المعركةُ الخاسِرة لعامِلات مَصنع ماموتكس التونسيّات

يأسٌ مجتَمعي يُخلُّ بالاستِقرار · في مدينة الشابة في ولاية المهديّة، تدير عاملاتُ ماموتكس Mamotex مصنعَهنَّ على نحو رسميٍّ منذ شهر شباط/ فبراير الماضي، بفضلِ اتِّفاقٍ وقِّع بين الدولة والاتّحاد العام التونسي للشغلِ وصاحب المصنع. وهو تدبيرٌ غير مسبوق تمَّ التوصُّل إليه بعد كفاحٍ مضنٍ يجيز لموظَّفات هذا المصنع الإدارةَ الذاتيَّة للمؤسَّسة - بصورة مؤقتة – حتى تسديدِ الدينِ الاجتِماعي بالكامل. إلَّا أنَّ شركةً تملكُها العائلة نفسها قامت بمناوَرات من شأنِها إعاقةُ التجربة.

مقابل بلدية الشابّة، وهي بلدة صغيرة ساحليَّة قريبة من منتجَعات سوس والمهديَّة السياحيَّة في تونس، تشقُّ الدراجاتُ الناريَّة طريقَها بين أكشاكِ البرتقال والجَزر في السوق المركزي. من هنا، على المرء أن يتَّجهَ صعوداً عبرَ شوارعَ يكسوها الغبارِ بين حقولِ الزيتون ومنشآتٍ عتيقةٍ حتى يصلَ إلى بوابة مصنع ماموتكس الموصَدة.

في كانون الأول/ يناير، قام السيد محمد ادريس، بإغلاق مصنَعِ النسيج الذي يملكه، والذي يُنتج ألبسةً تنكُّريّة للكرنفالات ويوظِّف سبعَ وستين امرأةً وثلاثةَ رجال من أهل المدينة، لأنَّه لم يتمكَّن من دفع أجور موظَّفاته وموظفيه. لكنَّ العاملات اخترن سبيلاً آخرَ لتجاوُزِ العقبة، إذ استلَمن إدارةَ المصنع بفضل ِاتِّفاق بين الدولةِ والاتِّحاد العامّ التونسي للشغل وصاحب المصنع. هي المرَّةُ الأولى التي يتمُّ فيها التوقيع على اتِّفاق كهذا في تونس. وتشكِّل هذه التجربة سابقةً مهمَّة بالنسبة للعمال التونسيين. إلّا أنَّ سودريكو، وهي الشركة المتَواجِدة في المهديَّة والتي تزوِّد ماموتكس بالأقمشة، مارست ضغوطاً كبيرةً على العاملات لمنع تسلُّمهنَّ للإدارة الذاتيَّة والتسليمِ بإفلاس ماموتكس. ومع ذلك، شكَّلت التجربةُ سابقةً في تاريخِ الصراعاتِ العمَّالية في تونس.

إيمان فرطول

الانتِظام للكفِّ عن الخُضوع

نحن في 20 آذار/ مارس 2016. مدخل المصنع مهجور. يبدو كلٌّ شيء متوقفاً وصامتاً وجامداً بمحاذاة بضع شجرات صبار وزيتون، قبل أن يُسمع هدير دراجة سامية شوشان النارية من زاوية الشارع، تركب خلفها إيمان فرطول صاحبة الضفيرةِ السوداء الطويلة والبالغةِ من العمر 25 عاماً، والتي تتجوَّل مَعنا في محيط المصنع. تحاوِل سامية بواسطة هاتفين جوّالين بحوزتِها اقناعَ العامِلات الأخرَيات بالقدوم إلى المصنع. تشرحُ إيمان :“كلُّ العامِلات مُتعبات الآن، نعيش دون رواتب منذ كانون الأول/ يناير، وهذا قاسٍ على عائلاتنا”.

وتروي إيمان :“بدأ كلُّ شيءٍ بعد حادِثة حصلت إبّانَ عيد الأضحى سنة 2013. بينما كنّا ننتظِر رواتبِنا لشراء خروف العيد، قال لنا المالك ، السيد دريس، أنّه لن يتمكَّن من دفع أجورنا”. عندئذٍ، اتَّجهت العاملات المُتعبات من سنوات من سوءِ المعاملة في المصنع إلى الاتِّحاد العامّ التونسي للشغل، لتأسيسِ نقابتِهن الداخلِيَّة الخاصَّة.

إيمان فرطول، سامية شوشان وهالة خليفة في المصنع

هنا، تتدخَّل سامية في الحديث، بصفتِها المُمَثِّلة المنتَخبة لنقابة ماموتكس الداخليّة : “ابتداءً من 2013، أخذت الفتياتُ تفكِّرن بالانتظام. بالطبع، لم يرَ صاحبُ المصنع ذلك بعين الرضى. ولكن بعدَ حادثةِ العيد، لم يعد لدينا أدنى شك بضرورة أن يكون لدينا تنظيمٌ داخلي”. وتتابع متذكِّرة : “حين بدأنا لم نكن سوى 15، هدَّد صاحب المصنع بطردنا لمنعِنا من المشاركة، لكنَّنا استمرَّينا بالرغم من ذلك، وبسرعةٍ انضمّت إلينا عاملاتٌ أخريات”. بدأن بالمطالبةِ بحقوقهنَّ بواسطةِ النقابة :“لم يكن يدفعُ لنا في السابق العُطلَ المدفوعة ومُكافئاتِ المردود والساعات الزائدة . منذُ أن بدأنا بالحصولِ على هذه الحقوق، انضمَّت إلينا كلُّ الفتيات”. في الوقتِ الحالي، كلُّ عاملات ماموتكس نقابيّات.

إدارةٌ مُخفِقة

تتوافَدُ عاملاتٌ أخريات بعدَ سامية. وكذلك يصلُ الحارس الذي يفتح بوابة المصنع. تُضاءُ لمبات النيون بصورةٍ متقطِّعة في فضاءٍ واسعٍ ومهجور. آلاتُ الحياكة العتيقةِ غارقة في صمت غريب. نجد ممثِّل الفرعِ المحلّي للاتِّحاد العام التونسي للشغل ، السيد بحري هديلي برفقةِ الخيّاطات. يشيرُ إلى طاوِلات العمل قائلاً: “لم يتمّ تجديدُ هذه الآلات يوماً، لم يكن صاحب المصنع يستثمِر في المنشأة، هذا أحدُ أسباب إخفاقِها”. في هذه الأثناء، تحثُّ إيمان خطاها وهي تمشي على قطعِ الورق اللامِع وخيطانِ الصوف المنتشِرة على الأرض. تقودُنا عبر حامِلات المعاطف وآلاتِ الحياكة وأرْدِيَة بابا نويل وقمصان دارتانيان وفساتين الدمى المتحرِّكة. على الطاولات، بوسعِ المرء رؤيةُ سجِلّاتٍ تحدِّد نسبةَ إنتاج كلِّ عاملة. يقول بحري هديلي وهوَ يتابعُ بنظرِه موكِب الألبِسة التنكُّريَّة التي تعرضها إيمان: “حاوَل صاحبُ المصنع أن يتذرَّعَ بأنَّ المصنع أفلَس بسببِ الفتياتِ اللواتي انضمَمنَ إلى النقابةِ وأضرَبن عن العمل، ممّا أبطأ برأيه إيقاعَ الانتاج. هذا خطأ، ففي مُعظمِ المصانع، العمّالُ نقابِيّون ولا توجد مشاكلُ كهذه. الواقع أنَّه منذ زمنٍ لم يعد يستثمر في الآلاتِ التي غالباً ما تتعطَّل، كما أنَّه أساء”التصرُّف بالمال.

ثيابُ الميلادِ الميلاد التنكُّريّة

يعمَلُ ماموتكس بتعاقد فرعي لسودريكو، وهو مصنَعٌ آخر، تملكُه عائلة ادريس ويزوِّده بالقماش ويصدِّرُ منتوجاتِه إلى أوروبا. يشرحُ النقابي : “في الوقت نفسه، يعمل ماموتكس بتعاقدات فرعِيَّة مع مؤسَّسات أخرى ايضاً. يشتكى الزبائن والمموِّنون أنفسهم من قلَّة مصداقيّة صاحب المصنع. كان مديوناً للزبائن الذين سحبوا الأرصدة والأنسجة كي يجدَ المصنعُ نفسّه في النهاية بلا عملٍ ولا مدخول”. وقام سامي ادريس مديرُ مصنع سودريكو وقريب محمد ادريس، وبعدَ توقيع العقد من قِبَل كلِّ الأطراف، برفضِ إعادة تزويد المصنع بالقماش لمدّة شهرين، واضعاً ماموتكس في مأزق.

أثرُ المنافَسة الآسيويَّة على قطاعِ النسيج

ما زال قطاعُ النسيج حتى الساعة القطاعَ الصناعي الذي يؤمِّنُ العددَ الأكبر من الوظائف. بحسب تقرير وكالة النهوضِ بالصناعة والتجديد عن سنة 2014، يضمُّ القطاعُ المعنيّ 179000 موظفاً، أي ما يمثِّلُ 34 % من الصناعات التونسيَّة المنتَجة. غالبيَّةُ العمّال من النساء اللواتي يصعَبُ عليهنَّ الوصولُ إلى القِطاعات الوظيفيَّة الأخرى.

إلّا أنَّه، في 2005، ومع إلغاء اتفاقيَّة المنسوجات والملابسِ الجاهزة الذي كانت تَحكُم تجارةَ النسيج الدوليَّةِ منذُ ثلاثةِ عقود، عن طريقِ نظام استيرادٍ يَعتمِد على حُصصِ استيرادٍ محدَّدةٍ مسبقاً (كوتا)، عرفَ سوق النسيجِ التونسيِّ تراجُعاً كبيراً، فقبلَ هذا التاريخ، كان لدينا 2500 مؤسَّسة توظِّفُ أكثرَ من 250000 عاملاً. كانت الصادراتُ التونسيّة تستفيدُ من حمايةِ أوروبا لسوقِها الداخلي من المنتوجات الآسيويّة بواسطةِ نظام الكوتا هذا، ما كان يشجِّع بلدان أخرى، كتونس ذاتِ قدرةٍ تنافسيَّةٍ أخفَّ من قدرةِ الصين والهند. ما إن أُلغِي نظامُ الكوتا، فُتح باب السوق الأوروبّي على مصراعيهِ أمامَ الاستيرادات الآسيويّة. وإن اعتبرنا أنَّ 86,5 % من المؤسسات التونسية في القطاع المعني تصدر لأوروبا، فمن الطبيعيِّ أن تؤدّي المُنافَسةُ الآسيويّة إلى انخِفاضٍ هائل في أرقامِ أعمالِهم. أغلَقت مئاتُ المؤسّسات أبوابّها وفقدُ آلاف العمّال وظائفَهم.

ماكينات الخِياطة العَتيقة

عدّد المنتدى التونسي للحقوق الاقتِصاديّة والاجتماعية (FTDS) ، في تقرير نُشر سنة 2013، النتائجَ الرئيسيّة لتعليقِ نظام الكوتا على قطاعِ النسيج التونسي من جهةِ الأضرارِ على الحقوقِ الاقتصاديّة والاجتماعيّة في إقليم منستير. يظهرُ في التقريرِ أنَّ شروطَ عقودِ النساء قليلةُ الضمانات وأجورَهن منخفِضةٌ ونسبةَ النقابيّات قليلة. وتبعاً للمُنتدى نفسه، مع صعوبة المنافسة مع السوق الأسيوي، “تخصّصت الشركاتُ التونسية بالتعاقدات الفرعية (sous-traitance) من الدرجة الثانية والتي تتميَّز بنسبةٍ قليلة من التحويل الصناعي وبيدٍ عاملة قليلةِ الكفاءة”. وتحقِّق شركات التعاقدِ الفرعيِّ التونسيّة هذه أرباحاً قليلةً ومعدَّلُ ديمومتِها خمس سنوات. من 2007 إلى 2012، أغلَقت 87 شركةٍ أبوابَها، وتمَّ تسريحُ 4500 عامِلة من عملِهن.

هذا وتشكِّل النساء 87% من نسبةِ اليد العاملة، كما أن أعماَر 80% من العاملات تتراوحُ بين 15% و35 %. تعاني مُعظمُهن من الفقر، ويقعُ العبءُ العائليُّ الكامل على كاهلِ 42% منهن. وعليه، فراتبٌ شهري قدرُه 300 ديناراً تونسياً يعني دخلاً فردياً قدرُه ديناران، أي يورو واحدٌ يومياً.

لا يتجاوَزُ عددُ العاملات النقابيّات 10% من مجموعُ العيِّنات التي شملَها التحقيقُ (4000 من مجموع 56000). وتبعاً للتقرير، “يجبُ البحثُ عن السبب في خوفِ العاملات من أن يطردَهنَّ صاحبُ العمل، إذا ما انتسبن إلى النقابة، لا سيَّما وأنَّ معظمَ العقود محدودةُ المدّة”.

بالإضافة إلى الزعزعةِ المهنيَّة تلك، هناك النظرة الأخلاقيّةِ التقليدية التي تعتبرُ العملَ النسائيَّ مُعيباً، ممّا يُصعِّب على النساء استِحصالَ حقوقِهن.

تتذكَّرُ سامية مبروك، التي تصلُ إلى ماموتكس حاملةً ابنَها بين ذراعيها، قائلة: “قبل 2013، كانَ العملُ صعباً جدّاً. كان هناك سجلّاتٌ بالمردود، مع نسبِ إنتاجٍ يوميَّةٍ على كلِّ فتاة أن تبلغَها. عند أقلِّ خطأ، كان القصاصُ ينصُّ على الوقوفِ لساعاتٍ على الحائط بانتِظارِ صاحبِ العمل. أو كان يُقفِلُ المصنعَ بالمفتاحِ لمنعِنا من الخروجِ . في العديدِ من المرات، اضطُرِرنا إلى القفز عن الجدار”. تروي القصصَ مُبتسِمة في حين تضحكُ الأخرياتُ بمرارة. تتكلَّم إيمان فرطول عن ظروفِ العملِ قبلَ الانضِمام إلى النقابة وبعدِها : “حين بدأتُ منذ ثماني سنواتٍ كان معاشي 80 ديناراً (40 يورو) مقابلَ 9 ساعات في اليوم و6 أيام في الأسبوع ؛ ثم بدأ يتحسَّن شيئاً فشيئاً فبلغ 150 ديناراً ثمَّ 200 ديناراً (86 يورو)، حتى وصل إلى 450 ـ 500 دينار (172-214 يورو)1،ما إن انضمَمتُ إلى النقابة وصارت مكافآت المردودِ والساعاتُ الزائدةُ مدفوعة.

سامية مبروك وابنها

اتِّفاقٌ غيرٌ مسبوق

في 11 يناير 2016، لم تكن الرواتب قد دُفعت. تعلِّق سامية شوشان: “كنّا نعرفُ بأنَّ وضعَ المصنع سيئ. مكثنا شهراً بكاملِه على مدخلِ المصنع للمطالبةِ بأجورِنا، وفي الوقتِ نفسه ضغطنا على صاحبِ العمل بواسطة الاتحاد العام التونسي للشغل المحلِّي والإقليمي وإدارةِ تفتيش العمل”.

يَشرَح بحري هديلي، من الاتَّحاد العام التونسي للشغل: “تكلَّمت العامِلات مع هيئةِ التفتيشِ وهيئة الولاية والوالي نفسِه بهدفِ إيجاد حلٍّ مع صاحب العمل. وقُمنَ بمظاهراتٍ في المدينةِ وأمام منزلِ صاحب العمل حتى نجَحن في النهاية في الوصول إلى حلّ. ما إن أكَّد صاحبُ العمل أنَّه لا نيَّةَ لديهِ بإغلاق المصنع، حتى عرضن القيامَ بإدارتِه بأنفسِهن وبمساعدة النقابة حتى تستَوفين ما يدينُ بهِ لهنّ”.

تحفّظَ صاحبُ المصنع في البداية على ذلك، لكنَّ ضغوطَ العاملات والسلطات المحلِّيَّة أرغَمنَه على القبولِ وتوقيع الاتفاق. يوجِز بحري: “لم يكن الزبائنُ والمُمَوِّلون اللذين طلَبوا ضماناتٍ على المُهَل، يرغَبون بمشاكلَ لا مع العامِلين ولا مع صاحبِ المصنع. ولذا، ما إن وقّعَ الطرفان على الاتِّفاق، حتى أعلَنوا استعدادَهم لاستئناف الطلبات”. وهو يشدِّدُ بفخرٍ على أنَّها المرّة الأولى التي يتمُّ فيها التوصُّل إلى اتِّفاقٍ من هذا النوع في تونس، “ولذلك فهي مغامرةٌ فعليّة. الفتياتُ واثِقات من أنفسِهنّ وهنَّ يُعطين المثالَ على أنَّه بوسع هذا المجتَمع أن يعتمِد على نفسه” . إلّا أنه، بعد ذلك بشهرين ونصف، دفع توقُّف سودريكو عن تزويد مصنع ماموتكس بالقماش، العاملات باللجوء إلى القضاء مرة أخرى. وتعمل المحكمة على إجراء إعلان إفلاس المصنع والذي لم يتمُّ تنفيذه بعد.

بحري هديلي في الفرع المحلّي للاتِّحاد العامّ التونسي للشغل في مدينة الشابّة

بحسبِ بنودِ الاتِّفاق، يتمُّ تفويضُ الإدارة إلى السكرتيرة الذي تديرُ المصنع بمساعدة النقابة. وتتولَّى العامِلات إدارةَ العلاقات مع مموِّني النسيجِ والزبائن. على هذا النحو، تحصِّلن رواتبهنَّ وما يدينُ به صاحبُ العمل لهن من أرباحِ المؤسَّسة. ويشرحُ بحري بأنه عندما “يتمُّ تسديدُ الديون حيالَ العمَّال وخزائنِ الخدماتِ الاجتماعيّة، بوسعِ صاحبِ المعملِ أن يَستعيدَ منصبَه”. تسرد سامية شوشان لائحةَ الديون: “إنهم يدينون لنا بنصفِ مكافآت المردودِ والعُطَل المدفوعةِ لسنةِ 2015، ورواتب كانون الثاني وشباط وآذار/ يناير وفبراير ومارس والمساهمات الاجتماعية”.

“الحفاظُ على وظائفنا”

كان الإجراءُ القضائيُّ الطبيعي يقضي بانتِظارِ وضعِ اليد القضائي، على أملِ أن يتمَّ استرجاعُ الأجورِ غير المدفوعة: “لقد رفعنا دعوى. أمرَ القاضي بتطبيقِ القانون و دفعِ الأجور. لكنَّنا لو أكمَلْنا على هذا النحو، لكانَ على المصنعِ أن يُعلنَ إفلاسَه، ليتمَّ بيعُه بالمزادِ بأمرٍ المحكمة. لكنَّنا نريدُ أن نعمل، ولذلك توصَّلنا إلى هذا الحلّ.”

ولكن الأمرَ ليس سهلاً بالنسبة للعاملات. لا يسعُ هالة خليفة إلا الإقرارَ بأنَّها تحسُّ بالخيبةِ والغضبِ والاحتِقان مع ثلاثة أولادٍ وزوجٍ عاطلٍ عن العمل وإيجار سكنٍ يجبُ دفعُه: “علي أن أعيشَ مع أهلِ زوجي، وهذا صعبٌ جداً. معركتُنا قاسِية جدّاً، لكنّنا نستمرُّ بالقتال معاً للحفاظ على وظائفنا”. نائشة بن ناصر تتَضامنُ معها و تقرُّ أيضاً بصعوبة المعركة: “زوجي صيّادُ سمك وهو الآن عاطلٌ عن العمل، ما زال لدينا ديونٌ تعودُ إلى تاريخِ زواجنا”. من حظِّها أن عائلتّها تستطيعُ مساعدتَها. و لكنَّها تؤكِّدُ بإصرارٍ أنَّ ذلك ليسّ ذلك حلّاً دائماً. “أريدُ أن أعملَ وأن أتمكَّن بنفسي من تأمينِ حاجات عائلتي.”

هالة خليفة وسامِية مبروك أمامَ مصنَعِ ماموتكس

تعي العاملات أن أية عودة أمام القاضي تعني إفلاس الشركة ونهاية صراعهن. في الأسابيع الأخيرة ، أدى اليأس بعدة عاملات إلى البحث عن عمل في مصانع النسيج في مدينة الشابة، رغم خطر التعرَّض لظروف عمل سيئة. ويخلصُ المسؤول النقابي: “مع ضغوطاتِ شركةِ سودريكو، عرف سامي ادريس كيف يلوي ذراعَ العاملات”. ومع ذلك ،نبقى أمامَ تجربةٍ يتوجَّبُ على آلافِ العمَّال التونسيّين أن يستخلِصوا منها دروساً.

# عن الفرنسية، ترجمة زكي بيضون

# الصور لجوليا برتولوتزي وكونستانزا سبوتشي© . أخذت في آذار/مارس 2016.

1الحدُّ الأدنى للأجورِ المهنيّة المعتمَد منذ 2015 هو 338 دينار تونسي شهرياً مقابل 48 ساعةَ عملٍ في الأسبوع و289 دينار و639 ملّيم شهرياً مقابل 40 ساعةَ عملٍ في الأسبوع.