الفعل. لكن تقريرا صادرا عن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومرصد التسلح يقدم قائمة طويلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يقترفها هذا “الحليف”. ويشير محررو هذا التقرير إلى احتمال تواطؤ السلطات الفرنسية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد محمد بن زايد خلال زيارة الأول لإكسبو دبي في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021.
Thomas Samson/AFP

قام إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، أيام 3 و4 ديسمبر/كانون الأول 2021، بجولة في الخليج العربي. توقف أولاً في الإمارات العربية المتحدة ثم في قطر وأخيرًا في جدة، بالمملكة العربية السعودية، حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان، المنبوذ من طرف المجتمع الدولي منذ سنة 2018 بعد الاغتيال الشنيع للصحفي جمال خاشقجي. وهكذا أعاد له رئيس الجمهورية الفرنسية - وهو أول رئيس غربي يلتقي ببن سلمان - قليلا من الشرعية.

رسميا يتمثل الغرض من هذه الجولة في تعزيز مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلاموي، والعمل على تحقيق استقرار الشرق الأوسط، وتعزيز شراكات فرنسا الاقتصادية مع الدول الخليجية الثلاثة. وقد تم تحقيق هذا الهدف الأخير بالكامل، حيث أعلن الرئيس عن بيع 12 طائرة مروحية عسكرية من طراز كاراكال (إيرباص هليكوبتر) للإمارات، وثمانين نسخة من طائرات “رافال” المقاتلة والتابعة لمجموعة داسو، علما وأن هذه الشركة مُمولة بشكل واسع من طرف دافعي الضرائب الفرنسيين.

“شراكة استراتيجية”

لم يُخف رئيس الدولة فخره عندما قدّم شراء هذه الأجهزة من طرف الإمارات على أنه “أكبر عقد في تاريخ صناعة الدفاع الفرنسية”، وهذه الاتفاقية كثمرة “لعلاقة طويلة” بين باريس وأبو ظبي. كما أشادت وزيرته للدفاع، فلورنس بارلي، على تويتر بـ“توقيع عقد تاريخي” يتوّج “شراكة استراتيجية أكثر متانة من أي وقت مضى”، كما عبّرت عن فخرها لـ“رؤية التميز الصناعي الفرنسي في القمة”. لكن وراء هذا التباهي والبيانات الانتصارية نجد حقيقة دنيئة متمثلة في التواطؤ مع نظام فظيع.

فقد نشرت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في 14 ديسمبر/كانون الأول تقريرًا مهما ودقيقا، هو “نتاج بحث تم إجراؤه” على مدار سنتين –أي بين أبريل/نيسان 2019 و2021- بالتعاون مع مرصد التسلح، ويتجلى منه بالفعل أن هذا التحالف القوي والمستدام قد يجعل من فرنسا والإمارات العربية المتحدة “شريكين” في “جرائم” شنيعة.

فهذه الدولة التي تتباهى الحكومة الفرنسية بعلاقاتها التجارية والأمنية الممتازة معها “هي في الواقع ديكتاتورية قمعية بشكل خاص، حيث يتعرض كل صوت معارض للسجن والتعذيب”، وفق الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. ويبرز تقريرها “المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة للسلطات الإماراتية في بعض أخطر الانتهاكات التي ارتكبت” في اليمن، حيث لها دور فعال في حرب وحشية جدا - انخرطت فيها الإمارات في عام 2015 على خطى المملكة العربية السعودية - حصدت أكثر من350 ألف ضحية، معظمهم من المدنيين.

الممارسة الاعتيادية للتعذيب

يلاحظ مؤلفو هذا التقرير أولاً أن النظام الإماراتي يعمل على المستوى الداخلي وخاصة تحت غطاء “ترتيبات قانونية توظف قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، على قمع المعارضة” والقيام بـ“انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”. مع التذكير أن الإمارات انضمت في عام 2012 إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي تلزمها بـ “اتخاذ تدابير فعالة لمنع حدوث هذه الممارسة والمعاقبة عليها” و“تقديم تعويضات للضحايا” و“احترام مبدأ الحظر المطلق للتعذيب في نهاية المطاف”.

غير أن الإمارات العربية المتحدة لم تنخرط في البروتوكول -الاختياري- الذي يسمح للأمم المتحدة بالتحقق، في حالة وجود شكاوى، بأنها تحترم هذه الالتزامات. ويعود ذلك لسبب وجيه، فوفقًا للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، “تواصل السلطات الإماراتية ممارسة التعذيب” ضد “أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا”، أي المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين والشخصيات الدينية والصحفيين. وتؤكد في توضيح قاتم بأنه “من بين الأساليب المستعملة” هناك على وجه الخصوص

الحرمان من النوم، ورفض العلاج الطبي، والتهديدات اللفظية، والاعتداءات الجنسية، واقتلاع الأظافر، والتعذيب حتى الموت، والضربات العنيفة بالأيدي أو بالعصي لا سيما على الوجه والرأس والعينين، والصدمات الكهربائية، والتعليق من اليدين، واقتلاع الشعر من الرأس والوجه والجسم “.. من ناحية أخرى،”تقوم السلطات الإماراتية بانتظام بإخفاء النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان ومنتقدي الحكومة.

وهكذا تم اعتقال الصحفي والشاعر الأردني تيسير النجار في ديسمبر/كانون الأول 2015 “دون توجيه تهم إليه، وتم اقتياده إلى مكان مجهول حيث لم يتمكن من استشارة محام أو الاتصال بأسرته”. بقي تيسير رهن الاعتقال لأكثر من عام قبل أن تُوجَّه له أخيرًا تهمة ارتكاب جرائم إلكترونية. وقد كان الأمر يتعلق في الواقع بـ“منشورات على فيسبوك انتقد فيها سجل الإمارات في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن دورها في دعم حرب إسرائيل على غزة”. وقد حُكم على تيسير النجار بالسجن ثلاث سنوات عام 2017، ثم “توفي بعد أن أمضى مدة عقوبته من مضاعفات مرض أصيب به خلال اعتقاله”.

تلاحظ الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن المدافعات عن حقوق الإنسان يواجهن

بسبب النظام الأبوي القائم عقبات إضافية عندما يقمن بحملات للدفاع عن حقوقهن. إذ كثيرًا ما يتم استهدافهن والتشهير بهن من قبل جهات فاعلة حكومية وغير حكومية (بما في ذلك الأسرة والمجموعات والمجتمع بشكل عام). كما تتعرض النساء أيضًا خلال سجنهن إلى التعذيب والعنف، ويتم إبعادهن إلى حد كبير عن المجال العام.

كما يشير التقرير إلى أن العمال المهاجرين المقيمين في الإمارات يعيشون “في ظروف مروعة”، وهم عبارة عن مواطنين من الدرجة الثانية. فهم يواجهون “أنواعا مختلفة من الاستغلال وسوء المعاملة (خاصة ساعات العمل الإضافية، وظروف السكن غير الملائمة، والإساءات الجسدية)”، وليس باستطاعتهم “الوصول إلى موظفين قضائيين مستقلين ونزهاء”. كما أنه غالبا ما يواجهون بصدور “قرارات لصالح أرباب العمل الإماراتيين” عندما يحتجون على الشروط المفروضة عليهم.

في حرب في اليمن

من جهة أخرى، دخلت الإمارات العربية المتحدة الحرب في اليمن إلى جانب المملكة العربية السعودية في مارس/آذار 2015، وكان الهدف الرسمي من هذا التدخل الدفاع عن وحدة أراضي هذا البلد ضد زحف جماعة أنصار الله المسلحة، التي كانت قد استولت قبل بضعة أشهر على عاصمته صنعاء. لكن تقرير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان يشرح كيف يسعى هذان البلدان إلى تحقيق أهداف أقل سخاء في الحقيقة. إذ كانت الرياض تريد “تأكيد مكانتها كقوة إقليمية ضد إيران”، بينما كان للإمارات العربية المتحدة “هدف إقليمي يتمثل في السيطرة على الجزء الجنوبي والساحل الغربي لليمن”، قصد “توسيع النفوذ الإماراتي على البحر الأحمر والقرن الأفريقي”.

وفعلا، في فبراير/شباط 2020، “بعد خمس سنوات من المشاركة في الحرب الأهلية في اليمن ضمن التحالف السعودي-الإماراتي، احتفل قادة الإمارات باستكمال انسحابهم التدريجي من البلاد”. لكن هذا الانسحاب لا “يعلّق” بأي حال من الأحوال دورهم في التحالف، ولا يقلّل من النفوذ الإماراتي على الأرض. إنه بالأحرى انتقال من مشاركة مباشرة إلى مشاركة غير مباشرة، من خلال العديد من “القوات بالوكالة” والمرتزقة، منهم سودانيون تم تدريبهم ونشرهم في اليمن “بمساعدة الإمارات” التي تواصل تمويل هذه المنظمات.

قام محررو تقرير الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بفحص مفصَّل لثماني حالات من “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان” ارتكبت بين عامي 2016 و2019، والتي “تم تحديد مرتكبيها على أنهم إما ضباط إماراتيون بصفة مباشرة” أو أعضاء في قوات الانتداب الإماراتية. في جميع هذه الحالات، هناك “اعتقالات تعسفية” استهدفت “أشخاصا يُعتبرون معارضين سياسيين” أو متهمين بالانتماء إلى منظمات إرهابية دون إثبات هذا الادعاء. هذه الاعتقالات “نُفذت في أغلب الأحيان من قبل قوات الانتداب، خلال مداهمات ليلية مرعبة” في منازل أو أماكن عمل الضحايا.

في ست حالات من أصل ثمانية، تعرض هؤلاء الضحايا للتعذيب على أيدي ضباط إماراتيين. هنا مثال تقشعر له الأبدان:

تم اعتقال محمد عند حاجز دوفاس الأمني في أبين، حيث باشر قائد الحاجز ضربه. اقتيد بعد ذلك على متن سيارة بيك آب بنية اللون بدون لوحة ترقيم كانت تحمل عشرة رجال مسلحين (...) إلى مكان مجهول. تعرّض محمد إلى اختفاء قسري لعدة أيام، قبل العثور على جثته التي تُركت قرب المستشفى. وقد تلقت منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان’’ صورة لجثة الضحية ملطخة بالدماء، بعينين مفقوءتين وأسنان مهشمة، بالإضافة إلى ست طلقات نارية في جميع أنحاء الجسم، إحداها في الأعضاء التناسلية. كانت آثار التعذيب بالكهرباء واضحة، وكانت الأرجل لا تزال مقيدة بسلاسل حديدية. تسلم والد الضحية الجثة وقام بالدفن بعد أن رفض المستشفى تحرير تقرير طبي، بحجة العثور على الضحية في باحة المستشفى دون أن يدخل إلى مصلحة الطوارئ.

انتهاكات صريحة للقانون الدولي

هذه الانتهاكات موثقة بصفة واسعة لكن فرنسا تواصل الاتجار مع منفذيها. وهي بالأحرى مشارِكة بعمق في “صناعة الدفاع الإماراتية”، خاصة “من خلال التصدير المباشر للأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة” و“من خلال نقل المعرفة والمهارات، والتطوير المشترك للأسلحة مع الإمارات” في إطار مشروع يشارك فيه أيضًا ممونون ألمان وبريطانيون.

بالنسبة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، فإن مسؤولية فرنسا ساحقة لأنها التزمت للمرة الأولى في عام 2008، في إطار موقف مشترك للاتحاد الأوروبي، “بعدم بيع أو نقل أسلحة إذا كان هناك ’خطر واضح’ من استخدام هذه المعدات لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي”.

وعلاوة على ذلك، فقد تعهدت فرنسا سنة 2013، في إطار معاهدة تجارة الأسلحة للأمم المتحدة، “بحظر أي بيع أو تصدير للأسلحة” التي تعرف أنها قد تُستعمل “لارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان”. برغم ذلك، تواصل فرنسا بيع الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة وتأمين صيانة المعدات التي سبق أن بيعت لها.

تشير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومرصد التسلح إلى أن استمرار هذه التجارة لا يمكن إلا “أن يثير تساؤلات حول التواطؤ المحتمل للشركات الفرنسية التي توفر هذه المعدات والسلطات الفرنسية التي أعطت موافقتها على تصديرها”. لذلك فهما يناشدان فرنسا بأن “تجعل الشرعية الدولية في صميم علاقاتها مع”حلفائها الاستراتيجيين“، ويطالبان الشركات الفرنسية المصدرة للأسلحة إلى الإمارات بإنهاء هذه المبيعات”وفقًا لمسؤوليتها الدولية باحترام حقوق الإنسان في جميع الدول التي تمارس فيها أنشطتها". وهذا أيضًا سيكون تاريخيًا.